دلالات ورسائل انطلاق قافلة الدعم المصري لسوريا وتركيا من سيناء
2023-2-21

أحمد عليبه
* خبير- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

تعكس عملية إرسال مصر لقاقلة مساعدات جديدة (20 فبراير 2023) إلى كلٍ من سوريا وتركيا رمزية التضامن المصري مع الشعوب في الكوارث والأزمات، وهو سياق تقليدي معتاد من مصر في مثل هذه الظروف. فقبل نحو عامين وخلال تفاقم أزمة "كوفيد-19"، أقامت القوات المسلحة المصرية جسراً جوياً لتقديم الدعم إلى العديد من دول العالم في مناطق مختلفة.

لكن بيان القوات المسلحة الخاص بطبيعة هذه القافلة تحديداً ينطوي على سابقة هى الأولى من نوعها، تتمثل في انطلاق سفينة حربية تحمل المساعدات عبر البحر إلى سوريا وتركيا من ميناء العريش في شمال سيناء بعد تطويره بشكل كامل، بالإضافة إلى تحميل المئات من أطنان المساعدات على مئات العربات من القاهرة إلى الإسماعلية وعبورها أنفاق "تحيا مصر" وكوبري السلام مروراً بالطريق الساحلي وصولاً إلى العريش.

وتعكس هذه العملية العديد من الدلالات والرسائل، التي تكشف عن المتغيرات الهائلة التي شهدتها سيناء، وهو ما يمكن التطرق إليه في المحاور التالية:

دلالتان رئيسيتان

1- بيان عملي يؤكد مصداقية نجاح مصر في مكافحة الإرهاب في سيناء: تعددت التصريحات على المستوى الرسمي في الفترة الأخيرة بشأن نجاح مصر في تطهير سيناء من الإرهاب، بعد سنوات من الجهود الشاقة للتصدي لأعنف موجات هذه الظاهرة التي شهدها الإقليم على مدار العقد الماضي، وأحدث تلك التصريحات جاءت قبل نحو أسبوع في سياق تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته في القمة العالمية للحكومات في الإمارات، في 13 فبراير الجاري، والتي أشار فيها إلى أن "الإرهاب أصبح من الماضي".

ويمكن القول إن خط سير هذه القافلة بشكل آمن من العاصمة مروراً بالإسماعلية وصولاً إلى العريش عبر الأنفاق وكوبري السلام والخط الساحلي، يؤكد على مصداقية تلك التصريحات. فلم يكن من السهولة بمكان تشغيل خط سير بهذا الشكل تتحرك عليه قافلة بهذا الحجم، إذ كان الخط الساحلي من أخطر مسارات التحرك خلال مرحلة وجود الإرهاب في سيناء، وبالتالي فإن تشغيل هذا الخط بهذا الشكل يمثل دلالة هامة للتأكيد على نجاح عملية مكافحة الإرهاب.  

وقبل نحو عام، وتحديداً في 9 فبراير 2022، أشاد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بنجاح مصر في عملية مكافحة الإرهاب في شمال سيناء، وهو التقرير الذي استعرضه وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف، في جلسة لمجلس الأمن آنذاك. ومع ذلك، استمرت الجهود المصرية في عمليات تأمين المكاسب التي تحققت في هذا الصدد للحفاظ عليها، وتطوير السياسات الأمنية التي تلائم الحفاظ على تلك المكاسب للحيلولة دون تجدد أو عودة تلك الظاهرة مرة أخرى، لا سيما في ظل تقارير عديدة بعضها صادر عن الأمم المتحدة تشير إلى المخاوف من عودة تلك الظاهرة في بعض المناطق في الإقليم.

كذلك يمكن القول إن هذا البيان العملي يعتبر بياناً استباقياً أيضاً لما سيتم الإعلان عنه رسمياً في احتفالات أبريل المقبل بشأن تجربة سيناء في مكافحة الإرهاب وكيف ترجمت تلك التجربة التي غيرت وجه سيناء بالكامل في الواقع.

2- تحول شمال سيناء إلى منطقة استراتيجية: بالتوازي مع معركة مكافحة الإرهاب في شمال سيناء خلال السنوات الأخيرة، كانت هناك معركة أخرى لا تقل أهمية، وهى معركة التنمية الشاملة التي تم التخطيط لها وفق خطة استراتيجية غير مسبوقة في تاريخ منطقة شمال سيناء، وضعت لها ميزانية ربما تجاوزت سقف 700 مليار جنيه لتنمية سيناء التي عانت من فقر التنمية لعقود من الزمن، الأمر الذي ساعد على تشكيل بيئة حاضنة للعديد من الظواهر والمهددات الأمنية، والتي لا تنحصر فقط في ظاهرة الإرهاب، بل ساعدت على تناميها، بالإضافة إلى التداعيات الاجتماعية المترتبة على فقر التنمية.

