هل يختلف اثنان في قياس العمر؟ ألا يتم حساب العمر بمرور الوقت، فإذا أتم الشخص عاماً منذ ولادته يمكن القول إن عمر هذا الشخص قد صار عاماً واحداً؟ أليس ذلك بديهياً؟ الإجابة، غير البديهية، أن هذا ليس بديهيّاً وأن هناك اختلافاً في قياس العمر طبقاً للتقويم المستخدم وكذلك طبقاً للتصورات الثقافية والعرقية لطرق حساب العمر والوقت الذي يزداد فيه عمر الشخص عاماً كاملاً! نستعرض في هذا المقال القصير طرق حساب العمر وكيف أن حساب العمر يختلف باختلاف الثقافات، وأنه ليس هناك طريقة واحدة لحساب العمر على مستوى العالم. نستعرض تحديداً تجربة كوريا الجنوبية التي قررت التخلص من الطريقة التقليدية في حساب العمر والتي تعتبر أن عمر الإنسان يبدأ من بداية فترة الحمل وليس من لحظة الولادة. نستعرض أيضاً آثار هذه الخطوة على المجتمع الكوري الجنوبي على المستويات الاقتصادية والاجتماعية.
طرق الحساب
ربما يكون من البديهي أن تختلف طرق قياس العمر بين من يستخدمون التقويم القمري والتقويم الشمسي؛ فالمعروف أن طول السنة الشمسية يبلغ 365.25 يوماً[1] بينما يبلغ طول السنة القمرية 354.37 يوماً، وبذلك تكون السنة الشمسية أطول من السنة القمرية بحوالي 11 يوماً. على ذلك، فإنه عندما يبلغ شخص ما 33 عاماً بالتوقيت الشمسي فإنه يكون قد بلغ 34 عاماً بالتوقيت القمري، وعندما يحتفل شخص ما بعيد ميلاده السادس والستين، فإن شخصاً آخر في بلد آخر يطبق التقويم القمري سوف يحتفل في التوقيت نفسه بعيد ميلاده الثامن والستين بزيادة عامين عن نظيره في البلد الذي يتخذ التقويم الشمسي مقياساً للعمر. بالرغم من أن التقويم القمري يُعد من أقدم التقاويم التي عرفها الإنسان نظراً لارتباطه بحركة القمر التي لا تخطئها عين والتي يمكن ملاحظة دورتها بسهولة، إلا أن الاعتماد على التقويم القمري قد ثبت فشله في الحضارات الزراعية نتيجة لتغير الفصول نظراً للإزاحة التي تحدث في المواسم بسبب الفرق بين السنة الشمسية، التي تتحدد من خلالها الفصول ومواعيد الزراعة والحصاد بدقة، والسنة القمرية.
ارتبط التقويم القمري أيضاً بالمعتقدات الدينية وعلى رأسها الدين الإسلامي الذي يعتمد التقويم القمري تحت مسمى التقويم الهجري. كان العرب قديماً يضيفون شهراً ثالث عشر للسنة القمرية كل ثلاث سنوات لضبط الفصول لتتوافق مع السنة الشمسية، إلا أنه تم العدول عن هذه الممارسة بعد ظهور الإسلام.
نظراً لعدم وجود سجلات لواقعات المواليد والوفيات إلى وقت قريب في العديد من بلدان العالم النامي، كان يتم حساب العمر عادة بالسنوات المكتملة بسبب عدم معرفة الأشخاص بتواريخ ميلادهم بدقة، إلا إذا ارتبطت تواريخ ميلادهم بمناسبات دينية؛ فنجد على سبيل المثال أن معظم من يتم تسميتهم "عيد" قد ولدوا في العيد ومعظم من تمت تسميتهم "عرفة" ربما يكونوا قد وُلدوا في يوم "وقفة عرفة"، وكذلك أسماء أخرى على شاكلة "جمعة" و"خميس" و"رمضان" و"شعبان" و"صَفَر" و"بدر". مشكلة تحديد تواريخ محددة لمولد مثل هؤلاء الأشخاص تبدو معقدة إذا تذكرنا أن المناسبات القمرية ليست ثابتة طبقاً للتقويم الشمسي.
قبل اكتمال تسجيل واقعات المواليد، كان الناس يلجأون إلى التسنين. على سبيل المثال، وحيث أن أول قانون لتحديد الحد الأدنى للزواج للفتيات والصادر عام 1925 قد حدد الحد الأدنى للزواج بـ16 عاماً، وللتحايل على هذا القانون، خاصة للفتيات غير المسجلات اللاتي لم تصدر لهن شهادات ميلاد، كان يتم تسنينهن أي تقدير سنهن بواسطة "حكيم الصحة" أو طبيب من قِبِل وزارة الصحة أملاً في أن يقوم الطبيب بتقدير سن الفتاة، التي تكون عادة أصغر من السن القانوني للزواج، على أنها قد بلغت السادسة عشرة من العمر حتى يستطيع المأذون الشرعي إتمام إجراءات الزواج وتسجيله في المحكمة المختصة.
لم يكن تقدير السن دائماً مهمة سهلة، وإلا لما اهتم خبراء السكان الأوائل في خمسينات القرن العشرين بمعالجة أخطاء الإدلاء بالعمر، إذ قدموا العديد من المنهجيات الكفيلة بمعالجة الأخطاء الناتجة عن الإدلاء غير الصحيح ببيانات العمر في التعدادات السكانية وفي المسوح الميدانية، إذ لاحظوا ميل المبحوثين إلى الإدلاء بأعمارهم متحيّزين للأعمار التي تنتهي بأرقام خمسية أو عشرية، فيكثر عدد السكان في الأعمار التي تنتهي برقم خمسة ورقم صفر (25 و40 عاماً على سبيل المثال)، بينما تنخفض أعداد السكان في الأعمار التي تنتهي بالأرقام واحد واثنين وثلاثة وأربعة (41 و42 و43 و44 على سبيل المثال)، ما ينتج عنه ظاهرة الإزاحة العمرية الناتجة عن التحيز لأرقام معينة. لمعالجة هذه الظاهرة، قدّم خبراء السكان بعض المعادلات الرياضية البسيطة لما يسمى "تمهيد الأعمار"، وهو ما يمكن تشبيهه بتعبيد الأرض أو مساواتها للتخلص من التحيز العمري. بسبب هذا التحيز، نُفضّل، كخبراء سكان، تبويب الأعمار في فئات عمرية خمسية لتجاوز هذا التحيّز.
إلى هنا والموضوع يبدو منطقياً، لكن ما كانت تفعله الحضارات القديمة في الصين واليابان وبعض دول جنوب شرق آسيا يعد حالة فريدة في حساب العمر. كان يتم حساب العمر في تلك الحضارات القديمة باعتبار أن الإنسان يبدأ تكوينه بمجرد الحمل، لذلك يتم اعتبار عمره صفراً من بداية الحمل وليس من لحظة الولادة، وحيث أن مدة الحمل في المتوسط تبلغ تسعة شهور، فإن المولود لابد وأن يبلغ من العمر تسعة شهور عند الولادة. بالأخذ بالسنوات المكتملة، نجد أن عمر الطفل عند الولادة يمكن اعتباره عاماً واحداً، لذلك فإن هذه الحضارات القديمة ترى أن الشخص يولد وعمره عام. هناك بالتأكيد وجاهة في حساب العمر عند لحظة الإخصاب، إذ يمكن أن يمتد هذا إلى الثقافة الإسلامية التي ترى أن نفخ الروح في الجنين يبدأ عند اكتمال الشهر الرابع من الحمل (عند بلوغ الجنين 120 يوماً)، وعلى ذلك يمكن القول إن لحظة الولادة في المجتمع الإسلامي يمكن أن تعتبر لحظة إكمال المخلوق خمسة شهور (فترة الحمل– تسعة شهور - مطروحاً منها الفترة قبل نفخ الروح – أربعة شهور).
نعود للحالة الصينية، ونزيد أن الطفل في وقت الولادة يكون عمره عاماً وليس صفراً. أضف إلى ذلك أنه لا وجود لكسور العام (الشهور)، حيث يكبر الجميع عاماً مع بداية السنة التالية للولادة.[2] على سبيل المثال، إذا ولد مولود قبل بداية العام التالي بشهر واحد، فإن عمره يصبح عامين بعد شهر من ولادته. انتهى العمل بهذا النظام منذ زمن بعيد في كل من الصين واليابان ولكنه بقى إلى وقت قريب في كوريا الجنوبية.
ماذا فعلت كوريا الجنوبية؟
بموجب قانون جديد أقرته الجمعية الوطنية في كوريا الجنوبية، تم اعتباراً من يوم الأربعاء 28 يونيو 2023 تحويل جميع الأنظمة الإحصائية لحساب العمر من النظام القديم (المذكور أعلاه) إلى النظام العالمي الذي يعتبر لحظة ميلاد الطفل هي بداية احتساب عمره، بمعنى وقف احتساب فترة الحمل كجزء من عمر الفرد وكذلك وقف حساب سنة إضافية لعمر الفرد مع بداية كل عام. يهدف هذا القانون إلى التخلص من الأساليب التقليدية لحساب أعمار السكان. جدير بالذكر أن النظام القديم ربما يستمر لفترة قصيرة في معاملات السكان غير الرسمية وكذلك كجزء من الثقافة الكورية.
لا شك أن ما قامت به كوريا الجنوبية يصب في مصلحة الشعب الكوري الجنوبي الذي كان من قبل يتبع نظامين لحساب العمر وليس النظام التقليدي فقط نظراً لانفتاح كوريا الجنوبية على العالم. هذا بالإضافة إلى تجاوز المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بحساب السن بالطريقة التقليدية ومنها على سبيل المثال عمر الطفل ليتوافق مع اتفاقية حقوق الطفل التي تحدد عمر الطفل من لحظة الميلاد حتى بلوغ العام الثامن عشر وكذلك الاستحقاقات الاجتماعية والتأمين الصحي والاجتماعي وأنظمة التقاعد. يؤدي هذا التغيير أيضاً إلى إطالة الحياة العملية للكوريين بمقدار سنة واحدة على الأقل من خلال تأخير سن التقاعد سنة واحدة على الأقل، وهو ما يصب في مصلحة الاقتصاد الكوري الجنوبي خاصة مع انخفاض الخصوبة إلى أقل مستوى على مستوى العالم[3]، وكذلك ارتفاع نسبة المعمرين في المجتمع.
وربما يكون أهم من كل هذه الأسباب، على المستوى الإنساني، هو أن الكوريين الجنوبيين، عندما يسافرون للخارج لن يكونوا مضطرين لشرح الاختلاف بين أعمارهم بالحسابات الكورية وأعمارهم طبقاً للأنظمة العالمية لحساب العمر.
[1] يبلغ طول السنة الشمسية تحديداً 365 يوماً وربع اليوم، حيث تتم إضافة يوم كامل للسنة كل أربع سنوات بإضافة يوم لشهر فبراير ليكون 29 يوماً بدلاً من 28 يوم فيما يسمى بالسنة الكبيسة.
[2] تبدأ السنة في الصين عادة يوم 4 فبراير وفي بعض الأحيان يوم 5 فبراير.
[3] بلغ معدل الخصوبة في كوريا الجنوبية أقل من مولود حي لكل امرأة في سن الحمل (0.81 مولود حي) عام 2021.