السياسة الداخلية لدونالد ترامب
2017-1-22

سعيد عكاشة
* خبير مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

توقع الكثير من المحللين في أمريكا وخارجها ان دونالد ترامب لن يجرؤ علي تحدي مؤسسات الدولة الي ما لا نهاية، وراهنوا علي ان خطاب تنصيبه ربما يشهد تراجعا عن بعض وعوده الانتخابية، ولكن فشلت هذه التوقعات بعد ان اتي خطابه في احتفال تسليمه السلطة بمثابة امتداد لخطاباته التي القاها علي مدار اكثر من عام.

في خطاب تتويجه أعاد ترامب تكرارا شعاراته الانتخابية : استعادة القوة الامريكية ، تنظيف البيت من الداخل ، الاهتمام بالمواطن الامريكي ، اشتري كل ما هو أمريكي ولا توظف سوي الامريكي . 

عكست هذه الشعارات والتأكيد عليها مرارا من جانب ترامب حقيقة مدي تغلغل القناعة الخاصة به والتي تترجم حكمة سياسية اقدم وهي " ان كل سياسة خارجية هي سياسة داخلية اولا وأخيرا " ، بمعني ان سياسته الداخلية هي التي ستحدد سياسته الخارجية وليس هناك فصل فيما بينهما ولو علي الصعيد الافتراضي . 

في يونيو من العام الماضي وبعد ان اصبح مرشحا رسميا للحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة تحدث ترامب عن خطته للمائة يوم الأولي والقرارات التي سوف يتخذها حال فوزه بالرئاسة ورتبها علي الوجه التالي : 

 

١- تعيين قضاة في المحكمة الدستورية لا يقرون اي تعديل علي حق الأمريكيين في حمل السلاح لحماية أنفسهم . 

٢- تعديل قواعد الهجرة بما يقلل من منافسة المهاجرين للمواطنين الأمريكيين علي فرص العمل . 

٣- وقف نقل المصانع الامريكية الي الخارج . 

٤- إلغاء مشروع اوباما للرعاية الصحية ( اوباما كير ) . 

٥- إلغاء اتفاقات التجارة الحرة بين أمريكا والباسيفيك . 

٦- بناء سُوَر علي الحدود المكسيكية الامريكية للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية . 

٧- مراقبة الأمريكيين من أصول إسلامية وعربية مع التشدد في شروط قبول مهاجرين من تلك البلدان .

هذه الوعود التي أطلقها ترامب اثناء حملته الانتخابية عاد ليكرر اغلبها بصيغ اكثر عمومية في خطاب تتويجه ، مثل تعهده بالقضاء علي التطرّف الاسلامي ، او التأكيد علي ان أولويته هي  المواطن الامريكي ومصالحه المباشرة التي تتلخص في وجود فرص عمل مجزية ماديا ، والحفاظ علي أمنه الشخصي سواء بمنع اي محاولة لإدخال تعديلات علي الحق الدستوري في حمل السلاح ، او بالتعهد بمواجهة المهاجرين غير الشرعيين الذين تهدد ثقافاتهم وممارساتهم الثقافة والأمن الشخصي للمواطن الامريكي . 

وعلي عكس الترتيب الذي أورده ترامب لأولوياته في شهر يونيو ٢٠١٦ ، اختار ترامب ان يبدأ بتحقيق وعده بإلغاء مشروع اوباما للتأمين الصحي، والذي بدأ أوباما في تطبيقه عام ٢٠١٠ ، وقد شغلت هذه القضية الرأي العام الامريكي منذ بدء الكونجرس في ١٢ يناير الجاري في مناقشة اقتراح إلغاء المشروع او ادخال تعديلات عليه . استغل ترامب التقرير الحكومي الصادر في نهاية شهر أكتوبر الماضي والذي ابرز الصعوبات التطبيقية للمشروع ، حيث تزايدت الاعباء المالية لدي المشاركين في المشروع حتي وصلت الي توقعات بأن ترتفع بنسبة تصل الي ٢٠٪ في العام الحالي مقارنة بالعام الماضي في معظم الولايات ، وان ترتفع بنسبة تصل الي ٦٠٪ في ولايات اخري . 

وعلي حين ان النواب الديمقراطيين في الكونجرس قد اعترفوا بعيوب المشروع، الا انهم رفضوا اَي محاولة لإلغائه، مع ابداء استعدادهم لقبول ادخال تعديلات عليه، وأوضحوا أن دوافع ترامب بالدرجة الأولي هي القضاء علي ابرز تركة لسلفه باراك اوباما ، وانه لا يملك بديل لمشروع يوفر تأمين صحي لأكثر من عشرين مليون مواطن أمريكي لم تكن إمكانياتهم المادية او طبيعة الأمراض المصابين بها تسمح لهم بشراء تأمين صحي من الشركات العاملة في هذا المجال . 

الجمهوريون من جانبهم انقسموا حول كيفية معالجة الملف ، وبدا الرئيس ترامب مفتقرا للقدرة الحقيقية علي الوفاء بوعده بإلغاء المشروع حيث لن يتوفر النصاب القانوني لعملية الالغاء في الكونجرس ، كما يبدو انه لا يملك مشروعا بديلا لكل ما وعد بإلغائه من اتفاقات قائمة عامة ومشروع اوباما كير خاصة. ومن ثم لجأ ترامب الي ما يسمي بالقرارات الإدارية او إصدار مرسوم بقانون  executive orders ، وهو اجراء يمنح الدستور الحق فيه للرئيس بأن يتخذ قرارات تنفيذية لها قوة القانون لفترة محددة لا تتجاوز الثلاثة أشهر قبل ان يتحول الي تشريع ينبغي ان يمر داخل الكونجرس اذا ما أراد الرئيس تمديده ، كما قد يلجأ ترامب الي حجب القوانين او القرارات التي اتخذها سلفه دون ان تكون قد وصلت الي مرحلة الإنفاذ الفعلي . 

ان البدء بإلغاء بعض القوانين المتعلقة بمشروع اوباما كير تم عبر هذه الاليات تفاديا لمواجهه اكبر بين ترامب والكونجرس في وقت مبكّر ، كما استهدف جذب ثقة الناخب الذي صوت له، وايصال رسالة واضحه  بأنه سيمضي في تنفيذ كافة وعوده خاصة فيما يتعلق بفرض تعريفات جمركية علي الواردات من الدول التي اتهمها اوباما بأنها تتلاعب باتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة بشكل يضر بمصالح الصناعة الامريكية . 

ولكن سيبقي السؤال، هل سيقف الديمقراطيون ومعهم النواب الجمهوريون غير المتوافقين مع سياسة ترامب مكتوفي الايدي امام ما يفرضه عليهم من تحديات امام جمهورهم الانتخابي ويهدد فرص بقاءهم عند التجديد النصفي لأعضاء الكونجرس بعد عامين ؟ 

الإجابة من خلال الخبرات التي تراكمت من كيفية مواجهة الجمهوريين للرئيس السابق باراك اوباما وتعطيل مشروعاته وعرقلة الكثير من خطواته داخل الكونجرس ، جنبا الي جنب مع توجيه ناشطي التكتلات الليبرالية واليسارية للاستمرار في التظاهر ضد سياساته،  هي أنه يمكن لجبهة واسعة من معارضي ترامب ان تحد من قدرته علي الوفاء بكافة  وعوده لناخبيه، ولكن تشكيل جبهه  واحده من هذه الشاكلة تبدو أمرا صعبا حتي الآن علي الأقل.


رابط دائم: