الهجوم الإرهابي على صحيفة شارلي إبدو
2015-1-14

د. حازم محفوظ
* خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية الاستراتيجية، ومدير تحرير التقرير الاستراتيجي العربي

 منذ تأسيسها عام 1969 وتحت شعار حرية التعبير، تسخر شارلى إبدو من كل ما هو مقدس وكل ما هو وقور، فتنشر مقالات وتقارير ورسوم كاريكاتيرية عن اليهودية والمسيحية والإسلام، وكذا فى جميع المجالات من سياسة وثقافة وفن. وكانت تلك الصحيفة مثار جدل منذ عام 2006 حين أعادت نشر الرسوم الدانماركية المسيئة للنبي محمد ؟، وهي الرسوم التى أدت إلى أعمال احتجاج، ونتيجة لحالة الاستياء والاستهجان مما فعلته المجلة من إهانة وتطاول على المقدسات الإسلامية، قامت مجموعة من الجمعيات الإسلامية بتقديم شكوى في إحدى المحاكم الفرنسية، ولكن المحكمة اعتبرت أن الرسوم الكاريكاتيرية آنذاك استهدفت الإرهابيين وليس المسلمين، ولقد توالت بعد ذلك الأعمال المسيئة للمقدسات الإسلامية من قبل تلك الصحيفة، وكذا ردود الأفعال. وفى يوم الأربعاء السابع من يناير 2015، يأتي الهجوم الإرهابى على مقر تلك الصحيفة فى باريس، والذى استهدف أرواح الصحفيين، وأوقع أثني عشر قتيلاً، من بينهم أثنان من المسلمين هما: الشرطى "أحمد المرابط"، و"مصطفى أورد"؛ المدقق اللغوى بالصحيفة ذاتها، وقد جاءت معظم التفسيرات كما ردد البعض كونها انتقاماً لكاريكاتير يمس خليفة "داعش" أبو بكر البغدادي، أو اعتراضاً على الرسومات المسيئة للرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. حدث كل هذا خلال شهر من اعتراف فرنسا بدولة فلسطين! إذ أن البرلمان الفرنسي صوت فى ديسمبر 2014 بأكثرية 339 من أصل 506 أصوات على مشروع قرار للاعتراف بدولة فلسطين بغية التوصل إلى تسوية نهائية للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بالرغم من الضغوط التى مُرست من قبل الحكومة الإسرائيلية، ورئيس الوزراء الاسرائيلي؛ بنيامين نتنياهو، وتحذيره لفرنسا من الاعتراف بالدولة الفلسطينية بقوله: "إن ما تقوم به خطأ فادحا وغير مسؤول". وفى نفس السياق، أعلن السفير الإسرائيلي في فرنسا "يوسي غال" يوم الخميس 27 نوفمبر 2014 – أى قبل التصويت ببضعة أيام - أن تصويت النواب الفرنسيين على مشروع قرار حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية قد "يفاقم الوضع ويؤدي إلى أعمال عنف في فرنسا"، وأمام "جمعية الصحافة الدبلوماسية الفرنسية" قال "غال" "إن مثل هذا التصويت قد يفضي إلى دوامة جديدة من العنف ضد إسرائيل، لكنه سيكون أشد خطورة على فرنسا ومواطنيها". والسؤال هو: لحساب من يعمل أدعياء الجهاد؟ وهل لا يزال بيننا من يصدق أن هذه العمليات جاءت انتصارا للنبي ?؟ وهل ما حدث فى فرنسا هو صناعة صهيونية بأيدى إرهابية؟ ومن ناحية أخرى، فبالرغم من أن هذا الهجوم يعتبر أعنف هجوم تتعرض له فرنسا منذ مجزرة باريس عام 1961، أثناء حرب التحرير الجزائرية، إلا إنه لمن العجائب أن تقوم داعش بهذا الاعتداء الإرهابى فى الوقت الذى لم نسمع لها أي ردة فعل عندما وجهت تلك الصحيفة إساءات من قبل لرسولنا الكريم محمد ? عام 2006، بما لا يدع مجال للشك بأن هذا الهجوم ليس له علاقة بالإسلام ولا بالمسلمين، ولكنه ليس سوى عملية تخفي من الحقيقة أكثر مما تظهر، ولعل أهم الأشياء التى يمكن أن تكون محجوبة تتبدى في السؤال الآتي: هل لو تم إدماج المسلمين في المجتمع الفرنسي بشكل كامل كان من الممكن لهذا العمل أن يقع؟ وهل لو لم تتدخل فرنسا والدول الأوربية في شئون الدول الأخرى بقوة السلاح كان لهذا العمل أن يقع؟ ولقد طرح بعض المحلليين السياسين أسئلة أخرى منها على سبيل المثال سؤال مفاده الكيفية التى حصل بها المهاجمون على السلاح المتطور - بنادق اقتحام من نوع AK47 - وتمكنوا بفضله من مهاجمة الصحيفة، فمنهم من ذكر أن الحكومة الفرنسية قامت بتقديم دعماً عسكرياً للمسلحين الليبيين عام 2011 في حربهم ضد العقيد القذافي، أما البعض الآخر فطرح رؤية أن الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند سبق وأكد أن فرنسا قدمت دعماً عسكرياً لجماعات المعارضة السورية العام الماضي، ومن ثم فلم يستبعد البعض من أن يكون هجوم الشقيقين كواتشي اللذين عادا من سوريا الصيف الماضي، قد نجحا في إدخال الأسلحة التي تم استخدامها في الهجوم على الصحيفة، ويبدو أن التحليلين السابقين يصبان فى اتجاه واحد وهو أن الغرب لم يدرك حتى الآن خطورة التعاون مع التنظيمات المسلحة. والسؤال الآن: كيف سينعكس هذا الحادث على المسلمين في فرنسا وأوروبا؟ بالطبع، سيصب هذا الحادث لصالح اليمين الفرنسى خاصة، والأوربى عامة الذى يدعوا لطرد المسلمين من فرنسا وأوربا، ومن المتوقع أن تفرض أوربا مزيد من القيود على الراغبين فى السفر والهجرة إليها، وكذلك سوف يتم تشديد الرقابة على المسلمين المقيمين بفرنسا، وستتحول حياتهم تدريجياً إلى جحيم. وخيرا ما قام به الأزهر من الإدانة الفورية لذلك الحادث الإجرامي، وتأكيده على أن "الإسلام يرفض أي أعمال عنف". هذا بالطبع لا يتعارض مع التذكير بأن الإساءة إلى أي عقيدة دينية أو رسول هي أمر مرفوض تماماً، لما يسببه من جرح لمشاعر الملايين من المؤمنين. ولكن ما الحل؟ بات من الواضح أن الإرهاب خطر محدق يهدد أمن الدول واستقرار الشعوب بغض النظر عن ديانتها أو معتقداتها، ولابد أن نشن حرباً على الفكر الإرهابي من خلال القضاء على أسبابه وجذوره الفكرية والعقدية والإيديولوجية وبيئاته الحاضنة له، وأتصور أن "الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين" و"الاتحادات المسيحية" عليهم بذل مزيد من الجهد لمحاولة علاج هذا الفكر المتطرف الذى يعانى منه العالم كله، كما بات واضحا أن النجاح فى القضاء على هذا التشدد والتطرف مرهون بمزيد من تعاون الجميع كل فى مجاله.


رابط دائم: