ماذا لو لم تقم مصر بإصلاح قطاع الطاقة؟
2022-10-26

د. أحمد قنديل
* رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيحية

 

فى كلمته أمام «المؤتمر الاقتصادى.. مصر 2022»، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن الإجراءات والسياسات الحاسمة التى اتخذتها مصر لإصلاح قطاع الطاقة ساهمت فى حل الأزمة المزمنة التى عانى منها هذا القطاع، قبل حوالى ثمانى سنوات، الأمر الذى يضع المصريين حالياً على الطريق الصحيح للتنمية.

وشدد الرئيس السيسى على أهمية اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين مصر وكل من قبرص واليونان فى البحر المتوسط، والمملكة العربية السعودية فى البحر الأحمر، لأنها سمحت لشركات الطاقة العملاقة بالتنقيب والإنتاج للنفط والغاز الطبيعى فى هذه المناطق، وهو الأمر الذى ساهم فى اكتشاف حقل ظُهر فى عام 2015، والذى لولاه لكان «الظلام» قد ساد مصر، على الأرجح، فى ضوء أهمية الإنتاج من هذا الحقل لتوفير الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء وتراجع القدرة الحالية للحكومة المصرية على توفير مليارى دولار شهرياً لاستيراد الغاز من الخارج بالأسعار القديمة (وهو ما يصل إلى حوالى 10 مليارات دولار شهرياً بالأسعار الحالية). كذلك تحدث الرئيس السيسى عن استفادته من شعبيته الهائلة فى اتخاذ القرار المرتبط برفع الدعم «تدريجياً» عن الكهرباء وجميع أشكال الوقود، من أجل الوصول إلى موازنة منضبطة وإصلاح اقتصادى جاد يمكن السير عليه.

الخميس «الأسود»

ولكى نعرف أين كنا وإلى ماذا وصلنا فى قطاع الطاقة المصرى، يجب أن نتذكر ماذا حدث يوم 4 سبتمبر 2014؟ ففى هذا اليوم، الذى عرف بـ»الخميس الأسود»، فوجئ المصريون بأزمة انقطاع كهربائى غير مسبوقة فى تاريخ مصر، حيث ساد «الظلام» بشكل شبه كامل منطقة القاهرة الكبرى لمدة تقترب من ست ساعات متواصلة. وتسبب هذا الانقطاع المفاجئ، الذى جاء نتيجة فقدان الشبكة القومية للكهرباء لحوالى 9 آلاف ميجاوات بفعل «خلل فولتى»، فى حدوث حالة من الارتباك الشديد فى حياة المواطنين بسبب الشلل والتعطل لكثير من القطاعات والخدمات الحيوية.

على سبيل المثال، تزامن مع انقطاع الكهرباء فى كثير من المناطق انقطاع مياه الشرب، وتوقف محطات الصرف الصحى. كما حدث ارتباك فى حركة المرور، نتيجة توقف مترو الأنفاق فى القاهرة عن العمل، ما أدى إلى تأخر وصول ملايين المواطنين إلى أعمالهم. ولم تنج المحطات الإذاعية والتليفزيونية من الأزمة أيضاً، حيث توقف بث عدد كبير من القنوات نتيجة انقطاع الكهرباء عن مدينة الإنتاج الإعلامى. كما تأثرت 2800 محطة تليفون محمول على مستوى الجمهورية، وهو ما يمثل 15٪ من إجمالى هذه المحطات آنذاك. وإلى جانب ذلك، توقف عدد كبير من البنوك والمصانع والمحال التجارية والمخابز ومحطات البنزين ومعامل تكرير البترول عن العمل، وهو ما تسبب فى خسائر بمئات الملايين من الجنيهات خلال هذا اليوم فقط. ولم تكن هذه الأزمة المرتبطة بانقطاع الكهرباء هى الأزمة الوحيدة فى قطاع الطاقة، بل تزامن معها وصاحبها فى أحيان كثيرة، أزمات أخرى، كالوقوف فى طوابير ممتدة أمام محطات البنزين ومستودعات أنابيب البوتاجاز، وتعطل المصانع والورش والمخابز عن العمل نتيجة نقص السولار والمازوت والغاز اللازمين لتشغيل هذه المرافق.

القفزة الكبرى

وفى ظل هذه الأوضاع السيئة، كان من الطبيعى أن تحظى أزمة قطاع الطاقة بأولوية متقدمة على أجندة الرئيس السيسى، منذ توليه المسئولية. ففى أول خطاب له عقب توقيع وثيقة تسليم السلطة فى 8 يونيو 2014، أكد الرئيس السيسى ضرورة تعظيم الاستفادة من الطاقة الشمسية، وإنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية، وتدوير المخلفات لتوليد الطاقة الحيوية، لإنتاج كمٍ كافٍ من الكهرباء للوفاء باحتياجاتنا الحالية والمستقبلية. كما شدد الرئيس السيسى مراراً على أن «الطاقة مسألة أمن قومى». وفى ظل الخطوط العامة التى رسمها الرئيس السيسى للتعامل مع قطاع الطاقة، تمكنت الدولة من إحداث تغيير «جذرى» فى مشهد الطاقة فى عام 2022. ومن أهم ملامح هذا المشهد ما يلى:

أولاً، تحقيق الاكتفاء الذاتى من الكهرباء ووجود فائض كبير للتصدير، بعدما وصل إجمالى قدرات التوليد المتاحة على الشبكة الكهربائية إلى حوالى 59 جيجاوات (لعدد 73 محطة توليد). وفى هذا السياق، انتعشت مشروعات الربط الكهربائى مع دول الجوار لتصدير الفائض المصرى من الكهرباء، حيث ترتبط مصر حالياً مع كل من فلسطين والأردن والسعودية والسودان والعراق وليبيا وقبرص واليونان بمشروعات ربط كهربائى. كما تفتح بعض هذه المشروعات أبواباً أخرى لتصدير الطاقة إلى أوروبا وأفريقيا.

ثانياً، تحقيق قفزة كبيرة فى انتاج الغاز الطبيعى، حتى بلغ إنتاج الغاز السنوى حوالى 58.5 مليار متر مكعب عام 2022. وفى الوقت نفسه، تحققت معدلات غير مسبوقة لتوصيل الغاز الطبيعى للوحدات السكنية، وتحويل السيارات للعمل بالغاز، والتوسع فى صناعة البتروكيماويات القائمة على الغاز الطبيعى. كما تم أيضاً تنفيذ مشروعات توصيل الغاز الطبيعى للقرى والنجوع الأكثر احتياجاً فى إطار المبادرة الرئاسية «حياة كريمة». وبالتزامن مع ذلك، شهدت صادرات مصر البترولية قفزة عملاقة، حيث أكد رئيس الوزراء المصرى أنها زادت بنسبة 109 فى المائة فى العام المالى 2021/2022 مقارنة بالعام السابق لتصل إلى 18 مليار دولار.

ثالثاً، دشّنت الحكومة عددًا من مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، مثل مجمع بنبان للطاقة الشمسية (الذى يعد أكبر محطة للطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء فى العالم باستثمارات تخطت مليارى دولار، وفرتها مؤسسات تمويل عالمية)، ومجمع خليج السويس لطاقة الرياح (جبل الزيت).

رابعاً، وضعت مصر هدفاً إستراتيجياً لكى تصبح مركزاً إقليمياً لإنتاج وتجارة الطاقة، ويتضمن هذا الهدف العمل على عدة محاور، من أبرزها: التفاوض مع دول المنطقة لجلب غازات شرق المتوسط لمرافق الإسالة فى مدينتى ادكو ودمياط ثم إعادة تصديرها إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية. وفى هذا السياق، دشنت مصر «منتدى غاز شرق المتوسط» فى يناير 2019. كما وقعت مصر أيضاً مع الاتحاد الأوروبى، فى أبريل 2018 ويونيو 2022 مذكرتى تفاهم للشراكة الإستراتيجية فى مجال الطاقة، وزيادة صادرات الغاز إليها.

مستقبل واعد.. لكن بشروط

هذه التغيرات والإنجازات الهائلة فى مشهد الطاقة المصرى وضعت قاطرة التنمية فى «الجمهورية الجديدة» على مسارها الصحيح، بعدما كادت هذه القاطرة أن «تتوقف تماماً»، قبل ثمانى سنوات، بفعل أزمة الطاقة المتفاقمة آنذاك. ولكن لكى تواصل هذه القاطرة رحلتها بنجاح وثبات وأمان، لابد من الاستمرار فى رعاية هذا القطاع المهم فى ضوء المستجدات المحيطة به عالمياً؛ فالدول التى ستبقى واعية بما يجرى فى مسارات الطاقة العالمية ستكتسب مكانة جيوسياسية واقتصادية كبيرة فى عالم المستقبل.

________________________________

نُشر أيضا بجريدة الأهرام، 26 أكتوبر 2022.

 


رابط دائم: