تزامنًا مع مرور 100 عام على تأسيس الجمهورية التركية، وبعد عقدين من حكم رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم "العدالة والتنمية"؛ ساعات قليلة تفصلنا -ليس فقط- عن واحدة من أكبر وأهم المحطات في تاريخ تركيا الحديث، بل وأصعبها أيضًا، لاسيما بالنسبة لأردوغان الذي يستعد لمواجهة أكبر تحالف للمعارضة التركية خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستنعقد في تركيا يوم الأحد 14 مايو 2023، وذلك بعد أن تم التصويت في الخارج خلال الفترة (27 أبريل – 9 مايو) من العام الجاري، بمشاركة مليون و751 ألف و365 ناخبًا من بين حوالي 3,4 مليون ناخب من إجمالي الناخبين المُسجّلين وفقًا للجنة العليا للانتخابات التركية، والبالغ عددهم حوالي 64 مليون ناخب[1].
ووفق آخر تحديثات في خريطة المرشحين للرئاسة، يتنافس في السباق الرئاسي 3 مرشحين على رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان، زعيم حزب "العدالة والتنمية" ومُرشح تحالف "الشعب"، في مواجهة كل من كمال كليتشدار أوغلو، المُنحدر من الطائفة العلوية، رئيس حزب "الشعب الجمهوري" ومُرشح المعارضة عن تحالف "الأمة" المعروف بـ "الطاولة السداسية"، وسنان أوغان، مُرشح تحالف "الأجداد" المعروف بـ تحالف "آتا". ووفقًا للنظام الانتخابي التركي، إذا لم يحصل أي من المرشحين الثلاثة على نسبة الحسم (50+1) من الأصوات في الجولة الأولى سيتم إجراء جولة ثانية بعد أسبوعين بين المُرشحيين الأعلى في نسب التصويت.
أهم انتخابات في عام 2023
انطلاقًا من إجماع الصحف العالمية الأمريكية، والبريطانية، والفرنسية، على وصف الانتخابات التركية بأنها "أهم انتخابات في عام 2023 يشهدها العالم"، يتبادر إلى الأذهان تساؤلات عديدة حول سبب الاهتمام العالمي الكبير بتلك الانتخابات، وترقب نتائجها على نحو يجعلها الأهم في هذا العام[2].
ولعل واحدة من بين أبرز الإجابات على تلك التساؤلات هي أن تركيا تمتلك مكانة جيوسياسية شديدة الخصوصية والأهمية، كدولة شرق أوسطية تعتبر الجسر المُمتد بين آسيا وأوروبا، حيث تطل على 3 مسطحات مائية حيوية، هي: البحر المتوسط، والبحر الأسود، وبحر إيجه، وتسيطر على اثنين من أهم الممرات الملاحية العالمية وهما مضيقي: الدردنيل والبسفور، ما ساعدها ومكنها من أن تلعب دورًا بارزًا في العديد من دول المنطقة، وأن تنخرط من خلال سياستها الخارجية في الكثير من الملفات السياسية والعسكرية الشائكة، والاستثمارت الاقتصادية والتجارية الهامة.
بمعنى آخر، يمكن وصف تركيا بأنها "دولة محورية" ويعني هذا المصطلح أن الدولة تمتلك مقومات استراتيجية سياسية، وعسكرية، واقتصادية، وفكرية، تجعلها مؤثرة بدرجة كبيرة في محيطها الإقليمي، فضلاً عن مدى استجابتها وتكيّفها مع التطورات والتحوّلات السائدة على الصعيد الدولي، بما يؤهلها لأن تكون مركز استقطاب للقوى العالمية الكبرى، ويدفعها إلى استغلال أصولها الاستراتيجية في إدارة علاقاتها مع تلك القوى بما يحمي أمنها القومي، ويُعزز من مصالحها الخاصة. بالتالي يؤثر أي تغيير في خريطة تحالفات أو عداءات الدولة المحورية على توازن القوى بين الاقطاب السياسية العالمية[3].
فإلى جانب الدور العسكري والاستراتيجي الذي تلعبه تركيا في العديد من البؤر الإقليمية المتوترة مثل سوريا، والعراق، وليبيا، لبسط نفوذها في الإقليم وتقديم نفسها كقوة رئيسية تهدف لتأمين أمنها القومي وتعظيم مكاسبها الاستراتيجية، يتنامى دور تركيا العالمي -كدولة عضو في حلف شمال الأطلسي- في الحرب الروسية - الأوكرانية سواء كوسيط بين معسكري الحرب، أو كشريك اقتصادي واستثماري يُسهم في حل أزمتي الطاقة والغذاء العالميتين.
ففي ظل التحديات الأمنية والاقتصادية والغذائية التي فرضتها الحرب على الساحة العالمية، يسعى كل معسكر لتوسيع قاعدة حلفائه الاستراتيجين في مواجهة الآخر. ويعد فوز المعارضة التركية -المدعومة بصورة جلية من الولايات المتحدة الأمريكية- في الانتخابات القادمة بمثابة فرصة للمعسكر الغربي لاستقطاب وكسب حليف استراتيجي محوري في مواجهة روسيا، وتهديد مستقبل اتفاقياتها واستثماراتها في تركيا.
البرامج الانتخابية
إلى جانب الوعود والإجراءات السياسية والاجتماعية التي جاءت في إطار البرنامج الانتخابي لأردوغان وحزبه الحاكم "العدالة والتنمية" المُكون من حوالي 500 صفحة؛ جاء المحور الاقتصادي والمالي في المقام الأول، انطلاقًا من عدة اعتبارات لعل أبرزها أن ملف الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا، يعتبر أهم وأبرز الملفات التي تستغلها المعارضة في مواجهتها مع النظام الحاكم وبرنامجه الاقتصادي، وبناءً عليه يمكن استعراض بعض أبرز التعهدات والخطط والمشاريع التي جاءت في برنامج أردوغان الانتخابي على النحو التالي:
- وضع تدابير جديدة فيما يخص التضخم فور الانتهاء من الانتخابات لخفضه إلى خانة الآحاد.
- زيادة الدخل القومي إلى 1.5 تريليون ثم إلى تريليوني دولار بمعدل نمو سنوي 5.5%.
- رفع نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 16 ألف دولار سنويًا ثم إلى مستويات أعلى.
- رفع حجم التجارة الخارجية إلى تريليون دولار بالتركيز على الإنتاج والاستثمار والتصدير.
- افتتاح أول محطة للطاقة النووية على الأراضي التركية.
- جذب 90 مليون سائح وتحصيل إيرادات تصل إلى 100 مليار سنويًا من قطاع السياحة.
- منح قرض بقيمة 150 ألف ليرة تركية للشبان المقبلين على الزواج بدون فوائد على أن تُسدد الأقساط بعد سنتين.
- توفير 6 ملايين وظيفة جديدة في 5 سنوات، وخفض معدل البطالة إلى 7%.
- زيادة نسبة مشاركة النساء في القوة العاملة إلى 40% مع نهاية عام 2023.
- إنشاء بنك الأسرة والشباب من عائدات الغاز الطبيعي والنفط اللذين تنتجهما تركيا.
على صعيد آخر، جاء البرنامج الانتخابي للمعارضة التركية المُكون من حوالي 240 صفحة تحت اسم "نص اتفاق السياسات المشتركة" ليشمل حفنة من الوعود والأهداف والتعديلات، التي يمكن طرح أهمها وأبرزها في 4 محاور أساسية: الأول معني بتحول البلاد من النظام النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني، وتحديد مدة حكم الرئيس بسبع سنوات لفترة رئاسية واحدة فقط، وخفض العتبة الانتخابية إلى 3%، وإلغاء حق رئيس الدولة في استخدام حق النقض ضد التشريعات، وإدخال العديد من التعديلات الدستورية التي من شأنها إصلاح السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية.
والمحور الثاني يركز على الإجراءات والوعود الاقتصادية والاستثمارية من خلال التعهد بانتهاج سياسة اقتصادية نيوليبرالية بأقل تدخل من الدولة، بما يضمن استقلالية المصرف المركزي، وترك السوق لتحديد سعر صرف الليرة، والعمل على خفض نسبة التضخم إلى ما دون 10% خلال سنتين، فضلاً عن مضاعفة متوسط دخل الفرد، وإلغاء نظام حماية المودعات بالليرة التركية الذي وضعته الحكومة مؤخرًا. هذا، بالإضافة إلى تعهد المعارضة بإعادة التفاوض حول اتفاقيات استيراد الغاز مرتفعة الثمن، وإعادة النظر في مشروع محطة "أك كويو" للطاقة النووية، وإلغاء مشروع قناة إسطنبول، وتخفيض عدد الطائرات الرئاسية ببيع الفائض منها لشراء طائرات إطفاء الحرائق.
بينما المحور الثالث، يتعلق بدرجة كبيرة بملفات السياسة الخارجية، لاسيما فيما يخص إعادة إحياء علاقة تركيا مع المعسكر الغربي، والتي شهدت في السنوات الأخيرة تدهورًا كبيرًا بسبب تحيزات أردوغان للمعسكر الشرقي وعلى رأسه روسيا فيما يخص اتفاقيات أنظمة الدفاع الجوي إس – 400، واستثمارات الطاقة، حيث تتعهد المعارضة بالعمل على العودة لكافة الاتفاقات الدولية من خلال إعادة النظر في بعضها وتطوير بنودها، إلى جانب استعادة الثقة المتبادلة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والعودة إلى برنامج مقاتلات إف – 35. فضلاً عن تنفيذ قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن إطلاق سراح كل من صلاح الدين دميرطاش، الزعيم المشارك لحزب "الشعوب الديمقراطي"، والحقوقي عثمان كافالا، وحل أزمة انضمام السويد إلى "الناتو" بإلغاء حق النقض الذي يستخدمه أردوغان.
أما المحور الرابع والأخير فيمكن أن نقول أنه معني بدرجة كبيرة بحل أزمة الهجرة واللجوء في تركيا، حيث اقترحت المعارضة عدة تغييرات على قوانين الجنسية منها، إغلاق برنامج "الجنسية من أجل الاستثمار" وتضييق نطاق إعطاء الجنسية وإلغائها إذا ثبت فساد حاملها أو احتياله. أما فيما يخص المهاجرين واللاجئين السوريين الذين يقعون تحت وضع الحماية المؤقتة في تركيا، فإنه سيتم إرسالهم إلى بلادهم في أقصر وقت، ولن يُسمح للمهاجرين بالاستقرار في منطقة معينة بشكل مُكثف، أو الانتقال إلى مدن أخرى غير تلك التي وضعوا فيها. إضافة إلى ذلك تعهدت المعارضة بمنع الهجرة غير النظامية لتركيا وإعادة هيكلة المديرية العامة للهجرة، ليكون من اختصاصاتها مراجعة قوانين الهجرة، والحماية الدولية، والاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي.
التغطية الإعلامية
غالبًا ما تكون المنافسة الإعلامية بين جميع مُرشحين الرئاسة غير مُنصفة، لاسيما أن أحد المُرشحين يخوض الانتخابات بصفته رئيسًا للبلاد، بالتالي تواجه التغطية الإعلامية للبرامج الانتخابية ولعمليتي الاقتراع وفرز الأصوات العديد من الإشكاليات والانتقادات، على رأسها التحيز والتبعية لأدوات ورقابة السلطات الحاكمة. ويمكن استعراض أبرز ملامح التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية في تركيا على النحو التالي:
1- احتكار التغطية الإعلامية: نظرًا لملكية الدولة المباشرة، أو الشركات المملوكة لرجال أعمال تابعين للحكومة التركية لوسائل الإعلام، أصبح أردوغان يمتلك نفوذًا كبيرًا على 90% من وسائل الإعلام الرئيسية في تركيا على مدى العقد الماضي، الأمر الذي يضمن له احتكار توظيف غالبية المنافذ الإعلامية في الترويج له ولحزبه الحاكم في أي انتخابات، مقابل إعطاء مساحة ضيقة لتغطية برامج وأصوات المعارضة. فوفقًا لأعضاء المعارضة في هيئة مراقبة البث، حصل أردوغان خلال شهر أبريل الماضي على ما يقرب من 33 ساعة من البث على محطات التليفيزيون الرئيسية التي تديرها الدولة، في مقابل حصول منافسه ومُرشح المعارضة، كمال أوغلو، على 32 دقيقة فقط[4].
2- الحظر وفرض العقوبات: إلى جانب تكديس المشهد الإعلامي لصالح أردوغان وحزبه الحاكم، وعلى غرار ما شهدته الانتخابات الأخيرة خلال عامي 2018، و2019 من اتخاذ السلطات التركية لعدة إجراءات بشأن حظر وإلغاء تراخيص وفرض غرامات على وسائل الإعلام المستقلة، أو الموالية للمعارضة بزعم نشرها دعاية تضليلية أو داعمة للتنظيمات الإرهابية؛ شهد شهر أبريل تغريم هيئة تنظيم البث التركية لهيئات البث المستقل FOX TV و Halk TV و TELE1 بنسبة 3% من عائدات الإعلانات الشهرية الخاصة بكل منها بعد انتقاد مُذيعيها للسلطات الحاكمة التركية[5].
ويمثل ذلك استكمالاً لسلسلة الغرامات التي تكبدتها بالفعل تلك القنوات الثلاث خلال شهري فبراير ومارس من عام 2023 بسبب التغطية الناقدة لاستجابة الحكومة لكارثة الزلزال. وتأتي تلك السياسات والإجراءات التعسفية تجاه المنصات الإعلامية المستقلة في تركيا مُستندة على قانون "المعلومات المُضللة" الذي أقره البرلمان التركي في أكتوبر 2022، والذي ينص على الحكم بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات لأي مواطن تثبت إدانته بنشر أي معلومات أو أخبار -من وجهة نظر الدولة- مُزيفة أو مُضللة.
3- إجراءات استباقية على وسائل التواصل الاجتماعي: دفع قانون "المعلومات المُضللة" وما تم ممارسته بموجب ذلك القانون من اعتقال لصحفيين وساسة بسبب منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى اتخاذ إجراءات استباقية، ورقابة ذاتية من قبل المواطنين ومنصات التواصل الاجتماعي لتجنب نشر أي مواد إعلامية أو معلومات بشأن التشكيك في العملية الانتخابية أو في نتائجها الرسمية التي تعلنها الهيئة العليا للانتخابات، ما قد يؤدي إلى خضوع تلك الجهات للعقاب أو للحظر ومنع الوصول إليها، كما حدث في أعقاب كارثة الزلزال عندما منعت الحكومة التركية الوصول إلى العديد من منصات التواصل الاجتماعي على رأسها تويتر بسبب الانتقادات التي كانت تُوجه للحكومة التركية على إدارتها للأزمة.
فمن جانبها أعلنت شركة Meta المالكة لمنصات Facebook، وInstagram، وWhatsApp أنها تنشئ "مركز عمليات الانتخابات التركية" لتعقب أي محتوى مُضلل أو مناهض لمجريات العملية الانتخابية ونتائجها، وضمان الاستجابة السريعة بإزالته من على منصاتها الإلكترونية، حتى لا يكون ذريعة الحكومة التركية لفرض حظر الوصول إلى تلك المنصات[6].
عوامل مؤثرة
هناك عدة مُستجدات وترتيبات داخلية أخيرة من شأنها أن تُلقي بظلالها على سير العملية الانتخابية في تركيا، وتؤثر في تحديد اتجاهات الناخبين التصويتية وتفضيلاتهم، ونسبة مشاركتهم؛ يمكن تناول أبرزها على النحو التالي:
1- انسحاب محرم إنجه: من المُتوقع أن يؤدي إعلان المُرشح السابق للانتخابات الرئاسية التركية، محرم إنجه، يوم الخميس 11 مايو 2023، عن انسحابه من السباق الرئاسي، إلى إعادة تشكيل موازين القوة على الساحة الانتخابية في تركيا، حيث برر إنجه انسحابه بأنه يخشى تحمل المسئولية أمام المعارضة في حال خسارة كمال أوغلو أمام أردوغان، خاصة بعد استقالة عدة مسئولين من حزبه في الأيام الماضية تخوفًا من أن يؤدي ترشحه لتفتت أصوات المعارضة وتناقص رصيد تحالف "الأمة" ومرشحه من الأصوات. ووفقًا للمدير العام لشركة أرتيبير للأبحاث، فإن حوالي 60% من الناخبين الذين كان من المُقرر أن تذهب أصواتهم لصالح إنجه، سيتجهون لإعطاء أصواتهم إلى كمال أوغلو، بما قد يُسهم بدرجة ما في فوز الأخير من الجولة الأولى[7].
2- أصوات ضحايا الزلزال: بحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، من المُتوقع أن تكون أصوات الناخبين المُنحدرين من المناطق التي ضربها الزلزال، مؤثرة بدرجة كبيرة في نتائج الانتخابات القادمة، لاسيما أن نسبة الناخبين الذين كانوا مُسجلين في تركيا في مناطق الزلزال يُقدرون بنحو 14% من إجمالي الناخبين.
فمع تشتت مئات الآلاف من المواطنين في جميع أنحاء البلاد وفقدانهم مراكز الاقتراع الخاصة بهم سواء بسبب تدميرها أو بسبب صعوبة الوصول إليها، ومع انتهاء الموعد النهائي الذي كان مُقررًا لنقل الأتراك لمقراتهم الانتخابية الجديدة في مارس الماضي، وتجاهل الدولة لمطالب المعارضة بشأن إنشاء مراكز اقتراع نائية لضحايا الزلزال؛ من بين تسعة ملايين ناخب كانوا يقطنون منطقة الزلزال، تم تسجيل حوالي 133 ألفًا فقط من الناخبين في مراكز اقتراع جديدة وفقًا لتقديرات المجلس الأعلى للانتخابات، وهو الأمر الذي تنوي المعارضة توظيفه لصحالها من خلال إرسال حافلات لمساعدة الضحايا والنازحين على التصويت في مسقط رأسهم، في محاولة لترجيح كفة مُرشحيها، واستغلال الثقل الانتخابي لأهالي المناطق المنكوبة[8].
3- الورقة الكردية: بعد إعلان حزب "الشعوب الديمقراطي" دعمه لمرشح الرئاسة كمال أوغلو، من المُتـوقع أن يكون للناخب الكردي دور مؤثر في الانتخابات المُقبلة، خاصة أن الحزب يمتلك حوالي 10% من أصوات الناخبين الأكراد الذين يُقدر عددهم بحوالي 15 مليون كردي. لكن الجدير بالإشارة إليه هنا، أن رغم اعتبار فوز المعارضة فرصة بالنسبة للأكراد للحصول على بعض الحقوق والحريات، لاسيما بعد تعهد كمال أوغلو بإطلاق سراح صلاح الدين ديمرطاش وغيره من السياسيين الموالين لحزب "الشعوب الديمقراطي" في محاولة لإيجاد حل للقضية الكردية، إلا أن ذلك الحل لن يكون بتلك السهولة والشفافية التي يزعمها كمال أوغلو في برنامجه الانتخابي لاستقطاب أصوات الناخبين الأكراد، وذلك لعاملين أساسيين:
أولهما، وجود عدم توافق بين القوى المتنوعة أيديولوجيًا في تحالف "الأمة" بشأن المسألة الكردية، والتي يأتي على رأسها الحليف القومي اليميني المتطرف، حزب "الخير". وثانيهما، أن موقف المعارضة التاريخي من المسألة الكردية، يعتبر غير واضح ومُتأرجح. فمن جانب أدان كمال أوغلو في عام 2013 محادثات السلام التي أجريت مع حزب "العمال الكردستاني" مُشددًا على عدم التفاوض مع من يعتبرهم جهة فاعلة "غير شرعية"، فضلاً عن دعمه لاستمرار العمليات العسكرية ضد الجماعة وحلفائها في سوريا. إلا أنه بحلول عام 2021 تبنى أوغلو موقفًا مُغايرًا وأشار إلى أن صلاح الدين دميرطاش، قد وضع ظلمًا خلف القضبان. وفي سبتمبر عام 2021، وصف حزب "الشعوب الديمقراطي" بأنه هيئة شرعية يمكن التنسيق معها لمعالجة المسألة الكردية[9].
وعلى الصعيد نفسه، لا يمكن اعتبار مساعي تحالف "الشعب" لاستقطاب أصوات الناخبين الأكراد من خلال التحالف مع حزب "الهدي بار" الكردي، نقلة حقيقية في مستقبل إدارة أردوغان وحزبه الحاكم للمسألة الكردية في حال استمراره في السلطة. فالهدوء النسبي الذي تشهده العمليات التركية ضد القوات الكردية على الأراضي السورية خلال الربع الأول من العام 2023، والتي انخفض معدلها بأكثر من 60٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، يعود في الأساس إلى مساعي التقارب والتهدئة التي يعمل عليها أردوغان مع نظيره بشار الأسد، والمشروطة في الأصل من جانب أردوغان بالقضاء على خطر حزب العمال الكردستاني على الحدود التركية – السورية. ولعل تنامي عمليات استهداف القوات التركية في العراق لأعضاء حزب العمال الكردستاني في الربع الأول من العام 2023 بوتيرة عنف أعلى بكثير مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، هو خير دليل على استمرار توظيف أردوغان لورقة الأكراد لاستعراض قوة بلاده العسكرية في مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية والمتطرفة مع اقتراب موعد الانتخابات[10].
4- تأمين عملية تصويتية نزيهة: إن ضمان تأمين قيام عمليتي التصويت وفرز الأصوات في أجواء من الشفافية والنزاهة يعتبر مصدر تحدي وقلق كبيرًا سواء بالنسبة للمواطنين الأتراك أنفسهم أو بالنسبة للمراقبين الدوليين لشرعية سير العملية الانتخابية في تركيا. فهناك مخاوف من أن يتم ممارسة أعمال عنف أو شغب بين الفئات المختلفة من الناخبين، سواء أنصار الدولة، أو المعارضين، أو الناخبين المُجنسيين، أو الأكراد، الأمر الذي قد يؤدي إلى عزوف الناخبين عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع الخاصة بهم، أو انسحاب المراقبين المُكلفين بضمان نزاهة وشرعية العملية التصويتية.
فرغم تخصيص الدولة قوات الدرك التركية، وهي قوة أمنية ريفية في الغالب مكونة من حوالي 196 ألف فرد لإدارة مراكز الاقتراع والإشراف على نقل بطاقات الاقتراع إلى اللجنة العليا للانتخابات، إلا أن مسألة خضوع تلك القوات لسيطرة وزارة الداخلية التي أصبحت في السنوات الأخيرة مؤسسة حزبية تابعة لأردوغان، من غير المُتوقع أن يوفر شعورًا حقيقيًا بالأمن، لاسيما بالنسبة للمعارضين. فمن جانبها أنشأت المعارضة العام الماضي فريق عمل لنزاهة الانتخابات ونشر خارطة طريق من 24 نقطة، تتراوح أحكامها من التدقيق في سجلات تسجيل الناخبين الحكومية، إلى إنشاء أنظمة للمراقبين لتسجيل ومشاركة ملاحظاتهم في محطات الاقتراع في يوم الانتخابات[11].
وبالإضافة إلى الأحزاب السياسية، تعمل بعض منظمات المجتمع المدني غير الحزبية على تعبئة وتدريب المواطنين للعمل كمراقبين يراقبون ويسجلون فرز الأصوات في مراكز الاقتراع يوم الانتخابات. وتهدف هذه المجموعات هذا العام إلى الوصول إلى أكثر من 100 ألف متطوع، لضمان رفع مستوى الوعي بأي تجاوزات أمنية أو عمليات تلاعب أو تزوير.
ختامًا، يمكن القول إنه وسط تنافس المُرشحين على سُدة الحكم، وسعي كل طرف للإطاحة بالآخر، وتشابك الملفات الداخلية والخارجية في برامجهم الانتخابية، ورغم كون تركيا دولة محورية ذات أهمية وخصوصية إقليمية وعالمية، لكن تظل الكلمة النهائية في السباق الرئاسي مرهونة في المقام الأول بتفضيلات المواطن التركي، ورؤيته لمن يستطيع تحقيق حياة أفضل له على كافة الأصعدة الأمنية، والاقتصادية والمعيشية والإنسانية.
[1] أصوات الناخبين الاتراك في الخارج تتجاوز مليون و700 ألف، صحيفة زمان التركية، 9 مايو، 2023، متاح على: https://bit.ly/3M1jD7L
[2] Sedat Laçiner, Turkey’s Election: Global Implications and Significance:Why Turkey’s Choice Matters for the World?, Moderndiplomacy, 6 May, 2023, available at: https://bit.ly/42tSq4X
[4] Andrew Wilks, Turkey’s opposition denounces fairness of vote under Erdogan, AP News, 8 May, 2023, available at: https://bit.ly/44TiAiZ
[5] Merve Tahiroğlu, Turkey’s Elections: How Erdoğan Could Try to Engineer a Win and Stay in Power, Project on Middle East Democracy, 5 May, 2023, available at: https://bit.ly/3VXf9DQ
[7] انسحاب محرم إنجه.. "ركلة انتخابية" برصيد معارضة تركيا، العين الإخبارية، 12 مايو، 2023، متاح على: https://bit.ly/42Oxg18
[8] Jared Malsin, Turkey’s Earthquake Victims Could Decide the Coming Election, The Wall Street Journal, 5 May, 2023, available at: https://on.wsj.com/3M3FHyG
[9] Turkey’s 2023 General Elections and the Kurdish Question, The Armed Conflict Location & Event Data Project (ACLED), 8 May, 2023, available at: https://bit.ly/44TStsh
[11] Merve Tahiroğlu, Op.Cit.