وكإحدى الدلالات التي يشير إليها بيان القوات المسلحة في هذا السياق، فإن عملية التنمية امتدت إلى محيط سيناء، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تم حفر العديد من الأنفاق التي تربط سيناء بمحيطها الخارجي بشكل مرن، وكان من الصعوبة بمكان في الماضي عبور قافلة بهذا الحجم في زمن قياسي إلى سيناء، وكذلك تأهيل الطريق الساحلي بالشكل الذي يلائم خطة التنمية الاستراتيجية المطلوبة في سيناء.

وهناك قائمة طويلة من المشروعات القومية العملاقة في شمال سيناء، خاصة بالبنية التحتية، على غرار مشروعات المياه والصرف والكهرباء والصحة والتعليم وخطوط النقل والمواصلات، بالإضافة إلى ميناء العريش الذي أعيد تأهيله وتطويره بالشكل الذي يسمح باستقبال سفينة حربية تحمل شحنة كبيرة وتبحر إلى دول العالم المختلفة.

كما تم تأهيل مطار العريش وفق أحدث النظم العالمية المتبعة في هذا الصدد. وبالتبعية، تنعكس هذه التطورات الخاصة بتنمية وتطوير البنية التحتية في سيناء على البنية الأساسية، ففلسفة التطوير وبناء المجتمعات الحضرية تهدف في الأخير إلى تنمية الإنسان بتكفل الدولة بحياة كريمة وآمنة له.

رسائل نوعية

1- رسالة سلام إلى العالم: وهى جوهر اختيار أول عملية تشغيل نوعية من ميناء العريش على هذا النحو لتكون عملية إغاثة ودعم إلى الخارج، تؤكد كيف نجحت مصر في تغيير الصورة من واقع إلى واقع آخر مختلف. فبعد أن كانت منطقة شمال سيناء إحدى بؤر التوتر الأمنية الرئيسية في المنطقة، أصبحت مصدراً للسلام، وهى رسالة لدول المنطقة بأن سيناء لم تعد مصدراً للتهديد، بل إن بعض أسباب كونها كانت مصدراً للتهديد ترتبط بالعامل الخارجي، في ظل تدهور البيئة الأمنية في المحيط الإقليمي، وبدلاً من أن تسير مصر في الاتجاه ذاته، عكست المسار وأكدت قدرتها على التحدي بتغيير الواقع وتقديم نموذج حضاري للتنمية والإعمار قابل للتصدير إلى دول المنطقة المأزومة على وجه التحديد. 

2- قيمة مضافة لقوة الدولة الشاملة: يعكس هذا المشهد إجمالاً كيفية تحول سيناء من عبء على الأمن القومي المصري لعقود سابقة من الزمن إلى قيمة مضافة لتعزيز القوة الشاملة للدولة المصرية في الحاضر والمستقبل، وتعدد مظاهر القوة الشاملة للدولة في هذا السياق. فبالإضافة إلى مكاسب الاستقرار الأمني في منطقة الحدود الشرقية لمصر التي عرفت تاريخياً بأنها بوابة للمخاطر والمهددات، تبدلت هذه الصورة، في إطار عمليات ضبط وإحكام الحدود، وإعادة ترتيب الأوضاع الأمنية بالمفهوم الشامل، بما لا يقتصر على استعراض قوة الدولة في هزيمة الإرهاب باعتباره يمثل صورة العدو في الوقت الراهن، بل تجاوز هذا الواقع إلى المظاهر الأخرى الخاصة بتعزيز عائد المكاسب الأخرى بالنسبة للأمن القومي المصري، بل وللأمن الإقليمي في الوقت ذاته.

في الأخير، يمكن القول إن اختيار العريش لتكون قاعدة انطلاق جديدة للحركة المصرية إلى العالم الخارجي يؤكد على نجاحات وإنجازات عديدة يصعب اختزالها في صورة تشغيل الميناء. فخلف ذلك، بذلت الدولة المصرية جهوداً جبارة لسنوات طويلة للوصول إلى هذه المحطة. ومع اتساع الصورة لرصد الواقع الجديد في سيناء، تظهر تفاصيل هذه الجهود التي تبدأ من نجاح الدولة في التخطيط الاستراتيجي وكيف يتحول هذا التخطيط إلى خطوات تنفيذية على أرض الواقع. 


رابط دائم: