* المقال جزء من ملف خاص بعنوان "عام على الحرب الروسية-الأوكرانية: تحولات ومسارات".
بعد مرور عام على الحرب الروسية-الأوكرانية تجاوزت آثار الحرب الدول لتشمل الفاعلين من دون الدولة، وخصوصاً التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة المنتشرة في بعض دول الشرق الأوسط، والتي تمثلت في إعادة تموضع بعض التنظيمات الإرهابية، وصياغة استراتيجية جديدة للعمليات الإرهابية وطبيعة المستهدف.
وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة اتجاهين رئيسيين لدى التنظيمات الإرهابية بناءً على انعكاسات الحرب: الاتجاه الأول: المشاركون أو المنخرطون، فمع اقتراب نهاية العام الأول على الحرب الروسية-الأوكرانية، بدأ العديد من التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة في إعلان المشاركة الرسمية الفعلية بجانب القوات الأوكرانية ضد روسيا، والتي تمثلت في أربعة مجموعات متطرفة وتنظيمات إرهابية رئيسية وهي:
1- مجموعات شيشانية: كانت البداية مع المجموعة الشيشانية التي شاركت في الحرب الأولى لروسيا ضد أوكرانيا 2015، حيث نشر آدم عثماييف -شيشاني الأصل- في مارس 2022، تسجيلاً مصوراً على منصات التواصل الاجتماعي، وهو يحمل بندقية بجوار مسلحين يرتدون أقنعة، ليعلن المشاركة بجانب القوات الأوكرانية.
2- كتيبة الشيخ منصور الشيشاني: مع منتصف عام 2202، أعلنت كتيبة الشيخ منصور- التي تنشط في جنوب شرق أوكرانيا تحت قيادة مسلم تشبيرلوفسكي- المشاركة بجانب القوات الأوكرانية في مواجهة روسيا، وهى كتيبة لها فرع متواجد في شمال غرب سوريا، وتضم المئات من العناصر الشيشانية، وقد أخذت اسم منصور الشيشاني من أحد القادة العسكريين الذي شارك في الحرب الروسية بالقوقاز في القرن الثامن عشر.
3- كتيبة خطاب الشيشاني: أعلنت العديد من العناصر الشيشانية الإرهابية النشطة في شمال غرب سوريا إدلب، مع بداية عام 2023، المشاركة بجانب أوكرانيا في مواجهة روسيا، ومنها عناصر شكلت تنظيماً يطلق عليه "كتائب خطاب الشيشاني"، وهي أحد التنظيمات الإرهابية التي ظهرت في يوليو 2020، عبر تنفيذ عملية إرهابية ضد القوات الروسية في محيط إدلب باستهداف دورية عسكرية روسية-تركية مشتركة على طريق m4 ، وكانت عملية انتحارية نفذها أبو عبيدة الأنصاري العنصر الانتحاري بالجماعة الإرهابية بناءً على البيان الأول لكتائب خطاب الشيشاني والمنشور على إحدى قنوات التنظيم على موقع تليجرام، حيث أعلن التنظيم استمرار استهداف القوات الروسية في سوريا، وهو ما تكرر عبر العملية التي وقعت في 18 أغسطس 2020 على دورية عسكرية مشتركة (روسية-تركية) على طريق m4 مستخدماً قذائف "آر بي جي"، مما أسفر عن سقوط بعض الضحايا والجرحى في صفوف القوات العسكرية التركية والروسية، وقد اختار التنظيم الإرهابي اسم خطاب الشيشاني، وهو أحد أهم العناصر القاعدية المسئولة عن تنظيم القاعدة في القوقاز، واسمه الحقيقي سامر صالح عبدالله السويلم العنزي، الملقب بالعديد من الكُنَى مثل (ابن الخطاب–الأمير الخطاب-سيف الإسلام خطاب)، وقد قاتل القوات الروسية في الشيشان في عام 1995، حيث أصبح قائداً للمقاتلين في حرب الشيشان، وقد قتل في عام 2002، بعد أن تسلم رسالة مسمومة، عبر عميل مزدوج. ويفسر ذلك أسباب إصرار التنظيم على اختيار اسم "خطاب"، وهى خطوة رمزية للدلالة على استمرار استهداف القوات الروسية، والانخراط في مواجهات مختلفة وفي ساحات متعددة معها، وآخرها في أوكرانيا.
4- كتيبة الألبان: تعتبر كتيبة الألبان إحدى أبرز المجموعات الإرهابية التي تنشط في إدلب وقد تأسست عام 2012، ويقودها الإرهابي عبد الجشاري الذي يلقب بـ"أبو قتادة الألباني"، والذي صنفته وزارة الخزانة الأمريكية، في أواخر 2016، على قائمة الأشخاص المحظورين بسبب العلاقات القوية التي تربطه بتنظيم "القاعدة" في سوريا.
5- أجناد القوقاز: يعتبر تنظيم أجناد القوقاز أحد التنظيمات الإرهابية النشطة في شمال غرب سوريا والذي يضم العديد من العناصر الإرهابية التي تتحدر من أصول شيشانية وألبانية ومقدونية. وعلى الرغم من أن تنظيم "أجناد القوقاز" أعلن حل نفسه في منتصف عام 2021، إلا أن العديد من عناصره ظلت متواجدة في مناطق تمركزه في شمال غرب سوريا، ومع اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، اتخذ عناصر التنظيم قراراً بالانضمام إلى القوات الأوكرانية في مواجهة نظيرتها الروسية.
الاتجاه الثاني: المستفيدون، إذ استغلت العديد من التنظيمات الإرهابية في بعض دول المنطقة نشوب الحرب الروسية-الأوكرانية للاستفادة منها لتحقيق العديد من الأهداف والتي يمكن تناولها على النحو التالي:
1- تكثيف العمليات الإرهابية: مع انشغال الدول الغربية وروسيا في الحرب الأوكرانية، تراجعت- إلى حد ما- فاعلية ونشاط مكافحة التنظيمات الإرهابية سواء من قبل التحالف الدولي لمكافحة "داعش" في سوريا أو من جانب القوات العسكرية الروسية، وهى إحدى أهم أدوات المواجهة الداخلية ضد الإرهاب في سوريا، حيث نشط تنظيم "داعش" في سوريا اعتماداً على تراجع أداء قوات مكافحة الإرهاب، وهو ما تجاوز الساحة السورية ليشمل العديد من الدول الأفريقية. وقد اقتصرت الضربات التي نفذتها قوات التحالف ضد "داعش" والقوى الأخرى المناوئة له على استهداف العديد من القيادات، دون أن يؤثر ذلك بشكل قوي على نفوذ ونشاط التنظيم.
2- الاستقطاب والتجنيد: تراجعت أعداد العناصر التي انضمت للتنظيمات الإرهابية وخصوصاً تنظيم داعش خلال الفترة الماضية، بفعل عوامل عديدة، منها نقص التمويل وفقدانه مساحات كبيرة من الأراضي التي كان يسيطر عليها، وهو ما دفع التنظيم إلى استخدام الخطاب الإعلامي من أجل استقطاب وتجنيد مزيد من العناصر الإرهابية، ولا سيما من مسلمي أوروبا. ومن هنا، كان لافتاً أن التنظيم أبدى اهتماماً إعلامياً متزايداً بالتداعيات التي بدأت تفرضها الحرب الروسية-الأوكرانية على مدار العام الماضي، حيث تناول التنظيم الحرب في أربعة أعداد من جريدة "النبأ" التابعة له، (328/ 342/ 355/373)، وحاول من خلال ذلك الترويج لتفوقه في المعركة ضد القوات الغربية والروسية بالإضافة لمطالبة عناصره باستغلال الوضع لتعزيز قوة التنظيم وتكثيف العمليات الإرهابية واستقطاب المزيد من العناصر.
3- الهيمنة والاستحواذ: سعى تنظيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) إلى استغلال الحرب الروسية-الأوكرانية للتخلص من بعض التنظيمات الإرهابية المنافسة له في إدلب، على غرار تنظيم "أجناد القوقاز" والعناصر الشيشانية والألبانية، حيث دفعت "هيئة تحرير الشام" أحد قياداتها الشرعيين، وهو ميسر بن علي المعروف بـ"أبو ماريا القحطاني"، إلى إصدار فتوى بثها عبر رسالة على تطبيق "تليجرام" أعلن فيها أن "روسيا قتلت آلاف المسلمين ولا تزال تقتلهم، ودعم روسيا في أوكرانيا هو دعم للمجرمين".
هذه الفتوى كانت أحد التكتيكات التي اتبعتها "الهيئة" في محاولة منها لإخراج العناصر الأجنبية وخصوصاً الشيشانية والقوقازية من إدلب للانفراد بالساحة، وقد ساعدت على إعلان العديد من التنظيمات والجماعات الإرهابية من أصول قوقازية وشيشانية المشاركة في الحرب الروسية-الأوكرانية عبر الانتقال إل جبهة القتال الأوكرانية.
فقد أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، في أكتوبر 2022، أن أكثر من 170 عنصر إرهابي من القوقاز والشيشانيين غادروا الأراضي السورية على دفعات نحو إحدى الدول الأوروبية بناءً على ضغوط وطلب من قبل "هيئة تحرير الشام"، وأضاف المرصد السوري أن "هيئة تحرير الشام" لا تزال تواصل الضغط على مسلم الشيشاني قائد تنظيم "أجناد الشام" لمغادرة الأراضي السورية، حيث تخشى الهيئة من أن تشكل الجماعات الجهادية غير المنضبطة أزمة لها، وخاصة في ظل الحديث عن ترتيبات جديدة، بعد التقارب التركي مع النظام السوري الذي يجري برعاية روسية، بالإضافة لانفراد الهيئة بالسيطرة على منطقة شمال غرب سوريا بدون منازع.
في المجمل، شكلت الحرب الروسية-الأوكرانية نقطة تحول لدى العديد من التنظيمات الإرهابية النشطة في بعض دول الإقليم وخصوصا التنظيمات الإرهابية من أصول قوقازية وشيشانية، خاصة أنها ساهمت في بدء عملية إعادة تموضع جديدة لبعض التنظيمات، بالتوازي مع محاولة تنظيمات أخرى استغلال التطورات الميدانية الجديدة التي طرأت على الساحة لتعزيز مواقعها والاستعداد للاستحقاقات القادمة.