كيف تعاطى تنظيم "داعش" مع مونديال قطر 2022؟
2022-12-1

محمد فوزي
* باحث مساعد - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

مع بروز التيارات الإرهابية الأصولية، خصوصاً الإسلامية منها، وتبؤها مكانة مهمة في تفاعلات المنطقة والعالم خلال العقود الأخيرة، بدأت هذه التيارات في التعاطي وفق النسق الأيديولوجي والسرديات المتشددة الخاصة بها مع كافة الأنشطة المرتبطة بحياة الناس، ومنها كرة القدم -اللعبة الأكثر شعبية في العالم- بدءاً من تحريم هذه التيارات للعبة، مروراًبمنعها في بعض المناطق التي خضعت لسيطرتهم في السنوات الأخيرة كما فعلت حركة الشباب في بعض المناطق الصومالية، وصولاً إلى السعي لاستهداف ملاعب كرة القدم بعمليات إرهابية. وفي هذا السياق، شن تنظيم داعش الإرهابي هجوماً لاذعاً على دولة قطر إثر استضافتها لبطولة كأس العالم 2022، ودعا إلى استهدافها، انطلاقاً من رؤيته المتطرفة التي تقوم على أن تنظيم هذا الحدث يمثل "حرباً على الإسلام" و"موالاة للكفار" وهو ما عبر عنه التنظيم في المقال الافتتاحي الذي نشره في مجلته "النبأ" في عددها الأخير.

سردية متطرفة ودعوة للإرهاب

نشر تنظيم داعش الإرهابي مقالاً افتتاحياً في العدد الأخير (رقم 366) من مجلته الأسبوعية "النبأ" حمل عنوان "عملاً بوصية نبيكم"، أشار فيه إلى أن استضافة قطر لما وصفه بـ"كأس الهوى/ الهوان" في إشارة لبطولة كأس العالم، "يمثل استمراراً لتخديم قطر على المشاريع الصهيونية والصليبية العالمية"، واستنكر التنظيم في المقال تعاطي تنظيمات التطرف الأخرى مع الحدث، في إشارة إلى ترويج بعض الدوائر الإسلاموية لفكرة "توظيف الحدث من أجل الدعوة إلى الله" وهي الدعوة التي تبنتها بعض الاتجاهات السلفية والإخوانية. واعتبر التنظيم أن قطر شريك أكثر من أي دولة عربية وخليجية أخرى فيما وصفها بـ"الحرب على الإسلام"، ومُستشهداً في ذلك بتحالفاتها الخارجية التي وصفها بـ"المشبوهة"، واستضافتها لبعض القواعد العسكرية الغربية، وما يحدث داخل الأراضي القطرية من "نشر للإباحية"، و"ترويض المجاهدين ونقلهم من الخنادق إلى الفنادق، وجعلهم حراس للمصالح الأمريكية" وفق المقال[1]، في إشارة واضحة إلى رعاية قطر للمفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان أفغانستان. وعقب الترويج لهذه الرؤية والسردية المتطرفة، دعا التنظيم إلى استهداف الأراضي والحكومة القطرية، وتنفيذ عمليات إرهابية.

والملاحظ في الخطاب الداعشي تجاه بطولة كأس العالم، أن التنظيم جعل من هذه البطولة منطلقاً ومدخلاً لاستهداف قطر والدول الخليجية حكومات وزعماء، والحشد ضدهم، عبر الترويج لسردية متطرفة. وقد جاء الترويج لهذه السردية من قبل التنظيم، بالتزامن مع حالة جدل واسعة في الفضاء العربي والإسلامي، وهي حالة الجدل التي تجاوزت الأبعاد الحقوقية والسياسية المصاحبة للمونديال، وركزت على الأبعاد الدينية، بين اتجاهات تنتقد بعض المظاهر المصاحبة للمونديال ويعتبرونها "تتنافى والقيم الإسلامية"، واتجاهات أخرى تعتبر أن كأس العالم يمثل "فرصة للدعوة إلى الله".وبالتالي يبدو أن هذا التعاطي الداعشي مع الحدث يأتي في إطار الانخراط في هذه الحالة الجدلية القائمة، فضلاً عن أهداف التنظيم الخاصة.

دوافع التصعيد

جاء الخطاب الداعشي الحاد تجاه مونديال قطر 2022، والتوعد باستهداف قطر إثر استضافتها للبطولة، مدفوعاً بجملة من الدوافع، التي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- الموقف المتشدد من كرة القدم: يرتبط الموقف الداعشي من بطولة كأس العالم بقطر، بشكل رئيسي بموقف التنظيم من رياضة كرة القدم بشكل عام، وهو الموقف الذي تجلى بوضوح في عام 2018 بالتزامن مع بطولة كأس العالم بروسيا، عندما أصدر التنظيم كتاباً حمل اسم "مداد القلم في حكم لاعبي كرة القدم"، واعتبر التنظيم فيه لاعبي كرة القدم كفاراً، "لأنهم يحتكمون إلى قوانين غير ما أنزل الله في لعبة كرة القدم وهي قوانين الفيفا".واعتبر الكتاب أن "لعبة كرة القدم وغيرها من المسميات حرام ولا تجوز، وأنها تشبه بالكفار والمشركين لأنها تحتكم إلى قوانين وأحكام تُساهم في إبطال وتعطيل أحكام الشريعة الإسلامية". واعتبر التنظيم في الكتاب أن الأمم الغربية التي وصفها بـ"الصليبية" توظف كرة القدم من أجل "سحر وإلهاء شباب المسلمين، وتمرير الأفكار الغربية".

وكانت إحدى مظاهر الموقف الداعشي المتطرف من رياضة كرة القدم، قد تجلت في العام 2015، عندما أعدم التنظيم الإرهابي 13 مراهقاً، لمشاهدتهم كأس آسيا لكرة القدم والتي أُقيمت في أستراليا في العام 2015، بين العراق والأردن، بعد أن تم إمساكهم وهم يشاهدون المباراة في الموصل بالعراق[2].

لكن التنظيم ومع إدراكه للشعبية الجارفة لكرة القدم، حاول توظيف هذه الرياضة التي يعشقها الشباب، من أجل تجنيد عناصر جديدة، فنظم ما أطلق عليه "أولمبياد الجهاد" في المناطق التي كانت تقع تحت سيطرته في سوريا والعراق، مع وضع قوانين "شرعية" تحكم كرة القدم، وأبرزها تحريم قواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم باعتبارها مخالفة لأصول الشريعة الإسلامية، واستبدالها بقوانين تمكن اللاعبين المصابين في المباراة من المطالبة بالتعويض أو الانتقام من قبل خصومهم. كما قام التنظيم باستبدال هذه القوانين بأخرى مع إدراج القصاص في ظل أحكام الشريعة الإسلامية.

2- المزايدة على المنافسين: تهكم تنظيم داعش في تعاطيه مع مونديال قطر 2022، على التنظيمات الإسلاموية الأخرى التي تدور في فلك الفكر السلفي المتشدد، وهي الاتجاهات التي دعت إلى توظيف البطولة من أجل "الدعوة إلى الله"، حيث بدأت بعض الأصوات السلفية بالفعل مثل الداعية: حاتم الحويني، في الترويج لهذه الفكرة على نحو واسع، وهو ما أعلن تنظيم داعش رفضه وبشدة.

أما تنظيم القاعدة فقد أصدر فرعه في اليمن المعروف بـ"قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، بياناً ندد فيه بتنظيم قطر للبطولة، واعتبر أن الممارسات التي تتم على هامش هذا التنظيم، مخالفة للشريعة الإسلامية، وترويجاً "للزندقة والتغريب والفساد". وعلى الرغم من الهجوم اللاذع الذي وجهه تنظيم القاعدة لقطر إثر هذه الرؤية، إلا أن داعش اعتبر أن تنظيم القاعدة "أخطأ في تشخيص الداء والدواء"، على اعتبار أن التنظيم لم يدعُ أتباعه لاستهداف قطر وحكامها، على غرار ما فعل داعش.

ويبدو أن هذا الموقف الداعشي من تعاطي التنظيمات الإسلاموية الأخرى مع الحدث، يرتبط بشكل كبير بالنمط "التنافسي والصراعي" الذي بات يحكم علاقاته بتنظيمات التطرف والعنف الأخرى، وهو النمط الذي يبدأ من التراشق الإعلامي المستمر حول العديد من القضايا الشرعية والفقهية والرؤى السياسية، ويصل إلى حد الصراع والاقتتال في العديد من الساحات خصوصاً بين القاعدة وداعش.

3- الموقف من قطر: أما الاعتبار الثالث الذي يُمكن في ضوئه فهم هذا الموقف الداعشي من المونديال، فيتمثل في العداء الكبير الذي يُكنه تنظيم داعش لقطر، كجزء من رؤيته المتطرفة التي تُكفر الحكومات العربية، وتنزع عنها صفة الإسلام هي وشعوبها، إذ لا يتوقف التنظيم في نشراته الأسبوعية وإصداراته الخاصة عن التأكيد على فكرة "كفر" هذه الحكومات والشعوب، والدعوة لاستهدافها، استناداً إلى مبدأ الحاكمية، الذي كان أول من طرحه هو مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، وبلوره لاحقاً بشكل واضح المنظر الإخواني المتطرف سيد قطب، في كتابه "معالم في الطريق".

الجدير بالذكر أن حملات التنظيم ضد قطر وتنظيمها لكأس العالم كانت قد بدأت في وقت مبكر؛ ففي يوليو 2014 وهي الفترة التي كانت تعبر عن ذروة قوة التنظيم، أصدر داعش بياناً حذر فيه قطر من استضافتها لبطولة كأس العالم[3]، وأشار البيان حينها إلى أن التنظيم سينفذ "عمليات تفجيرية لمنع الفساد واللهو والعبث" وفق نص البيان. وفي سياق متصل، وجه التنظيم تحذيرات شديدة اللهجة لقطر في يوليو 2020، عبر المتحدث باسمه في ذلك الوقت أبو حمزة المهاجر، حيث أشار "المهاجر" إلى أن داعش يسعى لاستهداف قطر نتيجة الدعم الذي قدمته للتحالف الدولي لمحاربة داعش، فضلاً عن استضافتها لقواعد عسكرية أمريكية[4].

4- استهداف أنشطة كرة القدم: حث تنظيم داعش على استهداف قطر، أثناء وبعد بطولة كأس العالم، ويمكن فهم هذا الحشد الداعشي في إطار توسع تنظيم داعش في السنوات الأخيرة من نوعية مستهدفاته في إطار نشاطه الإرهابي، إذ بات هذا النشاط يستهدف كافة الفئات والمصالح والمنشآت، ومنها ملاعب كرة القدم، وكان التنظيم قد تعهد قبيل مونديال 2018 بروسيا، بأنه سيسعى لإفساد البطولة ونظم العديد من الحملات الإعلامية لترويع المشاركين فيها، وكان من بين هذه الحملات فيديوهات تداولتها منصات محسوبة على التنظيم، تُظهر مقاتليه وهم يلعبون الكرة برؤوس بعض ضحاياهم.

وكانت ملامح هذا التوجه قد بدأت في 13 نوفمبر 2015 عندما هاجم التنظيم ستاد "دو فرانس" بضاحية سان دوني (شمال فرنسا) حيث كانت تجري مباراة ودية بين فرنسا وألمانيا، وبعد عام واحد أعلنت السلطات الأمنية السعودية أنها نجحت في إحباط عملية إرهابية كانت تستهدف المباراة التى جمعت بين منتخبى السعودية والإمارات، بملعب "الجوهرة"، يوم 11 أكتوبر 2016، ضمن التصفيات الآسيوية المؤهلة لمونديال 2018 فى روسيا، ومنذ ذلك الوقت شن التنظيم عشرات الهجمات الإرهابية التي استهدفت ملاعب كرة قدم ولاعبين، كان آخرها هجوم نفذه داعش في محافظة ديالي شمال العراق على أحد ملاعب كرة القدم في 20 سبتمبر 2022، مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الأشخاص([5]).

وفي الختام، يمكن القول إن المؤشرات والشواهد السابقة تُشير إلى تبؤ الأنشطة الرياضية مكانة متقدمة في استراتيجيات التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش، الأمر الذي يثير احتمالات تنفيذ التنظيم لبعض العمليات الانتقامية بالتزامن مع بطولة كأس العالم، فضلاً عن أن هذا التوجه سيُعزز من ترويج التنظيم لسردية أنه لا يزال حاضراً وبقوة في المشهد الجهادي العالمي، ولديه القدرة على اختراق مساحات جديدة وتنفيذ عمليات إرهابية نوعية، إلى جانب تأكيد سرديته بشأن كرة القدم.


[1] صحيفة تابعة لـ"داعش" تدعو مناصري التنظيم لاستهداف قطر، النهار العربي، 25 نوفمبر 2022، متاح على:

https://www.annaharar.com/arabic/news/arab-world/25112022091614546

[2] الإرهاب والرياضة.. غسيل أموال وشراء لاعبين، صحيفة البيان، 31 ديسمبر 2019، متاح على:

https://www.albayan.ae/sports/arab/2019-12-31-1.3740245

[3] هل هددت داعش الفيفا بخصوص مونديال قطر 2022؟، فرانس 24، 7 يوليو 2014، متاح على:

https://bit.ly/3VnuLik

[4] داعش يتوعد قطر ويعتبر كورونا "عذاب" من الله لضرب "طواغيت" العالم، يورونيوز، 29 مايو 2020، متاح على:

https://bit.ly/3GJYGNF

[5] قتلى وجرحى بهجوم "ارهابي" على ملعب رياضي في ديالى، شفق نيوز، 20 سبتمبر 2022، متاح على:

https://bit.ly/3U8YJpi


رابط دائم: