حدود التغير في الموقف الإسرائيلي من الحرب الروسية-الأوكرانية
2023-3-4

سعيد عكاشة
* خبير مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
 
* المقال جزء من ملف خاص بعنوان "عام على الحرب الروسية-الأوكرانية: تحولات ومسارات".
للاطلاع وتحميل الملف كاملًا: https://acpss.ahram.org.eg/media/News/2023/2/22/2023-638126600356951558-695.pdf

 

في 14 فبراير الجاري، نشر موقع القناة الإخبارية الإسرائيلية (i24) تقريراً بعنوان "إسرائيل بين مطرقة واشنطن وسندان موسكو" استهله بالفقرة  التالية: "بين مطرقة تحالفها الاستراتيجي والتاريخي مع واشنطن، وبين سندان رغبتها في الحفاظ على علاقة جيدة مع روسيا، الجارة الجديدة والتي باتت تحكم الأجواء السورية، تناور إسرائيل في محاولة منها للتملص من ضرورة إبداء موقف في الحرب الأوكرانية".

وأوضح التقرير أن رئيس المعارضة الحالي يائير لبيد وخلال توليه الحكومة الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، حاول الخروج عن خط الحياد التقليدي لإسرائيل عبر التنديد بحرب روسيا، والتأكيد على أن إسرائيل جزء من المحور الغربي الليبرالي، إلا أن أقطاب المنظومة الأمنية كانوا له بالمرصاد لضمان عدم انتقال الأقوال إلى الأفعال.

بعد مرور عام على الحرب بين أوكرانيا وروسيا، يمكن القول إن إسرائيل حافظت على التوازن الدقيق في موقفها من هذه الحرب، فلم تتعرض سياستها للانتقاد الحاد من أطراف الحرب المباشرين وغير المباشرين، ولم تضغط واشنطن بشكل كافٍ عليها للانضمام إلى نظام العقوبات التي يطبقها التحالف الغربي ضد روسيا، كما لم تلجأ موسكو لعرقلة الأنشطة العسكرية الإسرائيلية فوق الأراضي السورية. وحتى أوكرانيا التي انتقدت مراراً الحياد الإسرائيلي في الحرب، لم تقطع الأمل في إمكانية تغيير الموقف الإسرائيلي من الحرب، وأبقت على اتصالاتها مع إسرائيل قائمة حتى اللحظة الراهنة.

ولكن السؤال حول مدى قدرة إسرائيل على الاستمرار في السياسة نفسها بعد دخول الحرب الروسية-الأوكرانية عامها الثاني، سيظل مطروحاً طالما راوحت هذه الحرب مكانها دون حسم، أو دون مؤشرات قوية ترجح إمكانية انتهائها قريباً.

في هذا الإطار، يمكن رصد التحركات الماثلة على أرض الواقع والتي ستحدد حجم التغيير الممكن في السياسة الإسرائيلية تجاه الحرب في ظل الحكومة الجديدة بزعامة بنيامين نتنياهو.

رسائل وراء التسريبات الإسرائيلية

في مطلع فبراير الجاري، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت (كان في المنصب عندما وقع الغزو الروسي لأوكرانيا) بأنه قدم نفسه كوسيط لحل الصراع بين موسكو وكييف بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأن زيارته لموسكو في 5 مارس 2022 كانت بداية عملية الوساطة. وعلى حد قول بينيت، فإن بوتين "أعرب عن استعداده للتخلي عن فكرة اجتثاث النظام الحاكم ونزع السلاح الأوكراني، كأهداف للعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ومن جانبه تخلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي عن فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو". وأكد بينت على أن الدول الغربية اتخذت قراراً بتدمير روسيا عوضاً عن المفاوضات، وسرعان ما تخلى زيلينسكي عن وعوده، وتقدم بطلب انضمام مستعجل إلى حلف الناتو في شهر سبتمبر 2022، عقب إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضم 4 مناطق أوكرانية، إلى روسيا، وبذلك انتهت الوساطة الإسرائيلية بالفشل.

هذه التصريحات التي تصب في صالح روسيا وتدين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية عموماً من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، تحمل رسائل عدة: أولاها، أن الوساطة الإسرائيلية كانت ناجحة بدليل تجاوب موسكو وكييف معها، وتقديم الطرفين تنازلات متبادلة لحل الصراع، وأن إفشال الجهود الإسرائيلية لاحقاً لا يعود، وفقاً لاتجاهات إسرائيلية، إلى عدم صلاحية إسرائيل للقيام بهذا الدور، وإنما يعود إلى الأجندة الخفية للحرب من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين.

وثانيها، أنه طالما بقت الأهداف الأمريكية والغربية من الحرب هي تدمير روسيا، فلا يوجد مجال حقيقي لوساطة إسرائيلية في المستقبل، على عكس ما صرح به رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل ستحاول استعادة دورها كوسيط في الأزمة قريباً.

ولكن ثمة ملاحظة ضرورية حول هذه التسريبات، وهي كيفية فهمها في إطار تعارضها مع السياسة الإسرائيلية المستقرة بعدم تعريض العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية لأى توتر نظراً لأهمية هذه العلاقات في حماية الأمن الإسرائيلي، وكيف سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية (تسانزورا) لبينيت بنشر شهادته عن موقف إسرائيل من الحرب الروسية-الأوكرانية، رغم أنها قد تتسبب في صدام مع الولايات المتحدة الأمريكية؟. بمعنى آخر، هل أرادت أجهزة الأمن الإسرائيلية التي تنصح الحكومة بعدم الدخول في صدام مع روسيا أن تستبق أية احتمالات من جانب نتنياهو لتغيير السياسة الإسرائيلية لجهة التقارب مع أوكرانيا والتحالف الغربي على حساب العلاقات مع روسيا؟.

كيف يفكر نتنياهو في الحرب الروسية-الأوكرانية؟

في 21 أكتوبر الماضي، صرّح بنيامين نتنياهو (كان زعيم المعارضة في ذلك الوقت) بأنه لو عاد لرئاسة الحكومة من جديد فسوف ينظر في مسألة تزويد أوكرانيا بالسلاح، مبرراً ذلك بالقلق الذي يحدو إسرائيل تجاه زيادة التعاون العسكري بين إيران وروسيا، خاصة مع اعتماد الأخيرة على الطائرات من دون طيار التي تحصل عليها من الأولى.

بالنسبة لنتنياهو، فإن تعزيز إيران لعلاقاتها مع روسيا سيعني مزيداً من الصعوبات أمام محاولات إسرائيل لإيقاف سعى إيران لتصنيع أسلحة نووية، سواء لأن إيران من المنطقي أن تطلب من روسيا مساعدات فنية أكبر لتطوير مشروعها النووي مقابل ما قدمته لها من طائرات من دون طيار، أو لأن تحويل العقوبات الأمريكية والأوروبية إلى عقوبات دولية ينبغي أن يكون بموافقة القوى الكبرى في مجلس الأمن، ومنها روسيا بالطبع، والتي قد تقف مع إيران وتجهض فرصة محاصرتها اقتصادياً لمنعها من الحصول على البديل النووي.

ولكن متى يمكن أن يغامر نتنياهو بإغضاب موسكو التي أصبحت دولة جوار لإسرائيل بسبب وجود قواعد عسكرية لها في سوريا؟.

من المؤكد أن نتنياهو لن يقوم بهذه المغامرة إلا تحت ظروف اضطرارية (ضغوط أمريكية شديدة) أو إذا تقاربت الخطوط الإيرانية-الروسية بشكل يهدد المصالح الأمنية الإسرائيلية، أو إذا بدت له إمكانية مقايضة التأييد الإسرائيلي الكامل لأوكرانيا، بتعهدات أمريكية واضحة بوضع الخيار العسكري على الطاولة ضد إيران بهدف منعها من تصنيع السلاح النووي، وأيضاً بامتناع واشنطن عن الضغط على إسرائيل للتفاوض مع الفلسطينيين تحت مسمى حل الدولتين.

وفي كل الأحوال، لن تشهد السياسة الخارجية الإسرائيلية حيال الحرب الروسية-الأوكرانية تغييراً مهماً في الوقت الراهن، ومن المرجح أن تستمر في الحفاظ على التوازن الذي انتهجته في العام الماضي، والدليل على ذلك أن نتنياهو لم يعاود الحديث عن إمكانية تزويد أوكرانيا بالسلاح بعد توليه منصبه رسمياً في يناير الماضي. بينما أدت تصريحات لوزير خارجيته ايلي كوهين في 6 فبراير الجاري إلى انتقادات عنيفة من جانب أوكرانيا، حيث صرّح كوهين في محادثة تليفونية له مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن إسرائيل ستكف عن انتقاد روسيا علناً بسبب الحرب مع أوكرانيا، وهو ما اعتبره المعلقون نوعاً من الانحياز الإسرائيلي الصريح لروسيا على حساب أوكرانيا.

ويمكن القول إن تصريحات كوهين تؤكد على رغبة إسرائيل في عدم المغامرة بتغيير سياستها شبه الحيادية تجاه الصراع الروسي-الأوكراني بأكثر من كونها تستهدف التقارب مع موسكو، ويزيد الأمر صعوبة بالنسبة لإسرائيل السقف المرتفع للمطالب الأوكرانية لتحسين العلاقات معها، حيث طلبت كييف خروج إسرائيل في تصريحات علنية تدين فيها الغزو الروسي لأوكرانيا وتؤكد على وقوفها إلى جانب السيادة الأوكرانية على جميع أراضيها وحدودها، بالإِضافة إلى الموافقة على منح أوكرانيا سلفة قدرها نصف مليار دولار، وفتح المستشفيات الإسرائيلية أمام الجنود الجرحى في الجيش الأوكراني، وتزويد أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية الإسرائيلية الصنع لمواجهة الهجمات الصاروخية الروسية.

لكن المشكوك فيه أن توافق إسرائيل على تلك المطالب، خاصة أن بعضها سيعني- في حالة قبول إسرائيل لها- بالنسبة لروسيا أنه مشاركة فعلية من جانب إسرائيل في الحرب الدائرة، ولصالح أوكرانيا والتحالف الغربي، وهو ما لا تريده إسرائيل في الوقت الراهن على الأقل. 


رابط دائم: