تعد منطقة القرن الأفريقي بمنزلة ساحة استراتيجية مفتوحة لجميع اللاعبين الدوليين والإقليميين في إطار مساعيهم إلى بناء النفوذ الجيوسياسي، وتعظيم المصالح والمكاسب الحيوية هناك، لا سيما في ضوء ما تمتلكه المنطقة من إمكانات هائلة جعلها بؤرة اهتمام وأنظار القوى الدولية الفاعلة التي تدرك الأهمية الاستراتيجية للقرن الأفريقي.
يمثل الموقع الجغرافي للقرن الأفريقي أحد أبرز العوامل الرئيسية -إلى جانب عوامل عديدة أخرى- في تنامي الاهتمام الدولي بالمنطقة التي تطل على البحر الأحمر، بما في ذلك مضيق باب المندب وما يشهده من تفاعلات معقدة تعكس أهميته المتنامية في سياسات القوى الفاعلة، وتقع أيضًا بالقرب من بعض المناطق الاستراتيجية، مثل المحيط الهندي والشرق الأوسط والخليج العربي، كما أنها ترتبط مع منطقة الساحل في إطار علاقات التأثير والتأثر الجيوسياسي كما هو الحال في الحالة السودانية وتداعياتها، فضلًا عن وتنامي ظاهرة الإرهاب.
تشكل هذه العوامل مجتمعة مصفوفة المصالح الحيوية بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية في القرن الأفريقي، حيث تنقسم إلى مصالح سياسية ودبلوماسية واستراتيجية واقتصادية وتجارية وأمنية وعسكرية، وغيرها. جدير بالذكر أن تلك المصالح تسهم بشكل أساسي في احتدام التنافس الدولي والإقليمي في المنطقة، لا سيما في ظل تضارب تلك المصالح في بعض الأحيان بين القوى الدولية الفاعلة، كما هو الحال في التنافس الأمريكي - الصيني في أفريقيا، لا سيما القرن الأفريقي.
يتسم المشهد العام في القرن الأفريقي بدرجة كبيرة من التعقيد والاضطراب، في ضوء ما تشهده بعض دول المنطقة من تفاعلات داخلية متشابكة ومعقدة نتيجة اندلاع الصراعات والنزاعات التي تكاد تعصف بأمنها واستقرارها وتماسكها، مثل الصراع في إثيوبيا في الفترة بين عامي 2020 و2022، وتمرد بعض الحركات المسلحة، مثل ميليشيا فانو الأمهرية وجيش تحرير أورومو. كما أن استمرار الصراع السوداني منذ أبريل 2023، مع غياب أي أفق لتسوية الأزمة بشكل سلمي يهدد وحدة الداخل السوداني، بالإضافة إلى تنامي نشاط الإرهاب، وتوسع نفوذ حركة الشباب المجاهدين المتمركزة في وسط وجنوب الصومال، بما يعزز انعدام الاستقرار في البلاد.
أيضًا، تتزايد المخاوف من تصعيد التوترات الإقليمية بين بعض دول المنطقة، مثل الخلاف الإثيوبي -الصومالي الممتد منذ يناير 2024، بالإضافة إلى التوتر الإثيوبي- الإريتري منذ عام 2022، واحتمال تمدد الصراع السوداني إلى المنطقة، وكلها تلقي بظلالها على السياق الإقليمي المضطرب في القرن الأفريقي.
دائمًا ما تكون منطقة القرن الأفريقي على رأس أجندات واستراتيجيات العديد من القوى الدولية والإقليمية، نظرًا لأهميتها الجيوستراتيجية والجيوبوليتيكية، إذ تتعدد الفواعل الإقليمية والدولية المنخرطة في منطقة القرن الأفريقي لأهداف ودوافع متعددة واهتمامات مختلفة، الأمر الذي جعل منها ساحة للصراع والتنافس يتوافد عليها الجميع من كل صوب وحدب من أجل إيجاد موطئ قدم له هناك لتحقيق أهدافه وتعظيم مصالحه. فلا شك في أن انخراط تلك القوى في المنطقة قد جلب لها العديد من الفوائد على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وهو ما يمثل عبئًا كبيرًا على بعض القوى الأخرى، وتحديدًا مصر، في إطار تصاعد التنافس الإقليمي وكثافة الوجود الأجنبي في المنطقة؛ ما يهدد مصالحها الاستراتيجية هناك.
إجمالًا، برغم جملة التحديات التي تعكسها التفاعلات الجارية في القرن الأفريقي التي أضحت واقعًا نمطيًّا هناك، يمكن النظر إلى المنطقة على أنها تنطوي على المزيد من الفرص في ضوء المقومات الهائلة التي تحظى بها، مما يضاعف أهميتها الجيوسياسية، ما يستدعي الدفع نحو تضافر مختلف الجهود من قبل اللاعبين الفاعلين لمحاولة تسكين سلسلة الأزمات والصراعات المستمرة في بعض دول المنطقة، تمهيدًا لبحث تسوية شاملة بهدف إحلال السلام النهائي، في محاولة لاستعادة الاستقرار السياسي والأمني الإقليمي، لكي تنهي حقبة من الاستقطاب الحاد والاضطرابات التي استمرت سنوات طويلة في القرن الأفريقي.
رابط دائم: