التنافس الدولي على أفريقيا بعد مرور عام على الحرب الروسية-الأوكرانية
2023-2-27

د. أميرة محمد عبد الحليم
* خبيرة الشئون الأفريقية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
 
* المقال جزء من ملف خاص بعنوان "عام على الحرب الروسية-الأوكرانية: تحولات ومسارات".
للاطلاع وتحميل الملف كاملًا: https://acpss.ahram.org.eg/media/News/2023/2/22/2023-638126600356951558-695.pdf

 

اكتسبت القارة الأفريقية ودولها المختلفة اهتماماً خاصاً من جانب القوى الدولية في أعقاب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث بدا أن القوى الدولية سعت إلى نقل جزء من صراعها للسيطرة على النظام الدولي إلى القارة الأفريقية، ففضلاً عن محاولات هذه القوى تعويض الخسائر التي منيت بها من جراء الحرب الروسية-الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا، وخاصة ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، فقد نظرت هذه القوى إلى التقارب مع دول القارة باعتباره إحدى أدوات الانتصار في هذا الصراع.

وبعد مرور عام من الحرب الروسية-الأوكرانية، يبرز التساؤل عن أبعاد التنافس الدولي على القارة: فهل لا تزال القارة تُطرح ضمن أولويات القوى الدولية فى إطار تحقيق أهدافها المرتبطة بالهيمنة على السياسات والموارد، وكيف تنظر هذه القوى إلى دول القارة خلال المرحلة الأخيرة، والأدوات والقضايا التى تعتمد عليها هذه القوى لتعزيز التقارب مع دول القارة، ومدى انعكاس هذه الأدوات على مصالح هذه القوى.

أدوات وقضايا عديدة  

اعتمدت القوى الكبرى في تحركاتها في القارة الأفريقية لتحقيق مصالحها عقب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية على العديد من الأدوات التي يتمثل أبرزها في:

1- زيارات متزامنة ووعود اقتصادية: مع تسارع الأحداث فى أعقاب اندلاع الحرب، اتجهت القوى الدولية إلى بذل مزيد من الجهود للتقارب مع دول القارة الأفريقية، وبدأ المسئولون فى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا وألمانيا في إجراء زيارات للدول الأفريقية خلال شهرى يوليو وأغسطس 2022. وانتهى عام 2022 بعقد القمة الأمريكية-الأفريقية، ليبدأ وزير الخارجية الصيني الجديد تشين جانج ويتبعه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين جولات أفريقية خلال شهر ديسمبر 2022.

وقد اتبع وزير الخارجية الصيني الجديد تشين جانج تقليداً عمره 33 عاماً بجعل أفريقيا أول زيارة رسمية للعام الجديد. وكانت زيارته لخمس دول أفريقية هى: إثيوبيا والجابون وبنين وأنجولا ومصر، بمثابة فرصة للتعرف على القارة في وقت ينخفض فيه الإقراض الصيني لأفريقيا وتشتد المنافسة بين القوى العظمى. ويتدافع فريق السياسة الخارجية الجديد لبكين لتأكيد أن الصين لا تنظر إلى أفريقيا على أنها ساحة للتنافس مع القوى الكبرى، ولكن باعتبارها "مسرحاً كبيراً للتعاون الدولي". كما تأتى الزيارة في أعقاب بعض التطورات الحاسمة على غرار الاختتام الناجح للمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر 2022؛ وانتهاء الدورة الثامنة لمنتدى التعاون الصيني-الأفريقي الذي عقد في داكار في نوفمبر 2022، والذي تم خلاله اعتماد خطة عمل داكار (2022-2024).

ومن المثير للاهتمام أنه خلال الفترة الأخيرة انتشرت تكهنات حول احتمال خفض الإقراض الصيني لمشروعات البنية التحتية الكبيرة في القارة، حيث أدت التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا والحرب الروسية-الأوكرانية إلى تقويض قدرة الدول الأفريقية على خدمة ديونها السيادية. وفي الواقع، تكافح بكين لاسترداد أموالها مع الحفاظ على صورتها كـ"طرف داعم" للدول النامية.

لكن الواقع يبدو مختلفاً تماماً. إذ شهد شهر يناير 2023 تدشين بعض القادة الأفارقة العديد من مشاريع التعاون الصيني-الأفريقى فى دولهم. ففي نيجيريا، أمر الرئيس محمد بخاري بإنشاء ميناء ليكي الجديد في أعماق البحار في لاجوس. ويعد الميناء الآن أكبر ميناء في غرب أفريقيا. كما تم تدشين نظام السكك الحديدية الخفيف- الخط الأزرق- بطول 27 كلم والذي تم تمويله وبنائه من الصين هذا الشهر.

وفي أوغندا، كلّف الرئيس يوري موسيفيني بإنشاء منصة حفر النفط (Kingfisher) على بحيرة ألبرت والتي من المتوقع أن تساعد أوغندا على إنتاج المزيد من النفط الخام. وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، أصبح مركز جديد للثقافة والفنون لوسط أفريقيا قيد الإنشاء حالياً في كينشاسا[1].

على الجانب الآخر، حرص المسئولون الأمريكيون على إبراز القضايا الاقتصادية في التقارب مع دول القارة الأفريقية، فى حين اتجه نظرائهم من الروس للتأكيد على أهمية التعاون العسكري وصفقات الأسلحة مع دول القارة.

فقد تم تقديم جولة جانيت يلين الأفريقية التي شملت ثلاث دول هى: السنغال وزامبيا وجنوب أفريقيا، على أنها محاولة لبناء علاقات تجارية واستثمارية مع القارة، مصحوبة بمناقشات حول مبادرات الطاقة المستدامة والأمن الغذائي وتخفيف الديون. كما أشارت يلين إلى أن أفريقيا "ستشكل مستقبل الاقتصاد العالمي"، مما يكشف الدافع الأمريكي لإعادة الاهتمام بتوسيع نطاق العلاقات مع دول القارة التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة. وقد قالت أيضاً أنها ناقشت الالتزام بالعقوبات الروسية في كل من الدولتين الأوليين.

وفي جنوب أفريقيا، حيث تمثل الولايات المتحدة الأمريكية ثالث أكبر شريك تجاري، تعهدت يلين بزيادة التجارة والاستثمار، وأشادت بالبلاد لاستهدافها معالجة أزمة الطاقة الحالية والاعتماد على الفحم من خلال شراكة "انتقال عادل للطاقة" مع الولايات المتحدة الأمريكية.

أما وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف، فقد قام  بزيارة جنوب أفريقيا وإسواتيني (سوازيلاند سابقاً) وأنجولا وإريتريا، وكانت آخر رحلة قام بها وزير الخارجية المخضرم هي زيارة مالي وموريتانيا والسودان إلى جانب العراق، حيث عاد وزير الخارجية الروسي إلى أفريقيا للمرة الثانية فى العام نفسه في محاولة لتصوير روسيا كشريك في تنمية أفريقيا، خاصة في قطاع الأمن والطاقة.

كما أعلن في جنوب أفريقيا عن مناورة بحرية مشتركة متعددة الأطراف بين جنوب أفريقيا وروسيا والصين، والتي أطلق عليها اسم "عملية موزي"، والتي ستعقد في الفترة من 17 إلى 27 فبراير 2023 قبالة ميناء ديربان. وأعلن وزير الخارجية الروسية من لواندا عن اتفاقية محتملة لمساعدة أنجولا في تطوير برنامجها للطاقة النووية.

2- اتهامات متبادلة: أكد بروكس سبيكتور المحرر المساعد في صحيفة "ديلي مافريك" الجنوب أفريقية والدبلوماسي الأمريكي المتقاعد أن المنافسة الآن في القارة الأفريقية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين أصبحت أكثر وضوحاً بكثير وأكثر أهمية بكثير مما كانت عليه قبل عقد أو نحو ذلك. فبالنسبة لروسيا، فإن التحدي جيوسياسي وأمني، في حين أن التحدي بالنسبة للصين اقتصادي موجه نحو التجارة[2].

وفي أكتوبر 2022، اتهمت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد مجموعة فاجنر الروسية باستغلال الموارد الطبيعية في أفريقيا واستخدامها المكاسب غير المشروعة من الموارد لتمويل آلة الحرب الروسية في أفريقيا والشرق الأوسط وأوكرانيا[3].

كما عملت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين خلال رحلتها الأخيرة لدول القارة على انتقاد كل من بكين وموسكو، حيث أثارت تصريحاتها في زامبيا حول الصين باعتبارها "حاجزاً" أمام إعادة هيكلة ديون الدولة المثقلة بالديون غضب بكين. كما ألقت باللوم على "الحرب الروسية الوحشية" في رفع أسعار الطاقة والتسبب في انعدام الأمن الغذائي في أفريقيا، وخلق عبء غير ضروري على اقتصاد القارة.

وردت السفارة الصينية في زامبيا في 25 يناير 2023 على تصريحات وزيرة الخزانة الأمريكية، وجاء في بيان السفارة الصينية أن "أكبر مساهمة يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لقضايا الديون خارج البلاد هي العمل بموجب سياسات نقدية مسئولة، والتعامل مع مشكلة ديونها الخاصة ووقف عرقلة الجهود النشطة للدول ذات السيادة لحل مشاكل ديونها"، حيث تشهد الولايات المتحدة الأمريكية معركة بين المشرعين الجمهوريين وإدارة الرئيس جو بايدن حول رفع حد الدين الأمريكى للسماح بمزيد من الاقتراض لإبقاء الحكومة عاملة، في حين أن الصين أحرزت بعض التقدم كرئيس مشارك للجنة الدائنين فى زامبيا والتي تسعى إلى التوصل الى حل مستدام.

وأضاف البيان أن "الصين تتطلع إلى تأدية واشنطن دوراً بنّاء في هذه العملية، وأنه حتى لو تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية ذات يوم من حل مشكلة ديونها، فإنها ليست مؤهلة لتوجيه اتهامات لا أساس لها ضد دول أخرى بدافع المصالح الأنانية".

3- التعاون والتدريبات العسكرية المشتركة: كانت روسيا من ضمن أولى القوى الدولية التى سعت نحو تأكيد استمرار تعاونها العسكرى مع دول القارة الأفريقية ودعمها للأنظمة السياسية المتحالفة معها دون الأخذ في الاعتبار معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث سعت عبر هذا التوجه إلى تجاوز الحصار الذي فرضته الدول الغربية عليها في أعقاب غزوها لأوكرانيا.

وتوفر روسيا ما يقرب من نصف المعدات العسكرية في أفريقيا، حيث تعتمد روسيا على تاريخها في تسليح الدول الأفريقية خلال نضالاتها التحررية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كما تقوم مجموعة فاجنر بأدوار عسكرية وأمنية في عدد من الدول الأفريقية، على سبيل المثال، عندما انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية- بدعوى ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان- من صفقة عام 2014 لتزويد نيجيريا بطائرات هليكوبتر هجومية، لجأت الأخيرة إلى روسيا.

إلا أن اعتماد دول أفريقية على التسلح الروسي يُعرِّض أنظمتها الدفاعية للخطر فى أعقاب الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث يصعب إصلاح وصيانة المعدات العسكرية أو توفير قطع الغيار والتعاون مع الخبراء الروس، خاصة أن ذلك كفيل بزيادة احتمالات التعرض لعقوبات غربية.

كما اعتمدت روسيا على التدريبات المشتركة مع الدول الأفريقية (الجزائر وجنوب أفريقيا) كنوع من استعراض القوة وكسب دعم الحلفاء في القارة، وهذا التوجه له مخاطره المرتبطة بصعوبات تطوير روسيا لأنظمتها العسكرية في ظل الحرب وكذلك اعتمادها على استخدام مرتزقة فاجنر لتنفيذ أهدافها وتعزيز النفوذ إلى دول القارة الأفريقية.

فقد شاركت الجزائر روسيا في تدريبات عسكرية مشتركة ثلاث مرات في أعقاب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث رست السفن الحربية الروسية في المياه الجزائرية لإجراء مناورة بحرية مشتركة في أكتوبر 2022، بينما شاركت القوات الجزائرية في تدريبات "فوستوك" العسكرية الروسية الضخمة في سبتمبر 2022 باعتبارها الدولة الوحيدة من أفريقيا. كما شهدت الأراضى الجزائرية فى نوفمبر 2022 مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين في منطقة صحراوية شمال غرب الجزائر. وبمشاركة حوالي 80 جندياً من القوات الخاصة الروسية، قامت القوات بمحاكاة الكشف عن الجماعات الإرهابية والقضاء عليها خلال التدريبات، حيث كانت هذه هى المرة الأولى التي يتدرب فيها جنود من البلدين معاً على الأراضي الجزائرية[4]. كما أعلنت جنوب أفريقيا عن إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع روسيا والصين خلال الشهر الجارى، بالتزامن مع ذكرى اندلاع الحرب، الأمر الذي أثار قلقاً واضحاً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية.

4- تمثيل أفريقيا في مجلس الأمن ومجموعة العشرين: تسعى الدول الأفريقية إلى تحقيق هدف رئيسي عبر تعزيز التقارب مع القوى الدولية، يتمثل في الوصول إلى تمثيل دائم في مجلس الأمن يعبر عن وزنها في العلاقات الدولية ويرعى مصالحها (54 دولة تمثل ربع عدد سكان العالم). وفي أعقاب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، تصاعدت الوعود الغربية لدول القارة بدعم الحق الأفريقى في التمثيل الدائم في مجلس الأمن الدولي، حيث جاءت الوعود الغربية في إطار محاولة لمواجهة الأفكار الروسية والصينية التي تقوم على أن النظام العالمي غير عادل، وكذلك لمواجهة الخطاب الذي تتبناه الدولتين لمنح حق التصويت لجنوب العالم، حيث تتهم الدولتان أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بعرقلة ذلك، مما أدى إلى تقليص شرعية النظام العالمي وفتح المجال أمامهما للترويج لبديل تمثل في تجمع "بريكس".

وخلال القمة الأمريكية-الأفريقية التى عقدت في ديسمبر 2022، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن دعم واشنطن لتمثيل دائم لأفريقيا في مجلس الأمن وكذلك انضمام دول القارة الأفريقية إلى مجموعة العشرين[5].

ومن المرجح أن يصبح دعم التمثيل الأفريقي الدائم في مجلس الأمن الدولي بمثابة الاختبار الحقيقي للشراكات في القارة، وهو ما يلقي بظلاله على القمة الروسية-الأفريقية  المزمع عقدها في يوليو 2023.

تحديات الشراكة مع الدول الأفريقية

على الرغم من الجهود التى تبذلها القوى الدولية المختلفة لدمج الدول الأفريقية ضمن تحالفاتها في إطار تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، وفي مقدمة هذه القوى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، إلا أن هذه القوى تتجاهل المصالح الأفريقية وخلفيات التقارب والتعاون السابقة بين الطرفين، وهو ما يفرض تحديات كبيرة أمام الشراكة وتحقيق المصالح الخارجية في القارة الأفريقية.

فمن ناحية، لم تبتعد الدول الأفريقية كثيراً عن مناخ الحرب الباردة والصراع بين القوتين العظميين الذي أفضى إلى تدمير دول ونشر الفوضى في أجزاء واسعة من القارة. ولذلك لا ترغب كثير من الدول الأفريقية في الانخراط في المساومات التى تدفع إليها الحرب الروسية-الأوكرانية، ويبرر القادة الأفارقة محاولاتهم التزام الحياد إزاء الحرب بالإشارة إلى الدمار الذي أحدثته الحرب الباردة على قارتهم. لكن التقدم لعضوية مجموعة العشرين والتمثيل الدائم لمجلس الأمن يشير إلى أن التنافس الدولي المحموم بين القوى العظمى اليوم لا يفرض بدوره تداعيات سلبية فقط بالنسبة لأفريقيا.

ومن ناحية أخرى، يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تنجح في عزل روسيا عبر التقارب مع دول القارة الأفريقية، وقد عكست زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الأخيرة في ديسمبر 2022 لأربع دول في القارة تلك الحقيقة، فبقدر ما يود الرئيس جو بايدن أن تنضم الدول الأفريقية إلى التحالف الغربي في عزل روسيا بسبب الحرب، فإن روسيا تقدم عروضاً لتعزيز العلاقات مع بعض الدول الرئيسية في القارة. وبدلاً من أن يعاملوا روسيا كـ"قوة منبوذة عالمياً" كما تريد الولايات المتحدة الأمريكية، أبدى القادة في جنوب أفريقيا وإريتريا وأنجولا وإسواتيني ترحيباً خاصاً بسيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي.

ومن ناحية ثالثة، لا يخلو النفوذ الروسى والدعم الأفريقى للموقف الروسي دولياً من انتقادات داخلية، فقد برزت اتجاهات شعبية في جنوب أفريقيا معارضة للنفوذ الروسي في القارة، وعلى سبيل المثال فإن ثمة اتجاهاً يرى أن تقارب جنوب أفريقيا تحت حكم حزب المؤتمر الوطني مع روسيا سوف يثير خلافات مع الدول الغربية فى الوقت الذى تتعاون فيه جنوب أفريقيا مع الدول الغربية لمواجهة مشكلة انقطاع الكهرباء ولديها أزمة طاقة حادة، ومن ثم فإن الشراكة مع روسيا فى أعقاب الحرب سوف تفرض تكلفة دبلوماسية عالية.

وفي يناير 2023، انتقدت مؤسسة رئيس أساقفة جنوب أفريقيا الراحل والحائز على جائزة نوبل للسلام ديزموند توتو التدريبات البحرية المزمع إجرائها بين روسيا وجنوب أفريقيا والصين، ووصفتها بأنها "مشينة" و"ترقى إلى مستوى إعلان أن جنوب أفريقيا ستنضم إلى الحرب ضد أوكرانيا".

وكان التحالف الديمقراطي- وهو حزب المعارضة الرئيسي في البلاد- صريحاً أيضاً في معارضته لموقف الحكومة المحايد، ودعا جنوب أفريقيا إلى الوقوف إلى جانب كييف. وقال جون ستينهاوزن زعيم الحزب أمام البرلمان في مارس 2022: "نحن متورطون بالفعل في هذه الحرب. ولا يمكن أن يُنظر إلى حكومتنا على أنها تدعم العدوان الروسي". وأضاف: "دعونا نضع الدولة قبل السياسات الحزبية ونفكر في ما ستعنيه لنا هذه الحرب وما سيكون تأثيرها على اقتصادنا". وزار ستينهاوزن أوكرانيا في مايو 2022 في مهمة لتقصي الحقائق.

في الأخير، يمكن القول إنه بعد مرور عام على الحرب الروسية-الأوكرانية لا تزال القوى الدولية تحاول التقارب مع دول القارة وتعويض خسائرها من الحرب عبر توقيع اتفاقيات خاصة بالتعاون في مجال الطاقة والسلاح، ومحاولة استقطاب مزيد من الدول لمعسكر دون الآخر، حيث لا تزال خسائر الحرب تستنزف الكثير من موارد القوى الدولية في الوقت الذي باتت تدرك هذه الدول أن أفريقيا تمثل مستقبل الاقتصاد العالمى وأنها ستشكل هذا المستقبل عبر تحالفات دولها على المستوى الدولي.

على الجانب الآخر، توفر الحرب الروسية-الأوكرانية فرصاً حقيقية لدول القارة الأفريقية لإبراز دور القارة الأفريقية وكذلك تعزيز مكانتها وتحقيق مصالحها وأهمها الحصول على مقعد أو مقعدين فى مجلس الأمن والانضمام إلى عدد من المنظمات الدولية الكبيرة مثل مجموعة العشرين، حيث أصبحت أفريقيا جزءاً مهماً في إدارة النظام الدولى، وهى شريك رئيسى للقوى الدولية المختلفة في قضايا متعددة. 


[1] ABHISHEK MISHRA, China, the US, and Russia go on a diplomatic charm offensive in Africa, FEB 01 2023, https://www.orfonline.org/expert-speak/china-the-us-and-russia-go-on-a-diplomatic-charm-offensive-in-africa/

[2]Kate Bartlett,  No Mention of Military Drills with Russia on Yellen's South Africa Trip, January 27, 2023,  https://www.voanews.com/a/no-mention-of-military-drills-with-russia-on-yellen-s-south-africa-trip-/6936743.html.  

[3]Michelle Nichols, U.S. accuses Russia of exploiting Africa resources to fund Ukraine war, October 7, 2022, https://www.reuters.com/world/us-accuses-russia-exploiting-africa-resources-fund-ukraine-war-2022-10-06/

[4]Kate Hairsine , Russia pushes military diplomacy in Africa amid Ukraine war, November 17, 2022, https://www.dw.com/en/russia-pushes-military-diplomacy-in-africa-amid-ukraine-war/a-63785349

[5]Theodore Murphy, Russia under pressure: How Europe and the US are upping the ante in Africa, 30 January 2023,  https://ecfr.eu/article/russia-under-pressure-how-europe-and-the-us-are-upping-the-ante-in-africa/


رابط دائم: