ترامب يعيد تصنيف الحوثيين تنظيمًا إرهابيًا: قراءة في الدلالات والانعكاسات
2025-2-1

أمل مختار
* خبيرة في شئون التطرف والعنف - رئيس تحرير مجلة المشهد العالمي للتطرف والإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

في 22 يناير 2025، بعد يومين من تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، أصدر "الأمر التنفيذي"، بتصنيف جماعة أنصار الله في اليمن تنظيمًا إرهابيًا. إذ شهدت العلاقة بين الجماعة والحكومات الأمريكية موجات من التصنيف وإلغاء التصنيف بين إدارة ترامب الأولى ثم إدارة بايدن وأخيرًا إدارة ترامب الثانية.

الأسئلة المهمة عن أثر قرار تغيير تصنيف جماعة الحوثي يبدأ بالسؤال عن الهدف: ماذا يخفي القرار وراءه، هل هو ضمن ضغط على الجماعة لوقف أنشطتها وعملياتها التي أثرت على التجارة العالمية، أم في سياق توجه لإنهاء نفوذها تمامًا، وهو ما سيتطلب قرارات وإجراءات أخرى من الإدارة الأمريكية وتنسيقًا مختلفًا مع دول المنطقة ومع الأطراف اليمنية المناوئة للحوثيين.

لكن يبدو أن الأثر المؤكد لهذا القرار هو زيادة تدهور الأوضاع الإنسانية في دولة تعاني من تراجع حاد في توفير الخدمات الإنسانية والغذاء لما يقرب من 20 مليون نسمة من بين سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون إنسان، حيث أن جماعة الحوثي تسيطر وتدير الجزء الأكبر من مساحة الدولة وعدد السكان.

التصنيف الأمريكي: نص القرار ودلالته

جاء القرار الأمريكي بتصنيف جماعة الحوثي تنظيمًا إرهابيًا، كالتالي:

بموجب السلطة المخولة لي كرئيس ووفقًا للدستور وقوانين الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك قانون الهجرة والجنسية، يُأمر بموجب هذا بما يلي:

1- النظر في تصنيف جماعة أنصار الله، المعروفة أيضًا باسم الحوثيين، كـ "منظمة إرهابية أجنبية" (FTO)، بما يتفق مع القسم 219 من قانون الهجرة والجنسية (8 USC 1189).

بسبب إطلاق الحوثيين النار على السفن الحربية التابعة للبحرية الأمريكية عشرات المرات منذ عام 2023، مما يعرض العسكريين الأمريكيين للخطر. وذلك بدعم من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني. وقد تأكد لنا أن أنشطة الحوثيين تهدد أمن المدنيين والموظفين الأمريكيين في الشرق الأوسط، وسلامة أقرب شركائنا الإقليميين (السعودية، الإمارات، إسرائيل)، واستقرار التجارة البحرية العالمية.

2- سياسة الولايات المتحدة الأمريكية هي التعاون مع شركائها الإقليميين للقضاء على قدرات وعمليات أنصار الله، وحرمانها من الموارد.

3- إجراءات التنفيذ

 أ- في غضون 30 يومًا من تاريخ هذا الأمر، يجب على وزير الخارجية، بعد التشاور مع مدير الاستخبارات الوطنية ووزير الخزانة، تقديم تقرير إلى الرئيس، من خلال مجلس الأمن القومي، بشأن تصنيف أنصار الله كـ "منظمة إرهابية أجنبية" (FTO) بما يتفق مع المادة 8 USC 1189.

ب- في غضون 15 يومًا من تقديم التقرير المطلوب، يتعين على وزير الخارجية اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة.

ج- بعد إقرار تصنيف أنصار الله كمنظمة إرهابية أجنبية، يتعين على وزير الخارجية ومدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) إجراء مراجعة مشتركة للشركاء من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمقاولين، لتحديد من قام بدفع مبالغ لأعضاء جماعة أنصار الله أو للكيانات الحكومية التي تسيطر عليها الجماعة؛ أو انتقد الجهود الدولية لمواجهة أنصار الله.

بهذا، تكون إدارة ترامب قد اتخذت موقفًا أكثر صرامة فيما يخص تصنيف جماعة الحوثيين بوضعهم في قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" والتي تعرف اختصارًا بـ (FTO). بعد أن كانت إدارة بايدن قد صنفتهم في 17 يناير 2024، في قائمة "الإرهابيين العالميين المصنفين بشكل خاص" والتي تعرف اختصارًا بـ (SDGT).

ولمزيد من التوضيح، تركز قائمة "الإرهابيين العالميين المصنفين بشكل خاص" Specially Designated Global Terrorist (SDGT)، والتي أنشأت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، على تجميد الأصول وحظر المعاملات المالية، أي أنها اقتصادية أكثر وتديرها وزارة الخزانة الأمريكية وفيها بعض الاستثناءات بالسماح بالمساعدات الإنسانية.

أما قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" Foreign Terrorist Organization (FTO)، والتي أنشأت في 1997، فتشمل تجميد الأصول وحظر التعاملات، وما يشبه الحظر الاقتصادي، وتفرض عقوبات شديدة على من يحاول تجاوز هذه العقوبات، وتصدر عادة عن وزارة الخارجية.

في البداية، جاء تصنيف إدارة ترامب الأولى لجماعة أنصار الله (الحوثي) كـ "منظمة إرهابية أجنبية" (FTO) في يناير 2021، كواحد من آخر قرارات فترة رئاسته الأولى. بعد ذلك وخلال الأسابيع الأولى لإدارة بايدن، اتخذت الولايات المتحدة قرارًا بإلغاء تصنيف إدارة ترامب لجماعة الحوثي كجماعة إرهابية. ثم عادت إدارة بايدن باتخاذ قرار بإعادة تصنيف جماعة الحوثي جماعة إرهابية في 17 يناير 2024، لكن هذه المرة على قائمة "الإرهابيين العالميين المحددين بشكل خاص" (SDGT)، كرد فعل على ضربات الحوثيين للملاحة الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر عقب الحرب الإسرائيلية على غزة. ثم وبعد نحو عام، أصدر ترامب أمره التنفيذي بإعادة نقل الحوثيين من قائمة (FTO) إلى قائمة (SDGT).

بناءً على هذا، يبدو أن قرار ترامب يمثل تحولًا طفيفًا أكثر منه تغييرًا جوهريًا في السياسة الأمريكية، لكن تظل خطوة قد تمثل جزءًا من تغير أكبر في السياسة الأمريكية تجاه جماعة الحوثي، سواء على مستوى استمرار قدرتها على توجيه ضربات في البحر الأحمر دعمًا لغزة – حسب تصريحات قادتها-، أو على صعيد استمرار سيطرتها على الأرض في اليمن، أو على مستوى استمرار التواصل والتمويل والتنسيق مع إيران، أو ما يتعلق بتحقيق السلام بين الجماعة ودول الخليج، وأخيرًا إيصال المساعدات الإنسانية الملحة لما يقرب من 20 مليون يمني من بين سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليونًا.

الانعكاسات المحتملة على الحوثي

فيما يخص الهجمات العسكرية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، قال المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام بعد إعلان قرار ترامب، إن التصنيف لن يؤثر على عمليات الجماعة لمنع السفن الإسرائيلية أو السفن المتجهة إلى إسرائيل من عبور البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب. وأضاف أن الجماعة "لن تتراجع عن موقفها الداعم للشعب الفلسطيني".

على الصعيد اليمني الداخلي، أشاد رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقال إن أخطر ما في هذا التصنيف على الحوثيين أنه "ينزع منهم أي جهود لإثبات شرعيتهم في اليمن، ولتصبح جهودهم السياسية والدبلوماسية من دون جدوى بعد أن أصبحوا منظمة إرهابية أجنبية". وأضاف أن القرار يسمح لأي "ضحايا متضررين من هجمات يشنها الحوثيون، برفع قضايا وملاحقتهم قضائيًا... ناهيك عن إجراء مراجعة للمساعدات الإنسانية لليمن". إذ أن القدر الأكبر من المساعدات الإنسانية الدولية والأمريكية كان يذهب لجماعة أنصار الله باعتبارها المسيطر على المساحة الجغرافية ذات الكثافة السكانية الأعلى في البلاد.

على صعيد آخر، لا يمكن قراءة القرار الأمريكي بعيدًا عن سياق عام من السياسة الأمريكية تجاه إيران، بعد التحولات الكبيرة في مسارات الصراع في المنطقة. وهناك تحليلات تشير إلى أن "المكون العسكري الحوثي المتشدد يتعامل مع هذا الأمر على أنه إعلان حرب"، ما قد يعني تزايد استهدافهم للسفن والمصالح الأمريكية، وربما قد تعود هجماتهم ضد الإمارات والسعودية.

في فترة الرئيس بايدن، ومع صدور قرار تصنيف الحوثيين في قائمة "الإرهابيين العالميين المحددين بشكل خاص" (SDGT)، كان يمكن فهم هذا القرار باعتباره عامل ضغط على جماعة أنصار الله لإيقاف عملياتها العسكرية على ممرات الملاحة، وإيصال المساعدات الإنسانية لليمن. إذ قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض (في إدارة بايدن) جيك سوليفان في بيان: "يعد هذا التصنيف أداة مهمة لعرقلة تمويل الإرهاب للحوثيين، وتقييد وصولهم إلى الأسواق المالية بشكل أكبر، ومحاسبتهم على أفعالهم". وأضاف سوليفان: "إذا أوقف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن، فإن الولايات المتحدة ستعيد تقييم هذا التصنيف على الفور". لكن لايزال الأمر غامضًا في إدارة ترامب، هل يمثل هذا القرار أحد أوراق الضغط على جماعة الحوثي، أم أنه جزء من خطة أكبر للقضاء على قوة الجماعة في اليمن والبحر الأحمر وذلك في إطار استراتيجية أكبر للتعامل مع إيران وحلفائها في المنطقة.

أثر القرار على الأوضاع في اليمن

إن دخول القرار الرئاسي حيز التنفيذ بعد شهر من صدوره أي في 22 من فبراير 2025، بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، من شأنه أن يعقد العلاقة الصعبة بالفعل بين البنوك داخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ويضر بالعملة اليمنية، ويؤثر سلبًا على ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على التحويلات المالية من أقاربهم في الشتات.

كما سيؤدي إلى فرض عقوبات على أي دولة أو كيان يحاول تقديم الدعم المادي للحوثيين. وهذا يعني أن أعضاء جماعة الحوثي سيُمنعون من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، وسيتم تجميد أي أموال حوثية موجودة في المؤسسات المالية الأمريكية.

في المقابل، رحب مجلس القيادة الرئاسي اليمني والحكومة بهذا القرار، وأبديا التزامهما بالتعاون الوثيق مع الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي لتنفيذ القرار، كما طالبا بضرورة تقديم الضمانات اللازمة لتدفق المعونات الإنسانية دون أي عوائق. لكن الواقع يشير إلى سيطرة جماعة الحوثي الفعلية وإدارتها لمساحات واسعة من البلاد بها النسبة الأكبر من عدد السكان، ومن ثم حتمية مشاركتها في تنظيم وصول المساعدات الإنسانية والمالية للقطاع الأكبر من اليمنيين. كما يؤثر القرار الأمريكي على النشاط الاقتصادي في مناطق سيطرة الحوثيين، وبالتالي على غالبية الأنشطة الاقتصادية في اليمن.

وفي هذا السياق، وردًا على القرار الأمريكي، والتصريحات الرسمية للحكومة اليمنية حول كونها بديلًا شرعيًا لتلقي المساعدات، أقدمت جماعة أنصار الله على اختطاف عدد من موظفي المنظمات الدولية والأممية.

وكانت اليمن- ذات الـ30 مليون نسمة- قد حذرت الأمم المتحدة من أن الأزمة الإنسانية تتفاقم في البلاد، حيث سيحتاج ما لا يقل عن 19.5 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية هذا العام 2025، خاصةً الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية. وقالت جويس مسويا نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية "أوتشا" أمام مجلس الأمن الدولي، أن أكثر من 17 مليون يمني "لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية".

ومن الجدير بالذكر أن السبب الرئيسي في إلغاء إدارة بايدن في فبراير 2021 لقرار ترامب السابق بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية هو دعوات من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التي طالبت بإلغاء تصنيف اليمن كدولة إرهابية والعقوبات المرتبطة به لأن ذلك التصنيف "يسرع من انزلاق اليمن نحو مجاعة واسعة النطاق".

وحتى مع قرار إدارة بايدن في 17 يناير 2024 بإعادة تصنيف الحوثي جماعة إرهابية عالمية مصنفة بشكل خاص، كان هناك حرص على عدم المساس بالمساعدات الإنسانية شديدة الأهمية للأوضاع المتدهورة في اليمن، حيث صرح المسئولون في إدارة بايدن بأنه "لا ينبغي للشعب اليمني أن يدفع ثمن تصرفات الحوثيين"، وهو الأمر الذي يبدو أنه لا يمثل أولوية بالنسبة لإدارة ترامب.

ختامًا، تظل آلية تصنيف الجماعات والتنظيمات والدول والأشخاص على قوائم الإرهاب الأمريكية، أداة سياسية كثيرًا ما يتم استخدامها في بداية ونهايات الفترات الرئاسية كنوع من التدليل على الخلاف الأيديولوجي بين الإدارات الديمقراطية والجمهورية.

ويعد قرار تغيير تصنيف جماعة الحوثي على قوائم الإرهاب الأمريكية في 22 يناير 2025، جزءًا من توجه أكبر لدى إدارة ترامب الثانية، حيث أصدر الأخير في 20 من الشهر نفسه، قرارًا بإعادة كوبا إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد إلغاء تصنيفها على القائمة من قبل إدارة بايدن في نهاية فترة ولايته أيضًا، على نحو يشير إلى أن إدارة ترامب من المرجح أن تستأنف الموقف العدائي تجاه كوبا والذي كان سمة من سمات ولايته الأولى في منصبه.

وتظل التداعيات على الأوضاع الاقتصادية على الدولة والمجتمع هي القاسم المشترك في أثر التصنيف الأمريكي على الحكومات (كما في حالة كوبا) أو الجماعات المسيطرة على الحكم بالفعل (كما في حالة الحوثيين). وفي حالة اليمن سيكون الأثر الأهم والأكبر لهذا التصنيف هو مزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية ومعدلات الفقر والجوع والحرمان الكامل من الخدمات لنحو 20 مليون يمني، في حين قد تتضاءل فعاليتها على قوة الجماعة ميدانيًا وعسكريًا.

 


رابط دائم: