هل يصبح الاتحاد الأوروبي طرفًا فاعلًا في الأمن الأوروبي بعد الحرب الروسية-الأوكرانية؟
2022-11-20

د. إيمان رجب
* رئيس وحدة الدراسات العسكرية والأمنية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

ناقش اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الذي عقد في 15 نوفمبر الجاري (2022) الدور الدفاعي/الأمني للاتحاد وخطة العمل الخاصة بتفعيل قوات أوروبية للانتشار السريع بحلول العام 2023، ووفق ما هو معلن، تم في هذا الاجتماع مناقشة دور هذه القوات في عمليات الإنقاذ وفي عمليات إقرار السلام والاستقرار.[1]

ويعد طرح الاتحاد الأوروبي مشروع قوات الانتشار السريع منذ مارس 2022، أي بعد شهر تقريبًا من بدء الحرب الروسية-الأوكرانية، وعقده عدة اجتماعات بهدف تنفيذ هذا المشروع هو أحد نتائج الحرب التي دفعت الاتحاد للبحث عن دور مختلف في منظومة الأمن الأوروبي يرتكز على امتلاكه قدرة عسكرية تمكنه من تعزيز دوره الأمني في هذه المنظومة.

وتعد مناقشة مستقبل الدور الأمني/الدفاعي للاتحاد الأوروبي وما يرتبط به من تساؤلات حول نجاح الاتحاد في امتلاك قدرة عسكرية ما، من القضايا الخلافية ليس على مستوى رؤساء الدول الأعضاء في الاتحاد فقط ولكن على مستوى مواطني الاتحاد. 

فمن ناحية، يشير استطلاع رأي نفذه "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" حول رؤية عينة من المواطنين الأوروبيين لمستقبل الاتحاد ونشرت نتائجه في يونيو 2022،[2] إلى أن النسبة الأكبر من العينة ترى أن الحرب ستؤثر بالسلب على مستقبل الاتحاد الأوروبي وستترك الاتحاد الأوروبي أضعف مما هو عليه، وهذا بصرف النظر عن موقف العينة من الحرب، فمنهم من يرى أنه من حق أوكرانيا استعادة مجمل الاراضي التي سيطرت عليها روسيا حتى تنتهي الحرب، ومنهم من يرى ضرورة إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت ممكن، ومنهم من يتأرجح بين هذين الموقفين، والقاسم المشترك بينهم هو توقعهم أن هذه الحرب ستترك الاتحاد الأوروبي أضعف مما هو عليه.  

ومن ناحية أخرى، تفيد التحركات السياسية للدول الأعضاء في الاتحاد بوجود توجه ما يؤمن بضرورة استكمال كافة المناقشات ذات الصلة بإقرار خطة عمل "قدرة الاتحاد الأوروبي للانتشار السريع" وإدخالها حيز التنفيذ بحلول العام 2023، ووضع آلية تسمح بنشر هذه القوات بعيداً عن الحسابات السياسية للدول الأعضاء والتي يمكن أن تحول دون تفعيلها، بينما ترى أصوات أخرى أن هذه القدرة الجديدة التي يسعى الاتحاد لإنشائها لن يتم تفعيلها وستمثل تكراراً لمقترحات سابقة مماثلة لم تر النور.   

وفي هذا السياق، قد يكون من المفيد مناقشة مستقبل دور الاتحاد الأوروبي في منظومة الأمن الأوروبي من خلال ثلاث تساؤلات تمثل في جوهرها قضايا حاسمة في إضعاف الدور الأمني/الدفاعي للاتحاد أو في تقويته خلال الفترة التالية على الحرب الروسية-الأوكرانية.

هل سيمتلك الاتحاد قدرة عسكرية؟

 أصبح من الواضح أن الاتحاد الأوروبي سيتجه خلال الفترة المقبلة للاعتراف بالحرب التقليدية كأحد التهديدات الرئيسية التي يمكن أن يتعرض لها الأمن الجماعي للدول الأعضاء بعد سنوات من عدم تضمينها كتهديد محتمل في استراتيجيات الاتحاد ذات الصلة مثل "استراتيجية أمن الاتحاد الأوروبي" EU Security Union Strategy  والتي تغطي الفترة 2020-2025.

وهذا التوجه سيستدعي من الاتحاد استحداث أداة عسكرية ضمن أدوات الاتحاد الأوروبي. وفي مسعى من الاتحاد لتشكيل "قدرة الاتحاد الأوروبي للانتشار السريع" EU Rapid Deployment Capacity الوارد ذكرها في وثيقة "التوجه الاستراتيجي 2022"، تشهد المرحلة الحالية مشاورات بين الدول الأعضاء حول كيفية مساهمتها في تشكيل هذه القوات بحيث تدخل حيز التنفيذ بحلول العام 2023، ووفق موقع وزارة الدفاع الهولندية ستتولى ألمانيا قيادة هذه القدرة، وستساهم هولندا بعدد 150 كتيبة، وستساهم لوكسمبورج بعدد من الأقمار الصناعية التي ستقوم بالاستطلاع لصالح هذه القوات، وستوفر بلجيكا قدرات متخصصة لم يعلن عن تفاصيلها.[3]

وجدير بالذكر أن فكرة هذه القدرة طرحت خلال العام 2021 وكان المستهدف حينها دخولها حيز التنفيذ بحلول العام 2025،[4] ولكن من الواضح أن الحرب الروسية- الأوكرانية استدعت تغييراً في سنة تشغيل هذه القوات.

 كما من المهم لفت الانتباه إلى أن للاتحاد خبرة سابقة في مسعاه لتشكيل قوات عسكرية تابعة له معروفة باسم مجموعات القتال الأوروبية EU Battlegroups والتي أعلن عن تشكيها في 2007، وتألفت من عدد 3000 مقاتل تلقوا تدريباً يمكنهم من التعامل مع الأزمات والصراعات في أي منطقة في العالم. ولكن طوال السنوات الست الماضية لم يتم تفعيل مجموعات القتال الأوروبية رغم أنه تم تدريبها وتجهيزيها وذلك بسبب اعتماد تفعيلها على قرار سياسي من الدول الأعضاء في الاتحاد وعلى قرار من مجلس الأمن في الأمم المتحدة.[5]     

كيف سيدير الاتحاد العلاقة مع حلف الناتو؟

من المتوقع أن يتجه الاتحاد الأوروبي خلال الفترة المقبلة لإقامة علاقة تكاملية مع حلف الناتو، تسمح له بشكل رئيسي بالاستفادة من قدرات الحلف العسكرية التي تطورت انعكاساً للمفهوم السياسي -العسكري للأمن الذي يتبناه الحلف منذ عقود سواء في التصدي لأي حروب تقليدية في المستقبل أو في تعزيز قدرات قوة الانتشار السريع التي يعمل على إنشائها، وهو ما يعني استمرار تأثير الولايات المتحدة على الحسابات الأمنية الأوروبية من خلال الحلف. وبالتالي من المتوقع أن يتخلى الاتحاد عن فكرة الاستقلال التام عن حلف الناتو وعن الولايات المتحدة والتي روجت لها بعض دول الاتحاد في الفترة السابقة على الحرب.

 وقد تأخذ هذه العلاقة التكاملية بين حلف الناتو والاتحاد الأوروبي في الشق الخاص بالقدرات العسكرية على وجه التحديد إنشاء هيئة أمنية مستحدثة تضع استراتيجية تنظم كيفية التعامل مع أي تهديدات عسكرية قد يتعرض لها الدول الأعضاء من خلال قوات التدخل السريع التي يعمل الاتحاد على إنشائها ومن خلال قوات التدخل الخاصة بالحلف.

كيف سيتعامل الاتحاد مع روسيا والصين؟

ارتباطاً باتجاه الاتحاد لتبني مفهوم واسع للأمن يشمل المجالات غير التقليدية والمجالات التقليدية ذات الصلة باستخدام القوة العسكرية وعودة سباق التسلح وانتشار أسلحة الدمار الشامل، فإنه من المتوقع خلال الفترة المقبلة أن يتجنب الاتحاد تصنيف كل من روسيا والصين كدولة عدو يتعين مواجهتها بالأدوات العسكرية وبالعقوبات الاقتصادية وبالعزلة السياسية، حيث سيتجه لتصنيفها كدول ذات طبيعة مختلطة تجمع بين العداوة والصداقة frenemy  وسيقوم بتطوير آليات للتعايش معهما.

 إذ تشير وثيقة "التوجه الاستراتيجي 2022" إلى اعتماد أمن الطاقة والأمن الاقتصادي في أوروبا على مصادر الطاقة الروسية وذلك رغم السياسات الروسية الهادفة وفق الوثيقة "لإنشاء مجالات للنفوذ" في عدد من الدول الاوروبية ودول الجنوب باستخدام القوة العسكرية والتكتيكات المهجنة والهجمات السيبرانية. كما تشير الوثيقة إلى كون الصين شريكاً للاتحاد الأوروبي يمكن التعاون معه في القضايا العالمية مثل التغير المناخي، ولكنها من ناحية أخرى طرف في العديد من الأزمات وبؤر التوتر في العالم وتقدم دعماً عسكرياً لروسيا في حربها في أوكرانيا، فضلاً عن كونها منافساً اقتصادياً للاقتصاد الأوروبي وقوة راغبة في تغيير هيكل النظام الدولي والقيم التي يستند إليها لاسيما في ظل تقاربها وتحالفها مع روسيا.

بعبارة أخرى، هناك تشابك في علاقات الاتحاد مع كل من روسيا والصين على نحو يجعل تكلفة المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا مثلاً مرتفعة خاصة وأن تداعيات هذه المواجهة تمتد لمجالات اقتصادية وتكنولوجية تمس أمن الدول الأعضاء وكذلك الحال بالنسبة للصين.

وبالتالي من المتوقع أن يدخل الاتحاد الأوروبي في كل الأحوال في مفاوضات مكثفة مع روسيا والصين خلال الفترة المقبلة للتوصل لصيغ للتعايش تضمن متطلبات الأمن الأوروبي وتعترف بنفوذ كل من الصين وروسيا في أوروبا.  


[1] Republic of Slovenia- ministry of Defense, EU Foreign Affairs Council meets in its defence configuration, November 15, 2022:

https://www.gov.si/en/news/2022-11-15-eu-foreign-affairs-council-meets-in-its-defence-configuration/

[2]Ivan Krastev and Mark Leonard , Peace versus Justice: The coming European split over the war in Ukraine, European Council on Foreign Relations, June 15,2022:  https://ecfr.eu/publication/peace-versus-justice-the-coming-european-split-over-the-war-in-ukraine/

[3] Netherland's Ministry of Defense, Army unit for EU rapid intervention capability in 2025, April 6, 2022: https://english.defensie.nl/latest/news/2022/04/06/army-unit-for-eu-rapid-intervention-capability-in-2025

[4] "EU to aim for rapid deployment force without U.S. help by 2025, document says", Reuters, November 16, 2021:

https://www.reuters.com/business/aerospace-defense/eu-aim-rapid-deployment-force-without-us-assets-by-2025-document-says-2021-11-16/

[5] "EU Battlegroups: The European 'army' that politicians can't agree how to use", ABC news, November 16 ,2018: https://www.abc.net.au/news/2018-11-17/the-european-army-that-has-never-been-in-a-fight/10506466


رابط دائم: