قمة كامب ديفيد 2: مخاوف خليجية من الحليف الأمريكى
2015-5-26

صافيناز محمد أحمد
* خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
26/05/2015 عُقدت بالولايات المتحدة الأمريكية في الثالث عشر من مايو الجارى قمة كامب ديفيد 2 بين الرئيس الأمريكي بارك أوباما وعدد من قادة ومسئولي دول الخليج العربي، وهى القمة التي جاءت بعد شهر من الاتفاق النووي المبدئي بين إيران ومجموعة 5+1. وجاءت القمة كمحاولة أمريكية لعلاج تزايد حالة القلق لدى دول الخليج من احتمالية أن يؤدي الإبرام النهائى للاتفاق في يونيو المقبل إلى تراجع الحليف الأمريكي عن دعمه السياسي والأمني المعهود، أو أن تؤدي مصالحه الجديدة مع إيران إلى الانتقاص من المصالح الخليجية في عدد من الملفات الإقليمية التي تلعب دول الخليج دورا محوريا فيها كالملف السوري والعراقي واليمني. وقد اقتصر الحضور الخليجي على قادة الصف الثاني باستثناء أميرى الكويت وقطر، حيث غاب عن القمة كل من الملك سلمان عاهل السعودية والملك حمد بن عيسى عاهل البحرين وسلطان عُمان السلطان قابوس، وقد بعث غياب هؤلاء القادة عن حضور القمة برسالة واضحة المعالم لواشنطن مفادها أن قادة دول الخليج باتوا ينظرون بعين الشك والريبة والغضب للسياسة الأمريكية في المنطقة العربية خلال الأعوام القليلة الماضية، لاسيما التهديدات التي يتعرض لها أمن الخليج من قبل إيران - الوضع في اليمن مثالا- التي ستبرم معها واشنطن اتفاقا نوويا قريبا، خاصة بعد أن صرح أوباما تصريحا غير مسبوق في تاريخ العلاقات الدبلوماسية الأمريكية الخليجية قائلا: "إن الخطر الحقيقي على دول الخليج لا يأتى من إيران بقدر ما يأتي من الداخل"، في إشارة إلى سجل تلك الدول فيما يتعلق بتطبيق الديمقراطية والسماح بالحريات واحترام حقوق الإنسان. ضمانات عامة لا تبدد المخاوف: في هذا السياق جاءت فعاليات القمة ومباحثاتها وبيانها الختامي لتدلل على أن العلاقات الأمريكية الخليجية ستدخل طورا جديدا يختلف إلى "حد ما" عن الحالة التي كانت تتميز بها من قبل سياسيا وعسكريا، وهو ما أدركته دول الخليج في هذه القمة التي لم تحصل منها على ما يبدد مخاوفها وهواجسها بشأن أمنها واستقرارها في المدى المنظور، كما أدركت أن الرئيس الأمريكي استهدف من اللقاء تهدئة المخاوف الخليجية مع اقتراب التوقيع النهائي للاتفاق النووي مع إيران. ولا يقلل من الاتجاه نحو توقيع الاتفاق التصريح الذي أطلقه أوباما مؤخرا بأن إيران دولة ترعى الإرهاب وأن إدارته ملتزمة بحماية أمن الخليج، لأن التصريح استهدف "ترضية" دول الخليج التي أصبحت مطالبة من قبل واشنطن بقبول الاتفاق النووي الإيراني باعتباره أمرا واقعا، بل تدعو واشنطن دول الخليج إلى النظر للاتفاق النووي -الذي يضمن عدم تصنيع إيران لأسلحة نووية- على أنه ضرورة "إقليمية ودولية " في الوقت الراهن. وكان الاتفاق المبدئي قد أشار إلى ضرورة تعاون إيران مع دول المنطقة وفقا لمباديء حسن الجوار، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لغيرها من الدول، وأن تتخذ من الإجراءات ما يؤدي إلى إعادة بناء الثقة بينها وبين جيرانها بالأساليب السلمية، دون أن يحدد كيفية مواجهة طهران في حال عودتها للتدخل في الشئون الداخلية لدول جوارها بعد إبرام الاتفاق مثلا، كذلك لم يحدد الضمانات التي ستقدم لدول الخليج في هذا الشأن، بل اكتفى بتناول ضمانات عامة غير ملزمة. في الوقت نفسه أكدت واشنطن على تعاونها مع دول الخليج في قضايا مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود والأمن البحري، واستمرارها في دعم القدرات العسكرية لدول الخليج لاسيما ما يتعلق منها بحماية تلك الدول من خطر الصواريخ البالستية. قضايا مهمة بين الاتفاق والاختلاف: يمكن القول أن واشنطن انتزعت في القمة اعترافا خليجيا بالاتفاق النووي مع إيران؛ مقابل أمرين: الأول، ضمان تطوير القدرات العسكرية لدول الخليج والدفاع عنها تجاه ما يهدد أمنها. والثاني، التزام واشنطن بالعمل على حل أزمات المنطقة سياسيا بما يقلص من فرص أية ممارسات لإيران تحاول زعزعة استقرارها، لكنها تظل تعهدات والتزامات "شفهية" فقط؛ أى لم تتم المقايضة التي ترتضيها دول الخليج، أو التي كانت ستعرضها على الرئيس الأمريكي والتي مؤداها؛ الاعتراف بالاتفاق النووي مقابل الحصول على ضمانات أمنية عبر تعهدات "مكتوبة" في شكل التزامات قانونية أمريكية، تضمن دفاع الولايات المتحدة عن دول الخليج حال تعرض أمنها للخطر. وبالفعل جاء البيان الختامي للقمة خاليا من الإشارة إلى أي التزام قانوني يفرض على واشنطن مواجهة طهران حال تهديدها لاستقرار دول الخليج، واكتفى البيان بالتشديد على أن ضمان أمن الخليج يعد بالنسبة لواشنطن "مصلحة مشتركة" مع دوله عبر التصدى لأنشطة تزعزع استقراره وعبر ضمان نقل السلاح لدوله، ما يعني أن البيان قد كرس فكرة حرص واشنطن على عدم التورط في حرب مع إيران خلال الفترة القادمة، دون أن تحصل دول الخليج على تعهدات بتقليص دور إيران الإقليمي. أضف إلى ذلك أن أوباما دفع الخليجين إلى القبول بمجموعة "تفاهمات" بشأن ملفات المنطقة التي تلعب فيها إيران دورا محوريا كاليمن وسوريا والعراق ولبنان: فبالنسبة للملف السورى؛ اتفق الجانبان - الخليجي والأمريكي- وتفاهما على مكافحة الإرهاب في سوريا مع استمرار دعم المعارضة المعتدلة، وضمان الوصول إلى مرحلة سياسية انتقالية يستبعد فيها الرئيس بشار الأسد من المشهد السياسي السوري، بينما استمر اختلاف الطرفين بشأن الكيفية التي يتم بها دعم المعارضة السورية المسلحة، حيث لاتزال واشنطن تتحفظ على عملية مد المعارضة بأسلحة نوعية، وبالتحديد الصواريخ المضادة للدروع بذريعة تخوفها من وصول هذه الأسلحة إلى العناصر المتشددة دينيا كداعش والنصرة، هذا الموقف الأمريكي دفع الخليجيين إلى تنسيق الجهود مع تركيا في مجال دعم المعارضة خلال الشهر الماضي، حيث انعكس التقارب السعودي التركي القطري بشأن سوريا في تحقيق إنجازين: الأول توحيد عناصر المعارضة المسلحة السورية – الجيش السورى الحر وعدد تسعة ألوية عسكرية أخرى بما فيها جبهة النصرة التي صنفت كجبهة إرهابية – تحت مسمى جيش الفتح، والثانى تزويد المعارضة بالأسلحة النوعية التي طالما امتنعت واشنطن عن تقديمها لها لاسيما صواريخ تاو المضادة للدبابات. وقد أدى هذا التنسيق السعودي التركي إلى تحقيق المعارضة لعدة انتصارات في مواجهة الجيش السوري لاسيما في إدلب وجسر الشغور وريف حلب، الأمر الذي يغير بالفعل من التوازن العسكري القائم بين النظام والمعارضة على أرض الصراع الميداني لصالح المعارضة الموحدة، ما قد يدفع النظام مستقبلا إلى قبول التفاوض المثمر على أساس مقررات جنيف1. أما بالنسبة للملف اليمني؛ فقد توافق الطرفان الخليجي والأمريكي على دعم الرئيس والسلطة الشرعية في اليمن مقابل رفض الإجراءات التي قامت بها جماعة الحوثيين، على الرغم من أن واشنطن تدرك تماما أن عاصفة الحزم مثلت من الناحية العملية ردا سعوديا مباشرا على تطورات الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، والتي لم تراجع فيها الرياض واشنطن قبل شنها. كما بينت عاصفة الحزم عدم تراخي الطرف الخليجي في الدفاع عن مصالحه الحيوية وأمنه الوطني والإقليمي ولو عبر تحرك منفرد لا تعلم به واشنطن أو حتى يتم التنسيق بشأنه معها، وأن لديه من الإمكانيات المادية ما يوسع من مجال تحالفاته وخياراته في اللجوء إلى مصادر القوى التي تمكنه من حماية أمنه واستقرار دوله. وهو ما تم تداركه في بيان كامب ديفيد 2، حيث أشار البيان الختامى فيما يتعلق باليمن إلى ضرورة "أن تتشاور دول الخليج مع واشنطن عندما تخطط لعمل عسكري خارج حدودها خصوصاً عندما يتطلب الأمر مساعدة أمريكية". وقد اتفق الطرفان أيضا على ضرورة محاربة تنظيم القاعدة في اليمن، وشددت واشنطن على أهمية الهدنة الإنسانية، وطالبت الأطراف المتنازعة بالانتقال لعملية سياسية تقوم على التحاور عبر مؤتمر الرياض القادم، وعبر مفاوضات أممية تقوم على حل الأزمة على أساس مقررات المبادرة الخليجية، وقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن. أما الملف العراقي، فقد طالب كلا من الطرفين الخليجي والأمريكي الحكومة العراقية بالعمل على رفع كافة أشكال المظلومية التي تتعرض لها بعض مكونات المجتمع العراقى، والعمل على تدشين مصالحة وطنية دون أن يحددا ما هي الجهود المشتركة التي يمكن دفعها على مستوى الملف العراقي لضمان تحقيق هذه الأهداف؛ في الوقت الذي تقود فيه الولايات المتحدة تحالفا لضرب داعش في العراق، لكنها حتى هذه اللحظات لم تحقق نجاحات من شأنها اجتثاث هذا التنظيم، بل على العكس اجتاح داعش مدينة الرمادي مؤخرا وأصبح يسيطر عليها سيطرة شبهة كاملة بعد ترك الجيش العراقي لمواقعه فيها من ناحية، وعدم فاعلية الضربات الجوية من ناحية ثانية، الأمر الذي يضع استراتيجية أوباما في مواجهة داعش على المحك ويجعلها قاب قوسين أو أدنى من الفشل. وبالنسبة للبنان، بدا واضحا التوافق الخليجي الأمريكي حول الأوضاع في لبنان بعدم الانحياز لأي من أطراف العملية السياسية، ما يعني الإقرار بطبيعة توازنات القوى المتحكمة في المشهد السياسي اللبناني، والتي تعتبر إيران طرفا فيها عبر دعمها لحزب الله، وهي توازنات أدت حتى هذه اللحظة إلى عدم قدرة البرلمان اللبناني على اختيار الرئيس الجديد. مما سبق يتضح أن البيان الخليجي الأمريكي الصادر عن قمة كامب ديفيد 2 يضع حدودا واضحة المعالم لتوازنات القوى الإقليمية الراهنة؛ وهى توازنات تقوم على الاعتراف فعليا بالنفوذ الإقليمي لإيران في كافة الملفات السابق ذكرها، ووفقا لضوابط تعترف بدورها بنفوذ سعودي خليجي مماثل في بعض تلك الملفات كالسوري واليمني على سبيل المثال، مع اختلاف الأوزان النسبية لأدوار تلك القوى من ملف لآخر، ما يعني ميل ميزان القوى الإقليمية في المنطقة بعد الاتفاق النووي لصالح إيران. فالإدارة الأمريكية الحالية ببساطة لا ترغب في أن يتم وضعها أمام خيار إما دعم الخليج في مواجهة مفتوحة مع إيران، أو دعم إيران ومشروعها في مواجهة مع دول الخليج، فواشنطن تريد تجنب عداء إيران وفي الوقت نفسه انجاز اتفاق يكبح ويوقف من تقدمها النووي؛ أى أن واشنطن بصدد تطوير علاقاتها السياسية مع الطرفين الخليجى والإيراني في آن واحد، فهل تستطيع واشنطن الجمع بين النقيضين، أم ستشهد المنطقة العربية عامة، والخليج العربي خاصة بداية صراع جديد على النفوذ الإقليمي تكون الولايات المتحدة طرفا مؤججا له في المستقبل القريب؟.

رابط دائم: