كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية الأمريكية على سياسات الطاقة في العالم؟
2024-11-2

د. أحمد قنديل
* رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيحية

 

سياسات الطاقة للرئيس الأمريكي القادم لن تؤثر فقط على الولايات المتحدة، وإنما أيضا على سياسات الطاقة العالمية ككل، خاصة أن الولايات المتحدة تعتبر واحدة من أكبر الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة في العالم، كما أنها أيضا أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض وتغير المناخ العالمي.

لذلك، ليس من الغريب أن يراقب العالم بترقب واهتمام شديدين ما سوف تسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة التي سوف تجرى في 5 نوفمبر 2024، خاصة وأن كلا من المرشحين الأبرز في هذه الانتخابات، وهما نائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب، لديه رؤية "شبه متناقضة" مع الآخر بشأن سياسات الطاقة داخل الأراضي الأمريكية، وهو ما سيكون له انعكاسات ملموسة ليس فقط على الاقتصاد والأمن القومي الأمريكي وإنما أيضا على السياسات الدولية واستراتيجيات التعاون العالمي في تحقيق أمن الطاقة ومواجهة تغير المناخ العالمي.

رؤى متعارضة

المرشحة الديمقراطية هاريس تتبنى رؤية "تقدمية" للغاية للولايات المتحدة ترتكز على الاستدامة والمساواة. وتتماشى هذه الرؤية الطموحة بشكل وثيق مع الدفع والدعم الشديدين لإدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن نحو مشروعات الطاقة المتجددة والحياد الكربوني والانتقال الشامل إلى اقتصاد أخضر يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، دعمت هاريس، بصفتها عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي من كاليفورنيا ونائبة الرئيس في الإدارة الأمريكية الحالية، بوضوح سياسات التحول إلى الطاقة النظيفة من أجل مكافحة التغير المناخي. إذ أيدت هاريس، على سبيل المثال، قانون "الحد من التضخم" IRA  لعام 2022، الذي يحفز مشروعات الطاقة المتجددة ووسائل النقل الكهربائية بهدف خفض الانبعاثات في الولايات المتحدة. كما كانت هاريس أيضا من أوائل المؤيدين لمبادرة "الصفقة الخضراء الجديدة" التي تهدف إلى نقل الولايات المتحدة بالكامل إلى الطاقة النظيفة، بل والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الحالي.

وعلاوة على ذلك، شاركت هاريس خلال فترة عملها كنائبة للرئيس الأمريكي بنشاط في الجهود الدولية المتعلقة بمواجهة تغير المناخ العالمي، حيث مثلت الولايات المتحدة في العديد من المنتديات المناخية المهمة، مثل (كوب 27)، الذي تم عقده في مدينة شرم الشيخ المصرية. كما دافعت هاريس أيضا بقوة عن مبادرة Justice 40، التي تهدف إلى توجيه 40٪ من فوائد الاستثمارات الفيدرالية إلى مشروعات الطاقة المتجددة، حتى يكون "التحول الطاقوي" في الولايات المتحدة "عادلا" و"ضامنا" لاستفادة الفئات السكانية الضعيفة من السياسات الشاملة لمواجهة تغير المناخ. وأيدت المرشحة الديمقراطية بقوة أيضا هدف بناء 500 ألف محطة شحن للسيارات الكهربائية، وتحويل أسطول المركبات الفيدرالية إلى الكهرباء، كجزء من الالتزام الأمريكي بإزالة انبعاثات الكربون من وسائل النقل.

ومن جهة أخرى، أكدت هاريس أيضا في توجهاتها السياسية والطاقوية على مبدأ "ضرورة تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري"، من خلال فرض المزيد من التشريعات واللوائح البيئية، التي تضمن، على سبيل المثال، حظر منح عقود جديدة لإنتاج النفط والغاز على الأراضي الفيدرالية.

وفي المقابل، يؤكد المرشح الجمهوري دونالد ترامب (الذي شغل منصب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة في الفترة بين عامي 2017 و2021)، على ضرورة إتباع سياسات طاقة "مختلفة جذريا" عن هاريس، من أجل دعم الاقتصاد الأمريكي، وخلق آلاف الوظائف، وزيادة تنافسية الشركات الأمريكية في الأسواق العالمية. فمن خلال رفعه شعارات مثل "أمريكا أولا" و"جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، يشدد ترامب على ضرورة تعزيز "استقلالية الطاقة" وتحقيق "الاكتفاء الذاتي من الطاقة" من خلال إزالة كافة القيود التنظيمية على إمكانيات زيادة إنتاج الوقود الأحفوري المحلي (النفط والغاز الطبيعي والفحم)، مؤكدا على أن سياسات منافسته في الانتخابات الرئاسية لتشجيع مشروعات الطاقة النظيفة لن تسفر عن شيء سوى إعاقة نمو الاقتصاد الأمريكي.

ويشار في هذا الصدد إلى أن ترامب، في فترة رئاسته السابقة، كان قد ركز على دعم مشروعات البنية التحتية التي تساهم في تطوير صناعة الوقود الأحفوري، كخطوط أنابيب نقل النفط والغاز الطبيعي. وفي هذا السياق، تعهد ترامب، خلال حملاته الانتخابية في الفترة الأخيرة، بالعودة إلى السياسات التي كان قد طبقها من قبل، في حال فوزه مجددا، مؤكدا على أن هذه السياسات سوف تجعل الولايات المتحدة واحدة من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، وهو ما سيؤدي إلى انتعاش الاقتصاد الأمريكي وتخفيض أسعار الطاقة للمواطنين الأمريكيين، وخلق فرص عمل هائلة، وزيادة فرص الشركات الأمريكية في الأسواق العالمية.

ويلاحظ في هذا السياق أن ترامب رغم أنه لم يكن ضد مشروعات الطاقة المتجددة بشكل كامل (خاصة فيما يتعلق بالمشروعات ذات الصلة بالسيارات الكهربائية)، إلا أنه أعرب عن شكوكه حول فعالية هذه المشروعات في تلبية احتياجات الولايات المتحدة الاقتصادية والأمنية. كما قلل المرشح الجمهوري أيضا من شأن أهمية التعاون الدولي لمواجهة تغير المناخ العالمي مرارا وتكرارا، مما انعكس على "محدودية" الاستثمارات في تقنيات الطاقة المتجددة خلال فترته الرئاسية، وانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس لمواجهة تغير المناخ العالمي في عام 2017.

مسارات محتملة

على أية حال، يمكن القول إن توجهات الرئيس الأمريكي القادم سوف يكون لها تداعيات مهمة على سياسات الطاقة العالمية، سواء سارت الولايات المتحدة في اتجاه تعزيز الإنتاج الأمريكي من النفط والغاز الطبيعي والفحم أو في اتجاه سياسات طاقة أكثر استدامة.

فإذا ما أعيد انتخاب المرشح الجمهوري ترامب، فسوف تشهد واشنطن، على الأرجح، عودة إلى السياسات التي تفضل إلغاء كافة القيود التنظيمية على إنتاج الغاز الطبيعي والنفط والفحم. وسوف يترتب على ذلك، في المدى القريب، زيادة الإنتاج الأمريكي من مصادر الطاقة المحلية، وربما أيضا تخفيض تكاليف الطاقة على المستهلكين الأمريكيين، وبالتالي تراجع الضغوط التضخمية الهائلة التي أصبح يعاني منها المواطنون الأمريكيون. كذلك سوف تحافظ الولايات المتحدة، في الغالب، على مكانتها باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم، ومصدرا صافيا مهما للنفط والغاز الطبيعي، مع تعزيز استقلالها في مجال الطاقة. ولكن هذا المسار، سوف يؤخر، بالتأكيد، من التحول الأمريكي إلى مصادر الطاقة المتجددة. كما أنه، في الغالب، سوف يقوض أيضا من القدرة التنافسية للشركات الأمريكية في سوق الطاقة الخضراء العالمية.

وفي المدى البعيد، قد يعيق مثل هذا المسار "الترامبي" أيضا من قدرة الولايات المتحدة، وهي من أكثر الدول انبعاثا لغاز ثاني أكسيد الكربون المتسبب في أرتفاع درجة حرارة الأرض، على الوفاء بالتزاماتها الدولية بشأن  تغير المناخ العالمي، وبالتالي تعريض الجهود العالمية في هذا الخصوص للخطر.

 وفي ظل هذه الأوضاع، من المتوقع أن "تتصدع" العلاقات الأمريكية- الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بالعمل المناخي العالمي. ويشار في هذا السياق، إلى أن قرار ترامب السابق بالانسحاب الأمريكي من اتفاقية باريس لمواجهة تغير المناخ في عام 2017 أدى إلى "عزل" واشنطن عن الجهود المناخية الدولية. وكانت هذه العزلة عقبة كبيرة أمام تحقيق التقدم "الملموس" في مواجهة تغير المناخ العالمي، حيث كانت الدول الأخرى المسببة للانبعاثات تتخذ من انسحاب الولايات المتحدة "ذريعة" لعدم الوفاء بالتزاماتها الدولية الرامية إلى خفض الانبعاثات.

وعلى العكس من ذلك، من المرجح أن تحفز رئاسة هاريس للولايات المتحدة في الأربع سنوات المقبلة "تحولا كبيرا" نحو الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة وفي العالم، خاصة وأن سياساتها الحالية، والمستقبلية، سوف تكون قادرة على "ضخ" استثمارات كبيرة في مشروعات وتقنيات الطاقة النظيفة. ومن شأن وصول هاريس أيضا إلى مقعد الرئاسة في البيت الأبيص أيضا أن يعزز، على الأرجح، من قيادة الولايات المتحدة للجهود العالمية في مكافحة تغير المناخ. وسوف يساعد ذلك، بالتالي، في تعزيز التعاون بين واشنطن ومعظم العواصم الأوروبية الكبرى بشأن تنفيذ الاتفاقيات المناخية الدولية. كذلك، من المتوقع أن تتعزز أيضا علاقات التعاون بين الولايات المتحدة وبين كثير من الدول النامية، ومن بينها مصر، فيما يتعلق بالمجالات الفنية والتكنولوجية والمالية المرتبطة بمشروعات الطاقة المتجددة ووسائل النقل الكهربائية والهيدروجين الأخضر، مما يعزز في نهاية المطاف العمل المناخي العالمي.

إلا أن هذا النهج من جانب رئيسة الولايات المتحدة القادمة، حال وصول هاريس إلى البيت الأبيض، قد يضع أيضا علاقات واشنطن مع معظم الدول المنتجة والمصدرة للنفط والغاز الطبيعي والفحم في حالة من التوتر والصدام، على المديين المتوسط والبعيد، لأنه سوف يضع قيودا شديدة على توجيه الاستثمارات الأمريكية والعالمية إلى تطوير مشروعات جديدة لإنتاج النفط والغاز الطبيعي والفحم، وهو الأمر الذي قد يترتب عليه تداعيات سياسية وجيواستراتيجية مهمة، ينبغي متابعتها عن كثب في الفترة المقبلة.


رابط دائم: