"شراكة الضرورة" بين مصر ودول الخليج
2023-2-23

د. محمد عز العرب
* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

تظهر في بعض الأحيان أصوات، سواء كانت مقالات في صحف أو تغريدات في وسائل التواصل الاجتماعي أو مداخلات في برامج بقنوات فضائية، تعكس وجود توترات مكتومة في علاقات مصر ببعض دول الخليج، تحولت إلى أزمات طارئة، وهو ما يشير إلى محورية دور الإعلام سواء ككاشف أو مُنشئ لتلك الأزمات، على نحو ما اتضح جلياً خلال الأسابيع القليلة الماضية، واكتسب قوة تفسيرية في ظل مؤشرات محددة لدى البعض، على الرغم من أن توجهات التيار الرئيسي داخل فكر النخبة وسياسة الدولة لا تؤيد ذلك، لأن مساحة التوافق أكبر من مساحة الخلاف، سواء كان الأمر يتعلق بدرء تهديد، أو تعظيم منافع، أو تأكيد مواقف، أو تعميق تحالف.

إذ تُعد العلاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي واحدة من الأولويات الرئيسية لصانع القرار في مصر، بحكم التوافقات مع عدد منها بشأن قضايا سياسية واستراتيجية في الإقليم، والحرص على الاستقرار السياسي والأمني في مواجهة التهديدات التي يتعرض لها، سواء من القوى الإقليمية غير العربية (تركيا، وإيران) أو الفواعل العنيفة ما دون الدولة؛ مثل الميلشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية؛ أو توغل التيارات السياسية المنظمة مثل الإخوان المسلمين في هياكل بعض الدول وبنى المجتمعات. علاوة على القدرة على امتصاص الضغوط الدولية التي تتعرض لها مصر ودول الخليج، في سياقات مختلفة.

كما أن لمصر مصلحة حيوية في منطقة الخليج، وتتمثل في استمرار العلاقات الاقتصادية التي تربطها بدولها، وتدفق الاستثمارات الخليجية إلى داخل مصر، وزيادة العمالة المصدرة إليها وما يرتبط بها من عوائد مالية، اعتبرها الدكتور جمال حمدان بمثابة "عملية نقل دم لشرايين" الاقتصاد المصري في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وفي هذا السياق، لا يمكن القول بأن هناك مساراً واحداً حاكماً للعلاقات المصرية الخليجية. ففي الوقت الذي تكون مصر دولة واحدة وحكومة واحدة ولها وجهة نظر واحدة وتتبع سياسة واحدة، لا يوجد خليج واحد، وإنما هناك ست دول خليجية، وكذلك مواقف ووجهات نظر لست دول خليجية.

لذا، من الطبيعي أن تظهر بين الحين والآخر بعض التباينات بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجي، سواء في الملفات الثنائية أو الأزمات الإقليمية، وهو ما يعكس تباعاً التحديات القائمة والمحتملة للعلاقات المصرية الخليجية، والتأثيرات الناتجة عنها، وسبل التعامل معها بهدف الوصول إلى المسار الآمن الذي يحمي هذه العلاقات ذات الأبعاد الاستراتيجية، وبما يغذي المصالح المتبادلة من جهة، ويفرض التعايش مع "المصالح غير المتطابقة" من جهة أخرى؛ لأنه يستحيل الوصول إلى تطابق في المواقف بين أي قوتين إقليميتين كمصر والسعودية، أو السعودية والإمارات، أو الإمارات ومصر، شأن حال أي علاقات ثنائية في العالم.

إذ تدور العلاقات المصرية الخليجية في إطار من متغيرات عالمية ودولية وإقليمية بالغة التعقيد بسبب تداخلها، وتطوراتها السريعة. كما أن ما جرى من تطورات في منطقة الشرق الأوسط في أعقاب الحرب الروسية- الأوكرانية، وجائحة كوفيد-19، والثورات التي عرفت بـ"الربيع العربي" قد خلق أوضاعاً خطرة تهدد السلام العالمي والعلاقات بين القوى الكبرى ذاتها، فضلاً عن مظاهر الانهيار السياسي والاقتصادي والإنساني التي ألمت بشعوب ودول المنطقة، وما وقع عليها من خطر تواجد الجماعات الراديكالية "الإسلامية" مثل "داعش" و"القاعدة" وحلفائهم من التنظيمات المشابهة.

وسط ذلك كله، فإن العلاقات المصرية السعودية، خاصة، بدت كما لو كانت ناصية هامة لاستعادة الاستقرار إلى المنطقة مرة أخرى استناداً إلى تاريخ طويل من العلاقات يعود بعضها إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (1945-1955)، ثم بعد ذلك مع بداية السبعينيات حينما تولى الرئيس الأسبق أنور السادات السلطة في مصر واشتراك الدولتين في حرب أكتوبر 1973. ومنذ ذلك الوقت، فإن العلاقات المصرية السعودية باتت عماد الاستقرار في المنطقة، سواء كان عدم الاستقرار سببه التوسع الإسرائيلي، أو طموحات بعض الأنظمة العربية في بعض المراحل، مثل نظام صدام حسين، أو الثورة الإيرانية وتمدد وكلائها في بؤر الصراعات المسلحة العربية.

وفيما عدا فترات قليلة عندما وقعت مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل، وفترة تولي الإخوان المسلمين للسلطة في مصر، فإن العلاقات بين البلدين تزايدت في القوة والتعاون الإستراتيجي والاقتصادي وحتى "السكاني"؛ الذي عكسه وجود ما يزيد عن 2 مليون مصري في السعودية، وحوالي 600 ألف سعودي في مصر سواء للدراسة أو السياحة. كما أن السياقات الإقليمية تفرض تعزيز الشراكة الاستراتيجية في ظل استمرار تهديد المليشيا الحوثية في اليمن وتمدد طهران والميلشيات المسلحة بالإقليم، ومخاطر الإرهاب العابر للحدود الرخوة والظروف الاقتصادية الضاغطة المحركة لعدم الاستقرار داخل بعض الدول العربية.

في هذا السياق، أشار الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال مشاركته في الجلسة الرئيسية للقمة العالمية للحكومات بإمارة دبي بدولة الإمارات في 13 فبراير الجاري (2023)- إلى أن الفوضى التي شهدتها مصر عقب عام 2011 بلغت تكلفتها نحو 450 مليار دولار، مضيفاً: "مصر كادت أن تضيع قبل سنوات مثل دول أخرى، ولم ينج أي أحد من المستهدفين بالمنطقة إلا مصر"، مشيراً إلى أنه من دون جهود الأشقاء في السعودية والإمارات والكويت، ما تجاوزت مصر تحديات تلك المرحلة. مع الأخذ في الاعتبار أن لحظات الخطر تقتضي من الشركاء التأهب للمساعدة الفورية على نحو ما فعلته مصر خلال الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990 وفعلته دول الخليج مع مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013.

وهناك مصالح مصرية وخليجية وسعودية بشكل خاص تتعلق بأوضاع ينبغي الحفاظ عليها، أو فرص يمكن توظيفها، أو تعاون يمكن تطويره، أو أمور لا يجب المساس بها، أو التصدي لعمليات إيذاء محتملة قادمة من تلك الاتجاهات، وهو ما يتعين التفكير في استراتيجيات وسياسات وخطط، خلال المرحلة المقبلة، عبر اتخاذ قرارات وتخصيص موارد، والقيام بتحركات في اتجاهات صراعية أو تعاونية، بما يبعث رسائل في اتجاهات متعددة، لا سيما أن مصر والسعودية من أهم الدول التي تلعب دوراً محورياً في صنع السياسة الإقليمية، على نحو يصب في مصلحة الأمن والتنمية والاستقرار في إقليم مضطرب.

خلاصة القول، إن ثمة ضرورة لدوام الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة ودول الخليج وبصفة خاصة الرياض، بما يمكنهما من مواجهة المواقف الدولية المتغيرة والتحديات الإقليمية السائلة، في ظل إدراك يغلب عليه ضرورة "توازن المنافع". كما أن هذا التوافق بين البلدين لا يعني بالضرورة التطابق التام سواء في المصالح أو الأهداف أو الأدوار، وإنما يكفي التطابق في المصالح الحيوية والأدوار الاستراتيجية، بحيث لا يلغي ذلك إمكانية وجود بعض الخلافات حول بعض المصالح والأهداف والأدوار على مستويات أخرى؛ فالشراكة المصرية السعودية أكبر من أن تفشل، وفقاً لحسابات الفرص والمخاطر ومعادلة التكلفة والعائد.

________________________________

نُشر أيضا بجريدة الأهرام إبدو، 22 فبراير 2023.

رابط دائم: