لماذا تتمسك إثيوبيا بالمشاركة في بعثة "أوصوم" بالصومال؟
2025-1-9

د. أحمد عسكر
* باحث مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

تدرك إثيوبيا حجم الضغوط الإقليمية التي تحيط بها على مدار العام الماضي منذ إبرامها الاتفاق الثنائي مع إقليم "أرض الصومال" وما ترتب عليه من سلسلة تحولات استراتيجية تشهدها منطقة القرن الأفريقي، من شأنها أن تهدد مكانة أديس أبابا ونفوذها الإقليمي هناك، وعلى رأسها تردد الصومال في الموافقة على مشاركة القوات الإثيوبية في بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال، والمعروفة باسم "أوصوم"، والتي أعلن مجلس الأمن الدولي في أواخر ديسمبر 2024 بدء مهامها مع مطلع العام الجاري 2025 بدلاً من بعثة "أتميس"، وذلك في ضوء الخلافات المستمرة بين مقديشو وأديس أبابا منذ يناير 2024، بالرغم من إبرام اتفاق أنقرة في نوفمبر الماضي برعاية تركية، والذي يسعى إلى تسوية الأزمة بين البلدين.

وقد دفع ذلك الحكومة الإثيوبية نحو تكثيف تحركاتها من أجل إقناع الصومال بالموافقة على المشاركة الإثيوبية في البعثة الجديدة، وهو ما تجلى في زيارة وزيرة الدفاع الإثيوبية، عائشة محمد، إلى مقديشو في 2 يناير الجاري للقاء نظيرها الصومالي، حيث اتفق الطرفان على التعاون فيما يتعلق بترتيبات بعثة أوصوم، حتى أن صحيفة صومالية أشارت إلى لقاء مرتقب يجمع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في أوغندا في 10 يناير الجاري خلال مشاركتهما في قمة برنامج التنمية الزراعية التابع للاتحاد الأفريقي، وذلك من أجل الاتفاق على حجم القوات الإثيوبية في البعثة الجديدة.

ويثير ذلك في مجمله تساؤلات عدة حول إصرار إثيوبيا على المشاركة في أوصوم، ومحاولة تجاوز كافة الخلافات مع الطرف الصومالي من أجل الاستمرار في بعثة الاتحاد الأفريقي، وهو ما يمكن التنبؤ من خلاله بمستقبل العلاقات الإثيوبية-الصومالية بما في ذلك مصير اتفاق "أرض الصومال" الذي صار محدداً حاكماً لطبيعة هذه العلاقات، وسط تنبؤات بدور تركي بارز لتنفيذ بنود اتفاق أنقرة المبرم مؤخراً، ببنوده الغامضة حتى الآن، وما يعنيه ذلك من توسع للنفوذ التركي في القرن الأفريقي خلال المرحلة المقبلة.

سياق حاكم مضطرب

يعد الاتفاق المبرم بين إثيوبيا وإقليم "أرض الصومال" في يناير 2024 -والذي يقضي بامتلاك أديس أبابا قاعدة بحرية تطل على البحر الأحمر في مقابل الاعتراف بـ"أرض الصومال" دولة مستقلة- بمثابة نقطة تحول رئيسية في دينامية التفاعلات الإقليمية في منطقة القرن الأفريقي. فقد تفاقم الخلاف بين الحكومتين الصومالية والإثيوبية مع إجراءات تصعيدية على مدى العام الماضي من جانب مقديشو، وصولاً إلى التلويح بعدم الاستعانة بالقوات الإثيوبية في بعثة "أوصوم" لدعم الاستقرار في الصومال التي بدأت مهام عملها في مطلع يناير الجاري.

وقد طرأ المزيد من التغيرات الاستراتيجية على صعيد التحالفات الإقليمية في إطار مساعي الصومال للضغط على إثيوبيا من أجل التراجع عن الاتفاق المزعوم، حيث اتسع نطاق التعاون بين الصومال وكل من مصر وإريتريا، والذي يهدف إلى تعزيز التنسيق بين الدول الثلاث في المجالات المختلفة وعلى رأسها الجانب الأمني بما في ذلك مكافحة الإرهاب في الصومال والمنطقة. بالإضافة إلى تحركات الرئيس الصومالي على الصعيد الإقليمي من خلال زيارات متكررة على مدار العام الماضي إلى مصر وإريتريا وجيبوتي في محاولة لحشد الدعم الإقليمي إلى جانب مقديشو ضد السلوك الإثيوبي، وبحث التعاون الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب في إشارة إلى تجاهل أديس أبابا في هذا الصدد.

وقد اعتبرت إثيوبيا ذلك موجهاً ضدها لتقويض دورها ونفوذها الإقليمي في القرن الأفريقي، لا سيما في ضوء توتر علاقاتها مع كل من مصر بسبب أزمة السد، وإريتريا بسبب الخلاف مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي على خلفية تداعيات حرب تيجراي الأخيرة (2020-2022).

بينما تسعى تركيا إلى تأكيد نفوذها في القرن الأفريقي من خلال الانخراط في وساطة إقليمية بين مقديشو وأديس أبابا تمثل تطوراً نوعياً في الاختراق الدبلوماسي التركي في المنطقة بما يعزز حضورها هناك، وهو ما تجلى في توقيع اتفاق أنقرة في ديسمبر 2024 لإنهاء الخلاف بين الطرفين، على الرغم من بنوده الغامضة التي لم يُعلن عنها حتى الآن. إلا أن الصومال اتهمت إثيوبيا بمحاولة خرق الاتفاق بالتورط في هجمات عسكرية ضد قواعد صومالية في داخل البلاد.

وفي ضوء تنامي ضعف الثقة بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، التي تعزز التكهنات بتنصل الطرفين أو أحدهما من تنفيذ بنود الاتفاق الأخير، قد تدفع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوجان المرتقبة إلى مقديشو نحو تعزيز الثقة نسبياً بين الطرفين تمهيداً لتنفيذ الاتفاق المبرم مؤخراً، وانعكاساته على احتمال إعادة تطبيع العلاقات الصومالية-الإثيوبية، وما يترتب عليها من تهدئة للمشهد الإقليمي المضطرب في القرن الأفريقي.

حسابات إثيوبيا

تدرك إثيوبيا الأهمية الاستراتيجية للصومال باعتبارها فناءاً خلفياً استراتيجياً لها، ومخاطر أن تترك الساحة الصومالية ليتحرك فيه خصومها الإقليميون، باعتبارها خسارة استراتيجية ربما يترتب عليها تقويض النفوذ الإثيوبي في القرن الأفريقي، وهو ما يعكس إصرار حكومة آبي أحمد على استمرار المشاركة الإثيوبية ضمن قوات بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال "أوصوم"، وهو ما يضمن استمرار التفوق الإثيوبي في المنطقة خلال الفترة المقبلة، مع الأخذ في الاعتبار مجموعة أخرى من الأسباب والدوافع الأخرى لدى إثيوبيا للتمسك بورقة الصومال لتأكيد نفوذها ومواجهة خصومها في المنطقة.

إذ تعد إثيوبيا مساهماً رئيسياً في بعثات الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام وكذلك التابعة للأمم المتحدة، وذلك بهدف كسب المكانة الدولية وتوسيع النفوذ الإقليمي والقاري. كما أن مشاركتها تمثل مورداً مالياً مهماً بالنسبة للحكومة الإثيوبية، لا سيما أن بعثة "أوصوم" سيتم دعمها من الأمم المتحدة، وتمويلها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يدفعها إلى التفاوض بشأن زيادة عدد أفرادها في البعثة لتعويض انسحاب بوروندي منها مؤخراً، وهو ما يجعل غياب القوات الإثيوبية بمثابة خسارة لأديس أبابا للمزيد من الموارد المالية التي قد تعتمد عليها في ميزانيتها.

وتحاول أديس أبابا جاهدة تجاوز مرحلة التراجع الإقليمي، التي أثرت بشكل جلي على سياستها الخارجية وبالتبعية أسهمت في تآكل مكانتها ونفوذها في السياقين الإقليمي والدولي على مدى السنوات الأربع الأخيرة، خاصة منذ اندلاع الحرب الإثيوبية في إقليم تيجراي شمالي البلاد، لا سيما أنها تعتمد في سياستها الخارجية بشكل أساسي على تقديم نفسها للغرب باعتبارها حليفاً إقليمياً مهماً في مجال مكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي، وهو ما يكشف أن التدخل الإثيوبي في الصومال يمثل ركيزة أساسية للطموحات الإثيوبية للهيمنة الإقليمية، بما يثير الشكوك حول نواياها الحقيقية للمشاركة في بعثة "أوصوم".

كما يتضح أن آبي أحمد يسعى للهروب من سلسلة التحديات الداخلية التي تواجه نظامه الحاكم خلال الفترة الأخيرة، بالدفع نحو توسيع الدور الإثيوبي على النطاق الإقليمي، في محاولة للقفز على تلك التحديات وتخفيف الضغوط على الجبهة الداخلية، وتشتيت انتباه الرأي العام الإثيوبي وكذلك الدولي بعيداً عن السياقات المعقدة في المشهد الإثيوبي العام.

فيما تلعب المعضلة الجغرافية لإثيوبيا كونها دولة حبيسة منذ عام 1993 عقب استقلال إريتريا، دوراً حاسماً في تمسكها بعلاقات جيدة مع الصومال، خاصة أنها تدرك أن خسارة الصومال تعني حرمانها من خيار استراتيجي ربما يمنحها في المستقبل منفذاً بحرياً مهماً على المحيط الهندي. كما أنه سيخلق خصماً جديداً لأديس أبابا لتضاف إلى سلسلة العلاقات المتأرجحة مع الطرف الإريتري منذ انتهاء حرب تيجراي التي أججت الخلاف بين الحليفين السابقين آبي أحمد وأفورقي، وما يمكن أن يترتب عليه من استدعاء بعض الخصوم الإقليميين لإثيوبيا إلى جوارها المباشر بما يفاقم مخاوفها الأمنية.

ويرتبط ذلك برغبة إثيوبية في ألا تتحول الصومال إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، بما يهدد الأمن الإقليمي في المنطقة وتأثيراته السلبية على الداخل الإثيوبي المضطرب بطبيعة الحال على الصعيدين السياسي والأمني، وذلك من خلال استقدام خصومها الاستراتيجيين إلى فنائها الخلفي، خاصة مع ترحيب الحكومة الصومالية بانضمام بعض الأطراف الإقليمية إلى بعثة "أوصوم" لدعم الاستقرار في الصومال، وتقاربها مع إريتريا، والذي تجلى في تدشين التحالف الثلاثي الاستراتيجي الذي يشكل ضغطاً ملحوظاً على الدولة الإثيوبية.

وقد دفع ذلك آبي أحمد للترحيب بالرعاية التركية لاتفاق أنقرة في محاولة لتخفيف حدة التوتر مع مقديشو تمهيداً لإقناعها، وربما الضغط عليها، من أجل التراجع عن قرار الاستعانة ببعض القوات في بعثة "أوصوم"، بالإضافة إلى تقويض التحالف الثلاثي بما في ذلك إقصاء إريتريا من المشهد الإقليمي مجدداً واستمرار عزلتها الإقليمية والدولية، وذلك في ضوء المؤشرات حول تصعيدات تنذر بمواجهة محتملة بين البلدين خلال المرحلة المقبلة من بينها تحالف أفورقي مع فصيل ديبرتسيون في جبهة تحرير تيجراي، في ضوء إشارة تقارير إلى شروعه في ترتيب بعض التجهيزات العسكرية ربما تمهيداً لاندلاع حرب جديدة في شمال إثيوبيا.

في سياق متصل، تحرص إثيوبيا على استمرار نفوذها في الداخل الصومالي، وذلك من أجل ضمان عدم تمدد حركة الشباب المجاهدين إلى العمق الإثيوبي، خاصة أنها تخشى تصاعد نشاط الإرهاب في الداخل الصومالي من جانب الحركة وكذلك تنظيم "داعش" الذي يتمركز في بعض الجبال بولاية بونت لاند، لا سيما أن إدارة الإقليم الصوماليفي إثيوبيا (أوجادين) قد حذرت مؤخراً من خطة وضعتها حركة الشباب لزعزعة استقرار المنطقة، وبث الفتنة بين العشائر النحلية في المنطقة بهدف خلق غطاء لهجماتها الإرهابية.

إضافة إلى المساعي الإثيوبية للحفاظ على ورقة الهيمنة على بعض الولايات الصومالية لا سيما بونت لاند وجوبالاند لتوظيفها في الوقت المناسب سواء للضغط على الحكومة المركزية الصومالية أو لتفخيخ الداخل الصومالي بهدف تقديم تنازلات لها في الملفات الشائكة بين الطرفين.

كما تخشى الحكومة الإثيوبية عدم إتمام الاتفاق المبرم في يناير 2024 مع إقليم "أرض الصومال"، خاصة مع صعود المعارضة السياسية بقيادة عبد الرحمن محمد عبد الله "عِرو" لإدارة حكومة الإقليم، وهي التي تعارض الاتفاق المبرم من الحكومة السابقة باعتبار أنه يكتنفه المزيد من الغموض، ما دفعها للإعلان في 6 يناير الجاري أنها سوف تقوم بإعادة تقييم الاتفاق الأخير مع أديس أبابا.

أضف إلى ذلك، احتمال استئناف الحوار بين حكومة الإقليم والحكومة الفيدرالية الصومالية بعد إعلان الأولى تعيين مبعوث خاص مكلف لشئون الحوار مع مقديشو. إلى جانب اتهام حكومة هارجيسا لقوات الإقليم الصومالي في إثيوبيا بارتكاب مجازر في منطقة دوعلي بـ"أرض الصومال". في الوقت الذي ترفض فيه العشائر التي تقطن في منطقة أودال -التي ربما تحتضن القاعدة البحرية الإثيوبية- الاتفاق من الأساس، وهو ما يعزز مخاوف حكومة آبي أحمد، وربما يدفعه إلى الالتزام باتفاق أنقرة الذي ربما يضمن له منفذاً بحرياً بامتيازات خاصة عبر الدولة الصومالية حال تنفيذ جميع بنوده.

حسابات الصومال

يبدو أن الصومال تتعرض لمزيد من الضغوط من قبل بعض الأطراف الإقليمية التي ترى في استمرار المشاركة الإثيوبية في بعثة "أوصوم" مصلحة استراتيجية لها، وهو ما تجلى في التحول الدراماتيكي في الموقف الصومالي تجاه انضمام إثيوبيا إلى الدول المشاركة في البعثة الأفريقية، حيث أكدت مقديشو في البداية رفضها لاستمرار القوات الإثيوبية في "أوصوم"، قبل أن تعلن عقب زيارة وزيرة الدفاع الإثيوبية لمقديشو قبل أيام الاتفاق مع الحكومة الصومالية على المشاركة ضمن قوات بعثة "أوصوم" التي تستمر خلال عام 2025 بموجب قرار مجلس الأمن الدولي في أواخر ديسمبر 2024.

ومع ذلك، ربما ترهن حكومة مقديشو عودة إثيوبيا للبعثة بانسحابها من الاتفاق المبرم مع إقليم "أرض الصومال"، والالتزام ببنود اتفاق أنقرة الذي أُبرم مؤخراً برعاية تركية، وذلك مع استمرار ضعف الثقة في إثيوبيا في ضوء استمرار التخوفات الصومالية بشأن التزام أديس أبابا باحترام سيادة الصومال ووحدتها وسلامة أراضيها.

وإن كان ذلك لا يغفل إدراك الصومال للنفوذ الإثيوبي في المنطقة وخبراتها الواسعة في مجال الحرب على الإرهاب، وأيضاً العلاقات التي تربط أديس أبابا ببعض الولايات الصومالية، بما قد يجعلها ورقة ضاغطة على الحكومة الفيدرالية في أي وقت. إلا أن الرئيس حسن شيخ محمود قد استطاع خلال الشهور الماضية التفاعل مع ديناميات التفاعلات الإقليمية في القرن الأفريقي، من خلال توسيع جولاته الدبلوماسية بهدف التقارب مع بعض الأطراف الإقليمية، وما يشكله حضورها البارز في المنطقة من قلق دائم بالنسبة لإثيوبيا، وذلك بالتزامن مع انضمام الصومال للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي لمدة عامين (2025 – 2027) وما قد يعنيه ذلك من قربها من دوائر صنع القرار الدولي، بما يسمح لها بعرض قضيتها على المجتمع الدولي بهدف جذب الحشد والتأييد الدولي لصالحها، وهو ما يشكل ضغطاً على أديس أبابا التي سارعت نحو أنقرة للتوسط لتسوية الأزمة مع مقديشو.

إجمالاً، يبدو أن إثيوبيا تعيش لحظة صعبة في القرن الأفريقي، في ضوء العلاقات المتوترة مع معظم دول الإقليم، ما يدفعها للاستعانة بحلفائها الإقليميين بهدف تخفيف حدة تلك التوترات في المنطقة. في حين تبدو الفرصة أمام الصومال لاستعادة جزء من دورها المفقود منذ عقود في الإقليم، في إطار التحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة، وفي القلب منها الصومال.

ويظل اتفاق أنقرة عاملاً حاسماً ومحدداً لمستقبل وجود القوات الإثيوبية في بعثة "أوصوم"، ومن ثم، النفوذ الإثيوبي في المنطقة مستقبلاً. ويتوقف ذلك على مدى التزام إثيوبيا بتنفيذ بنوده خلال الفترة المقبلة، وما قد يترتب عليه من تحولات جوهرية على صعيد العلاقات الصومالية-الإثيوبية.


رابط دائم: