استكشاف "الزمن المُهدَر" في صراعات الشرق الأوسط
2025-5-6

د. خالد حنفي علي
* باحث مصري، مؤسسة الأهرام

 

ما بين أن نولد ونموت زمن محدود لا يعادل في مسار الكون سوى ومضة سرعان ما تنطفئ. قد تصبح تلك الومضة مورداً وقيمة للحرية والسلام والتنمية والعدالة في بعض الدول والمجتمعات، بينما تتعرض في سياقات أخرى إلى الهدر بفعل الاستبداد والصراع والفقر والظلم. تتراكم تلك الومضات على مدى أزمنة ممتدة لتخلق إرثاً تاريخياً وذاكرة جماعية تؤثر في حاضر ومستقبل المجتمعات. وعندما تتلاقى تراكمات الزمن مع المكان والثقافات والهويات ونمط علاقات القوة والسلطة، فإنها تشكل حالة السياسة خلال فترة معينة من حياة الدول والمجتمعات.

في حالة السياسة تلك، يصبح عامل الزمن غير مرئي ومتداخلاً مع عوامل أخرى جيوسياسية أو أمنية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية إلى حد يصعب الإمساك به منفرداً، إذ يتم التعامل معه إما كمعطى مسبق أو سياق خلفي أو مؤطر لتطور المبادئ السياسية أو فترات الأنظمة الحاكمة أو السياسات الخارجية أو النظام الدولي، كأن يتم الحديث عن فترة الحرب الباردة حيث الصراع بين القوتين العظميين، أو ما بعد انتهائها عندما هيمنت الولايات المتحدة على النظام الدولي، أو عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر أو عصر العولمة أو عِقد الثورات العربية أو حقبة ترامب أو إعادة تشكيل الشرق الأوسط ما بعد السابع من أكتوبر أو ما شابه.

مع ذلك، قد يكون الزمن، في حد ذاته، مجالاً لممارسة السلطة أو القوة أو أداة مؤثرة في صنع القرارات والسياسات أو مدخلاً لفهم وتشكيل ما يجري في محيطنا من تفاعلات سياسية سواء داخل الدول أو السياسة العالمية [1]. ذلك أن نتائج قرار سياسي أو رواج خطابات معينة أو فعالية تدخلات خارجية لتسوية صراع ما أو إدارة العلاقات بين الدول قد تختلف من سياق زمني إلى آخر. بل إن الزمن قد يخضع للتسييس، عندما يستخدمه المتنافسون على السلطة والثروة في تبرير نشوب صراعاتهم إما بالعودة لمظالم الماضي أو أزمات الحاضر، حيث يرتبون الأحداث وتسلسلها زمنياً بطريقة تشرعن مطالبهم وأدوارهم وتجتذب المؤيدين.

يتحول الزمن أيضاً إلى قوة تغيير سياسي، عندما تطرأ تحولات على خطابات وسلوكيات الفاعلين المتنازعين بمضي الوقت، فمع اكتسابهم الخبرات من تفاعلات البيئة المحيطة قد يصبحون أكثر مرونة أو على العكس تشدداً في إدارة الصراعات. كذلك قد يتضمن ذلك الزمن نوعاً من الانحياز المعرفي الضمني لقيم وأفكار معينة، عندما يتم وصف أيديولوجية أو خطابات أو سياسات ما بأنها صالحة للعصر، بينما يتم وصم أخرى بأنها لا تلائم طبيعته أو لا تدرك مقتضياته، أو أن هذا الفاعل أو ذاك تقليدي (ديني، قبلي، طائفي، مناطقي، عائلي) مقابل آخر حداثي أو وطني أو قومي.

على هذا الأساس، تستكشف تلك الورقة ارتباطات الزمن والسياسة، بهدف إسقاطها على ظاهرة الصراعات، مع الاستدلال بحالة الشرق الأوسط التي تتسم فيها تلك الصراعات بامتدادها الزمني منذ استقلال دولها قبل أكثر من سبعة عقود عن الاستعمار الغربي. تكمن أهمية ذلك في أن العامل الزمني لا يساعد، فحسب، على فهم الواقع الصراعي ودينامياته ونتائجه، إنما يحمل دروساً قد يدركها بعض المتنازعين فتنعكس على استجاباتهم السياسية، بينما قد يتجاهلها آخرون، فيعيدون أخطاء الماضي في الحاضر والمستقبل، وكأن الزمن لديهم وعاء فارغ لا يترك بصماته على مدركاتهم وسلوكياتهم السياسية. 

الزمن بين السلطة والأثر والتسييس

قد يبدو مفهوم الزمن يسيراً ومحايداً، عندما يشير إلى مدة أو وقت أو فترة زمنية سواء طالت أم قصرت، لكنه في واقع الأمر ينطوي على تعقيدات هائلة بسبب اختلافات النظرة له في مجالات كالفيزياء والفلسفة والاجتماع والأدب، ناهيك عن أنه يخضع بالأساس لتأويلات متعددة ترتبط بالثقافات الاجتماعية، من حيث كونه مورداً أو قيمة أو مخزناً للذاكرة أو العيش في الحاضر أو التطلع للمستقبل.

بشكلٍ عام، يعني الزمن تقدماً مستمراً للأحداث والاتجاهات والظواهر من الماضي إلى الحاضر والمستقبل، وهي عملية متحركة قد تتسارع أو تتباطأ وتيرتها، وفقاً لنمط تفاعلها مع المكان والأفكار والبشر، لكن لا رجعة فيها، فضلاً عن أنها أكثر شمولاً من مفهوم الوقت، كمدة فاصلة ومحددة بين حدثين يمكن قياسها، كما أنها ترتبط في السياسة بدلالات التطور والتقدم والتغيير والجمود والاضمحلال لأحوال الدول والمجتمعات. فيما يفرق البعض بين الزمن اللغوي الذي له صلة بمتى وقع حدث ما، والزمن الفلسفي (الزمان) الذي يعبر عن الامتداد أو الدهر أو الأجل أو السرمد أو الأبد[2].

لهذا الزمن، أنماط عديدة من حيث مساراته منها: الزمن الخطي (مسار مستقيم للأحداث)، والزمن الدائري (إعادة إنتاج الأحداث)، والزمن السحيق (تاريخ الأرض على مدى ملايين السنين)، أو حتى الزمن المتخيل، أي بناء زمن مغاير للواقع بغرض نقد الزمن الحقيقي وإنماء القدرة الإنسانية على الابتكار، على نحو يظهر كثيراً في الروايات الأدبية. يتمدد هذا التخيل الزمني إلى السياسة، عند بناء سيناريوهات "ماذا لو"؟  كأن نتصور أن الشرق الأوسط مضى في مسار زمني مغاير بلا صراعات أو حروب، أي يتم وضع معطيات متخيلة لدول المنطقة، ثم دراسة أنماط تفاعلاتها ونتائجها البديلة على مختلف الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليتم مقارنتها بالمسار المأزوم الراهن للمنطقة بغرض استخلاص الدروس من كلفة استمرار الصراع وعوائد السلام، أي تقييم الفرص الزمنية المهدرة في المنطقة.

 بتعقد فكرة الزمن وأنماطه المتداخلة، اقتصر الاهتمام به في السياسة على منطق تأريخي تسجيلي وتأطيري، وهي مسألة مؤثرة في فهم الأحداث والاتجاهات والظواهر، لأنها تضع اللبنة الأولى في خارطة الإدراك السياسي. لكن عالم الاجتماع جورج واليس تجاوز هذا الأمر في السبعينيات إلى وضع الزمن كعامل مؤثر في بنية التفاعلات السياسية، عندما طرح مصطلح السياسة الزمنية chronopolitics ([3]) ليعبر عن الارتباطات الوثيقة بين السلوكيات السياسية للأفراد والجماعات ومنظوراتهم الزمنية التي قد تفسر مسارات التغيير والتنمية خلال فترة معينة من حياة الدول والمجتمعات. من بعد ذلك، تدفقت رؤى عديدة انتقلت بالزمن من الماضي والحاضر إلى المستقبل الذي قد يكون مجالاً لصراعات القوى السياسية الاجتماعية، عندما تتنافس رؤاها في حل الأزمات إما بمنطق النظرات السياسية طويلة أو قصيرة الأمد([4]).

لقد انبنت تلك الارتباطات على أن الزمن سواء أكان في الماضي أو الحاضر أو المستقبل يصوغ بالأساس إدراك البشر وفهمهم لما يمر ويحيط بهم من أحداث، ومن ثم قد يؤثر على قيمهم وهوياتهم واستجاباتهم السلوكية. من هنا، أخذت دراسة علاقات الزمن والسياسة زاويا عديدة ومختلفة الاتجاهات. فقد تسيطر الدولة القومية الحديثة على الزمن كتعبير عن سيادتها، فهي تملك سلطة تحديد التقويم الزمني، وتنظيم الاستحقاقات السياسية والدستورية والانتخابية في مواعيد معينة. علاوة على أنها تربط اكتساب أو إنكار حقوق المواطنة مثل الجنسية بإجراءات لها جداول زمنية تحددها السلطة. لكن عصر العولمة وثورة الاتصالات والتكنولوجيا أديا إلى تسريع التدفقات العابرة للحدود، ومن ثم ضغط الزمان والمكان بما قاد إلى اختراق سيادة الدولة على البعد الزمني([5]).

من جانب آخر، ينظر للزمن كمعنى سياسي قد يسهم في تشكيل الهويات الفردية والجماعية، لا سيما مع الأثر الممتد لذاكرة الماضي على تفاعلات الحاضر والمستقبل، على غرار إحياء ذكرى الإبادة والحروب لتعزيز المشاعر الوطنية في الدول في مراحل ما بعد انتهاء الصراعات. نالت كذلك الدورة الزمنية لنمو وصعود الإمبراطوريات ثم انهيارها اهتماماً واسعاً في الدراسات، حيث يصبح عندها المسار السياسي دائرياً متكرراً، كنظرة ابن خلدون حول أطوار السلطة من الولادة والنمو إلى الزوال على غرار حياة الإنسان ذاتها. لكن تلك الدورة، التي نظر لها البعض على أنها حتمية بفعل وقائع تاريخية، تعرضت إلى نقد كونها تتحدى قدرة العقل والبشر أنفسهم على إمكانية تلافي مسارات الانهيار عبر إصلاح العوامل التي تقود لذلك.

من منظور الحداثة الغربية، يصبح المسار الزمني خطياً مستقيماً عند انتقال الدول والمجتمعات من التخلف إلى التقدم، أي من المجتمعات الزراعية التي تستند على القيم الجماعية والانتماءات الأوّلية كالدين والقبيلة والعرق والطائفية والأسرة وغيرها إلى المجتمعات الصناعية الحديثة التي تصبح فيها الولاءات للدولة القومية ومؤسساتها الحديثة، فضلاً عن سيادة القانون والقيم الفردية. لم يسلم هذا المسار أيضاً من نقد لتعبيره عن خبرة غربية ترهن التقدم الاقتصادي بتفكيك البنى الاجتماعية التقليدية، بالتالي تغفل خصوصية خبرات أخرى في دول ومجتمعات الجنوب لا تزال تشكل فيها تلك البنى تحدياً لمسار الحداثة الغربية، ناهيك عن أن فرض وشرعنة ذلك المسار الزمني الغربي على دول الجنوب سواء إبان الاستعمار أو ما بعده عكس تفاوتات القوة في السياسة الدولية([6]).

ولأن قواعد اللعبة السياسية وتوازنات القوى قد تختلف من حقبة إلى آخر، فإن فهمها يحدد للفاعلين السياسيين ما هو ممكن وغير ممكن على مستوى الخطابات والسلوكيات في مجال السياسة في وقت معين. ناهيك عن أن تغير الحقب السياسية قد ينتج علاقات وهياكل قوة جديدة داخل الدول أو السياسة العالمية، بما يقتضي أنماطاً مختلفة من الاستجابات السياسية. على سبيل المثال، سمحت توازنات القوى بين القوتين العظميين (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي السابق) إبان الحرب الباردة ببروز سياسات الحياد لدى بعض الدول، بينما تراجع ذلك الاتجاه بعد انتهاء تلك الحرب إثر صعود الهيمنة الأمريكية، فيما أدى الاتجاه الراهن نحو التعددية القطبية في النظام الدولي إلى أنماط مختلفة من الاستجابات تنوعت بين الحياد والتحوط، خاصة عند إدارة الدول الصغري والمتوسطة لعلاقاتها بالقوى الكبرى.

إجمالاً، هنالك اتجاهات أساسية للارتباط بين الزمن والسياسة قد تساعد عند فهم تجلياتها في ظاهرة الصراعات([7])، أولها، سياسة الزمن The Politics of Time، أي أن السياسة تنظم الزمن وتديره كجزء من عمليات الهندسة السياسية والاجتماعية وإدارة العملية الإنتاجية وصحة القوى العاملة والاستهلاك مثل: التوقيت الصيفي وطول يوم العمل. ثانيها، زمن السياسة The Time of Politics، أي أن الزمن يصبح جزءاً من بناء سياسات الدول وإدارة علاقات القوة وعمليات صنع القرار والاستحقاقات السياسية وضغوطات الوقت في الأزمات والصراعات. أما الاتجاه الثالث، فيتعلق بتسييس الزمن Politicized Time، أي استخدام الزمن لتحقيق أغراض سياسية عبر المماطلة أو الصبر أو استحضار الماضي لشرعنة سياسات الحاضر، على نحو يظهر مثلاً في خطابات استعادة الماضي الذهبي في سياسات ترامب لإعادة أمريكا عظيمة مرة أخرى.

الزمن كموضوع ومُفسِّر وأداة للصراعات

في ظاهرة الصراعات سواء أكانت داخلية أم خارجية، يتجاوز الزمن مجرد تسجيل أحداثها وتطوراتها، حيث قد يتحول إلى موضوع للنزاع أو مدخل لتفسير توقيتات نشوبها، فضلاً عن التأثير في دينامياتها ونتائجها. يتأسس ذلك الفهم على أن الصراعات تعبر، في جوهرها، عن تناقضات حول القيم أو المصالح بين الأفراد أو الجماعات أو الدول، يتم إدارتها بوسائل سلمية أو عنيفة. تلك التناقضات لا تنشأ بمحض الصدفة، إنما بفعل تفاعلات تراكمية في مكان وزمان، وبخصوص قضايا معينة محل نزاع قد يتخذها أطراف الصراع في لحظة ما مبرراً لإشعاله.

داخلياً، قد تكون تلك القضايا محل الصراع: الإقصاء من السلطة أو الثروة أو انتشار الفقر أو البطالة أو التفاوت الاقتصادي-الاجتماعي أو التهميش الهوياتي، بينما قد تشمل خارجياً: الصراع على الموارد أو الحدود أو الأمن أو النفوذ الخارجي أو غيرها. ولا يمكن تفسير ظاهرة الصراعات دون معرفة ماضيها الزمني المتراكم أو فصلها عن تصورات المتنازعين وأجيالهم المختلفة لقضايا الصراع سواء في الحاضر والمستقبل، لأن ذلك قد ينعكس على خطاباتهم واستجاباتهم السلوكية.

عندما تنشب الصراعات وتسلك طريقها نحو مرحلة الحرب التي تواجه الدولة فيها تمرداً مسلحاً أو قوة خارجية تنزع سيادتها على مناطق جغرافية في البلاد، فإن سلطتها تتراجع على الزمن في تلك المناطق، كجزء من إدارة وتنظيم الحياة اليومية للسكان. يتمدد الزمن ليؤثر في نتائج الصراعات، بحسب مدتها الزمنية سواء أكانت قصيرة أم طويلة الأمد، فالنتائج المترتبة على الحروب الخاطفة قد تختلف عن نظيرتها الطويلة الممتدة. كذلك الأمر، فإن اختيار اللحظات المناسبة للتدخل في الصراع يشكل عاملاً أساسياً في مدى فعالية دور الأطراف الثالثة في منعه مبكراً، أو الحد من تأثيراته، أو تسويته، فضلاً عن أن ضيق الوقت أو اتساعه قد يلعب دوراً مؤثراً في التوصل إلى اتفاق تسوية من عدمه، وفقاً لطبيعة أطراف الصراع وحجم القضايا واتساعها من عدمه.

في مرحلة إدارة التفاوض حول وقف إطلاق النار أو التسوية، يعادل الزمن فعلياً وليس رمزياً أرواح بشر قد يموتون أو يظلون أحياء. وإذا تمت تسوية الصراعات، فالمسار الزمني بعدها قد يشكل فرصة لتقييم مدى قدرة أطراف النزاع على الالتزام بتعهداتهم في بناء السلام سواء أكانت بناء دستور جديد أو عقد انتخابات أو إنفاذ آليات العدالة الانتقالية من لجان حقيقة ومساءلة ومصالحة. ناهيك عن تعرض الزمن للتسييس في إدارة ديناميات الصراع عبر استدعاء الماضي في سردية المتنازعين لحشد وتعبئة أنصارهم أو انتهاج الصبر أو دبلوماسية شراء الوقت كتكتيك تفاوضي أو حتى تجميد الصراع لفترة زمنية إلى أن تتاح الفرصة لتغير قواعد اللعبة أو توازنات القوى مستقبلاً([8]).

بما أن البعد الزمني يتخلل كافة تفاعلات ومراحل الصراع، فيمكن التركيز على بعض الجوانب – على سبيل المثال لا الحصر- التي يظهر فيها ذلك البعد كموضوع أو مُفسِّر أو أداة مؤثرة في الصراعات، مع الاستدلال بحالات صراعية شرق أوسطية، وذلك على النحو الآتي:

 1- أوقات نشوب الصراع: يرتبط وقت نشوب صراع ما ببلوغ تناقضاته في لحظة زمنية معينة حداً لم يعد فيها مفر من النزاع بين أطرافه، فهي لحظة ينتقل فيها الصراع من الكمون إلى العلن أو من إدارته سلمياً إلى الصدام بدرجاته ومستوياته المختلفة وصولاً إلى الحرب الشاملة. هنا، يدخل العامل الزمني في بنية الصراع بطرق مختلفة متأثراً ومتداخلاً مع عوامل أخرى. فقد يمثل الزمن، كوقت مادي أو طبيعي، أهمية في تحديد قرارات أطراف النزاع في بدء شن الحرب أو الهجمات المسلحة في فترات أو مواسم معينة في العام. إذ اتجهت بعض الدراسات إلى الميل بأن الصراعات العنيفة قد تبدأ في الربيع والصيف وتتراجع في الخريف والشتاء.

تعرضت تلك الفرضية للنقد ليس فقط بسبب إمكانية عدم تعميمها، إنما لأن تصاعد تطور التكنولوجية العسكرية في الحروب الحديثة ساعد الجيوش وحتى الحركات المسلحة على بدء الصراع في أوقات مختلفة من العام، ولعوامل أخرى قد ترتبط بتقييم توازنات القوى ومدى تصور أطراف النزاع لتحقيق نصر عسكري على الخصم من عدمه. مع ذلك، وجدت دراسات أخرى ارتباط بدء أو تصاعد حدة الهجمات المسلحة، خاصة في الصراعات الأهلية بمواسم أو توقيتات ما بعد الحصاد الزراعي في مناطق كباكستان وأفغانستان، حيث قد يلعب وقت الحصاد دوراً في تأخير الصراعات، وفي حالات أخرى تمويل الهجمات المسلحة([9]). 

على الجانب الآخر، يبرز العامل الزمني في تفسير نشوب الصراع، عندما تتحول التراكمات الممتدة زمنياً لـ "العنف البطيء slow violence"([10]) إلى عنف مباشر في توقيت بعينه. يعني العنف البطيء نوعاً من العنف البنيوي الذي ينشأ تدريجياً لفترة طويلة، بفعل أضرار تقع على المجتمع نتاج الكوارث البيئية مثل الفيضانات والزلازل والجفاف وغيرها، أو الآثار الممتدة لسنوات وربما لعقود من سياسات الأنظمة في قمع وإفقار المجتمعات أو تكريس التفاوتات الاقتصادية-الاجتماعية أو التمييز العنصري.

يتأثر عادة بهذا النوع من العنف البطيء الفئات الاجتماعية الهشة الأقل قدرة على التكيف، بما يترك خلفه اختلالات هيكلية كالتهميش السياسي والفجوات الطبقية وأزمات الهوية. مع تراكم وانتشار الاختلالات التي يحدثها العنف البطيء زمنياً ومكانياً، فقد يقود في لحظة ما إلى تسهيل نشوب صراع مباشر عنيف، أي يتم فيه اللجوء للقوة والعنف بين المتنازعين، مدفوعاً بعوامل آنية أخرى محفزة كنشوب الاحتجاجات الشعبية أو التمردات المسلحة أو فشل المسار الانتقالي في دول الصراعات.

هنا، تبرز حالتا سوريا والسودان في صراعات الشرق الأوسط، حيث هيأت تراكمات العنف البطيء الممتدة زمنياً ومكانياً في الدولتين لبلوغ حالة الصراع العنيف. في سوريا، أسهم الجفاف الذي ضرب شرق البلاد لفترة زمنية امتدت بين عامي 2002 و2010 في هجرة المزارعين إلى المدن المكتظة، وهو ما أنتج بطالة وضغطاً على الأوضاع الاقتصادية-الاجتماعية، مما سهل تفجر الصراع العنيف إثر الثورة على نظام الأسد في العام 2011، والتي تعرضت للقمع ثم العسكرة.

أما في السودان، فقد حفّز تناقص الأمطار والجفاف والصراع بين الرعاة والمزراعين على موارد الرعي على إشعال الصراع المسلح في دارفور في العام 2003 ليتداخل مع عوامل الصراع القبلي والتهميش في معادلة السلطة والثروة من قبل سياسات المركز في الخرطوم. ولأن هذا الصراع لم يتم معالجته جذرياً، فقد تفجر مرة أخرى في إطار الحرب الأهلية التي نشبت منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بعد الإطاحة بنظام البشير في العام 2019، والتي أضافت عوامل جديدة لنشوب الصراع لا تتعلق بالصراع على السلطة فحسب، وإنما تدخلات قوى إقليمية متنافسة للسيطرة على موارد السودان من خلال وكلاء مليشياويين([11]).

يحضر الزمن أيضاً في أوقات نشوب الصراع، عندما يرتبط بمدى إدراك المتنازعين مدى ملائمة قواعد اللعبة السياسية لبدء الصراع. فبمنطق الرشادة والعقلانية، فإن خلل توازنات القوى في توقيت معين من المفترض أن يدفع أطراف النزاع إلى عدم بدء الصراع العنيف، حيث سيتوقع حينها الطرف الباديء بالصراع بأن كلفة الهجوم ستكون أكثر من عائده، أو أن يكون رد الطرف الآخر غير متناسب ويفوق الهجوم ذاته، أو أن توازنات القوى المحيطة بالصراع قد لا تتيح له تحقيق أهدافه ومصالحه. تختلف هذه الحسابات السياسية الزمنية عند نشوب الصراع من طرف لآخر، وفقاً لعوامل عدة منها: طبيعة مرونة أو تشدد قادة النزاع، مدى استيعابهم للمحيط السياسي وتوازناته، مدى امتلاك معلومات موثوقة حول قدرات الخصوم سواء في الرد على الهجوم في الحاضر أو المستقبل، ما اذا كان الصراع يخضع لتدويل من عدمه، بمعنى أن أي هجوم عنيف قد يجلب ورائه تدخلات خارجية مضادة لمساندة الخصوم.

 يقود عادة الخطأ في تلك الحسابات إلى مأزق صراعي مؤلم قد يصبح فيه بدء العنف المسلح من أحد أطراف النزاع ضد الآخر مكلفاً أو يحصد من ورائه أضراراً قد تفوق توقعاته. ربما يفسر ذلك حالة الجدال الراهن في منطقة الشرق الأوسط حول مدى صحة حسابات حماس في شن هجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، حيث قاد ذلك الهجوم إلى رد فعل إسرائيلي غير متناسب تحول بمضي الوقت واختلال توازن القوى إلى حالة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.

قد تنتج الأخطاء الزمنية معضلة أخرى تتعلق بعدم الحسم الميداني في الصراعات. في ليبيا، فشلت معركة طرابلس بين عامي 2019 و2020 بسبب عدم تقدير الجيش الوطني الليبي حينها لقدرة الخصوم في غرب ليبيا على التوحد لحظة الهجوم عليهم واستجلاب دعم إقليمي تركي، وفي اليمن بدا دخول العامل الإيراني على خط الصراع، بخلاف الجغرافيا المعقدة والقدرة اليمنية التاريخية على التعايش مع الحروب عوامل مؤثرة في عدم هزيمة الحوثيين أمام هجمات التحالف العربي بقيادة السعودية منذ العام 2015. كذلك، لم تستطع المعارضة المسلحة أو نظام الأسد في سوريا الحسم الميداني بسبب ارتباط كل منهما بأطراف اقليمية ودولية خلقت "توازن الضعف" في ديناميات الصراع، والذي ما إن تعرض للتغير إثر إضعاف المحور الإيراني وحلفائه المليشاويين بسبب تداعيات حرب غزة الأخيرة، حتى انهار نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024.

2 - بناء سردية الصراع: يلعب العامل الزمني دوراً أساسياً في بناء سردية الصراع، فالمتنازعون يعملون على صياغة رواية لتبرير ذلك الصراع تتضمن ترتيب الأحداث وتسلسلها زمنياً والترابط فيما بينها، كي يضفون شرعية على أنفسهم ويؤطرون طبيعة استراتيجياتهم وأدوارهم ومصالحهم. وتخلق طريقة سرد الصراع تلك منطقاً أو علاقات سببية تمنح المخاطبين بها المعنى لما يجري حولهم من أحداث وتفاعلات سياسية. فمن خلال سردية الصراع، يمكن فهم الحقائق، وهياكل السلطة، وعلاقات القوة، والربط بين الحاضر والماضي والمستقبل في مسار زمني متصل يعزز لديهم الهوية، ويحفز الذاكرة الجماعية([12]).

في صراعات الشرق الأوسط، يظهر نزاع واسع حول النظرة للعامل الزمني في سرديات المتنازعين التي تبرر نشوب تلك الصراعات بين من يستدعي مظالم الماضي وتراكمات العنف البطيء وآخر يركز على مبررات تتعلق بالزمن الحاضر لنشوب الأزمة. على سبيل المثال، طرح نظام الأسد في سوريا قبل سقوطه سردية آنية تفسر نشوب الصراع الأهلي واستدعاء قوى خارجية لمساندته على أنه بين قوى الاستقرار والأمن ووحدة الدولة السورية في مواجهة الفوضى والإرهاب والمليشيات. في المقابل، استدعت المعارضة المسلحة الماضي العنيف وعدم العدالة والتهميش والمظالم الهيكلية والسياسات التمييزية لنظام الأسد على مدى أكثر من خمسة عقود، فيما عادت سردية تنظيم داعش الإرهابي إلى الماضي البعيد لاستحضار زمن الخلافة الإسلامية، لصياغة روايته في سوريا، حيث يراها أرضاً "للجهاد ضد الكفار"، وأن هدفه استعادة تلك الخلافة([13]).

مع اختلاف الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي عن تلك الصراعات الأهلية في دول المنطقة، كونه قضية شعب تحت الاحتلال له حق مقاومته بكل السبل المتاحة، يظهر النزاع الزمني أيضاً في سردية ذلك الصراع حول استرجاع الماضي وربطه بزمني الحاضر والمستقبل. في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، بررته سردية حماس بالانتهاكات الإسرائيلية التاريخية والإنكار الممنهج لحقوق الفلسطينيين على يد الاحتلال، على مدار عقود ممتدة. أي أن الهجوم ليس فقط رداً على سياسات إسرائيل في الحاضر سواء الاستيطان أو التطبيع الإقليمي دون مقابل يتعلق بحقوق للفلسطينيين وإنما مظالم الماضي أيضاً، ناهيك عن أن مقاومة المحتل تؤسس لمستقبل فلسطيني يكفل له الحق في تقرير مصيره.

في المقابل، ينظر الإسرائيليون للهجوم من منظور زمن تنفيذه في الحاضر وما قد يرتبه مستقبلاً، فصاغوا سرديتهم على أنه تهديد وجودي آني لبنية الأمن الإسرائيلي، يعكس انكشافاً لاستراتيجيتهم في معادلة الردع سواء في غزة أو بقية المنطقة ككل، وهو ما يفسر توسيع إسرائيل للعنف الإقليمي لاستعادة تلك المعادلة بل والتأسيس لزمن مستقبلي يهيمنون فيه على قواعد اللعبة في المنطقة، ولهذا كرر بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي تصريحاته منذ هجوم حماس حول تغيير وجه الشرق الأوسط([14]).  

3- مسار مراحل الصراع: تأخذ مراحل الصراع مساراً زمنياً خطياً يبدأ من الكمون ثم البزوغ والتصاعد، مروراً ببلوغ نقطة الأزمة والحرب، ليعقب ذلك تخفيض لحدة الصراع، ثم وقف لإطلاق نار وتسوية يعقبها مرحلة بناء السلام. هذا المسار، الذي ينتقل من الصراع إلى السلام، تتعدد أشكاله ومراحله في الأدبيات الغربية والتي تستدمج نظرة لفكرة الصراع على أنه عملية تطورية للمجتمعات والدول، قد تبدأ من الفوضى لتنتهي بالتعايش، وهو ما قد يفيد في فهم مسار الصراع ومعرفة أي مرحلة يمر بها ويمكن فيها تسويته([15]).

 لا يمضي المسار الزمني لصراعات الشرق الأوسط على هذا النحو النظري، فكل مرحلة صراعية قد لا تعقبها الأخرى بالضرورة، حيث قد يحدث جمود عند مرحلة معينة أو تعثر لمفاوضات إطلاق النار أو التسوية بسبب المعطلين، بل قد يخرج من رحم كل مرحلة صراعية صراعات فرعية أخرى أكثر عمقاً وتجذراً. فالصراع الأهلي في ليبيا واليمن، على سبيل المثال، تجمدا عند مرحلة الهدنة الهشة التي لم يعقبها تسوية بسبب خلافات المتنازعين حول ما قد ترتبه من تأثيرات على مستقبل توازنات القوى، ناهيك عن أن الصراعين أنتجا صراعات فرعية إما بسبب الصراع البيني بين الحركات المسلحة داخل المناطق المختلفة أو بسبب تنازع قوى إقليمية ودولية على النفوذ في البلدين.

يكشف أيضاً المسار الزمني الصراعي في المنطقة عن تغيرات بنيوية في خصائص الفاعلين المتنازعين كتعبير عما يمكن اعتباره الأثر الممتد لقوة الزمن في الصراعات، فمع غياب الإصلاح لفترات زمنية طويلة تآكلت قدرات الدولة القومية ووظائفها، ما أدى إلى التحول من حروب بين الدول إلى داخلها. في أعقاب استقلال دول المنطقة، نشبت عدة حروب بين الدول العربية وإسرائيل في أعوام 1948، 1956، 1967، 1973، ثم بين العراق وإيران في عقد الثمانينيات، لننتقل إلى الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982. وفي عام 1990، مهد الغزو العراقي للكويت لحرب الخليج في العام 1991 التي برزت فيها التدخلات الدولية في الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة، كتدشين لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، ثم اتسعت تلك التدخلات مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 لإسقاط نظام صدام حسين، والتي تركت من ورائها سياقات من الفوضى والعنف الطائفي وصعود الإرهاب.

من بعد ذلك، تحول مسار الحروب من مستوى الدول إلى الفواعل المسلحة دون الدول، في العقد الأول من الألفية الثانية، خاصة مع الحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006، وبدء سلسلة الحروب الخمسة المتقطعة بين إسرائيل وحماس منذ ديسمبر 2008، وحتى الآن. في أعقاب الثورات العربية عام 2011، التي كشفت عن الأسس الهشة للدولة في المنطقة وعلاقتها المأزومة مع المجتمعات، شهدت المنطقة صراعات أهلية في اليمن وليبيا وسوريا أفرزت تدخلات خارجية وصعوداً لجماعات مسلحة سواء متمردة أو إرهابية في مناطق الصراعات. أخيراً، جاءت حربا إسرائيل ضد غزة ولبنان بعد السابع من أكتوبر 2023 لتعمق أزمات الدولة وعدم استقرار المنطقة.

يشي هذا المسار الزمني المعقد للصراعات في المنطقة أنها بدأت بنمط خارجي بين الدول، ثم تحولت إلى آخر أهلي تعرض للتدويل والأقلمة. وبينما توقفت الحروب بين الدول بنصر أو هزيمة أو تسوية، لم تأخذ الصراعات الأهلية مساراً زمنياً مستقيماً، بل أعيد إنتاج مراحلها أو ظلت عالقة بانتظار تغير موازين القوى، ناهيك عن تغير طبيعة الفاعلين المتنازعين، بمرور الزمن، باتجاه الصعود المليشياوي، حتى أن جماعات مسلحة سيطرت على السلطة بالقوة في بعض دول المنطقة (الحوثيون في اليمن، هيئة تحرير الشام في سوريا) أو تسعى للسيطرة عليها كقوات الدعم السريع في السودان. وفي أعقاب التداعيات الإقليمية لحرب غزة في المنطقة، برز اتجاه يسعى إلى دمج المليشيات ضمن بنية الدولة (اتفاقات نظام الشرع في سوريا مع الأكراد والدروز، مطالبات لبنانية بنزع سلاح حزب الله، اتجاهات لدمج جماعات الحشد الشيعي في العراق) لكن تظل المعضلة الجوهرية أمام تلك الحالات في مدى قدرة الدولة على استعادة احتكار وظيفة الأمن، خاصة مع الانكشاف الحاد أمام الخارج والضعف المزمن للقدرة التمثيلية للداخل.

لم يكن المسار الزمني للسلام أفضل حالاً من نظيره الصراعي، فالتصورات الغربية والأممية المطروحة لمسار السلام الليبرالي)[16]) (تأسيس ديمقراطية وتبني السوق الحر) في صراعات المنطقة، والتي تبدأ من المفاوضات ووقف اطلاق النار، ثم تسوية يتبعها دستور جديد وانتخابات لبناء سلام مستدام لم تلامس أرض الواقع، إما لتركيزها على السلام من أعلى (بين القادة السياسيين والعسكريين) أو فقدان القدرة على الضغط على الأطراف الخارجية المغذية لتلك الصراعات أو أن المتنازعين أنفسهم قد ينخرطون في اتفاقات سلام ثم ينقلبون عليها أو يضعون العراقيل لتعطليها([17])، أو حتى أن بعض أطراف النزاع قد يصيغون مساراً انتقالياً حال توقف الصراع يؤمن هيمنتهم على مقاليد الثروة والسلطة بما يعيد تارة أخرى التنازع عليهما. برز هذا الأمر الأخير بجلاء في سوريا، عندما سيطر الشرع وجماعته المسلحة على المسار الانتقالي بعد سقوط الأسد، وحاز عبر الإعلان الدستوري صلاحيات واسعة ركزت السلطة في يده ([18]).

4- المدة الزمنية للصراع: سواء أكان المسار الزمني للصراع خطياً مستقيماً أو دائرياً أو حتى متقطعاً أو عالقاً دون تسوية على أرض الواقع، فإن المدة الزمنية التي تأخذها مراحل ذلك الصراع قد تحدد حجم الخسائر البشرية والمادية، ناهيك عن أنها تؤثر في نتائج الصراع نفسه. هنا، طرحت أدبيات الصراع العديد من المتغيرات التي تحدد طول أو قصر مدة الصراع. من أبرزها، مدى تعقد قضايا الصراع (كلما كانت تعبر عن مظالم هيكلية وهوياتية وعرقية طالت مدتها الزمنية أكثر)، طبيعة التدخلات الخارجية (تمنح مغذيات كالموارد المالية والسلاح والدعم السياسي لأطراف القتال الداخلي للاستمرار في الصراع لأطول مدة)، نمط جغرافيا الصراع (طبيعة التضاريس الجغرافية الوعرة قد تجعل الصراع أطول مدة)، حسابات قادة الصراع لتكلفة وعائد استمرار الصراع (كلما زادت التكلفة البشرية والمادية قد تنزع أطراف النزاع لوقف القتال وتقصير مدة الحرب على أساس أنهم قد يفقدون حواضنهم الاجتماعية)، وأخيراً حدود الفجوات في القدرات العسكرية والقتالية والتكنولوجية بين المتنازعين([19]).

في مسار الصراعات الشرق أوسطية، يلاحظ أن مرحلة الحرب اختلفت مدتها ومن ثم آثارها. لكن بشكلٍ عام، بدت الحروب الأهلية أطول مدة زمنية وأكبر من حيث الخسائر البشرية والمادية مقارنة بالحروب بين الدول.([20]) على سبيل المثال، تراوحت مدة الحروب العربية-الإسرائيلية (حرب 1948، عدوان 1956، هزيمة يونيو 1967، حرب أكتوبر 1973، الغزو الإسرائيلي للبنان 1982) بين أيام وأسابيع وأشهر، فيما بلغت ضحاياها وفقاً لبعض التقديرات 200 ألف قتيل ([21]).

 استمر هذا المعدل الزمني القصير في كل من حرب تحرير الكويت عام 1991 والغزو العسكري الأمريكي للعراق عام 2003 واللتين استغرقتا عدة أسابيع. يستثنى من ذلك المسار الحرب بين العراق وإيران والتي بلغت قرابة ثماني سنوات، وراح ضحيتها، وفقاً لبعض التقديرات، أكثر من مليون قتيل، وانتهت بقبول الطرفين وقف إطلاق النار.

في المقابل، وعلى سبيل المثال لا الحصر، عانى لبنان حرباً أهلية طويلة بين عامي 1975- 1990، فيما شهد اليمن سلسلة حروب أهلية سواء بين الشمال والجنوب أو نظام صالح والحوثيين بين عامي 2004 و2010، ثم حرباً أهلية بعد العام 2014 إثر سيطرة الحوثيين على السلطة، وتدخل قوات التحالف العربي لدعم الحكومة الشرعية، والتي استمرت حتى هدنة العام 2022.

أما السودان، فعرف حروباً أهلية متتالية بدأت مع جنوب السودان (الحرب الأهلية الأولى 1955- 1972، الحرب الأهلية الثانية 1983 والتي توقفت بتوقيع اتفاق نيفاشا 2005 ليمهد لاستقلال جنوب السودان عام 2011)، ثم حرب دارفور غربي السودان عام 2003. فيما تجاوزت الحرب الأهلية السودانية الراهنة عامها الثالث، ولا تزال مستمرة منذ أبريل 2023 والتي أدت إلى مقتل 150 ألف شخص وفقاً لبعض التقديرات، فضلاً عن لجوء 3 ملايين شخص إلى دول الجوار الإقليمي و9 ملايين نازح داخلي، أي ما يوازي ربع سكان الدولة السودانية تقريباً. بالنسبة للحرب الأهلية في سوريا التي استمرت 14 عاماً، حتى سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي، فقد راح ضحيتها أكثر من نصف مليون سوري وخلفت ورائها أكثر من 6.5 مليون لاجئ ومثلهم من النازحين، أي تقريباً نصف عدد السكان البلاد.

هنا، من الأهمية الإشارة إلى التغير الذي طرأ على مدة حروب إسرائيل في المنطقة، فبعد حروب اتسمت بأنها قصيرة أو خاطفة لا تأخذ سوى زمن محدود وتعتمد على المباغتة ومهاجمة ثغرات الخصوم سريعاً بغية تحقيق الأهداف سريعاً (ستة أيام في حرب يونيو 1967، 88 يوماً في غزو إسرائيل للبنان في 1982، 34 يوماً في حرب إسرائيل وحزب الله في 2006، الحروب الأربعة مع حماس منذ 2008 تراوحت ما بين 8 و51 يوماً)، طالت حرب غزة الخامسة التي أعقبت هجوم حماس في السابع من أكتوبر أكثر من عام ونصف العام حتى الآن. تعكس تلك المدة الزمنية الطويلة تغيراً في طبيعة التهديد الوجودي الذي مثله هجوم حماس لإسرائيل، وتدلل على تحمل الأخيرة، بدعم أمريكي، الخسائر، بل والتحول نحو شن حروب طويلة نسبياً تتطلب دعماً مجتمعياً وتوفراً للموارد، ناهيك عن المحاربة على أكثر من جبهة في تلك المدة الزمنية، حيث استهدفت إسرائيل في ظل حرب غزة الراهنة كلاً من الضفة الغربية ولبنان واليمن وإيران وسوريا([22]).

بشكلٍ عام، يفسر التمدد الزمني للصراعات الأهلية في الشرق الأوسط، خاصة في العقد الأخير ثلاث أمور أساسية: الأول، تعقد قضايا النزاع، كونها تعبر عن إرث زمني متجذر بسبب معضلة هشاشة الدولة في المنطقة. والثاني، كثافة التدخلات الخارجية، في صراعات المنطقة خاصة من قبل إيران وتركيا وإسرائيل ودول الخليج والولايات المتحدة وروسيا. والثالث، انتشار تكنولوجيا الحرب بين الفواعل المسلحة دون الدول، لاسيما على صعيد الطائرات المسيرة في مناطق الصراعات وبالتالي تقليل فجوات القوة مع الجيوش الرسمية، ناهيك عن قدرة تلك الجماعات المسلحة على شن تكتيكات حروب عصابات أو استنزاف، والتي تجعل من الصعوبة حسم الحروب، ومن ثم إطالة مدتها الزمنية.

5- من لحظة النضج إلى التحول: في أدبيات الصراع، طرح وليام زارتمان ما يسمى باللحظة الناضجة Ripe Moment، أي الوقت الذي يجد فيها أطراف النزاع أنفسهم عالقين في مأزق صراعي بدرجات مختلفة، فلا يستطيعون تحمل كلفة جمود الصراع وعدم حسمه، وبالتالي يبحثون عن مخرج بديل. في تلك اللحظة، يمكن للأطراف الثالثة التدخل لحث المتنازعين على التفاوض أو وقف اطلاق النار أو التسوية. لكن لحظة النضج تتطلب ليس فقط شرطاً موضوعياً يتعلق بحسابات الرشادة للمتنازعين حول المكسب والخسارة من استمرار الصراع العسكري، وإنما شرطاً ذاتياً، يتعلق بمدى إدراك أطراف النزاع لتلك اللحظة، بما ينعكس ذلك على استعداداهم للتفاوض للخروج من المأزق المتبادل، والأهم، مدى إدراك الأطراف الثالثة (وسطاء السلام) للحظة النضج تلك للتدخل لتيسير التفاوض والتوصل إلى وقف إطلاق النار([23]).

المعضلة أن لحظة النضح في صراعات الشرق الأوسط لا تجرى فقط نتاجاً لحسابات أطراف النزاع في الداخل لكلفة وعائد استمرار الصراع، بل ترتهن أيضاً بالأساس بقوى خارجية ترعى أولئك الأطراف في سياق الحروب بالوكالة في المنطقة، لهذا اختلف توقيت تلك اللحظة وملابساتها من صراع إلى آخر في المنطقة. في ليبيا بلغ الصراع العسكري نقطة النضح من أجل وقف إطلاق النار بعد فشل معركة طرابلس في 2019 في الحسم بين الشرق والغرب، فضلاً عن رؤية القوى الإقليمية الداعمة لأطراف النزاع أن محاولة الحسم قد تؤدي إلى حرب إقليمية، وهو ما قاد إلى التوصل إلى اتفاق جنيف لوقف إطلاق النار في أكتوبر 2020.

أما الصراع السوري قبل سقوط نظام الأسد، فقد بلغ نقطة نضج جزئية مناطقية بفعل ضغوطات روسيا وتركيا كما جرى في اتفاقات خفض التصعيد في أستانة في 2017. بينما تجمدت حرب اليمن منذ العام 2022 إثر هدنة مع قوات التحالف العربي، فيما لم يصل بعد الصراع الأهلي الراهن في السودان إلى نقطة النضج تلك حتى الآن، فبرغم أن الجيش حسم معركة السيطرة على العاصمة الخرطوم لكن قوات الدعم السريع نقلت كثافة الحرب إلى حاضنتها الاجتماعية والقبلية في دارفور غربي السودان، في مسعى لفرض نوع من السيطرة المناطقية بغية الوصول إلى سيناريو انقسامي للدولة أقرب نسبياً لحالتي ليبيا واليمن، ما يجعل استمرار الحرب لمدى زمني طويل أمراً مرجحاً أو على الأقل تجميدها في لحظة ما دون حسم ([24]).

الملاحظ في تلك الصراعات أنه حتى لو بلغت الأطراف لحظة نضج تقضي بوقف إطلاق النار، فلا يفضي ذلك إلى تسوية الصراع بسبب حسابات أطراف النزاع أو رعاتهم بأن وقف النار قد يكون فرصة لالتقاط الأنفاس لإعادة تجديد الموارد في مسعى لحسم النزاع أو أن أطراف الصراع الأهلي وداعميهم من الخارج لم يصلوا سوياً إلى لحظة النضح بشكل متعادل. بالتالي، فإن نقطة النضح في صراعات الشرق الأوسط قد تصبح مؤقتة أو تنتظر زمنياً حدوث نقطة تحولTipping point  يختل عندها توازن القوى في فترة زمنية معينة، مما يؤدي إلى تأثيرات كبيرة قد يستغلها أحد أطراف النزاع للحسم الميداني.

في سوريا، استغلت المعارضة المسلحة بدعم تركي التداعيات الإقليمية لحرب إسرائيل على غزة ولبنان التي أضعفت حلفاء الأسد خاصة إيران وأذرعها المليشياوية للإطاحة به في 8 ديسمبر 2024 بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في 27 نوفمبر في العام نفسه. مع الأخذ في الاعتبار، تزامن تلك اللحظة مع عوامل أخرى تحفز عليها، مثل: إنهاك الجيش السوري على مدى أكثر من عقد من الحرب الأهلية، تراجع الموارد الاقتصادية للنظام وتآكل الولاء له، انتشار الفساد والفقر والبطالة، عدم قدرة روسيا على مواصلة دعم نظام الأسد في ظل ضغوطات الحرب في أوكرانيا.

يمكن القول إن إدراك المتنازعين للحظة اختلال توازنات القوى في الصراع قد يؤثر في مدى قدرتهم على استغلال نقاط التحول لصالحهم. ربما يساعد هذا المنطق في فهم لماذا توسع إسرائيل عدوانها من غزة إلى لبنان وسوريا واليمن، حيث توظف ميل موازين القوى الإقليمية لصالحها ودعم الإدارة الأمريكية لها وغياب أي نوع من الردع الإقليمي، لتحقيق أهداف استراتيجية كتهجير الفلسطينيين وإضعاف أكبر لإيران وحلفاءها، وتحييد سوريا من معادلة الصراع العربي-الإسرائيلي. في المقابل، تستغل تركيا نقطة التحول تلك في سوريا بعد سقوط الأسد لإنهاء ضغوط اللاجئين السوريين على الداخل التركي، وإضعاف حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا، وتحجيم الأكراد في سوريا، ناهيك عن امتلاك ورقة تساومية من خلال نفوذها على نظام الشرع سواء مع روسيا أو الولايات المتحدة)[25]).

إشكاليات ودروس بين الإهدار والتكلفة الزمنية

 ما سبق ليس إلا محاولة استشكافية لفهم أثر العامل الزمني في ظاهرة الصراعات بشكلٍ عام وخصوصاً في حالة الشرق الأوسط، وهي لا تخلو أساساً من إشكاليات وتحديات عديدة، تبدأ من معضلة الأفهام العديدة للزمن والاختلافات الثقافية والاجتماعية في تقدير قيمته وانعكاس ذلك على مدى الحساسية السياسية له من قبل أطراف الصراع، مروراً بطبيعة التصورات المتناقضة للمتنازعين حول الماضي والحاضر والمستقبل، وانتهاءاً بتنوع التوظيفات السياسية للعامل الزمني في مراحل الصراعات من سياق إلى آخر.

مع ذلك، يمنح العامل الزمني في صراعات الشرق الأوسط دروساً، أهمها، أن مضي تلك الصراعات في مسار ممتد دون توقف يعبر عن إهدار زمني، حيث يتحول الوقت من كونه فرصة لرفاهية الأفراد والمجتمعات إلى تكلفة مؤلمة لها ينتج عنها ضحايا وتردٍ للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، فواحد من كل ثلاث حالات نزوح في العالم تقع بالأساس في المنطقة، خاصة في سوريا واليمن والسودان، بينما تسهم دول الشرق الأوسط بـ15 مليون لاجيء، غالبيتهم من سوريا وفلسطين والسودان([26]).

يعاني أيضاً سكان دول الصراعات كسوريا واليمن والسودان وغزة عدم استقرار أمني وفقراً وبطالة واحتياجاً إنسانياً، أضيف عليه مؤخراً التجويع العمدي والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، على النحو الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة وسط صمت إقليمي يتجاهل درساً تاريخياً بأن عدم ردع المعتدي يغريه بتوسيع عدوانه بل وفرض هيمنته مستقبلاً. بل إن تكلفة تلك الصراعات قد تمتد إلى زمن المستقبل، عندما يزداد ميل الأجيال الشابة للهجرة من المنطقة بحثاً عن بيئات آمنة ومستقرة أو تتحول إلى مخازن بشرية يملؤها الاحتقان والغضب لتصبح وقوداً لجماعات مسلحة.

 إذ تشير العديد من الدراسات إلى أن الشباب، وهم غالبية سكان المنطقة، يشكلون الهيكل الأساسي للمقاتلين في الحروب الأهلية وحركات التمرد، لسببين: الأول، أن لديهم تكلفة منخفضة في خوض غمار العنف، كونهم لم يندمجوا في القيود السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمرحلة البلوغ مثل التوظيف والزواج. والثاني، أن عمليات التحديث التي جرت في الدول، كالتعليم، رفعت سقف التوقعات للشريحة الشبابية، ومن ثم تقود إلى نشوء ما يعرف بالحرمان النسبي، عندما لا تلبي الدول توقعات تلك الشريحة السكانية، مما قد يزيد السخط وتحفيز الانضمام لحركات التمرد أو الاحتجاجات العامة([27]).

يشي كذلك المسار الممتد لصراعات المنطقة بنوع من سوء الممارسة السياسية الزمنية، حيث قد لا تترك دروس الماضي أثراً في إدارة أزمات الحاضر أو بناء تصورات المستقبل، فغالبية الصراعات وإن اختلفت خصوصيات دول الصراعات نشبت بفعل اختلالات هيكلية سياسية واقتصادية واجتماعية لم تجد علاجات جذرية لها من قبل الأنظمة السياسية، والتي قد تلجأ في المقابل إلى سياسات السيطرة بالقوة وممارسة التسلط واستئثار شبكات زبائنية موالية لها بالموارد، مما يولد عنفاً زمنياً ومكانياً بطيئاً ومتدرجاً يتحول في وقت ما، من خلال شرارات احتجاجية أو تمردات مسلحة، إلى عنف مباشر يدخل دول المنطقة في دائرة صراعية مفرغة بلا توقف.

ما إن ينشب الصراع العنيف في دول المنطقة، حتى يصبح توقفه أو تسويته أمراً صعباً ومعقداً، كونه قد يتعرض للعسكرة ونزع سيطرة الدولة على وظيفة احتكار العنف، فضلاً عن أنه يجتذب قوى خارجية إقليمية ودولية متنافسة على النفوذ والمصالح قد تعيق تسوية الصراع وتمد أمده أو أن الصراع نفسه قد ينتج صراعات أخرى فرعية، أو شبكات مصالح تغذي استمراريته أو حتى تجمده دون سلام أو حرب، انتظاراً لفرصة زمنية قد تتغير فيها توازنات القوى.

أخيراً، فإن حالة الصراعات في الشرق الأوسط ليست قدراً حتمياً لا فكاك منها، فالمنطقة عرفت تاريخياً فترات تعايش وسلام، لكن تحقق هذا الأخير يحتاج إلى تسويات عادلة وإصلاحات جدية للدولة سواء على مستوى قدرتها التمثيلية للمجتمعات أو الحد من انكشافها للخارج، فضلاً عن توافقات إقليمية حول ماهية الأمن والاستقرار الذي تحتاجه المنطقة لأنه مختلف على مضامينه ومتطلباته وآلياته، وحتى تحين الفرصة لتوافر ذلك، سيظل الشرق الأوسط غارقاً في صراعات مستمرة ربما قد تتجمد أو تخبو لكنها لا تنتهي.


[1] Caroline Holmqvist and Tom Lundborg ,How Time Shapes our Understanding of Global Politics, https://www.e-ir.info/2016/08/16/how-time-shapes-our-understanding-of-global-politics/

  [2] أنظر تفاصيل، في هانم محمد فكري عثمان، مفهوم الزمان بين الفكر الفلسفي اليوناني والفكر الفلسفي الإسلامي (أفلاطون ، ارسطو، الكندي، أبن سينا) ، كلية الاداب، جامعة الزقازيق، العدد مائة شتاء 2022

https://artzag.journals.ekb.eg/article_236316_ccca97692206c1807fe4da1d4cd9eb8f.pdf

[3] Fernando Esposito and Tobias Becker, The Time of Politics, the Politics of Time, and Politicized Time: An Introduction to Chronopolitics, History and Theory, Theme Issue 61, December 2023. https://doi.org/10.1111/hith.12324

[4] Jonathan White, In the Long Run: The Future as a Political Idea, Profile Books, 2024,
https://www.foreignaffairs.com/reviews/long-run-future-political-idea

[5] Elizabeth F. Cohen .The Political Value of Time: Citizenship, Duration, and Democratic Justice., Syracuse University, New York.2018. https://api.pageplace.de/preview/DT0400.9781108331012_A32337214/preview-9781108331012_A32337214.pdf

[6]Andrew Hom and Ty Solomon,Timing, Identity, and Emotion in International Relations.2016 https://www.e-ir.info/2016/08/01/timing-identity-and-emotion-in-international-relations/

[7] Fernando Esposito and Tobias Becker, OP.CIT,THE LINK.

  أنظر عدة مصادر لفهم ارتباطات الزمن والصراع والسلام في:[8]

Read, R., & Mac Ginty, R. The Temporal Dimension in Accounts of Violent Conflict: A Case Study from Darfur. Journal of Intervention and Statebuilding, 11(2), 2017. https://doi.org/10.1080/17502977.2017.1314405

Luc Reychler, Time for Peace: The Essential Role of Time in Conflict and Peace Processes, University of Queensland Press, 2015.

https://link.springer.com/chapter/10.1007/978-3-030-40208-2_15#citeas

Hedström, J., & Olivius, E.. Tracing temporal conflicts in transitional Myanmar: life history diagrams as methodological tool. Conflict, Security & Development, 22(5), 2022. https://doi.org/10.1080/14678802.2022.2124847

Pinfari, M. Time to agree: Is time pressure good for peace negotiations? Journal of Conflict Resolution, 55(5), 2011. https://doi.org/10.1177/0022002711414370

[9] Guardado, J., & Pennings, S.. The seasonality of conflict. Conflict Management and Peace Science, 42(1), 2024. https://doi.org/10.1177/07388942241230729

[10]Rob Nixon, Slow Violence and the Environmentalism of the Poor,Harvard University Press,2011

https://southwarknotes.wordpress.com/wp-content/uploads/2018/10/slow-violence-and-the-environmentalism-of-the-poor.pdf

[11] Kyungmee Kim, Tània Ferré Garcia, Climate Change and Violent Conflict in the Middle East and North Africa, International Studies Review, Volume 25, Issue 4, December 2023, https://doi.org/10.1093/isr/viad053

[12] أنظر تفاصيل في : د. خالد حنفي علي ( محرر)، السردية السياسية في العلاقات الدولية.. مداخل البناء والتفكيك، ملحق اتجاهات نظرية، مجلة السياسة الدولية، أبريل 2019.

[13]Shahzad Bashir ,Islam and the Politics of Temporality: The Case of ISIS ,Jul 28 2016 https://www.e-ir.info/2016/07/28/islam-and-the-politics-of-temporality-the-case-of-isis/

 [14] سكاي نيوز عربية، نتنياهو: نتبع خطة منهجية لتغيير واقع الشرق الأوسط، 30  سبتمبر 2024، https://2u.pw/pWmCI

[15] بيتر فالنستين، مدخل إلى تسوية الصراعات، الحرب والسلام والنظام العالمي، ترجمة د. سعد فيصل السعد، محمد محمود دبور (عمان، المركز العلمي للدراسات السياسية، 2006).

[16] Hedström, J., & Olivius, E.. Tracing temporal conflicts in transitional Myanmar: life history diagrams as methodological tool. Conflict, Security & Development, 22(5), 2022. https://doi.org/10.1080/14678802.2022.2124847

[17] Paffenholz, T. Perpetual Peacebuilding: A New Paradigm to Move Beyond the Linearity of Liberal Peacebuilding. Journal of Intervention and Statebuilding, 15(3), 2021. https://doi.org/10.1080/17502977.2021.1925423

Natascha Mueller-Hirth, Sandra Rios Oyola (ed) Time and Temporality in Transitional and Post-Conflict Societies London Routledge 2018.

[19] Brandt, P. T., Mason, T. D., Gurses, M., Petrovsky, N., & Radin, D. (2008). WHEN AND HOW THE FIGHTING STOPS: EXPLAINING THE DURATION AND OUTCOME OF CIVIL WARS. Defence and Peace Economics, 19(6), 415–434. https://doi.org/10.1080/10242690701823267

Zachary Shirkey Introduction: The Puzzle of War Duration Polity 50(2):March 2018 DOI:10.1086/696287

[20] Mundy, J. The Middle East is Violence: On the Limits of Comparative Approaches to the Study of Armed Conflict. Civil Wars, 21(4), 2019 https://doi.org/10.1080/13698249.2019.1664847

[21] محمد عبد السلام، الحروب العربية الإسرائيلية، الموسوعة، الجزيرة.نت،31 يناير، 2025

https://www.ajnet.me/encyclopedia/2004/10/3/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9

[22] Victory Lawrence D. Freedman ,The Age of Forever Wars Why Military Strategy No Longer Delivers, foreign affairs, May/June 2025 https://www.foreignaffairs.com/age-forever-wars

[23] William Zartman ‘Ripeness’: the importance of timing in negotiation and conflict resolution Dec 20 2008 https://www.e-ir.info/2008/12/20/ripeness-the-importance-of-timing-in-negotiation-and-conflict-resolution/

[24] Mai Hassan and Ahmed Kodouda ,Sudan Is Unraveling Why War Is Likely to Once Again Tear the Country Apart. foreign affairs,

April 30, 2025 https://www.foreignaffairs.com/sudan/sudan-unraveling

[25] Maria Psara ,How Erdoğan's Turkey became the key player in Syria?

18/12/2024  https://www.euronews.com/my-europe/2024/12/18/why-turkey-is-a-key-player-in-syria

[26]وكالة الأمم المتحدة للهجرة، 28 مايو 2024 https://shorturl.at/4ZeDP

[27] Sciubba, J.D., Hwang, S.. Population and National Security. In: May, J.F., Goldstone, J.A. (eds) International Handbook of Population Policies. International Handbooks of Population, vol 11. Springer, 2022. https://doi.org/10.1007/978-3-031-02040-7_34


رابط دائم: