* العدد متاح الكترونيا على الرابط التالي: https://acpss.ahram.org.eg/Esdarat/Mashhad/7/files/downloads/Mashad-8-Final.pdf
اليوم، ونحن نقترب من منتصف عشرينيات القرن الحادي والعشرين، وبعد مرور ما يزيد على عشرين عاما من الحرب الأمريكية/الغربية على الإرهاب، التي نتج عنها ولادة التنظيم الأكثر وحشية من تنظيم القاعدة ألا وهو تنظيم «داعش»، وانتشار الأخير بقوة في دول أفريقيا وآسيا، لا بد لنا من وقفة لإعادة ترتيب أفكارنا عن آليات مواجهة التطرف والإرهاب.
اليوم، ونحن نستمر في مشاهدة يومية لممارسات إرهابية تنفذها دولة إسرائيل بحق مواطنين مدنيين عزل في قطاع غزة المحتل والمحاصر على مدار خمسة أشهر، على مرأى ومسمع من العالم، بل وتأييد دائم وواثق من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية، لا بد لنا من تأمل وتفكير لإعادة تعريف معنى الإرهاب من الأساس.
اليوم، ونحن نشاهد تضمين جميع القوانين والاتفاقات الغربية الحديثة لمفهوم الإرهاب الناشئ من الداخل Home Grown Terrorism، باعتباره زاوية تكميلية غابت طويلا عن الفهم الغربي لتقدير وقياس الإرهاب وأسبابه، بعد أن اعتاد الغرب على وصف الإرهاب بأنه مكون دخيل قادم من الخارج، على غرار مسألة "الهجرة غير النظامية"، لكن الغرب أدرك أنه ظاهرة محلية تنشأ عن أسباب داخلية بالكامل لا دخل للدول العربية أو قاطنيها به، لا بد لنا من الانتباه إلى أن كل ما قيل وكتب عن أن الإرهاب ظاهرة رهينة بمنطقة جغرافية بذاتها "خرافة" تستحق إعادة التفنيد.
اليوم، ونحن نقرأ المؤشرات العالمية لقياس الإرهاب والعمليات الإرهابية، ونجد تأكيدا غربيا على أن التهديد الإرهابي الأهم لديهم الآن هو تهديد اليمين المتطرف العنيف، القائم على أساس إعادة إحياء «التفوق الأبيض»، لا بد لنا من التساؤل كثيرا عن كل ما كتب من جانب الغرب عن أن «الإسلام» كدين هو المنبع، والأنظمة العربية غير الديمقراطية -حسب التوصيفات الغربية- هي المرتع لأي فكر متطرف وأي ممارسة إرهابية.
على مدار ما يقرب من ربع قرن، غلب على المشتبكين مع ظاهرة الإرهاب -باحثين ودارسين وإعلاميين- نظرة أحادية للظاهرة. حدث ذلك بفعل هول حادثة 11 سبتمبر، وسرعة وحدة استجابة النخبة السياسية والأكاديمية الأمريكية للحدث واحتكارها لصك المفاهيم، وعمل التصنيفات، وتحديد مسارات البحث والتفكير، والتعامل مع ظاهرتي التطرف والإرهاب.
بقوة شديدة، اتجه العالم، بمؤسساته ومفكريه وإعلامه، لحصر الإرهاب في المتطرفين المسلمين فقط، وفي تنظيم القاعدة تحديدا، مع مساحة من الحراك في خط ناظم مستقيم واحد يبدأ بمقدمات تنظيم القاعدة، ويمتد إلى مشتقات وانشقاقات هذا التنظيم، ومن ثم أصبح مفهوم الإرهاب محصورا في منطقة الشرق الأوسط، ورهينا بالتطرف الديني «الإسلامي»، ولصيقا فقط في القاعدة وإرهاصاتها ومنتجاتها.
هذا الأمر عطل أي فهم أو تحليل للإرهاب بالمعنى الواسع، باعتباره: «إثارة الرعب والخوف ضد الآمنين، واستخدام القوة والسلاح دون التمييز بين المسلح والمدني، لتحقيق أهداف غالبا ما تدور حول تغيير الوضع الراهن بالقوة، استنادا إلى إيمان راسخ، وعقيدة تؤكد امتلاك الحق في ارتكاب هذا العنف، والاستعلاء على الآخر، وسحب حق الآخر في العيش بأمان دون تهديد حقيقي لوجوده وحياته ومقدراته». من ثم، أصبحت الممارسة الإرهابية نفسها توصف، -وفقا للمفهوم الغربي المعمم على العالم- تارة بإنها إرهاب وتارة أخرى بأنها عنف أو حرب، أو حتى راديكالية.
بناء على ذلك، بات من الضروري إعادة التفكير والتأمل والبحث في ظاهرة الإرهاب والعنف من منظور وطني وعربي، وبصورة علمية تنهض على تقييم مدى منهجية تصنيف الجماعات والممارسات باعتبارها كيانات وأفعال إرهابية أو غير ذلك.
رابط دائم: