أزمة اللاجئين: هل تعيد المفاوضات المنسية بين أنقرة وأوروبا ؟
2015-12-1
كرم سعيد
01/12/2015 انتزعت قمة بروكسل التي عقدها القادة الأوروبيون في 29 نوفمبر الماضي مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو تعهداً من تركيا بوقف تدفق المهاجرين عبر أراضيها، في مقابل حصولها على حوافز سياسية ومالية. فقد أقر الاتحاد الأوروبي خلال هذه القمة غير المسبوقة في اجتماع بين دوله الـ 28 وتركيا، منح ثلاثة مليارات يورو إلى أنقرة لمساعدتها على إيواء المواطنين السوريين الفارين من النزاع، والذي تسبب في تهجير ملايين السوريين. غير أن مكسب أنقرة المهم لم يكن في حصولها على الدعم المالي فحسب، إذ مثلت قضية اللاجئين التي تعد أسوأ أزمة تواجهها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية فرصة أمام السياسة الخارجية التركية للضغط على الاتحاد الأوروبي للعودة إلى المفاوضات المنسية بشأن لحاق أنقرة بعضوية العائلة الأوروبية. أزمة اللاجئين: فرصة تركيا في الوقت الذي قطعت فيه تركيا شوطا معتبرا منذ عام 2002 على صعيد الإجراءات المؤهلة للفوز بعضوية الاتحاد، فأن ثمة خلافاً ما زال قائماً بين الطرفين فيما يخص الباب السابع عشر المتعلق بالسياسة النقدية والتعاون الاقتصادي بجوار رفض قوى سياسية من الوزن الثقيل في القارة العجوز لقبول عضوية أنقرة المسلمة. غير أن أزمة اللاجئين التي باتت تشكل عامل ضغط على أعصاب أوروبا وتزيدها انغماساً في همها الداخلي ساهم في فتح فصل جديد بشأن إعادة المفاوضات مع تركيا. وتسعى أنقرة التي تستضيف ما يقرب من 2.2 مليون لاجئ سوري إلى قطف الثمار السياسية لأزمة اللاجئين، ومن ذلك الموافقة على خطة العمل المشترك التي تفاوضت عليها في الأسابيع الأخيرة مع المفوضية الأوروبية، بما في ذلك وعد أوروبي بتسريع المفاوضات الجارية لتسهيل عملية حصول المواطنين الأتراك على تأشيرات دخول إلى الاتحاد الأوروبي، والأهم إحياء مفاوضات إلتحاق تركيا بالاتحاد وهي المفاوضات التي تعاني من موت سريري منذ فترة طويلة. وكانت دول الاتحاد الأوروبي قد استقبلت أكثر من 700 ألف مهاجر ولاجئ وصلوا عبر المتوسط في عام 2015 بحسب ما أعلنته المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة. في المقابل كشف تقرير إحصائي آخر، صدر عن المنظمة الدولية للاجئين في منتصف يونيو الماضي، بلوغ عدد المهاجرين الشرعيين الذين دخلوا أوروبا خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي 105 آلاف شخص، وقد شكل السوريون 39% منهم. ولعل ما يؤكد هذا التزايد المضطرد والمستمر تعليق دونالد تاسك رئيس مجلس أوروبا الذي يضم رؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء في الاتحاد، حين قال أن أزمة الهجرة «قد تكون أكبر تحد واجهناه منذ عقود». وبرغم الإجراءات الأمنية المكثفة واتجاه أوروبا إلى عسكرة أزمة اللاجئين إلا أنها لم تفلح في الالتفاف على الأزمة أو تجاوزها، إذ يصل 250 ألف لاجئ شهريا إلى دول الاتحاد، مع تصاعد أعمال العنف في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وهو الأمر الذي يريك أجهزة خدمات اللاجئين في المجتمعات الأوروبية، ويهدد من جهة أخرى بإطاحة اتفاق شنغن الذي ألغى المعابر الحدودية بين دول الاتحاد فعلى سبيل المثال فرضت السويد قيوداً على حركة العبور على حدودها للسيطرة على تدفق المهاجرين، وشيدت سلوفينيا والمجر بوابات على حدودهما مع كرواتيا. ولأن تركيا هي محط أنظار ومحطة عبور اللاجئين المتدفقين على أوروبا، فقد عرض الاتحاد الأوروبي على تركيا إحياء مسار مفاوضات عضوية الاتحاد إضافة إلى محفزات مالية مقابل حراسة حدود الاتحاد الأوروبي ومنع اللاجئين من الوصول إليها. ثمار أولية ملامح التغير في العلاقة بين تركيا والاتحاد كشفتها عدة مؤشرات أولها تراجع التصريحات الرسمية الخشنة بشأن سياسات أردوغان في الداخل، وآخرها ترحيب الاتحاد الأوروبي بنتائج الانتخابات التشريعية التي شهدتها تركيا مطلع نوفمبر الماضي، حيث اعتبر الاتحاد الأوروبي أن نتائج الانتخابات تؤكد التزام الشعب التركي بالديمقراطية. وذكر بيان مشترك صادر عن المنسقة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، والمفوض يوهانس هان إن الاتحاد "سيعمل إلى جانب الحكومة المقبلة من أجل مواصلة تعزيز الشراكة مع تركيا ومواصلة تعزيز التعاون في جميع المجالات لصالح جميع المواطنين". المؤشر الثاني كشفته نتائج اجتماعات القمة الأوروبية غير الرسمية التي عُقدت في 13 نوفمبر الجاري في العاصمة المالطية فاليتا، وقررت زيادة المخصصات المالية لأنقرة لإعانتها على مواجهة أزمة اللاجئين السوريين. كما وعدت ألمانيا بتقديم 534 مليون يورو معونات لتركيا ضمن حزمة المساعدات الأوروبية، وكانت تركيا طالبت من قبل بـ3.4 مليار دولار. ولم تكن قمة مالطا وحدها التي عززت إحياء مفاوضات لحاق أنقرة بالعائلة الأوروبية، فقد سبقتها القمة الأوروبية التي انطلقت في بروكسل في منتصف أكتوبر الماضي، ومررت "اتفاق مبدئي" مع تركيا يقضي بتسريع مرحلة إعفائها من التأشيرات، وفتح فصول جديدة خاصة بمفاوضات عضويتها في الاتحاد، إلى جانب تقديم مساعدات مالية للاجئين. وراء ذلك جاءت تصريحات كبار العائلة الأوروبية لتلمح إلى أن ثمة تغيراً سياسياً في إدارة العلاقات التركية الأوروبية، فبينما أكدت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل خلال زيارتها لتركيا في أكتوبر الماضي استعداد برلين لتسريع عملية انضمام تركيا للاتحاد، وقالت: "نرغب في فتح الفصل السابع عشر المتعلق بالسياسة الاقتصادية والنقدية في مفاوضات انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي"، قال الرئيس الفرنسي عقب أعمال القمة الأوروبية في مالطا أن التعامل مع الأتراك سيمر عبر "الاعتراف ببلدهم كبلد آمن بالتوازي مع التقدم في مجال مفاوضات الانضمام للاتحاد، وكذلك مسألة تأشيرات الدخول". والأرجح أن الاتحاد الأوروبي الذي دخله مئات الآلاف من اللاجئين منذ بداية العام، يرغب في أن تكون أنقرة شريكة له في احتواء التدفق غير المسبوق لطالبي اللجوء منذ 1945، لاسيما أنه بإمكانها بالفعل أن تلعب دوراً محورياً في منع تدفق اللاجئين إلى أوروبا، وبخاصة السوريين. في هذا السياق العام يمكن القول أن أزمة اللاجئين فتحت الباب واسعاً أمام تركيا للضغط على بروكسل لإنهاء طلب عضويتها في الاتحاد الأوروبي، خصوصاً وأن تركيا أصبحت منذ العام 2005 دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وجرى فتح 14 فصلاً تفاوضياً بين تركيا والاتحاد، من أصل 35، تتعلق بالخطوات الإصلاحية التي تقوم بها تركيا، بهدف تلبية المعايير الأوروبية في جميع المجالات التي تتضمنها هذه الفصول، تمهيداً لحصولها على عضوية كاملة. تحديات صعبة ثمة تحديات قد تقف حجر عثرة أمام إتمام عضوية أنقرة الكاملة في الاتحاد الأوروبي، أولها تشدد بعض الدول الأوروبية، وفي الصدارة منها ألمانيا وفرنسا والنمسا، إذ تعتبر أن تركيا ما زالت بحاجة إلى سلسلة أخرى من القوانين التطبيقية، خاصة فيما يتعلق بإقرار حقوق قانونية ودستورية للقوميات والأقليات غير التركية التي تعيش داخل أراضيها ومن ضمنها القومية الكردية. كما أن قضية الإبادة الأرمن مازالت تلقى بظلالها على علاقة أوروبا بتركيا، لاسيما مع رفض أنقرة تقديم اعتذار رسمي أو تعويضات لضحيا المذابح التي تورطت فيها الدولة العثمانية بحسب أرمينيا. في المقابل فأن ثمة انتقادات أوروبية لحرية التعبير والصحافة في تركيا، فعلى سبيل المثال أبدت أوروبا قلقها من وضع صحافيين تركيين معتقلين والتحفظ على كيانات إعلامية دون سند قانوني واضح، ومن ذلك شركة "كايناك" التي تضم 19 مؤسسة من بينها صحف وقنوات تلفزيونية بدعوى علاقات مشبوهة مع جماعة "كولن" التي يتهمها النظام بإقامة كيان موازي يسعى للقفز على نظام الحكم، وأيضا شركة "كوز إيبيك"، وتتهمها حكومة تركيا بتمويل جماعة "كولن"، ووضعت يدها عليها في نوفمبر 2015. ولذلك فأن ثمة تحفظات لدي دول أوروبية تري في إعادة التفاوض على عضوية أنقرة تنازلاً، وتضحية بالمبادئ الأوروبية على مذبح الخوف من المهاجرين. على جانب ثان يمثل العامل الديموجرافي عقبة كئود أمام انضمام تركيا البالغ عدد سكانها ما يقرب من 80 مليون نسمة، والمتوقع أن يصل إلى 100 مليون خلال السنوات القليلة القادمة. ولعل معدل النمو السكاني في تركيا سوف يزيد من وزن تركيا في عملية التصويت حال دخولها البيت الأوروبي، وهو ما قد يمثل خصما من وزن وتمثيل ألمانيا التي تحتل المرتبة الأولى سكانيا بين دول الاتحاد. ولذلك تفضل ألمانيا كالنمسا منح تركيا صفة شريك مميز في الاتحاد بدلا من منحها العضوية الكاملة. خلف ما سبق يبقى العامل الثقافي والحضاري، إذ أن دمج الدولة ذات الأغلبية المسلمة هي أحد أهم الأسباب التي ما زالت تحول دون دخولها النادي الأوروبي، فتركيا لا تنتمي إلى الحضارة الأوروبية المسيحية، وبالتالي لن يكون سهلاً اندماج دولة تركيا ذات الهوية الإسلامية في القارة الأوروبية المسيحية، ولذلك عرضت بعض دول الاتحاد، وفي الصدارة منها فرنسا دعم تركيا لدخول الاتحاد من أجل المتوسط بدلا من عضويتها في الاتحاد الأوروبي. وفي هذا الصدد فلا شك أن الصورة الذهنية للمجتمعات المسلمة في دول الاتحاد أصبحت أكثر قتامه بعد مذبحة باريس في 13 نوفمبر الجاري، والتي راح ضحيتها ما يقرب من 130 مواطن وإصابة المئات، وإعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" مسئوليته عن الحادث. الخلاصىة أن أزمة المهاجرين قد تعيد فتح الأبواب الموصدة أمام مفاوضات لحاق تركيا بعضوية الاتحاد الأوروبي، لكن في المقابل تظل ثمة شكوك بشأن إتمام هذه العضوية فعلا. صحيح أن الاتحاد يعاني ضغوطات بفعل أزمة اللاجئين التي تمثل أنقرة أحد أوراق معالجتها، إلا أن السياسة العامة للاتحاد الأوروبي والصورة الذهنية لتركيا كدولة مسلمة في الوعي الجمعي الأوروبي قد تحول دون ذلك. وربما من ثم قد تمثل أزمة اللاجئين فرصة يمكن لتركيا تعظيم مكاسبها الاقتصادية والسياسية مع دول الاتحاد عبرها، ولكن من دون نيل العضوية الكاملة.

رابط دائم: