منتدى "دافوس" 2023.. هل جمع العالم أم زاده انقساماً؟
2023-1-29

د. أحمد قنديل
* رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيحية

 

وسط واحدة من أشد حالات التباطؤ الاقتصادي العالمي خلال هذا القرن، وهيمنة الحرب في أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية الهائلة على ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء في العالم، اختتمت، في 20 يناير 2023، أعمال الدورة الـ53 من منتدى دافوس العالمي، الذي حمل هذه المرة عنواناً براقاً، وهو "التعاون في عالم مجزأ".

وقد شارك في هذا المنتدى أكثر من 2500 شخص من المتحكمين في إدارة الشئون العالمية من رؤساء دول وحكومات جنباً إلى جنب مع مسئولي منظمات دولية كبرى، منهم الأمين العام للأمم المتحدة، والأمين العام لحلف الأطلنطي (الناتو)، ورئيس الاتحاد الأوروبي، والمئات من الوزراء والمديرين التنفيذيين للشركات المتعددة الجنسيات، علاوة على نحو 116 مليارديراً من الأثرياء الأمريكيين والأوروبيين والآسيويين والعرب.

وقد جاء هذا المنتدى، الذي يعد واحداً من "أيقونات الرأسمالية العالمية الجائرة"، طبقاً لما يراه المناهضون له في مجالي الاقتصاد والبيئة،، في ظل حالة من التشاؤم والاحباط نتيجة لمعاناة العالم من اعتلال واختلال غير مسبوقين، على أصعدة جوهرية، وربما في مقدمها أزمة غياب العدالة الاجتماعية، التي باتت تمثل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في وجه البشرية برمتها، خاصة مع ظل تزايد الفجوة بين 1% من المتحكمين في اقتصاد العالم وبقية سكانه، مما تسبب في تعثر أسواق العمل وارتفاع معدلات البطالة وأزمات الغذاء ومعدلات الديون، مع تسارع تبعات أزمات تغير المناخ التي تنذر بكوارث متتالية، مما يجعل الكوكب بين شقى رحى: "الفقر الآني" و"الانقراض المستقبلي".

ومما زاد الأمور تعقيداً وتشاؤماً، أن منتدى دافوس جاء هذا العام أيضاً في ظل ترقب وقلق شديدين بشأن مستقبل العالم، مع توقعات بأن يصبح الناس أكثر فقراً، وليس أكثر ثراءً، وأن تسرق الروبوتات معظم الوظائف في السنوات القادمة، وأن يؤدي "الإدمان" على الوقود الأحفوري إلى تدمير كوكب الأرض، وبالتالي فناء البشرية، وهو الأمر الذي أكد عليه أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، من أن البشرية "تخسر المعركة" في مواجهة تغير المناخ.

كما كانت دعوة فولوديمير زيلينسكي، زوجة الرئيس الأوكراني و"نجمة" المنتدى هذا العام، لتزويد بلادها بدبابات "ليوبارد" الألمانية، بمثابة رسالة للعالم بأن الحرب الأوكرانية سوف تستمر لفترة طويلة قادمة. كذلك، أثيرت في المنتدى مخاوف جدية بشأن تفاقم أزمة الديون العالمية، مما سيؤثر على عشرات من أفقر دول العالم. كما زاد الشعور بالخطر لدى المتابعين لأعمال منتدى أيضاً هذا العام، مع تواتر الحديث عن إمكانية عودة تفشي وباء كوفيد-19 ومتحوراته اللعينة في الصين مرة أخرى، وعودة مستويات التضخم المرتفعة للغاية في كثير من دول العالم خلال العام الجاري.

بشائر طيبة للأغنياء فقط

ووسط كل هذه التحديات الخطيرة، كان من المتوقع صعوبة الحصول على أخبار طيبة بشأن مستقبل أكثر إشراقاً للبشرية والعالم في أروقة منتدى دافوس. ولكن كان ملفتاً، بل ومدهشاً أيضاً، أن يجد المراقبون أن الحالة المزاجية لمعظم المشاركين في المنتدى غلب عليها سمة التفاؤل والبهجة. وربما ترجع هذه الحالة، في جزء منها، إلى أن معظم هؤلاء المشاركين الأثرياء لا يعانون من المشاكل الحياتية الناجمة عن ارتفاع أسعار المعيشة بشكل كبير.

 ومن ناحية ثانية، سادت تقديرات متفائلة، خلال المنتدى، بأن معدلات التضخم قد وصلت إلى ذروتها في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، ومعظم الدول الأوروبية. وبالتالي، قد تتمكن كثير من البنوك المركزية في العالم من خفض أسعار الفائدة في المستقبل.

ومن ناحية ثالثة، كانت هناك مصادر أخرى للتفاؤل والبهجة بين المشاركين في دافوس، منها على سبيل المثال، القناعة السائدة بأن التقدم التكنولوجي، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) ، سوف يستمر في التسارع خلال السنوات القادمة، مما سوف يخلق فرصاً تجارية واستثمارية كبيرة لهذه الصناعات في الدول الغربية (تتراوح سنوياً بين 150 و210 تريليون جنيه مصري حتى عام 2030)، خاصة إذا ما تم توظيفها في مواجهة تغير المناخ العالمي ونشر التكنولوجيا الخضراء في الدول النامية، وبالذات في مجالات السيارات الكهربائية والهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية وطاقة الرياح وأنظمة الانذار المبكر بالكوارث المناخية والأسمدة وغيرها. كذلك، كان من بين من شعروا بالبهجة والفرحة في دافوس أصحاب الأعمال في مجال الصناعات العسكرية المتطورة، حيث وفرت لهم حرب أوكرانيا سوقاً كبيرة لترويج بضاعتهم وأرباحاً بمليارات الدولارات. 

إجابات غائبة

من الواضح أن منتدى دافوس، في نسخته الأخيرة، قد عزز الشكوك حول إمكانية تطوير صورة هذا المنتدى من مجرد كونه "منتدى للأثرياء والأقوياء" في العالم. فالمنتدى لم يقدم جواباً شافياً وافياً عمن يقف وراء "تشرذم" العالم وعجزه عن التعاون من أجل طرح مبادرات بناءة لتحسين مستقبل البشرية، لا سيما على صعيد المشهد الروسي - الأوكراني، حيث "الناتو" برأس حربته، الولايات المتحدة، وبالتبعية القارة الأوروبية، لا ينفكان ينفخان في نيران المواجهة العسكرية مع روسيا، بحجة حتمية هزيمة "القيصر بوتين"، ومن غير أدنى دالة على البحث في مخارج لإنهاء الحرب.

كذلك، يبدو أن تحذيرات المنتدى لقادة العالم من الاستعجال في خفض معدلات الفائدة، لما يحمله ذلك من "تهديد للاستقرار الاقتصادي العالمي" سوف تعني ارتفاع كلف الاقتراض في مواجهة تباطؤ الاقتصاد العالمي، كما أنه يخاطر بتفاقم أزمة الديون العالمية في الدول النامية بما في ذلك أفريقيا.

وبالإضافة إلى ذلك، بدا أن قانون خفض التضخم الأمريكي، وخطة الولايات المتحدة التشريعية لدعم الطاقة الخضراء بمليارات الدولارات تسببت في خلاف علني نادر مع حلفائها الغربيين، وأثارت مخاوف من إطلاق "حرب مساعدات حكومية" بين أوروبا والصين والولايات المتحدة.  وفضلا عن ذلك، لم يصدر قرار واحد قاطع من "أثرياء دافوس" يقضي بضرورة تمويل انتقال الدول النامية في مجال الطاقة، وتسديد التعويضات عن الكوارث الطبيعية المواكبة لتغير المناخ. ولعل كل ما سبق، يتفق مع ما يردده البعض من أن تحديات العيش على كوكب الأرض لن تنتهي إلا بنهايته.


رابط دائم: