الاستراتيجية المصرية لمكافحة الإرهاب
2022-10-17

د. إيمان رجب
* رئيس وحدة الدراسات العسكرية والأمنية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

ساهمت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب التي طورتها مصر لتكون هي الإطار الموجه لمختلف جهود التصدي للكيانات الإرهابية النشطة داخل الإقليم المصري، في احتواء التهديد الذي يمثله الإرهاب على الأمن القومي للدولة، بشكل تدريجي، وهو ما يشير إليه، على سبيل المثال، تراجع مجمل الأحداث الإرهابية التي وقعت خلال العام الماضي مقارنة بالسنوات السابقة، وإعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي، في 25 أكتوبر 2021، عن عدم تجديد فرض حالة الطواريء في عموم البلاد، وهو إجراء كان قد طُبق منذ عام 2017 في إطار تدابير مكافحة الكيانات الإرهابية.

وإلى جانب ذلك، فإن هناك تزايداً ملحوظاً في قدرة الجهات الحكومية على احتواء تأثير الإرهاب، حيث يشير مؤشر الإرهاب العالمي للعام 2022 إلى تحسن ترتيب مصر من حيث مستوى تأثرها بالإرهاب خلال السنة التي يغطيها المؤشر مقارنة بالسنوات السابقة، إذ جاءت مصر مقارنة بباقي دول العالم في الترتيب رقم 15، بينما كانت في مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2017 في الترتيب رقم 6، أي أنها تقدمت في المؤشر عدد 9 مراكز وخرجت من دائرة الدول العشر الأكثر تأثراً بالإرهاب.

ويناقش هذا المقال الاستراتيجية المصرية لمكافحة الإرهاب في بعدها المتعلق بالسياسات المنفذة على المستوى الوطني بشكل رئيسي، دون التطرق لما يُبذل من جهود على المستويين الإقليمي والدولي.

مبادئ الاستراتيجية

تستند الاستراتيجية الوطنية إلى عدد من المبادئ المترابطة، يتمثل المبدأ الأول في مكافحة الإرهاب بصورة فعّالة تتطلب معالجة العوامل التي تقود إليه. ويتعلق المبدأ الثاني بأن الإجراءات الأمنية لا يمكن الاعتماد عليها فقط في مكافحة الإرهاب، ولذا لابد من وجود مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب تتضمن إجراءات قانونية وسياسات اقتصادية واجتماعية ودينية وثقافية وتنموية تعالج كافة العوامل ذات الصلة بوجود بيئة حاضنة للإرهاب. وينصرف المبدأ الثالث إلى توظيف التكنولوجيا الحديثة بأنواعها المختلفة في مكافحة الإرهاب وتمويله. ويتمثل المبدأ الرابع في أهمية أن يستكمل المجهودات الوطنية تعزيز التعاون الاقليمي والدولي في مكافحة الإرهاب.

محاور ثلاثة

 تتألف الاستراتيجية المصرية من ثلاثة محاور لمكافحة الإرهاب على المستوى الوطني، وشهدت السنوات الماضية تنفيذ عديد من السياسات في كل من هذه المحاور الثلاثة داخل الدولة المصرية، وذلك على النحو التالي:

1- يتعلق المحور الأول بالقضاء على الكيانات الإرهابية وإضعافها، من خلال إضعاف الهيكل التنظيمي لها عن طريق تصفية أو القبض على قياداتها ومحاكمتهم وفقاً للقوانين الوطنية، وتفكيك البنية اللوجستية التي تعتمد عليها تلك الكيانات والتي توفر لها المال والسلاح والعنصر البشري، وإضعاف نفوذ تلك الكيانات في المناطق التي تتمركز فيها من خلال الاهتمام بمعالجة الأضرار الناتجة عن المواجهات معهم.

وفي إطار هذا المستوى، نُفذت العديد من البرامج ذات الصلة ببناء قدرات قوات إنفاذ القانون في التصدي للكيانات الإرهابية أثناء وجودها في المناطق السكنية الحضرية بما يوفر الحماية للمدنيين، وحماية الأهداف الحيوية باستخدام التكنولوجيا الحديثة.

وتم أيضاً تبني إطار قانوني ومؤسسي لتدابير مكافحة الإرهاب المعتمدة وذلك في ضوء المادة 237 من دستور عام 2014. إذ تبنت الحكومة قانون الكيانات الإرهابية 8 لسنة 2015، وقانون مكافحة الإرهاب 94 لسنة 2015 والذي يتبنى تعريفاً محدداً لما يقع ضمن الأعمال الإرهابية وتمويل الإرهاب والعقوبات المفروضة على مثل تلك الأعمال، وتم تبني تعديلات القانون رقم 80 لسنة 2022 الخاص بغسل الأموال، وقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020، وقانون التنمية الشاملة لشبه جزيرة سيناء رقم 95 لسنة 2015.

كما أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي القرار رقم 25 لسنة 2018 بإنشاء "المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف"، ويرأسه رئيس الجمهورية، وتتشكل عضويته من كل من رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، وشيخ الأزهر، وبابا الإسكندرية، ووزير الدفاع، ووزير الأوقاف، ووزير الشباب والرياضة، ووزير التضامن الاجتماعي، ووزير الخارجية، ووزير الداخلية، ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ووزير العدل، ووزير الثقافة، ووزير التربية والتعليم، ووزير التعليم العالي، ورئيس جهاز المخابرات العامة، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية.

وتم أيضاً الإعلان عن عدد من التوجهات العامة الخاصة بالمواجهة الأمنية مع الإرهابيين، ومنها بيان مجلس الوزراء الصادر في 21 سبتمبر 2015 والذي تضمن أربعة مباديء حاكمة لمكافحة الإرهاب في شمال سيناء، تتمثل في التزام الدولة بتقديم تعويضات لجبر الضرر الذي يلحق بسكان شمال سيناء، وتوفير الحماية الكاملة للمواطنين، والاعتماد على منظومة معلومات دقيقة قبل تنفيذ الحملات الأمنية ضد بؤر الإرهاب، ومراعاة مبدأي الضرورة والتناسب.[1]

2- يتمثل المحور الثاني في مساعدة ضحايا الإرهاب، وبوجه عام تهتم الاستراتيجية الوطنية بمساعدة ضحايا الإرهاب بهدف منع الضحايا من أن يصبحوا أعضاء محتملين في الكيانات الإرهابية، أو أن يوفروا ملاذاً آمناً أو مأوى للإرهابيين، أو أن يكونوا أكثر استعداداً لقبول الأفكار المتطرفة التي يروج لها الإرهابيون، حيث يمكن أن يحقق الإرهابيون ذلك عن طريق تقديم المساعدات المالية والاجتماعية للضحايا والتي يمكن أن تجبر الضرر الذي لحق بهم بسبب الحدث الإرهابي، وذلك إلى جانب الدعم النفسي وتقديم مساعدات مالية للمرأة على وجه التحديد لتكون قادرة على رعاية أسرتها في حال فقدها عائلها بسبب الحدث الإرهابي.   

وتميز الاستراتيجية بين نوعين من الضحايا: النوع الأول، هم الضحايا بسبب الهجمات الإرهابية كما في حالة الضحايا من العاملين في قوات إنفاذ القانون، حيث يتم منحهم صفة "شهداء". كما تقدم الحكومة لهم تعويضات مالية وفقاً للمادة 54 من قانون مكافحة الإرهاب. فضلاً عن حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي على تكريمهم شخصياً في الاحتفال السنوي بعيد الشرطة. وتهدف هذه الإجراءات إلى الحفاظ على الروح المعنوية للشرطة على أعلى مستوياتها، ولمعالجة أي أضرار قد تلحق بأسرهم. وفي حالة الضحايا المدنيين، تقرر الحكومة التعويض لهم على أساس كل حالة على حدة. على سبيل المثال، ناقشت وزارة العدل تقديم تعويضات لأسر القضاة الذين تم اغتيالهم من قبل الإرهابيين في مايو 2015. وفي أبريل 2015، خصصت وزارة التضامن الاجتماعي حوالي 10 آلاف جنيه مصري لكل عائلة فقدت مدنياً في هجمات في مدينة العريش. إلى جانب ذلك، أصدر وزير التربية والتعليم قراراً بإعفاء أبناء شهداء الإرهاب من الرسوم الدراسية في المدارس الحكومية. كذلك صدرت قرارات متعلقة بأولوية تعيين أبناء الشهداء في المؤسسات الحكومية. وبعد حادث الهجوم على مسجد الروضة في نوفمبر 2017، أمر الرئيس السيسي بصرف 200 ألف جنيه لأسرة كل شهيد، و50 ألف جنيه لكل مصاب. إلى جانب ذلك، تم في 2018 إنشاء "صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم".

النوع الثاني، من الضحايا الذين تهتم بهم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب هم المتضررين من تدابير مكافحة الإرهاب، حيث أكدت البيانات الرسمية الخاصة بمكافحة الإرهاب طوال السنوات الماضية في أكثر من مناسبة على حرصها على عدم إلحاق أي أضرار بالمدنيين أثناء المواجهات مع الإرهابيين في شمال سيناء تحديداً، فمثلاً جاء في بيان الحكومة الصادر في سبتمبر 2015 والسابق ذكره "الالتزام بعدم إطلاق النار على أي مصدر للتهديد قبل أن تشكل تهديدات وشيكة لأفراد الأمن، مع مراعاة مبدأي التناسب والضرورة إلى جانب التخفيف من معاناة السكان في هذه المناطق". ولذا حرصت الحكومة على وضع خطط تعويض للأفراد المتضررين من تدابير مكافحة الإرهاب.

كما تنفذ الحكومة العديد من المشروعات التنموية في بعض المناطق المتضررة من الإرهاب بهدف رفع مستوى التنمية فيها وتعويض سكانها عما لحق بهم من أضرار.

3- ينصرف المحور الثالث إلى تعزيز صلابة ومرونة المجتمع Resilience في مواجهة الإرهاب، من خلال ثلاثة مسارات متوازية هي مواجهة الفكر المتطرف الذي تستند إليه الكيانات الإرهابية، ورفع الوعي بين الشباب والمرأة، وتعزيز دور القطاع الخاص والمجتمع المدني في مكافحة الإرهاب.

وتقود الجهود المتعلقة بمواجهة الفكر المتطرف الذي تستند إليه الكيانات الإرهابية كل من مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء. إذ أطلقت مؤسسة الأزهر منصة إلكترونية تحت اسم "مرصد الأزهر"، من أجل دحض الرسائل التي تنشرها المنظمات الإرهابية عبر الإنترنت. ويعمل المرصد بثماني لغات بخلاف اللغة العربية، وهي الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والأردو والسواحيلي والفارسي والصيني. وأطلق المرصد أيضاً ثلاث حملات توعية على الإنترنت، هي: "يدعون ونصحح"، و"الكلمة الطيبة"، و"مفهوم الجهاد". وأنشأت دار الإفتاء في عام 2014 "مرصد فتاوى التكفير" بهدف تفنيد الفكر بالفكر، وأطلق المرصد منذ ذلك الحين عدة مشاريع تقوم على أساس التفاعل بين الخبراء الأكاديميين والمتخصصين في قضايا التطرف والإرهاب ومشايخ دار الإفتاء ورجال الدين، كان أهمها مشروع تشريح وفهم العقل المتطرف، ومشروع رصد الفتاوى التي تروج لها الجماعات الإرهابية والمتطرفة في العالم الإسلامي. وفي إطار اهتمام الدار بالتواجد على منصات التواصل الاجتماعي، اهتم المرصد بالتواجد المستمر على موقع الفيسبوك من خلال صفحة رسمية يتم تحديثها باستمرار، واهتم المرصد أيضاً بمخاطبة المجتمع الغربي من خلال إصدار مجلة باللغة الإنجليزية هي مجلة Insight. كما اعتمدت وزارة الأوقاف من جانبها عدداً من التدابير لمنع الأئمة من إصدار فتاوى تعكس فهماً متعصباً للشريعة الإسلامية أثناء إلقائهم خطب الجمعة في المساجد الخاضعة لإشرافها.

كما تنفذ هذه المؤسسات الثلاث أيضاً برامج لتدريب الأئمة والوعاظ، وتقوم بإرسال القوافل الدعوية إلى القرى والنجوع لتصحيح المفاهيم غير الصحيحة السائدة عن الإسلام، وتصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة مثل الحاكمية، والخلافة، ودار الإسلام ودار الحرب، والهجرة، والبيعة وغيرها من المفاهيم التي تستخدمها الجماعات الإرهابية في استقطاب أعضاء جدد في صفوفها.

أما الجهود المتعلقة برفع الوعي بين الشباب والمرأة فهي تهدف لتغذية القيم والمعتقدات الإيجابية التي تجعل الشاب، خاصة الفتاة، أكثر قدرة على عدم التعاطف مع الأفكار المتطرفة، ومنها قيم التسامح وقبول الآخر والإحساس بالانتماء والولاء للدولة وغيرها.

ومن هذه الجهود برنامج وزارة التضامن الاجتماعي المعلن عنه في 2020 باسم "وعي للتنمية المجتمعية" وحملة "المرأة صانعة السلام" التي ينفذها المجلس القومي للمرأة منذ عام 2021 وتم في إطارها تنفيذ عديد من حملات طرق الأبواب في المحافظات وعدة ندوات وفعاليات فنية بالتعاون مع وزارة الثقافة.

 وفيما يتعلق بتعزيز دور القطاع الخاص والمجتمع المدني في مكافحة الإرهاب، اهتمت الاستراتيجية بتوعية هذه القطاعات بالقوانين ذات الصلة بمكافحة تمويل الإرهاب من خلال عدة ورش عمل وبرامج تدريبية نفذتها وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والمعهد المصرفي المصري للتوعية بطرق اكتشاف تمويل الإرهاب ومكافحته في إطار نشاط المنظمات غير الهادفة للربح.

ويمكن القول إنه بصفة عامة، ساهمت هذه الاستراتيجية بشكل كبير في تطوير سياسات مكافحة الإرهاب التي نُفذت على المستوى الوطني بشكل ملموس طوال السنوات الماضية على نحو أدى لاحتواء الإرهاب وآثاره، خاصة فيما يتعلق بتعزيز هذه الاستراتيجية للشراكة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص ومع المواطن الفرد ليساهموا بشكل فعّال في جهود مكافحة الإرهاب على المستوى الوطني.


[1] انظر نص البيان الكامل: "الحكومة تؤكد الاستمرار في مكافحة الإرهاب بسيناء مع الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان"، المصري اليوم، 21 سبتمبر 2015.

 


رابط دائم: