تركيا وإسقاط المقاتلة الروسية.. احتمالات التصعيد وفرص التهدئة
2015-12-5

صافيناز محمد أحمد
* خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
05/12/2015 أسقط سلاح الجو التركي في الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي مقاتلة روسية في منطقة جبل التركمان بالقرب من الحدود التركية السورية، والذي تقطنه أغلبية تركمانية سورية. جاء هذا التطور في أعقاب توجيه المقاتلات الروسية ضربات لمناطق تمركز عناصر كتائب التركمان السورية المعارضة التي تدعمها أنقرة؛ حيث أعلنت أنقرة أن الطائرة الروسية قد أخترقت الأجواء التركية ولم تمتثل في الوقت نفسه للتحذيرات التي وجهت إليها، بينما تصر موسكو على أن المقاتلة كانت تقوم بمهام قتالية في المنطقة الحدودية مع تركيا لضرب بعض معاقل تنظيم الدولة الإسلامية ولم تخترق الأجواء التركية. ويصر الطرفان على روايتيهما المتعارضتين مما عمق الخلافات بينهما، لاسيما بعد حرب التصريحات الرسمية المتبادلة. وقد حملت هذه التصريحات جملة من الاتهامات التي زادت حدتها على مدار الأسابيع الماضية، بصورة يبدو أنها تدفع العلاقات التركية الروسية نحو منعطف لا يحمد عقباه سياسيا واقتصاديا، وربما عسكريا عبر الصدام غير المباشر بين الطرفين في الشمال السوري؛ خاصة بعد سلسلة العقوبات التي بدأت كل دولة تفرضها على الدولة الأخرى. وقد تزامن ذلك التصعيد مع الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطهران لحضور فعاليات الدورة الثالثة لمنتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي فيما يعرف باسم "أوبك ـ غاز"، وجاء إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية بعد اجتماع بوتين بالمرشد الإيراني الأعلى على خامنئي في رسالة بالغة الدلالة مؤداها أن تركيا تعتبر التحالف الإيراني الروسي وبالتحديد في سوريا من الأمور التي تمس أمنها القومي مباشرة، كما أن للزيارة أهميتها وانعكاساتها الإقليمية سواء على مستوى التعاون الثنائي الروسي الإيراني أو على مستوى التوقيت الذي تمت فيه. خلافات عميقة كرستها الحادثة: الجدير بالملاحظة هنا أن حادث إسقاط الطائرة الروسية من قبل أنقرة جاء تعبيرا عن الخلاف العميق الذي يغلف العلاقة بين البلدين على خلفية المواقف المتعارضة من الأزمة السورية، والتي تزايدت حدتها مع الانخراط العسكري الروسي لدعم نظام بشار الأسد تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش. فروسيا التي من مصلحتها حماية نظام الأسد من السقوط ترى في التدخل العسكري فرصة لدعمه عبر ضرب مصادر قوة المعارضة السورية التي تمنحها القدرة على تحقيق انتصارات، وبالتالي قطع طريق إمداداتها والتي تمثل الحدود مع تركيا بوابتها الرئيسية. بينما ترى أنقرة التي تدعم المعارضة بالتعاون مع دول الخليج أن توفير ممرات آمنة لتمويل وتدريب المعارضة يعزز من قدرتها في مواجهة النظام والتدخل الروسي من ناحية، ويوفر لها عمقا جغرافيا آمنا وحيويا من ناحية ثانية. وتتخوف أنقرة من أن يسمح التدخل العسكري الروسي لوحدات الشعب الكردية المسلحة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري باستكمال نطاق إدارتها الذاتية في شمال سوريا وفي شرقها، ما يوفر فرصة لصالح حزب العمال الكردستاني التركي المعارض في مواجهته للحكومة التركية، خاصة إذا وافقت تلك الوحدات – التي تعتبر خط المواجهة الأول ضد تنظيم داعش - على أن تكون جزءا من الاستراتيجية العسكرية الروسية في سوريا؛ لاسيما بعد إغراء موسكو لتلك الوحدات بالاعتراف بإدارتها الذاتية للمناطق الخاضعة لها عبر التلويح بإقامة مكتب تمثيل للإدارة الذاتية الكردية السورية في موسكو. كما ترى تركيا، القريبة جدا من سوريا والمتأثرة بالضرورة بارتدادات الحرب السورية بين النظام والمعارضة على أمنها، أن التصعيد العسكري الروسي في سوريا جعلها في مواجهة مباشرة مع موسكو، وهي مواجهة "قد" تنقل العلاقات بين البلدين خاصة الاقتصادية منها لتكون جزءا من العلاقات السياسية والأمنية التي تشهد توترا ملموسا خلال الآونة الاخيرة. ويعمق من عبء المواجهة بين الطرفين تذبذب الموقف الأمريكي من الطرح التركي الخاص بإقامة مناطق عازلة في شمال سوريا وعدم تجاوب واشنطن معه، وهو ما تراه تركيا سببا شجع روسيا على خطوة التدخل العسكري أولا، ثم على استفزاز تركيا في منطقة الحدود مع سوريا في مرحلة تالية. هذا إلى جانب الأولوية التي تبديها تركيا لمعارك مدينة حلب القريبة جغرافيا منها، والتي يعتبر حسم مسارها ونتائجها لأى من طرفي الصراع السوري منعطفا مهما في سياق الأزمة السورية برمتها، وهو ما أدركته موسكو جيدا وبدأت التمهيد لتغطية جوية روسية لتحرك بري لقوات النظام المدعومة بقوات من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في مناطق الشمال السوري وفي القلب منها مدينة حلب، وإذا أحكم النظام قبضته على حلب فإن مستقبل عناصر المعارضة السورية الموجودة في نطاق حلب وريفها سيكون في مهب الريح. وردا على هذه النقلات الروسية على أرض الصراع السوري اتجهت أنقرة إلى تطبيق استراتيجية القواعد العسكرية المتقابلة؛ فمقابل القاعدة العسكرية الروسية الموجودة في ميناء طرطوس والتي عززتها موسكو ببناء قاعدة جديدة في حميميم بالقرب من مطار اللاذقية سمحت أنقرة للطائرات الأمريكية باستخدام قاعدة انجليرك في أضنة التركية في ضربها لمعاقل تنظيم داعش، وأتبعت ذلك بفتح قاعدتها في ديار بكر الكردية للهدف نفسه. هذا إلى جانب إعادة نشر الولايات المتحدة لمنظومة صواريخ باتريوت التي تم تحدثيها في تركيا، ما أعتبره المحللون مؤشرا قويا على تصاعد حدة المواجهة والنقلات العسكرية بين روسيا من ناحية، وتركيا ومن ورائها الناتو من ناحية ثانية على الأراضي السورية. التداعيات والمآلات: يثير ما سبق تساؤلات حول تداعيات إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية على العلاقات الروسية التركية وعلى مسار المواجهة في سوريا، وما هي خطوة موسكو القادمة ردا على ذلك؟ أولا تجدر الإشارة هنا إلى أنه من المستبعد أن توجه روسيا ضربة عسكرية لتركيا عضو الناتو لأن حينها سيتم الاحتكام لنص المادة الخامسة من النظام المؤسس للحلف، والتي تشير إلى أن أى عدوان على دولة عضو يعتبر عدوانا على باقى الأعضاء ما يلزمهم بالاشتراك بالرد العسكري الأمر الذي يفتح الباب أمام حرب عالمية يحاول الجميع تجنبها، وذلك على الرغم من التصريحات المتشددة من قبل المسئولين الروس. يضاف إلى ذلك وجود مزيد من العقبات الاقتصادية التي تجعل من قرار المواجهة العسكرية أو حتى التصعيد الدبلوماسي إلى ما لانهاية أمرا صعبا؛ فروسيا بالرغم من قدراتها العسكرية الهائلة تعاني اقتصاديا خلال السنوات الماضية لاسيما بعد التراجع الذي تشهده أسعار النفط العالمية. أما تركيا فإن الاحتكام لمنطق المواجهة العسكرية يعنى توجيه ضربة قوية لاقتصادها الصاعد المتنامي الذي يعتمد على قطاعات السياحة والخدمات كمصدرين أساسيين للدخل، وبالتالي فقدان تركيا لأهم مكون من مكونات قوتها وهو نموها الاقتصادى. ومن ثم فالمرجح أن تقف المواجهة بين الطرفين عند حد تراجع العلاقات السياسية والاقتصادية بالدرجة الأولى، خاصة بعد أن أعلن الحلف والولايات المتحدة دعمهما للموقف التركي؛ أما بالنسبة للأزمة السورية فمن المتوقع أن يستمر تصاعد الأداء العسكري للطرفين هناك؛ روسيا عبر زيادة انخراطها العسكري المباشر وتركيا عبر مزيد من إمداد المعارضة بالأسلحة النوعية لاسيما المضادة للطائرات بعد حصولها على مضادات الدروع، ويمكن تفصيل ذلك كالتالي: اقتصاديا؛ تعتبر العلاقات الاقتصادية والتجارية أكثر المجالات التي ستتأثر فعليا بإسقاط تركيا للمقاتلة الروسية؛ لاسيما وأن حجم التبادل التجارى بين البلدين بلغ العام الماضى حوالى 32 مليار دولار، قابل للزيادة حال تنفيذ موسكو لمشروع أنبوب نقل الغاز عبر البحر الأسود إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، لتجنب المرور عبر أوكرانيا، ومن المفترض أيضا أن تقوم روسيا ببناء محطة نووية لتوليد الطاقة على ساحل ولاية مرسين التركية، أيضا تعتبر تركيا سوقا كبيرة للصادرات الزراعية الروسية والتي ازدادت معدلاتها لتعويض مقاطعة السوق الأوروبية لتلك المنتجات على إثر العقوبات التي فرضتها أوروبا على موسكو في سياق الأزمة الأوكرانية، وبالتالي فمن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة إذا لم يتم احتواء الأزمة بين الطرفين - لاسيما بعد اصرارهما على موقفيهما ورفض أنقرة شرط الاعتذار لروسيا– تصاعدا تجاه فرض موسكو لعقوبات اقتصادية على أنقرة، خاصة ما يتعلق منها باتفاقيات الغاز، وهو ما تحسب له الرئيس التركي رجب أردوغان بتوقيع اتفاقات للغاز مع قطر خلال زيارته للدوحة في الثاني من ديسمبر الجاري. هذا بالإضافة إلى منع روسيا رعاياها من السفر لتركيا بهدف التأثير على قطاع السياحة التركي، كما أعادت العمل بنظام تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك، أضف إلى ذلك أنه من المحتمل أن تفرض موسكو عقوبات تشمل زيادة الضرائب الجمركية على الواردات التركية، وفي حال استمرار تصاعد الأزمة في ظل "العناد" السياسي بين الدولتين فمن المتوقع أن تتبادل الدولتان فرض مزيد من العقوبات البينية. في إطار ذلك تسعى أنقرة بوضوح إلى احتواء الأزمة مع موسكو مدفوعة بعدة أسباب بعضها يتعلق بحجم وطبيعة العلاقات الاقتصادية التي ستتأثر بالضرورة بالأزمة، وبعضها الآخر يتعلق بمطالبة الناتو لأنقرة بتهدئة الموقف مع روسيا وضبط النفس وعدم اللجوء للتصعيد من منطلق أنه من الممكن اقناع الروس بتركيز هجماتهم على تنظيم الدولة ومن ثم الاشتراك في الحرب الدولية على الإرهاب. بالنسبة للمواجهة على الأراضي السورية؛ من المتوقع أن تشهد المواجهة بين روسيا وتركيا حربا بالوكالة داخل الأراضي السورية؛ حيث ستدفع روسيا حليفها بشار بمزيد من الدعم العسكري والحماية الجوية في مواجهة المعارضة المعتدلة، لاسيما في حلب وريفها التي تمثل نتيجة المواجهة فيها أهمية كبرى على مسار الصراع السوري الداخلي، وتعطي أنقرة لمعركتها اهتماما خالصا نظرا للاعتبارات الجيوسياسية للمدينة بالنسبة لها، كما اتجهت موسكو إلى نشر صواريخ إس 400 المضادة للطائرات في قاعدة حميميم العسكرية قرب اللاذقية، وشن غارات عنيفة على المناطق المحاذية للحدود التركية. وفي المقابل تتجه تركيا ودول الخليج إلى رفع وتيرة الدعم العسكري للمعارضة وهو ما تم بالفعل، وانعكس في زيادة قدرة الفصائل المعارضة على الصمود في بعض المواقع الاستراتيجية على الرغم من تعرضها لقصف روسي متواصل على مدى الشهرين الماضيين، وبالرغم من ذلك فشلت قوات النظام وحلفاؤه من الإيرانيين والميليشيات الشيعية في إحداث تغيير ملموس في ميزان القوى، نتيجة للأسلحة النوعية التي وصلت للمعارضة والتي ستحد كثيرا من فعالية سلاح الجو الروسي ومن المحتمل أن تؤدى إلى تغيير المعادلات العسكرية مع النظام السوري على الأرض سريعا. ومن المتوقع أن تتجه موسكو لترقية التعاون مع وحدات حماية المجتمع الكردية السورية في شمال شرق سوريا، والتي تصنفها أنقرة باعتبارها جماعات إرهابية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني التركي المحظور. وهناك من يرى أن روسيا ربما تدفع نظام الأسد للقيام بهجمات داخل الأراضي التركية نفسها، لكن لابد من الإشارة إلى أن تصعيد موسكو سيظل محدودا بسقف وقواعد الاشتباك العسكرى مع الناتو باعتبار تركيا أحد أعضاؤه ولاعب رئيسي معني بالأزمة السورية. بوتين في طهران دلالات الزيارة وأهدافها: جاء إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية بعد اللقاء التاريخي الذي جمع بين بوتين والمرشد الإيراني الأعلى على خامنئي في طهران على هامش اجتماعات منتدى الدول المصدرة للغاز كما سبق القول، واستهدفت أنقرة من خلاله توصيل رسالة واضحة المعالم للطرفين الروسي والإيراني مؤداها أن أنقرة بصدد مواجهة التنسيق المتنامي بينهما لاسيما في سوريا مواجهة مباشرة طالما بدأ يهدد المنطقة الحدودية معها. ويرى المحللون أن زيارة بوتين والاجتماع بالمرشد الأعلى تحمل العديد من الدلالات والأبعاد المهمة سواء على مستوى الشراكة الثنائية الاستراتيجية أو فيما يتعلق بمجمل القضايا الإقليمية، خاصة أن بوتين أستبق الزيارة برفع الحظر عن بيع معدات تكنولوجية لإيران مرتبطة بالطاقة النووية كما بدأ إجراءات تسليمها صواريخ "إس 300". ورأى البعض أن الزيارة تدخل في نطاق سياسة المناورات التي اعتاد بوتين على انتهاجها ضد الجبهة المناوئة للتدخل الروسي الإيراني في سوريا وهي بالتحديد دول الخليج وتركيا؛ بهدف إحداث مزيدا من الضغط على تلك الدول لحملها على التفاوض السياسي في الأزمة السورية وفقا للشروط الروسية، ودفع الجانب الخليجى فيها إلى تحسين أسعار النفط وتغيير السياسات الخليجية النفطية. بينما رأى آخرون أن الزيارة جاءت لرأب الصدع بين الطرفين الروسي والإيراني بعد تصاعد حدة الخلافات بينهما بشأن ترتيبات مرحلة ما بعد بشار الأسد خاصة ما يتعلق منها بتقاسم النفوذ بين الطرفين داخل سوريا. أما فيما يتعلق بكون الزيارة تعزيزا للتحالف الروسي الإيراني؛ فيمكن القول أن موسكو برفعها الحظر عن بعض المعدات الخاصة بالطاقة النووية وتسليم صواريخ إس 300 لإيران استهدفت تذكير إيران أن الشراكة معها لها فوائد ونتائج إيجابية قد لا تقل أهمية عن نتائج اتفاقها النووي مع الغرب؛ في محاولة لإبقائها ضمن تحالفهما الدولي والذي تتخوف روسيا من انفصامه على خلفية الاتفاق النووي المذكور. وقد أسفرت الزيارة عن حزمة من الاتفاقات الاقتصادية والدفاعية العسكرية التي عقدها بوتين مع الجانب الإيراني يمكن اعتبارها بداية فعلية لتحلل إيران من العقوبات الاقتصادية الأوروبية التي فرضت عليها طوال السنوات الماضية، خاصة وأن أهم تلك الاتفاقيات كانت في مجال رفع الحظر المفروض على تزويد إيران بمعدات تخصيب اليورانيوم. كما تفترض الاتفاقيات الاقتصادية المعلن عنها أن يتم استثمار حوالى 40 مليار دولار خلال السنوات الثلاثة المقبلة في قطاعات اقتصادية حيوية إلى جانب مشروعات لإقامة مفاعلات نووية جديدة وتحديث أسطول النقل الإيراني. كما يرى أصحاب تلك الرؤية أن الأهداف السياسية من الزيارة تمثلت في التحدي الذي أبرزته للدول الداعمة للمعارضة السورية؛ وخاصة تركيا والسعودية بأن الموقف الروسي والإيراني من بشار الأسد لايزال موقفا موحدا وثابتا، على الرغم من الأنباء التي تشير إلى وجود خلافات بينهما بشأن ترتيبات الأوضاع في سوريا فيما بعد الضربات العسكرية الروسية من ناحية، وترتيبات ما بعد بشار الأسد من ناحية ثانية. مقابل الرؤية السابقة، يرى البعض أن الزيارة جاءت بعد تصاعد الخلافات بين الجانبين ومساعي دولية لشق التحالف الداعم لنظام الأسد. ومن أهم النقاط الخلافية بين موسكو وطهران هي تلك المتعلقة بمصير الرئيس السوري؛ فإيران تصر على استكمال الأسد مدته الرئاسية والتي تنتهي في 2021، وكذلك مشاركته في أية انتخابات رئاسية مبكرة، وذلك على العكس من التصور الروسي الذي يشهد تراجعا ملموسا تجاه استمرار الأسد وهو تراجع محكوم إلى حد كبير بمصالح روسيا مع الدول الأوروبية والتي تتطلع لكسر عزلتها التي فرضتها عليها تصرفاتها تجاه الأزمة الأوكرانية. ويشكل الموقف الروسي من المعارضة السورية محلا لخلاف جديد لاسيما بعدما كثفت روسيا ضرباتها العسكرية إلى تنظيم الدولة الإسلامية خلال الأسابيع الأخيرة الماضية بعد أن استمرت ضرباتها على مواقع المعارضة المعتدلة لمدة تزيد على شهر ونصف، وكان هذا التحول الروسي تحول اضطراري وليس مبدئي، ويرجع سببه إلى المشاركة الفرنسية في التحالف الدولي لضرب داعش في سوريا على خلفية أحداث باريس الإرهابية مؤخرا، وإقناعها لروسيا بضرورة تركيز الهجمات على داعش وليس على الجيش السوري الحر والفصائل التابعة له. ويتعارض هذا التوجه مع الرؤية الإيرانية التي ترى أن جميع فصائل المعارضة فصائل إرهابية على روسيا قطع التواصل معها والاستمرار في توجيه ضربات عسكرية ضدها. ومن ثم فإن تحول الضربات الروسية مؤخرا عن ضرب المعارضة السورية إلى ضرب داعش فقط لا يخدم المصالح الإيرانية في سوريا التي تفترض ضرب روسيا للجانبين المعارضة وداعش معا. كما أن جني روسيا لما زرعته طهران في سوريا طوال السنوات الخمس الماضية والانخراط الروسي العسكري يعنى استئثار روسيا بصياغة الحل مع القوى المناوئة للنظام السوري، وهو ما تتحفظ عليه طهران التي ترغب هي الأخرى في بناء مصالح جديدة مع الغرب بعد اتفاقها النووى قد تكون سوريا بوابته. ختاما، فإن التوتر المتصاعد حدته بين روسيا وتركيا بالكيفية السابق ذكرها تشير إلى أن ثمة حدودا وسقفا لمداه ونوعيته؛ بما يمكن من السيطرة عليه، لكن هذا التصور لا ينفي احتمالية حدوث ضربات نوعية بين الطرفين، ولكنها لن ترتقى إلى مستوى المواجهة المفتوحة نظرا للعلاقات والمصالح الاقتصادية الجمة التي تجمع البلدين من ناحية، ونظرا للأفضلية الممنوحة لتركيا باعتبارها عضوا في حلف الناتو من ناحية ثانية؛ وهو ما تدركه موسكو جيدا ويعتبر بمثابة الكابح الرئيسى لحدود مواجهتها مع تركيا. لذا فالإهانة التي تعرضت لها موسكو، على حد تعبير مسئوليها، سترد عليها بقدر من العقوبات الاقتصادية والتجارية التي ستقف بدورها عند حدود معينة، وستنعكس المواجهة الفعلية بصورة أكثر عنفا وشراسة عبر ساحة الصراع السوري وبالتحديد منطقة الحدود التركية السورية. وينبغي أيضا أن يؤخذ في الاعتبار استمرار عجز النظام السوري عن احراز تقدم يغير من موازين القوى الفعلي بينه وبين المعارضة على الرغم من الضربات الروسية للمعارضة المعتدلة على مدى الشهرين الماضيين، وهو ما يعيد البحث مرة أخرى عن أهمية الحل السياسي ويزيد من حظوظه باعتباره مخرجا فعليا لكافة أطراف الأزمة.

رابط دائم: