أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في 25 سبتمبر 2023، تسلُّم بلاده الدفعة الأولى من دبابات "أبرامز" المقرر توريدها للجيش الأوكراني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وفق تعهدات سابقة أمريكية وأوروبية بدعم أوكرانيا بالدبابات، لمواجهة الهجوم الروسي، وشن هجوم مضاد، واستعادة الأراضي التي سيطرت عليها القوات الروسية. وفيما تأتي هذه الخطوة بعد توريد ألمانيا وبريطانيا دبابات "ليوبارد" و"تشالينجر"، فإن ثمة تساؤلات حول القيمة المضافة لدخول الدبابات الأمريكية الحرب الروسية الأوكرانية، وحول أبرز الدلالات أو الإشكاليات المرتبطة بتسليم واشنطن كييف أولى شحنات دبابات "إم 1 أبرامز".
ضغوط أوكرانية وتعهُّد أمريكي
طالبت أوكرانيا الدول الغربية بإرسال دبابات ثقيلة لدعم هجومها المضاد وتعزيز موقفها على الخطوط الأمامية للقتال، في إطار المطالبات الأوكرانية المستمرة بالحصول على دعم تسليحي مكثف ونوعي من الدول الغربية. وقد ارتبط الإعلان الأمريكي بالتعهد بتوريد عدد 31 من دبابات "أبرامز" إلى أوكرانيا تقدر قيمتها بنحو 400 مليون دولار بالرغبة في دفع الحلفاء الأوروبييين إلى الموافقة على توريد دبابات إلى أوكرانيا، وعلى رأسهم ألمانيا والسماح بتوريد دبابات "ليوبارد" سواء من مخزونها أو من الدول الأخرى، وكذلك توريد دبابات "تشالينجر" البريطانية، ودبابات "AMX" الفرنسية، خاصة بعدما أوضح المسئولون الألمان أنهم لن يرسلوا دباباتهم من طراز "ليوبارد 2" إلى أوكرانيا إلا إذا أرسلت الولايات المتحدة دبابة "إم1 أبرامز" إلى أوكرانيا.[1]
كما يأتي ذلك التوريد في إطار محاولة الإدارة الأمريكية تأكيد التزامها بالدفاع عن أوكرانيا واستقرارها، والتأكيد على استمرار دعم القوات الأوكرانية في مواجهة روسيا. ويتزامن أيضًا تسليم الدبابات الأمريكية في هذا التوقيت مع الاستياء الأوكراني من الدبابات الألمانية، حيث رفضت أوكرانيا تسلُّم دبابات ألمانية قديمة من طراز "ليوبارد 1"، في سبتمبر 2023، بسبب عيوب فنية خطيرة اكتشفتها كييف، خلال تدريب جنودها عليها، وذلك للمرة الثانية بعدما أبلغت عن مشكلات فنية في الدفعة الأولى التي تم تسليمها يوليو 2023.[2]
وتعد دبابات "إم 1 أبرامز" هي دبابات القتال الرئيسية في الولايات المتحدة، ومتوافرة لدى بعض الدول الأخرى، وتعد من أهم وأفضل الدبابات القتالية في العالم. وهي مصمَّمة للتحرك عبر التضاريس المفتوحة، مثل المناطق الطبيعية في جنوب أوكرانيا وشرقها، التي تعد حالياً مركز الهجوم المضاد الأوكراني. [3] وفيما لم يتم الإعلان رسمياً عن أعداد الدبابات التي تضمنتها الشحنة الأولى، إلا أن بعض التقارير أشارت إلى أنها بين 6 و8 دبابات، فيما ذكرت تقارير أخرى أن دفعة شهر سبتمبر 2023 مقدرة بنحو 10 دبابات.[4]
وقد تم تطوير دبابة القتال الرئيسية "M1A1 Abrams" بواسطة شركة "General Dynamics"، وجرى الكشف عنها لأول مرة وبدأ إنتاجها عام 1985، ودخلت الخدمة في الجيش الأمريكي العام التالي، قبل أن يتم التحول إلى الجيل الأحدث M1A2 عام 1992. وتتمتع الدبابة بحماية محسنة للدروع، حيث يتميز البرج الأمامي بدرع معزز بشبكة من اليورانيوم المنضب لتعزيز الحماية والدفاع، فضلاً عن قدرتها على اكتشاف وتشويش أنظمة التوجيه للصواريخ الموجهة بالليزر، وامتلاك مدى نيران فعال يزيد عن 4 كم عبر المدفع M256 عيار 120 ملم، الذي تم تطويره في الأصل بواسطة شركة Rheinmetall. كما أن محرك توربين الغاز بالدبابة يتمتع بفترات خدمة أطول بكثير وصوت أهدأ من محركات الديزل.[5]
إشكاليات مرتبطة
ارتبط الحديث عن تسليم الدفعة الأولى من دبابات "إم 1 أبرامز" الأمريكية بعدد من الإشكاليات، منها:
1- المخزون الأمريكي: يمكن ملاحظة اهتمام الولايات المتحدة بالحفاظ على مخزونها من دبابات "أبرامز"، بخلاف سحب "ليوبارد" و"تشالينجر"، إذ تم سحب كلتا الفئتين مباشرة من مخزونات الدول التي تُشغلهما، وبخلاف تأثير توريد بعض الأسلحة والذخائر على المخزونات الأمريكية منها أيضًا. فقد اتبعت واشنطن منذ إعلانها عن توريد دبابات "أبرامز" إلى أوكرانيا، مطلع العام الجاري، نهجاً يرمي إلى شراء الدبابات من الشركات المصنعة، بدلاً من نقلها من المخزونات الحالية، مع دفع ثمنها بواسطة مبادرة "المساعدة الأمنية لأوكرانيا".
ومع ذلك، وبدلاً من توريد دبابات جديدة من خارج المخزون الأمريكي من طراز "M1A2"، قررت وزارة الدفاع الأمريكية، في مارس 2023، تجديد دبابات "M1A1 Abrams" الموجودة بالفعل في المخزون الأمريكي لتقصير الجدول الزمني وتسريع توريد الدبابات، رغم أن ذلك احتاج بعض الوقت أيضًا لإجراء التجديدات والتغييرات على الدبابات القديمة.
2- توقيتات التسليم: ارتبطت توقيتات تسليم الدبابات الأمريكية لأوكرانيا بعدد من المعطيات على رأسها حاجة القوات الأوكرانية للتدريب على كيفية تشغيل وصيانة دبابات "أبرامز"، وتسليم الدبابات من الشركات المصنعة وليس من المخزون الأمريكي الجاهز، فيما غير البنتاجون خططه القاضية بتسليم دبابات جديدة من طراز M1A2 الأكثر تقدماً، التي كان سيستغرق تصنيعها وشحنها عامًا أو عامين، وستحتاج إلى وقت وجه أكبر في عمليات التدريب، إلى إرسال نسخ مجددة من دبابة M1A1 القديمة لتسريع عملية التسليم، حسبما أُعلن في مارس 2023.
وبشكل عام، يثير بطء عملية تسليم الدبابات إشكاليات وانتقادات متعلقة بأن وصولها المتأخر يحرم أوكرانيا من فرص توظيفها في الهجوم المضاد الذي كانت تأمل في تحقيق نتائج جيدة فيه قبل فصل الشتاء. وقد أوضح السيناتور الأمريكي، أنجوس كينج، في أبريل 2023، إنه إذا لم تصل دبابات "إم1 أبرامز" إلى أوكرانيا حتى أغسطس أو سبتمبر "فقد يكون الأوان قد فات" بالنسبة للهجوم المضاد الأوكراني.[6]
ورغم اعتبار أن وصول الدفعة الأولى الآن يرمي إلى تلبية مطالب كييف بالاستفادة منها في الفترة المتبقية قبل فصل الشتاء وتباطؤ العمليات بسبب أحوال الطقس، لكن على الأرجح وبالنظر إلى عديد من المعطيات، على رأسها التحصينات الدفاعية الروسية، لا يدخل توريد دبابات "أبرامز" في إطار خطط الدعم التسليحي العاجلة من المنظور الأمريكي، حيث تراهن واشنطن على أن الدبابات من المرجح أن تلعب دورًا أكثر أهمية في الهجوم المضاد الأوكراني إذا تمكنت القوات الأوكرانية من اختراق خطوط الدفاع الرئيسية، وهو ما أشار إليه المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، الجنرال باتريك رايدر، حينما رد على سؤال عن توقيت وصول الدبابات، حيث اعتبر أن دبابات أبرامز جزءًا من الدعم العسكري المتوسط والطويل الأجل الذي تقدمه الولايات المتحدة لأوكرانيا، لافتًا إلى أنه عندما تستولي القوات الأوكرانية على الأراضي أو تستعيدها، فإنها ستحتاج أيضًا إلى الحفاظ على تلك المكاسب وردع روسيا عن استعادة أي موطئ قدم، وهو ما ستساهم فيه الدبابات الأمريكية بصرف النظر عن مدى ملائمة توقيت وصولها للمشاركة في الهجوم المضاد.[7]
3- احتمالات التدمير: حدّ استخدام القوات الروسية للمدفعية والألغام على نطاق واسع من الاستخدام الأوكراني للمعدات المدرعة والدبابات إلى الحد الأدنى، وتسبب في تدمير عدد من هذه الآليات. وستواجه دبابات "أبرامز" الأمريكية المخاطر ذاتها التي واجهتها دبابات "ليوبارد" الألمانية و"تشالينجر" البريطانية مثل الألغام المضادة للدبابات والصواريخ والمدفعية والمُسيرات. وفي حين أن تصميم الدبابة الأمريكية وسرعتها يجعلها أكثر قدرة نسبيًا على مقاومة تلك التهديدات، لكن ذلك ليس بشكلٍ كامل، وخاصة تجاه الألغام التي زرعتها موسكو، والتي يمكن أن تلحق أضرارًا بتبك الدبابات.[8] ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى تعرُّض نحو 20% من الأسلحة والمعدات الأوكرانية في ساحة القتال إلى التلف أو التدمير، مع فقدان كييف نحو 654 دبابة خلال الحرب، دمّرت الغالبية العظمى منها، فضلًا عن تعرُّض بعضها لأضرار أو استيلاء الجانب الروسي عليها. [9]
وتفكر أوكرانيا في استخدام الدبابات الأمريكية الجديدة في مهام نوعية للحفاظ عليها والحد من احتمالات تدميرها واستهدافها، فبينما حذر رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، كيريل بودانوف، من أن دبابات "أبرامز"، يمكن ألا تصمد طويلًا، إذا نُشرت على الخطوط الأمامية وفي اشتباك مباشر، فإنه طرح أن يتم تخصيصها لعمليات واختراقات محددة.[10]
4- المعدات السرية والتقنيات المتقدمة: بجانب المخاوف من احتمالات التدمير، كانت هناك مخاوف أمريكية من احتمالات استيلاء القوات الروسية على دباباتها فضلًا عن القيود التنظيمية والقانونية على بعض التقنيات في المعدات العسكرية التي يتم توريدها لدول أخرى، ولذلك عملت واشنطن على إزالة معدات وتقنيات سرية من دبابات "أبرامز" التي تسلمتها أوكرانيا لمنع وقوعها في يد الجيش الروسي، وهو ما أثار مشكلتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بالمدة الزمنية، حيث تحتاج الدبابات إلى وقت لإزالة التقنيات السرية الحساسة وإعادة تجهيزها، وربما ذلك الوقت هو الذي حصلت عليه واشنطن تحت مبرر تجديد الدبابات القديمة وتجهيزها، أما المشكلة الثانية فهي تأثيرات إزالة تلك التقنيات على الفعالية والقدرات المعروفة عن دبابات "أبرامز" الأمريكية، خاصة أن بعض التقارير أشارت إلى أن بعض تلك التقنيات مرتبطة بالحماية الدرعية للدبابات وإزالة شبكة اليورانيوم المنضب، وذلك فضلًا عن تدني قدرات هذه الدبابات المُرسلة بالأساس عن الجيل الأحدث الذي كان من المفترض إرساله.[11]
5- الصيانة وقطع الغيار: ربما يكون الجانب الأكثر إشكالية فيما يتعلق بتوريد دبابات "أبرامز" إلى أوكرانيا هو مدى توافر الدعم اللوجيستي الضامن لاستمرارية تشغيل وصيانة تلك الدبابات، فمن جهة تستخدم "أبرامز" محركًا توربينيًا غازيًا من طراز "هونيويل AGT1500" والذي يعمل بوقود الطائرات ويستهلك وقودًا أكثر بكثير من محرك الديزل ويصعب صيانته، وهي من الأسباب التي بررت واشنطن بها قبل ذلك رفضها إرسال الدبابات إلى أوكرانيا. وستحتاج كييف إلى ضمان توريد منتظم لقطع غيار الدبابات.
وقد صرح بالفعل دوجلاس ر. بوش، مساعد وزير الجيش الأمريكي لشئون التملك واللوجستيات والتكنولوجيا، بأن أوكرانيا تحصل على المزيد من قطع الغيار مع الدبابات، ولكن تبقى إشكالية الصيانة نفسها في ظل تعقُّد نظام "أبرامز".[12] وسترسل الولايات المتحدة عددًا قليلًا من مركبات الإنقاذ والاسترداد، وهي مركبات مجنزرة تستخدم للمساعدة في إصلاح الدبابات في ساحة المعركة أو إخراجها من ساحة المعركة لصيانتها وإصلاحها في موقع مختلف. [13]
6- الجدل حول استخدام اليورانيوم المنضب: في حين أن أحد مصادر القوة الهامة لدبابات "أبرامز" الأمريكية هي قدرات قذائفها الكبيرة على اختراق دروع الدبابات التقليدية، بفضل ذخائر اليورانيوم المنضب، وهو منتج ثانوي ونفايات ناتجة عن عملية تخصيب اليورانيوم، ويتم تجريده من معظم المواد المشعة، حيث تساعد كثافة اليورانيوم المقدرة بنحو 1.7 مرة كثافة الرصاص على اختراق المدرّعات الثقيلة، وتشتد قوة تلك القذائف عند الاصطدام. لكن ثمة جدل مقابل حول مشروعية وأخلاقية استخدام هذا النوع من الذخائر في ظل مخاطره المحتملة على الأفراد والبيئة، فقد أعرب تقرير لبرنامح الأمم المتحدة للبيئة لعام 2022 عن قلقه إزاء احتمال استخدام اليورانيوم المنضب في أوكرانيا، محذرًا من أنه يمكن أن يسبب تهيج الجلد والفشل الكلوي وزيادة مخاطر الإصابة بالسرطان، فضلاً عن الدراسات التي أشارت إلى احتمالية وجود علاقة بين استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب والعيوب الخلقية في الناصرية بالعراق، وكذلك المخاوف من تأثير بقايا تلك الذخائر على التربة.[14] وقد أكدت نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، سابرينا سينج، بالفعل إن الولايات المتحدة تعتزم تزويد أوكرانيا بذخائر اليورانيوم المنضب عند تزويدها بدبابات "أبرامز".
7- الموقف الروسي من توريد الدبابات: بطبيعة الحال، فإن توريد الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا يعزز من حدة التوتر مع روسيا، حيث تعتبر موسكو ذلك دليلًا على التدخل الأمريكي المباشر في الصراع، ومؤشرًا على التصعيد. وقد ندد الكرملين بإعلان واشنطن عزمها تزويد كييف، ذخائر تحتوي على اليورانيوم المنضّب، محذرًا من المخاطر الصحية لذلك، كما توعّد بإحراق دبابات "أبرامز" التي سلمتها واشنطن لكييف. وسبق ووصفت الخارجية الروسية، مطلع العام الجاري، إرسال دبابات "أبرامز" الأمريكية إلى أوكرانيا، بأنها خطوة مدمرة للغاية من جانب الولايات المتحدة، ومحاولة لتنفيذ سيناريو تصعيد في أوكرانيا.
انعكاسات تسويقية
ختاماً، مع دخول "أبرامز" الأمريكية إلى حلبة الصراع الأوكراني، فإن ذلك في سوق الصناعات الدفاعية يعني مواجهة جديدة بين الأسلحة الروسية والأمريكية، خاصة أن "أبرامز" تعد من أهم فئات الدبابات الأمريكية والغربية عموماً، وبالتالي ثمة مخاوف أمريكية من تضرر سمعة الدبابة القتالية إذا ما نجحت القوات الروسية في تدميرها، وستنعكس مآلات المواجهة بين المعدات العسكرية الروسية والأمريكية بعد دخول "أبرامز" ساحة القتال على معدلات الثقة في تلك الأسلحة باعتبارها اختبار حقيقي، غير أن قرار واشنطن بإزالة بعض المعدات السرية، وإرسال دبابات من طراز أقل تطوراً، ربما يمكنها من تحقيق هامش مناورة في هذا السياق.
[2] أحمد أنور، رفضت استخدامها في الحرب.. أوكرانيا تكتشف عيوبا بالدبابات الألمانية، القاهرة الإخبارية، 20 سبتمبر 2023، متاح عبر: https://cutt.us/OYJHO
[3] ما قدرات دبابات "أبرامز" الأميركية.. ولماذا أصرت عليها أوكرانيا؟، الشرق للأخبار، 26 سبتمبر 2023، متاح عبر: https://cutt.us/ed4Ua
[6] ما قدرات دبابات "أبرامز" الأميركية.. ولماذا أصرت عليها أوكرانيا؟، مصدر سبق ذكره.
[9] ما قدرات دبابات "أبرامز" الأميركية.. ولماذا أصرت عليها أوكرانيا؟، مصدر سبق ذكره.
[10] على درب "ليوبارد" و"تشالنجر"... الاستخبارات الأوكرانية تحذر من مصير "أبرامز"، سبوتنيك عربي، 24 سبتمبر 2023، متاح عبر: https://cutt.us/dFVB2
[11] هل تسلمت أوكرانيا دبابات أبرامز منزوعة "التقنيات السرية"؟، سكاي نيوز عربية، 25 سبتمبر 2023، متاح عبر: https://cutt.us/UY3nT
[12] Chris Panella and Ryan Pickrell. Op. cit.
[13] Natasha Bertrand and Oren Liebermann. Op. cit.