الغائب الأساسي في الأزمة الحالية بين مصر والسعودية هو حاجة البلدين إلى قرار وطني بالدخول في علاقات استراتيجية؛ حيث أنه لا أحد من البلدين قرر بعد أن يدخل في علاقة استراتيجية مع الآخر، على الرغم من أن البعض حاول جاهدا أن ينحي جانبا ميراث "تفكيره التقليدي" في الشؤون العربية، بعد زيارة الملك سلمان في إبريل 2016.إن عدم الوصول إلى قرار استراتيجي بشأن بناء العلاقات، هو ما يجعل العلاقات المصرية - السعودية مرشحة دوما للدخول في نوبات متقلبة من الصراع والتقارب، في آماد زمنية قصيرة جدا؛ حيث تشهد توترا عاصفا بعد تقارب سريع، والعكس. لذلك ظلت العلاقة على مدى العقود السبعة الماضية تنحصر إما في العداء الشديد الذي يصل إلى حد المواجهة كما حدث في اليمن في الستينيات، أو التقارب الذي لا يجري ترجمته على الصعيد الوطني.
وتظل الفترة الأطول من ناحية الانتظام والنظامية في تاريخ البلدين، هي تلك التي كانت العلاقات فيها عادية، ما بين نهاية الثمانينيات وحتى 2011، وهي فترة حكم الرئيس مبارك؛ فلم تشهد علاقات مصر والمملكة خلال هذه الفترة أي ملامح على توتر معلن، ولكنها بالمقابل لم تشهد تعاونا استراتيجيا بالمعنى الحقيقي. ويمكن القول بأن القرار الاستراتيجي الذي حكم علاقات البلدين خلال هذه الفترة هو عدم السماح بتدهور العلاقات، لكنها لم تشهد قرارا استراتيجيا يسمح بوصولها إلى مستوى التعاون الاستراتيجي.
لقد سعى الرئيس مبارك دوما إلى الحفاظ على العلاقات مع المملكة عند مستوى التقارب العادي في مستوى الدولة، وعند مستوى التقارب الحميمي على الصعيد القيادي، مع قدر كبير من المجاملات وبناء الثقة الشخصي، وهو ما جعله يحتفظ بعلاقات جيدة مع الملك فهد ثم الملك عبدالله، لكن لم يتجه البلدان إلى بناء علاقات استراتيجية فعلية.
وتكشف النظرة الفاحصة في ظروف الحقبة السابقة عن أنها لم تكن تسمح بأكثر من ذلك؛ حيث كان لكل بلد التزاماته الدولية المختلفة؛ وكانت الارتباطات الإقليمية لكل منهما متنوعة، وكان لمصر مسارها الخاص مع استمرار المعادلات التي حكمت دورها بعد إبرام كامب ديفيد ومعاهدة السلام، بينما كان للمملكة انشغالاتها الخاصة مع تفجر مسلسل الازمات والحروب في الخليج منذ الثورة الإيرانية 1979 وحتى الثورات العربية في 2011، وهي الأزمات التي ربطت أمن الخليج بالأمن الأمريكي. كما كان لطغيان الشؤون الداخلية لمصر أمرا واقعا بدت انعكاساته في أواخر عهد مبارك، بينما كان للطفرة النفطية في الخليج معالمها وانعكاساتها على جوانب الحياة في السعودية.
وعلى الرغم من أجواء الخلافات الراهنة، والتي لا تسمح برؤية المخاطر المحدقة على نحو كامل، تمثل اللحظة فرصة تاريخية لقرار ببناء علاقات استراتيجية بين البلدين، والارتقاء على خبرات الحقب السابقة؛ فالأساس أنه لا حاجة ولا لزوم لكل بلد أن يطرح تهديدا للآخر، ومن المؤكد أن الاضطراب الداخلي لأي منهما ينعكس بالسلب؛ فاضطراب مصر وعودة الإخوان يهدد بوقوع المملكة بين مصر راديكالية وإيران ثورية، واضطراب المملكة يهدد بوقوع الخليج في بوتقة النفوذ الإيراني، في منطقة تشكل مرتكز الوجود والنفوذ المصري تاريخيا.
فكيف يمكن الوصول لقرار استراتيجي يتجاوز تحديات اللحظة ويفكر بشكل عقلاني في الأفق البعيد، بحيث لا يقتصر التقارب في المرحلة المقبلة على المستوى الشخصي والقيادي، ويخرج البلدين من مسلسل النوبات الدورية للأزمات؟!
رابط دائم: