تونس إلى أين؟
2015-11-6
سعيد عكاشة

06/11/2015 حظيت التجربة التونسية منذ إسقاط نظام الرئيس السابق بن علي بداية عام 2011، وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أكتوبر من العام الماضي بالإشادة من قبل العديد من الأطراف. بينما أظهر استمرار الأزمات الاقتصادية وضعف قدرات الحكومة الحالية على مواجهة الاٍرهاب والتطرف، بالإضافة إلى حالة عدم التوافق بين أحزاب الائتلاف وبين الأخيرة وأحزاب المعارضة حول خارطة طريق واضحة المعالم لإنقاذ البلاد من عثرتها، أظهر كل ذلك إمكانية تعرض التجربة التونسية لانتكاسات خطيرة. وباتت فرص حدوث هذه الانتكاسات كبيرة بعد وقوع أحداث عنف بين الجناحين الرئيسيين في حزب" نداء تونس" -أكبر احزاب الائتلاف الحاكم المشكل من أربعة أحزاب-في منطقة الحمامات في مطلع نوفمبر الجاري، وهو الأمر الذي يهدد أولا بانسحاب عدد من نواب البرلمان المنتمين لنداء تونس وتشكيلهم لحزب جديد بما يعرض الائتلاف لأزمة كبرى. كما أن هناك إمكانية لأن تحاول" حركة النهضة" -التي ستتحول في حالة انشقاق أعضاء من نداء تونس إلى الكتلة الأكبر تمثيلا في البرلمان-إما الدعوة إلى تشكيل حكومة جديدة تعبر عن الوضع الذي أفرزته هذه التطورات، أو بالدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة لا يعرف حتى الآن كيف ستؤثر على التوازنات السياسة الحرجة، كما لا يمكن التكهن بتأثيرها على حالة الاستقرار الهش الذي عاشته تونس منذ العام الماضي. خلفيات الأزمة التونسية على الرغم من التمثيل الواسع لعدد كبير من الأحزاب السياسية داخل البرلمان، إلا أن تشكيل الحكومة برئاسة شخصية غير حزبية " الحبيب الصيد" كان بمثابة تعبير دقيق عن عدم قدرة هذه الأحزاب على التوصل إلى اتفاق حد أدنى يكفل لكل منها تحقيق بعض مطالبها ويقي تونس في الوقت نفسه من الأزمات التي عاشتها وتعيشها اليوم. فعلى مستوي مجلس الوزراء يدور الصراع بين الحبيب الصيد وبين الأحزاب الأربعة التي تشكل الائتلاف الحاكم (نداء تونس، والنهضة، وآفاق تونس، والاتحاد الوطني الحر) حول التعيينات في المناصب الكبرى، فعلى حين يُفضل " الصيد" شخصيات تكنوقراطية، تطالب الأحزاب الأربعة بتوزيع هذه المناصب على الأحزاب وفقا للقوة التمثيلية لكل منها في البرلمان. وعلى المستوي الأحزاب الأربعة نجد أن الصراعات داخلها وفيما بينها قضت على أية فرصة لتضافر الجهود من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية. فحزب نداء تونس منقسم إلى جناحين يقود الجناح الأول تيار محسوب على النظامين السابقين (نظام بورقيبة، ونظام بن علي)، فيما يقود الجناح الثاني نقابيين –لعبت وتلعب النقابات العامة وعلى الأخص نقابات العمال دورا سياسيا كبيرا في تونس من الناحية التاريخية-لهم توجهات مختلفة ومتضاربة تجمع ما بين اليسار واليمين. ويحاول كل جناح من الجناحين المذكورين صبغ الحزب بأفكاره وتوجهاته الأمر الذي تطور إلى صراع آخر يمكن وصفه بأنه ميراث مرحلة بورقيبة، حيث يتولى ابن رئيس الدولة (حافظ قائد السبسي) منصب نائب رئيس حزب نداء تونس، ويتهمه جناح النقابيين في الحزب بأنه يسعي لإعادة نظام أشبه بالنظام الذي كان يقوده الرئيس الأسبق " بورقيبة" وحزبه الدستوري، ليس فقط داخل نداء تونس ولكن في النظام السياسي للبلاد إجمالا. ورغم أن من قاموا بالاعتداء على الأمين العام للحزب " محسن مرزوق" ومنعوه من عقد لقاء حزبي في منطقة الحمامات وصفوا بأنهم رجال حافظ قايد السبسي، إلا أن " مرزوق" رفض توجيه الاتهام مباشرة لنجل رئيس الدولة، بل ونفى أن تكون هناك نية من جانبه أو من جانب مؤيديه المحسوبين على جناح النقابيين في الانشقاق على الحزب وتكوين حزب جديد. أما حزب النهضة-ثاني أكبر الأحزاب تمثيلا في البرلمان-، فقد أدت سياسة الحكومة التي يشارك فيها حيال الإسلاميين المتشددين إلى انقسام بين صفوفه حيث هاجم الجناح المتشدد في حركة النهضة هذه السياسات معتبرا أنها تعادي الإسلام وليس المتطرفين خاصة مع القيود التي فرضتها الحكومة على أئمة المساجد. فيما أيد الجناح المعتدل والذي يرأسه زعيم الحركة راشد الغنوشي هذه السياسات معربا عن ضرورة دعم الدولة في مواجهة إرهاب المتطرفين. أما فيما يتعلق بالأوضاع داخل حزب "آفاق تونس" فقد تردد مؤخرا أن عددا من أعضاء المجلس الوطني للحزب يعتزمون تقديم لائحة لوم ضد أعضاء المكتب السياسي للحزب ونوابه في البرلمان بسبب ما وصفوه بإقصاء القواعد في عملية اتخاذ القرارات، وبسبب عدم الرضا عن أداء وزراء الحزب في الحكومة. ويبقي الحزب الرابع من أحزاب الائتلاف الحاكم وهو حزب الاتحاد الوطني الحر الذي يحرص على كتمان الصراعات داخله وعدم وصولها للإعلام، وإن كانت الانتقادات قد طالته بسبب انكفائه على شؤونه الداخلية وعدم تقديمه لأية مبادرات تساعد في دعم الحكومة والدولة في ظل الأوضاع الاقتصادية/الاجتماعية الحرجة التي تشهدها البلاد. أحزاب المعارضة: عدم القدة على تشكيل بديل خارج الائتلاف الحاكم وقفت عدة أحزاب وتجمعات لنواب مستقلين ممثلين في البرلمان تطالب بإقالة الحكومة الحالية، دون أن يكون لديها القدرة على تشكيل بديل حقيقي للنظام الحالي. وقد عادت أغلب هذه الأحزاب إلى نغمة دعوة الشارع إلى الالتفاف حولها من أجل استكمال ما تسميه بأهداف ثورة الياسمين ( الثورة التي أسقطت حكم بن علي)، غير أن هذه الأحزاب (أغلبها أحزاب يسارية، وقلة منها تنتمي للتيار الديمقراطي الاجتماعي) عجزت عن التوصل إلى توافق فيما بينها حول خارطة الطريق البديلة لسياسات حكومة" الصيد"، وعلى سبيل المثال عقدت سبعة أحزاب في إبريل الماضي –هي أحزاب: التكتل والجمهوري والعمل الديمقراطي والتيار الديمقراطي والتحالف الديمقراطي وحركة الشعب وحركة الديمقراطيين الاجتماعيين- اجتماعاً من أجل إيجاد صيغة للعمل الجبهوي، وصولا إلى إنشاء حزب باسم الحزب الديمقراطي الاجتماعي يضم كل هذه الأحزاب معا لمواجهة ما أسموه بتغول اليمين الرأسمالي الذي يقود البلاد إلى هاوية اقتصادية واجتماعية عميقة. وبعد عدة اجتماعات انسحب حزبين من الأحزاب السبعة، فيما عجزت الأحزاب الخمسة الباقية عن الوفاء بما تعهدت به من إطلاق حزبهم الجديد في الصيف الماضي. وقد أدت هذه الأوضاع إلى تردي مكانة الأحزاب السياسية عامة وأحزاب المعارضة خاصة في الواقع السياسي، حيث أظهرت بعض الاستطلاعات أن ثقة المواطن التونسي في الأحزاب لا تزيد عن 29? من جملة من شاركوا في الاستطلاع، فيما حظيت مؤسسات البيروقراطية بنسبة ثقة وصلت إلى 95? من جملة المستطلعين. ويبدو أن المواطن التونسي قد وصل إلى قناعة بأن الأحزاب السياسية قادت البلاد إلى حافة التفكك، وأرهقت الحكومات المتعاقبة منذ الثورة، الأمر الذي تسبب في تدهور الأوضاع الاقتصادية وإلى ضعف الدولة في مواجهة الجماعات المتشددة، والتي وجهت أنشطتها لضرب قطاع السياحة الذي يعتبر أحد أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد (ذكرت بعض التقارير الاقتصادية مؤخرا أن معدل النمو في تونس خلال العام الماضي لم يزد عن نسبة 1?). إلى أين تتجه تونس؟ في ظل المعطيات السابقة تبدو التجربة الديمقراطية في تونس معرضة أكثر من أي وقت مضي للتراجع، فعلاوة على الخلافات التي تكاد تعصف بالحكومة وضعف الأحزاب، هناك التدخلات الخارجية. حيث مازالت دول مثل تركيا وقطر تحاولان إعادة " الاخوان المسلمين" إلى الانفراد بحكم تونس أو قيادة الائتلاف الحاكم بها على الأقل، فيما تقف دول أخرى مثل مصر والجزائر إلى جانب قايد السبسي وتجربته التي أدمجت الإخوان في السلطة دون أن تسمح لهم بالهيمنة عليها. وفي حال تحقق سيناريو الانشقاق الداخلي في حزب نداء تونس فإن ذلك سيزيد من فرص انهيار التجربة الديمقراطية التونسية قاطبة، حيث من غير المرجح أن يوافق الرئيس السبسي على قيام النهضة في حالة تحولها للحزب الأكبر تمثيلا في البرلمان بتشكيل حكومة جديدة. كما أن إقدام النهضة على الدعوة لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة ليس مؤكدا بسبب إدراك قادة النهضة أن قدرتهم على حل المشكلات الاقتصادية في ظل الظروف الحالية يبدو ضعيفا، ومن ثم فلن يغامروا سواء بطلب تشكيل حكومة جديدة حال فقدان نداء تونس الأكثرية البرلمانية، أو طلب إجراء انتخابات مبكرة. وقد أكد ذلك على العريض أحد زعماء حركة النهضة بقوله" نحن مع الاستقرار ولا نؤيد الإطاحة بالحكومة الحالية"، أو بمعنى أكثر وضوحا فمن المرجح أن تظل الأزمة السياسية في تونس تراوح مكانها في المدي المنظور، لأن أيا من أطراف اللعبة السياسية لن يجرؤ على المغامرة بتقويض الوضع الراهن وتحمل مسؤولية قيادة البلاد وتجربتها الديمقراطية الوليدة نحو المجهول.


رابط دائم: