حلقة نقاشية: أنماط جديدة من الاصطفاف والتعاون في المنطقة الأورومتوسطية
2022-11-13

بسمة سعد
* باحثة في العلوم السياسية

 

عقد مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في 19 أكتوبر 2022، حلقة نقاشية تحت عنوان "أنماط جديدة من الاصطفاف والتعاون في المنطقة الأورومتوسطية". وهي إحدى فاعليات المؤتمر السنوي لشبكة اليوروميسكو المنعقد في القاهرة لأول مرة خلال مسيرة التعاون الممتدة بين المركز والشبكة والتي تعود لعام 1996. شارك في الحلقة النقاشية كل من السفير/ "سينان فلورنسا" المدير التنفيذي للمعهد الأوروبي لدراسات المتوسط، و"روجيه ألبنيانا" المدير التنفيذي للمعهد الأوروبي لدراسات المتوسط، إلى جانب مجموعة من الباحثين والخبراء الأوروبيين والمصريين. قدم المداخلة الرئيسية في الورشة دكتور جمال عبد الجواد، المستشار الأكاديمي لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

في بداية الحلقة النقاشية، أعرب د. محمد فايز فرحات، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عن ترحيبه وسعادته البالغة بانعقاد الفاعلية الأخيرة لمؤتمر شبكة اليوروميسكو في القاهرة، وداخل مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. كما أشار إلى أنه في ظل ما تتمتع به منطقة المتوسط من أهمية بالغة بالنسبة لمصر بحكم المصالح المشتركة، فهي تواجه العديد من التحديات، لاسيما عقب جائحة كوفيد-19، واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ناهيك عن تمتعها بالعديد من الفرص لتطوير العلاقات.

في هذا السياق، أعرب السفير/ سينان فلورنسا عن بالغ سعادته بعودته إلى القاهرة في آخر فاعليات مؤتمر اليوروميسكو المنعقد تحت عنوان "نحو عدالة وشمول اجتماعي أوسع في منطقة المتوسط"، بمشاركة مع مجموعة بحثية من مختلف التوجهات والتخصصات من الاتحاد الأوروبي ودول المتوسط لتقديم أوراق بحثية للتفاعلات والأحداث في المنطقة الأورومتوسطية. ومن المقرر انعقاد المؤتمر النهائي في بروكسل، مُشيراً إلى أن شبكة اليوروميسكو ليست فقط بمثابة منصة لتبادل الأوراق البحثية، وإنما تهدف إلى تقديم سياسات حول مختلف التخصصات في المنطقة وعرضها على الحكومات ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، في محاولة لتحقيق السلام والتنمية والاستقرار في منطقة المتوسط.

وفي إطار ما تعانيه دول العالم من أزمة طاقة ناجمة عن الحرب الأوكرانية، فهناك فرصة للتعاون بين شمال وجنوب المتوسط في ملف الطاقة، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يتجه نحو التحول إلى الطاقة الخضراء. وقد اتخذت بالفعل بعض الدول الأوروبية خطوات نحو البحث عن مصادر بديلة للطاقة مثل أسبانيا، من أجل تخفيض حجم الوارادات الأوروبية من الطاقة الروسي.

علاوة على ذلك، اضاف "روجيه ألبنيانا" أن هناك حرص على تعزيز التعاون في المنطقة الأورومتوسطية في ظل ما تواجهه من تحديات ضخمة، وأن نموذج الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي ليس متاحا للعديد من البلدان. كما أنه في ظل ما حققه الاتحاد الأوروبي من تقدم في العديد من مجالات الشراكة مع الجوار الجنوبي، فإن مجالات التعاون الإقليمي في منطقة المتوسط لا تزال تتسم بالضعف الشديد دون المستوى المأمول الذي يجب أن تكون عليه.

وفي بداية كلمته، أوضح د. جمال عبد الجواد، أن مسيرة التعاون والشراكة بين مركز الأهرام وشبكة اليورويسكو بدأت منذ تسعينات القرن الماضي التي توصف بالفترة الذهبية للمنطقة الأورومتوسطية، ليس فقط للتعاون البحثي بين الجانبين، وإنما لانعكاس ثمرة هذا التعاون بفاعلية على أرض الواقع، حيث شهدت المنطقة خلال هذه الفترة العديد من التطورات، مثل الحرب الباردة، والعولمة، وتطبيق اقتصاد السوق، إلى جانب ما واجهته المنطقة من تحولات جيوسياسية فرضت حتمية التعاون بين شمال وجنوب المتوسط. أوضح د. جمال عبد الجواد أن الحرب الروسية الأوكرانية تشهد تطورات سريعة مجهولة المصير على المديين المتوسط والبعيد، بالإضافة إلى غياب رؤية واضحة حول مدى فعالية السياسات المتخذة من قبل الحكومات الأوروبية للحد مما فرضته الحرب من تداعيات، لكنها في الوقت نفسه خلقت فرص متعددة الأبعاد للشراكة الأورومتوسطية، ودفعت قادة وساسة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لاتخاذ سياسات أكثر واقعية لضمان حماية بلادهم، مع التأكيد على عدم قبولهم المساس بسيادة دول المنطقة.

أضاف دكتور عبد الجواد أن الأزمة الأوكرانية باتت نقطة تحول في النظام الدولي وفي سياسات الاتحاد الأوروبي، وأنه على الرغم مما حققه الاتحاد الأوروبي من خطوات متقدمة كالانفتاح الاقتصادي، إلا أنه لا يزال يتعرض لانتقادات في قضايا الأمن الاستراتيجي. وأنه في خضم ما تشهده المنطقة الأوروبية من تغيرات،  فإن الأزمة ألقت بظلالها على منطقة جنوب المتوسط، وفرضت على دوله التضامن والتماسك والاتجاه نحو تعزيز الدفاع الأمني المشترك. فعقب سنوات من التشكيك في دور حلف شمال الأطلسي "الناتو"، يسعى الأخير لتطوير نفسه ووضع سياسات استراتيجية داخلية متطورة وفعالة، رداً على السياسة الروسية مما أضفى قدراً كبيراً من المرونة والحيوية على سياسات "الناتو". وعلى مدار سنوات، كان هناك جدل أوروبي أمريكي حول حتمية الانفاق الأمريكي لتخصيص المزيد من الموارد من أجل تعزيز القدرات الدفاعية لأوروبا؛ حيث كانت ترى واشنطن أنها لن تتحمل الأعباء المالية للدفاع عن أوروبا، بينما ترى أوروبا أن على واشنطن تقاسم هذه الأعباء. أما الآن وعقب ما تشهده المنطقة من تحولات، لا يمكن التكهن بطبيعة العلاقات الأمريكية الأوروربية حالياً.

إن أحد العوامل التي شجعت روسيا لتنفيذ ما تتخذه الآن من سياسات، هو الاستقطاب السياسي الذي شهدته أوروبا نتيجة لصعود التيار اليميني المتطرف، حيث أدركت موسكو بأن الحكومات الأوروبية لن تكون قادرة على اتخاذ أية إجراءات فعالة وسريعة لمواجهة ما تتخذه موسكو من سياسات. إلا أنه عقب صعود اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية، تبين أن هذا التيار الانعزالي القومي اليميني الشعبوي لا يملك الحلول بالضرورة، كما أنه خسر الكثيير بإظهار تأييده لروسيا في بعض الأحيان، ومن ثم هناك فرصة لإعادة بناء السياسات الأوروبية على أساس أكثر وسطية بدلاً من التطرف لليمين أو لليسار.

أما على مستوى منطقة الشرق الأوسط، فإن مواطني المنطقة باتوا أكثر تشاؤماً، وبغض النظر عن الحرب وأطرافها فهم يميلون لدعم الموقف الروسي، ليس بالضرورة حباً فيها ولكن ربما لرفضهم للسياسة الأمريكية. وهو ما يأتي استناداً بالأساس لموقف الدول الغربية في عدد من القضايا المشابهة للحرب الأوكرانية، مثل القضية الفلسطينية والموقف الغربي من ممارسات الضم والتوسع على حساب الأراضي الفلسطينية وتباين موقفها بين الأزمة الأوكرانية والقضية الفلسطينية فيما يتعلق بحق الشعب في تقرير مصيره. على الجانب الآخر، تكافح حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتكون أكثر واقعية في التعامل مع الأزمة الأوكرانية وغير متأثرة بأي من الموقفين الروسي والغربي، وإنما تضع نصب أعينها تحقيق مصالحها الوطنية؛ فكلا الجانبين الروسي والأمريكي الغربي هم شركاء لدول المنطقة.

يُضاف إلى ذلك، استفادة دول المنطقة المنتجة للنفط في جنوب المتوسط من الحرب الأوكرانية وما خلفته من أزمة طاقة عالمية، بينما تسببت الحرب في أزمة طاقة لدى العديد من دول المنطقة غير المنتجة للنفط، بينما هناك بعض دول المنطقة ليس لديه أزمة طاقة، ولكنها لاتزال لديها فرصة لتحويل الأزمة إلى فرصة.

إن استجابة الدول الأوروبية لأزمة الطاقة يستند إلى ثلاث عناصر، أولها؛ تنويع مصادر الطاقة، بدلاً من الاعتماد على الطاقة الروسية، ثانيها: تنويع مصادر الطاقة المتجددة، ثالثها: أن دول منطقة جنوب المتوسط يمكنها تعزيز التعاون مع الجانب الأوروبي، والاستفادة من الاتجاه نحو تنويع مصادر الطاقة المتجددة، لاسيما مصر، في ظل الاحتياطات الكبيرة المكتشفة من الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وما طرح من مشروعات؛ كتسييل الغاز الإسرائيلي في مصر ونقله إلى أوروبا، ناهيك عن مشروع تعاون بين مصر واليونان لمد كابل تحت البحر لانتاج 30 جيجا وات لأوروبا؛ فمصر والمغرب يمكن أن يكونا مصادر واعدة للطاقة المتجددة.

ونزولاً إلى الشأن الداخلي المصري، فلقد اتخذت القاهرة منذ سنوات مسار الإصلاح عبر مستويين، أولهما، المستوى الاقتصادي عبر إعادة التوازن بين القطاعين العام والخاص، وثانيها؛ المستوى السياسي عقب إطلاق الحوار الوطني بين الحكومة المصرية وعدد من القوى المعارضة، باستثناء الإسلام السياسي لمناقشة عدد من القضايا المهمة والرئيسية في كافة مناحي الحياة، يتسم خلالها النقاش بحرية الرأي والتعبير، كما تضمنت العفو والإفراج عن عدد كبير من النشطاء.

اُختتم النقاش بتأكيد الحاضرين على أهمية التعاون الأورومتوسطي، باعتباره فضاء مهما لدول المنطقة لما يتضنه عليه من فرص مهمة للتعاون والمكاسب المتبادلة في مختلف المجالات.







رابط دائم: