* المقال منشور ضمن العدد رقم 106 من دورية "الملف المصري" الإليكترونية، يونيو 2023.
تعد البيئة البحرية في أفريقيا والموارد التي تحويها مركزًا للتنمية المستدامة للقارة، وتحقيق الطموحات التي حددها الاتحاد الأفريقي في أجندة 2063؛ حيث تخدم البحار والمحيطات مصالح جميع الأطراف في القارة، ولا سيما الدول الساحلية الـ 38 والدول الجذرية الصغيرة النامية (SIDS)، وكذلك الدول الحبيسة التي تستفيد من القطاع البحري، وتبرز مجموعة من التحديات والتهديدات للموارد المستدامة في البيئة البحرية، وعمليات استخراجها وسلامة من يستخدمون المجال البحري، حيث يجذب الموقع والموارد البحرية للقارة الشركاء الدوليين والإقليميين الذين يعتمدون على مياهها؛ لتعزيز تنميتهم الاقتصادية ومصالحهم الجيوستراتيجية.
ويمثل الأمن البحري جانب معقد غالبًا ما يتم تجاهله في الصورة الأمنية الأفريقية حيث يندرج انعدام الأمن في البحر ضمن القضايا التاريخية والحوكمة والقضايا الأمنية الأوسع التي تحدث على الأرض، فقد اجتذبت الصراعات البرية وعدم الاستقرار اهتمامًا إقليميًا ودوليًا على مر السنين، مما دفع إلى التعاون في بناء قدرات الشرطة، والجيش؛ لمواجهة هذه التهديدات بين الحكومات المضيفة، وشركائها الأجانب، ومع ذلك، فإن هذا التركيز على معالجة المخاطر الأمنية التقليدية والفورية غالبًا ما يستبعد المكون البحري، في الوقت الذي يؤدي انعدام الأمن في مياه أفريقيا إلى تفاقم أسباب عدم الاستقرار على الأرض من خلال تعطيل الاقتصادات المحلية، ودفع البطالة المحلية، وزيادة المنافسة على الموارد المتناقصة.
ويؤثر عدم الاستقرار في البحر تأثيرًا عميقًا على اقتصادات وتطور ليس فقط الدول الساحلية ولكن أيضًا تلك البلدان غير الساحلية التي تعتمد على جيرانها الساحليين في التجارة. على سبيل المثال، فإن تكلفة الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه، وغير المنظم على الاقتصادات الأفريقية كبيرة، وترتبط بمشكلات الأمن الغذائي والحد من معدلات الفقر، فالأسماك هي المصدر الرئيس للتغذية لـ 200 مليون شخص في جميع أنحاء القارة، ويوظف قطاع الصيد الحرفي القانوني ما لا يقل عن 12 مليون شخص في الأقاليم الأفريقية غير العربية. ووفقًا للبنك الدولي تخسر الاقتصادات الأفريقية ما يقرب من ملياري دولار أمريكي سنويًا من خلال الصيد غير القانوني، وما يقرب من 600 مليون دولار أمريكي من دخل الأسرة كل عام، ويصبح الاضطراب الذي يشكله الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم للأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي أكثر حدة في ظل تغير المناخ، الذي ساهم في تناقص الأرصدة السمكية في خليج غينيا.
وتحاول هذه المقالة البحث في السياسات الإقليمية والدولية؛ لتعزيز النفوذ وحماية الأمن البحرى، في ظل ما يقوم به هؤلاء الفاعلين من اختيار انتقائي لما يشكل تهديدات وما يرتبط بها من موارد والاستجابة لها؛ حيث يتوقف هذا الاختيار على المصالح الأجنبية، تلك المصالح التي تدعمها في كثير من الأحيان بعض النخب الحاكمة مما يقوض المفهوم الشامل للأمن البحري الذي من شأنه أن يفيد الشعوب الأفريقية.
أولاً: تهديدات الأمن البحري في أفريقيا
يعد الاستغلال المستدام للموارد البحرية لأفريقيا، وكذلك السماح بالملاحة الآمنة لمحيطاتها عاملًا رئيسًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في القارة، ونتيجة لذلك، تتخذ الحكومات الأفريقية والشركاء الدوليون الخطوات اللازمة للتصدي للتهديدات التي تهدد السلامة والأمن البحريين.
وتمثل تهديدات القرصنة والإرهاب والسطو المسلح في البحر (خاصة في خليج غينيا) التهديدات الرئيسة. هناك أيضًا مخاوف مستمرة بشأن الأسلحة غير المشروعة والاتجار بالمخدرات والتزود بالوقود غير المشروع وسرقة النفط الخام، والإرهاب البحرى، والاتجار بالبشر، والضرر البيئي الناجم عن إلقاء النفايات، والصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم والصيد الجائر، وفيما يلي يمكن توضيح أبرز هذه التهديدات والتي تُعد بحاجة عاجلة؛ لتعزيز المؤسسات البحرية الأفريقية لمعالجة هذه المشاكل.
1 - القرصنة
إن تهديد القرصنة يقوض سلامة البحارة ويهدد جهود أفريقيا؛ لتسخير الفرص التي يمكن تحقيقها من خلال مواردها البحرية ومجالاتها من أجل التنمية المستدامة لشعوبها. وقد أدت القرصنة إلى تعطيل التجارة المنقولة بحرًا، مما أدى إلى زيادة تكاليف الشحن مع قيام شركات التأمين بزيادة أسعارها على السفن واستئجار مشغليها لحراس من أجل حماية الأطقم، مما أدى إلى زيادة التكلفة الإجمالية للتجارة، هذا فضلًا عن التكاليف البشرية؛ حيث قُتل عدد من البحارة ورواد السفن على أيدي القراصنة. وفي حين أن خليج غينيا قد تجاوز خليج عدن كنقطة ساخنة للقرصنة، فإن عدم الاستقرار المستمر في تلك المنطقة يهدد هذه المكاسب (انظر شكل رقم 1).
2 - الصيد غير القانوني غير المنظم
يمثل أحد التهديدات المنتشرة في المجال البحري لأفريقيا، وتعد أحد الآثار المباشرة للصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم هو تفاقم استنفاد الأرصدة السمكية. وعلى الرغم من أن الطبيعة السرية للتهديد تجعل من المستحيل تحديد التكلفة إلا أنه وفقًا للرئيسة السابقة للاتحاد الأفريقي «نكوسازانا دلاميني»، فقد أقرّت بخسارة أفريقيا 200 مليار دولار أمريكي في خمسة عقود بسبب الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم، وكشفت الأمم المتحدة أنَّ الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم يكلف إقليم غرب أفريقيا 2.3 مليار دولار أمريكي سنويًا، ويرتبط بجرائم بحرية أخرى كالقرصنة والاتجار بالبشر وتهريب المخدرات.
3 - الإرهاب
إن انتشار التنظيمات الإرهابية في المجتمعات الساحلية، جنبًا إلى جنب مع الشبكات الإجرامية الموجودة مسبقًا والتي تعمل في البحر، يزيد من الخطر الذي يُهدد الأمن البشري، وقد امتد العنف في منطقة الساحل بالفعل إلى ساحل العاج وتهديد السنغال، بينما استفاد الإرهاب في شمال موزمبيق من وجوده في المدن الساحلية لزيادة الهجمات ضد الجزر القريبة، مما أدى إلى تعطيل السياحة واستكشاف الغاز الطبيعي المسال، في الوقت الذي تضاءل فيه وجود الإرهابيين في المدن الساحلية الرئيسة في مقاطعة كابو ديلجادو، فإن الهجمات المنتظمة على الصيادين تعمل بمثابة تذكير بإمكانية وصول الإرهابيين إلى البحر وقدرتهم على مواصلة تعطيل التجارة والاستقرار، وإن كان ذلك على نطاق أقل من ذي قبل، حيث أجبر التدخل المجموعة على تقليص وجودها في هذه المنطقة.
ثانيًا: السياسات الإقليمية والدولية لمواجهة التهديدات البحرية
تنعكس أهمية المجال البحري وموارده في حقيقة أن 90 ٪ من تجارة أفريقيا يتم نقلها عن طريق البحر، وأن موارد مصايد الأسماك تساهم في الأمن الغذائي والتغذوي لأكثر من 200 مليون أفريقي وتقدر قيمة الصناعة البحرية في أفريقيا بتريليون دولار أمريكي سنويًا، ومن المقرر أن يرتفع هذا الرقم مع قيام الدول الساحلية بتطوير قطاعات الهيدروكربونات، والطاقة، والسياحة والنقل البحري، والشحن، وصيد الأسماك في الخارج.
إن الثراء البحري لأفريقيا جعلها جذابة للجهات الفاعلة الحكومية، وغير الحكومية التي ترغب في الاستفادة من الفرص التي توفرها المساحة الشاسعة للساحل المشترك للقارة الذي يزيد عن 26000 ميل بحري، ومن المفارقات، أن القطاعات الرئيسة داخل الموانئ في القارة تهيمن عليها المصالح الأجنبية؛ فالتنقيب عن النفط البحري، والشحن والبنية التحتية للموانئ، والصيد الصناعي تهيمن عليه بشكل أساس دول المياه البعيدة (DWNs) أو الدول الأجنبية، وخاصة الشركات التابعة للدول الغربية والآسيوية، بدعم من حكوماتهم؛ في المقابل، يأخذون الأرباح إلى بلدانهم.
أما الجانب الأفريقي فتحافظ أنشطة الصيد في قطاع مصايد الأسماك الحرفية في القارة على الأمن الغذائي والاقتصادي لملايين الأفارقة، على هذا النحو، فإن الفائدة التي تجنيها القارة من مجالها البحري ومواردها تتضاءل إلى حد كبير مقارنة بالفوائد المستمدة من استغلال الفاعلين الأجانب (DWNs) لها، فهناك ما يقرب من 25 ٪ من جميع المصايد البحرية حول أفريقيا مصنوعة من دول غير أفريقية، هذه المصايد، التي تولد 0.4 مليار دولار أمريكي للدول الأفريقية من خلال اتفاقيات مصايد الأسماك، يمكن أن تولد 3.3 مليار دولار إضافية إذا تم صيدها من قبل أساطيل الدول الأفريقية.
كما تشكل مواجهة هذه التهديدات البحرية تحديًا معقدًا للبلدان الأكثر تضررًا وشركائها الإقليميين والدوليين، وكان العائق الأساس هو الجهود المبذولة؛ لتوليد الإرادة السياسية لدى الحكومات الأفريقية؛ لتكريس الموارد لتطوير وتنفيذ نهج استراتيجي طويل الأجل لتأمين المياه الإقليمية لكل بلد، حيث ينبع الافتقار إلى الإرادة السياسية جزئيًا من نقص الفهم والمعرفة بالأنشطة التي تجري في هذا المجال، والتي بدورها هي نتيجة ضعف القدرات المحلية لرصد الفضاء البحري والدفاع عنه، على سبيل المثال على الرغم من امتلاكها لرابع أطول خط ساحلي في أفريقيا، حتى عام 2020، لم يكن لدى موزمبيق سوى 12 دورية وسفينة قتالية ساحلية، وما يقدر بنحو 2000 ضابط بحري نشط، علاوة على ذلك، سمح الافتقار إلى الشفافية في هذا المجال بازدهار الفساد الرسمي، وهو ما يتضح في فضيحة الديون الخفية في موزمبيق، وفيما يلي يمكن توضيح أبرز سياسات مواجهة التهديدات البحرية على المستويين الإقليمي والدولي.
1 - المستوى الإقليمي
غالبا ما تكون الجرائم البحرية الكبرى في المياه الأفريقية عبر وطنية في الأصل والتأثير، وتتحدى الحلول البسيطة أحادية الجانب، فتستدعي إتباع نهج متعدد الجنسيات، ومع ذلك، وعلى الرغم من تراجع اهتمام الاتحاد الأفريقي والهياكل الإقليمية لتعبئة العمل المشترك بين الدول الأفريقية لإعطاء الأولوية للقضايا البحرية أو عواقبها على القارة، إلا أن مجموعة من الجهات الفاعلة الأفريقية وغير الأفريقية طورت سياسات لمواجهة هذه التهديدات، وكان من أهمها:
أ- طورت المنظمات الإقليمية بروتوكولات واتفاقيات تحكم التعاون في المجال البحري، على سبيل المثال، تُنشئ مدونة «ياوندي» لقواعد السلوك، الموقعة في عام 2017، إطارًا لتعميق التعاون والتنسيق وإمكانية التشغيل البيني لموارد المجتمع بين الدول الأفريقية في خليج غينيا لمكافحة القرصنة والأنشطة الإجرامية البحرية الأخرى بشكل أفضل.
ب- أما مدونة جيبوتي لقواعد السلوك، التي تم تطويرها في عام 2009 ومراجعتها في عام 2017، تنشئ نظامًا مشابهًا للدول التي لها مصلحة راسخة في الأمن في خليج عدن؛ ويشجعهم على تبادل المعلومات الاستخبارية وتحديد الجرائم البحرية وتنسيق عملياتهم في المنطقة، ومع ذلك، أدى ضعف الإرادة السياسية على المستوى الوطني، والخلاف حول تحديد أولويات القضايا، ونقص الموارد إلى إبطاء تنفيذ بعض جوانب هذه الاتفاقيات.
ج-شكل الاتحاد الأفريقي فرقة عمل بحرية استراتيجية في عام 2011، تضم ممثلين من الدول الأعضاء ومفوضية الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية. ومنذ عام 2017، ركز الاتحاد على الانتهاء من ملاحق الميثاق الأفريقي للأمن البحري والسلامة البحرية والتنمية في أفريقيا (ميثاق لومي)، ولقد اكتملت هذه المهام الآن، ومن المنتظر أن تعود فرقة العمل إلى وظيفتها الأساسية، ورسم خارطة طريق لتنفيذ الاستراتيجية البحرية المتكاملة لأفريقيا لعام 2050 (AIM) بما يتماشى مع القانون البحري الدولي.
وعلى المستوى متعدد الأطراف، تقوم دول القارة الأفريقية أيضًا بتقييم قضايا الأمن البحري الفريدة الخاصة بها، فقد ناقش مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي (PSC) هذه المسألة في 23 يوليو 2021، لكن هذا كان الاجتماع السابع فقط بشأن السلامة البحرية من بين أكثر مما يقرب من ألف اجتماع عقده المجلس منذ تأسيسه في عام 2004.
إلا أنه منذ عام 2019، فضلت الدول الأفريقية معالجة مخاوفها البحرية بالاعتماد على مجلس الأمن الدولي، مما يعطي انطباع بأن مجلس السلم والأمن (PSC) غير مقيد وملتزم بسياسات، ومصالح الأمن البحري للدول الأفريقية، ومن وجهة نظر العالم، فإن هذا يجعل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بديل عن مجلس السلم والأمن الأفريقى (PSC)، الذي يمثل المحفل المهم لتحديد أفضل السبل لمكافحة الجريمة البحرية في جميع أنحاء أفريقيا.
2 - المستوى الدولي
تدفع المصالح الدولية الكثيفة في المنافذ البحرية الأفريقية القوى الدولية نحو البحث عن استراتيجيات للأمن البحري لهذه المنافذ، ويظهر هذا بصورة واضحة في البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي؛ حيث تتعدد سياسات القوى الخارجية في المنافذ البحرية الأفريقية تحت دعوى حماية الأمن البحري، وتتراوح هذه السياسات من التواجد العسكري عبر الأساطيل والسفن الحربية أو فرق العمل العسكرية، وكذلك التدريبات العسكرية المشتركة، ومن أهم هذه التدريبات تدريب «أوبنغامي إكسبريس» باعتباره أكبر تدريب بحري متعدد الجنسيات في غرب ووسط أفريقيا، ويأتي ضمن تدريبات الأمن البحري الدولية السنوية التي ترعاها القيادة العسكرية الأمريكية لقارة أفريقيا (الأفريكوم)، يُقام التدريب منذ 12 عامًا، ويأتي ضمن ثلاثة تمارين إقليمية تتولى القوات البحرية الأمريكية بأفريقيا تيسيرها، فتوفر فرصًا للقوات من شتى بقاع القارة للتعاون على التصدي للمخاوف البحرية العابرة للحدود الوطنية.
إلا أن السياسات الدولية تحت دعوى حماية الأمن البحري تتحدد وفقًا للمصالح الأجنبية أكثر من مصالح الدول والشعوب الأفريقية، كما تتسم هذه السياسات بالعديد من المساوئ أهمها:
أ- نقل تضارب المصالح والتنافس الدولي إلى أقاليم القارة
يمثل تضارب المصالح بين الفاعلين الدوليين أحد التهديدات التي تهدد الأمن البحرى للدول، فعلى سبيل المثال، تستضيف جيبوتى ثماني قواعد أجنبية مختلفة، مع وجود دول أخرى مهتمة بإقامة بصمة عسكرية هناك أيضًا، وفي موزمبيق وحدها، تنشط أربع جهات أجنبية على الأقل في المجال البحري، حيث تقوم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتدريب مشاة البحرية الموزمبيقية، وقد تبرعت الهند بعدة زوارق دورية وسعت إلى تعميق العلاقة الثنائية في السياق البحري، كما نشر الجيش الرواندي وحدة دورية ساحلية صغيرة ضمن انتشارها الأوسع في مقاطعة «كابو ديلجادو»، ومع ذلك، فإن هذه الجهات الفاعلة تعمل بدون هيئة تنسيق واضحة، مما يخاطر بازدواجية الجهود، بل واحتمالات المواجهة فيما بينها، مثل التواجد الأمريكى والصينى فى جيبوتى.
ب- عسكرة الأمن البحري
اتسمت السياسات الدولية لحماية الأمن البحري في أفريقيا بالاعتماد بصورة رئيسة على «عسكرة الأمن البحري»، والمثال الواضح على هذه العسكرة ما شهدته الاستجابة العالمية للقرصنة في خليج عدن، وقبالة السواحل الصومالية منذ عام 2009؛ حيث استقرت مجموعة من المهام والفرق العسكرية، بعض هذه الفرق تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بما في ذلك القوات البحرية الأمريكية، وعملية تابعة للاتحاد الأوروبي، هذا فضلًا عن قوات عسكرية لليابان، وسفن إيرانية، حيث حرصت دول العالم على تحييد التهديد في هذه المنطقة، وبالفعل نجحت في ذلك.
وتتواطئ بعض الدول الأفريقية في الحفاظ على هذا النهج النخبوي للأمن البحري؛ لأنها غالبًا ما تطلب دعمًا خارجيًا لتنفيذ السياسات وتنجذب إلى الإيرادات الناتجة من استخراج الموارد، وبالتالي التنفيذ المنحرف لسياسة بحرية شاملة.
ج- موازين القوة
تحاول الجهات الخارجية القوية في إطار ديناميكيات القوة، دفع مصالحها من خلال الاستراتيجيات ومشاريع التمويل التي تتوافق مع أجندة الأمن البحري الخاصة بها في القارة، وترى بعض النخب الأفريقية أن النهج الحالي يخدم المصالح الأجنبية أكثر من تلك الموجودة في القارة؛ حيث يتم إعطاء الأولوية للتهديدات التي تؤثر على الكيانات الأجنبية على حساب التعامل مع تلك التي تؤثر على الشعوب الأفريقية.
ختامًا، من المتوقع أن تعمل قطاعات الاقتصاد الأزرق في القارة على دفع عجلة التنمية المستدامة للشعوب الأفريقية، بعد أن تم الاعتراف بها باعتبارها الحدود التالية؛ لتنمية القارة من قبل الاتحاد الأفريقي (UNECA)، إلا أن عدم إعطاء الاتحاد الأفريقي والهياكل الإقليمية الأولوية لتعبئة العمل المشترك بين الدول الأفريقية للقضايا البحرية أو عواقبها على القارة، يجب أن يتغير للحد من التهديدات البحرية بشكل كبير، والتى يكون لها انعكاسات على التقدم الاجتماعي والاقتصادي عبر القارة، بما في ذلك تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، كما أنها تغذى العنف والفساد.
تحتاج الدول الأفريقية إلى مشاركة ودعم الفاعلين الإقليميين والدوليين، لمساعدتها في تطوير القوانين البحرية وبناء القدرة على إنفاذ تلك القوانين، وتتماشى السياسة الجديدة لإدارة بايدن في أفريقيا، مع تركيزها على دعم الجهود المبذولة في الحفاظ على المناخ والشفافية والنمو الاقتصادي، مع جوانب مختلفة من مشكلات الأمن البحري.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مجلس السلم والأمن الافريقى (PSC) يجب أن يعزز دوره ويضطلع بمهامه؛ لمساعدة الدول الأفريقية على مواجهة التهديدات الناشئة، ففي اجتماع عام 2013، وصف المجلس الأمن البحري والاقتصاد الأزرق بأنه «خط المواجهة الجديد لنهضة أفريقيا»، من خلال إدراج القضايا البحرية في أجندة 2063، جعلت مفوضية الاتحاد الأفريقي إنشاء اقتصادات زرقاء في مياه أفريقية آمنة ومأمونة أمرًا ضروريًا لتحقيقها.
كما يجعل انعدام الأمن في البحر من الصعب على الدول تأمين طرق التجارة، وحماية وتسخير فوائد اقتصاداتها الزرقاء، وضمان النمو الاقتصادي، والتنمية الاجتماعية للمجتمعات الساحلية، يجب أن تبدأ الدول الأعضاء في مجلس السلم والأمن (PSC)، والاتحاد الأفريقي في صياغة وتنفيذ خطط شاملة على المستويات الوطنية والإقليمية والقارية، كما يحتاج مجلس السلم والأمن معالجة حقيقة أن الاستراتيجية البحرية المتكاملة لأفريقيا 2050 (AIM Strategy) لا تزال متأخرة عن جدولها الزمني، على الرغم من العديد من قرارات وطلبات الاتحاد الأفريقي.
ووفقًا لبروتوكول مجلس السلم والأمن (PSC)، يجب على المجلس معالجة التحديات الأمنية وتعزيز السلام والتنمية المستدامة، ومع ذلك، فإن البروتوكول والسياسة الأفريقية المشتركة للدفاع والأمن لعام 2004 تعطى انطباعًا عن أفريقيا بدون خط ساحلي أو منطقة بحرية، هذا فضلًا عن المصالح البحرية الأوسع مثل التجارة والموارد البحرية، فلم يتم تعميم القضايا البحرية بشكل كافٍ في العمل العام للاتحاد الأفريقي، نادرًا ما توجد أي إشارة صريحة إلى الأمن البحري في الهياكل التي تهدف إلى تعبئة العمل القاري ضد الصراع وانعدام الأمن، ويؤدي عدم التوافق بين خطط الأمن البحري للمجموعات الاقتصادية الإقليمية واستراتيجية الأمن البحري (AIM) لعام 2050 إلى زيادة تعقيد المشهد الراهن.
فالاتحاد الأفريقي يمتلك الاستراتيجية البحرية المتكاملة لأفريقيا 2050، ولكن إذا أراد أن يرىَ هذه الاستراتيجية مطبقة، فسيتعين عليه إظهارًا بعض الالتزام الحقيقي بالمجال البحري لأفريقيا، بتجميع كل الجهود الوطنية والإقليمية معًا؛ لتشكيل نهج شامل لأفريقيا بأكملها للأمن البحري، كما لا يمكن للمجموعات الاقتصادية الإقليمية انتظار الاتحاد الأفريقي -والكثير منهم ليسوا كذلك- حيث تكمن المشكلة في التناقض بين عمل الاتحاد، وعمل هذه المجموعات، وهو ما يفرض الحاجة إلى مزيد من الجهود؛ لخلق تعاون إقليمي فيما يتعلق بالأمن البحري.