تعددت خلال الأيام الماضية وقائع اقتحام البنوك اللبنانية لسحب الودائع عبر التهديد باستخدام السلاح، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من وضع قيود بنكية لتقنين سحب المودعين لمدخراتهم بالدولار الأمريكي. بدأت وقائع اقتحام البنوك تحت تهديد السلاح منذ عدة أشهر، ولكن هذه الظاهرة أخذت أبعاداً جديدة عندما قامت إحدى الفتيات باقتحام البنك وتهديد موظفيه بمسدس مطالبة بسحب وديعتها البنكية للإنفاق على علاج أختها المريضة بالسرطان، ونجحت بالفعل في سحب قسم كبير من وديعتها بالدولار، قبل أن يتبين أن المسدس المستخدم في الاقتحام كان بلاستيكياً ولا يحمل أي خطورة. أثارت هذه الواقعة موجة من التعاطف الشعبي الكبير لفكرة استخدام السلاح من جانب المودعين لاستعادة أموالهم المحجوزة في البنوك، خاصة مع التردي الاقتصادي الكبير وحتمية لجوء المودعين اللبنانيين لصرف مدخراتهم من البنك بعد تقلص موارد الدخل الأخرى وانخفاض القوة الشرائية لليرة اللبنانية.
وقائع اقتحام البنوك وأسبابها
على إثر هذه الحادثة التي اعتبرت "مُلهمة" لدى البعض، شرع مودعون آخرون في اقتحام البنوك تباعاً حتى شهد يوم الجمعة الماضي (16 سبتمبر 2022) 7 اقتحامات للبنوك بتهديد السلاح في مختلف المناطق اللبنانية شمالاً وجنوباً، كان من بينهم أحد الضباط السابقين بالجيش[1]. ولعل البارز في هذه الاقتحامات التي يمكن تصنيفها كـ"سطو مسلح ضد البنك" في أي مجتمع مستقر، أنها نالت قبولاً شعبياً كبيراً ولم تصنف كعملية سرقة بل اعتبرها بعض المشاركين في تظاهرات داعمة لها أمام البنوك بأنها "عملية مشروعة ومحقة لاستعادة الأموال المسروقة من جانب المودعين وتخليصها ممن سرقها"، أي البنوك.
وفي ظل ضياع التوصيف بين السارق والمسروق، قررت جمعية المصارف اللبنانية إعلان إضراب تحذيري لمدة ثلاثة أيام بين 19 و21 سبتمبر، لمراجعة اجراءاتها الأمنية ومضاعفة خطوات تفتيش المودعين قبل دخولهم، مع إمكانية تمديد مدة إقفال البنوك. فيما قررت بنوك أخرى إغلاق أبوابها في الجنوب حيث ينتشر السلاح بكثرة[2]. بينما رأى وزير الداخلية أن اقتحامات البنوك ليست عملية عفوية يقوم بها أفراد في ضائقة مالية بل هي عملية مدبرة تقف خلفها جهات محددة- رفض الكشف عنها لسرية التحقيقات- وحذر المواطنين من الانجراف لها حفاظاً على السلم الأهلي.
يُذكر أنه منذ تصاعد الأزمة الاقتصادية في لبنان واهتزاز سعر صرف الليرة أمام الدولار، نفذت البنوك اللبنانية سياسة أحادية الجانب لتقنين سحب المودعين لمدخراتهم الدولارية ووضع حد للسحب الشهري، كما تم فرض سعر صرف غير واقعي إذا أصر المودعون على سحب بعض أموالهم واستبدالها بالليرة اللبنانية بدلاً من الدولار. ويعود هذه التقييد إلى رغبة البنوك في مواجهة حالة الهلع والسحب المضاعف التي اجتاحت السوق المصرفي اللبناني عقب اهتزاز سعر الليرة أمام الدولار ثم دخول الليرة في رحلة سقوط أفقدها أكثر من 90% من قيمتها.
إذ أن ما تملكه البنوك من سيولة دولارية لا يتناسب مع رغبة المودعين في سحب أموالهم دفعة واحدة، مما قد يؤدي لانهيار النظام البنكي وهروب الأموال للخارج. ولكن هذه السياسة أدت لحرمان المودعين من مدخراتهم في وقت أشد مايحتاج فيه الإنسان للاعتماد على مدخراته، مع فقدان الكثير من الوظائف وتضخم أسعار الغذاء والوقود والدواء، وتقلص القدرة الشرائية للأجور والمعاشات التي ظلت تصرف بالليرة اللبنانية.
تأخر الحلول الرسمية لمشكلة الودائع البنكية
ولكن كيف وصل الأمر إلى حد القبول الشعبي الكبير لاقتحامات البنوك بالقوة؟. تلكأت الدولة بمؤسساتها المختلفة- مصرف لبنان والحكومة ومجلس النواب- في اتخاذ قرارت حاسمة بشأن إقرار سياسة مستقرة لقواعد تحرير مستحقات المودعين التي باتت أرصدة على الورق فقط دون أي أفق لصرفها أو لتعويض أصحابها. إذ يقوم مصرف لبنان من حين إلى آخر بتعديل حد السحب الشهري والاستثناءات المسموح بها دون أن يقر سياسة دائمة ترسم خريطة طريق لكيفية تعويض المودعين عن مدخراتهم.
وإذا كان الهدف من سياسة تقييد السحب البنكي هو منع هروب رؤوس الأموال للخارج، فإن كبار المودعين كانوا قد أخرجوا أرصدتهم الدولارية خارج البلاد قبل سن هذه القواعد التقييدية بالفعل. ومن ثم فإن أثر هذه السياسة يقع بالأساس على صغار ومتوسطي المودعين، وهو ما يعني أن لبنان كدولة وكشعب يشهدان حالة متزامنة من الإفلاس على المستويين الفردي والجماعي، مما يجعل من فكرة إجبار البنوك على صرف أموال المودعين بالقوة فكرة جذابة لدى البعض تعزز النجاة الفردية ضمن الفوضى القائمة.
تقدر خسائر البنوك اللبنانية بنحو 80 مليار دولار أهدرت بسبب موافقة البنوك على إقراض الدولة اللبنانية بشكل متزايد ودون مراعاة لتنويع أوجه استثمار الفوائض المالية بما يحميها من مخاطر الفقد. إذ درج لبنان على الاقتراض الداخلي والخارجي لسنوات طويلة لتعويض عجز الموازنة، وخاصة أنه يعتمد على استيراد أكثر من 80% من احتياجاته المعيشية الأساسية كالوقود – المستخدم أيضاً في توليد الكهرباء- والغذاء والدواء. فضلاً عن تعمد النخبة السياسية الحاكمة تكريس تردي مستوى الخدمات العامة، طمعاً في استجلاب القطاع الخاص لتقديم هذه الخدمات بدلاً من الدولة والحصول على عمولات من وراء ذلك. فأصبح الأمر أقرب للمحاصصات الاقتصادية التي تتماشى مع نظام الحكم القائم بالمحاصصات السياسية والطائفية.
وفي سبيل تمويل هذه الصفقات، كانت الدولة ماضية في الاستدانة، معتمدة على أن الفوائض المالية المتدفقة إلى داخل البلاد طمعاً في الامتيازات البنكية التي يقدمها لبنان ستعوض سياسة الاقتراض تلك. ولكن هذه الفوائض هربت مع أول اهتزاز لسعر الليرة أمام الدولار تاركة صغار ومتوسطي المودعين في معاناة شبه يومية مع البنوك في محاول لاسترداد بعض من مدخراتهم.
وضاعف من هذه المعاناة الجمود الذي أصاب الاقتصاد منذ سياسة الإقفال في كورونا وتقلص النشاط الاقتصادي الذي يعتمد بالأساس على الشركات الصغيرة والمتوسطة بالقطاع الخاص، مما أدى بها إلى تسريح قسم كبير من عمالتها، فوصل معدل البطالة إلى 40% خاصة بين الشباب، علماً بأن قطاع العمل في الاقتصاد غير الرسمي يصل إلى 60% وهو قطاع هش لا يتصف بالاستمرارية أو التأمين. ومن ثم فقد ارتفعت نسبة الفقر بين اللبنانيين إلى حد 82% في تآكل سريع للطبقة المتوسطة التي كانت مزدهرة قبل سنوات قليلة في لبنان[3].
كان من المفترض وفق خطة التعافي التي أوصى بها صندوق النقد الدولي عند توقيع اتفاق مبدئي مع لبنان في إبريل 2022 أن تتم صياغة حزمة من القوانين التي تحدد بشكل رسمي حدود تداول رؤوس الأموال لمنع تهريبها للخارج أو إغراق السوق المحلي بالأموال. بالإضافة إلى إقرار قوانين لإصلاح عجز الموازنة وتصحيح خلل البنية التحتية خاصة في مجال الطاقة والمواصلات، فضلاً عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي بما يسمح بتوزيع عادل للخسائر. وكان من المفترض أن يتم تحديد التوزيع العادل ذاك بين المودعين ومالكي البنوك والدولة اللبنانية من خلال القيام بتدقيق مالي جنائي يراجع بشفافية أين صُرفت هذه الأموال وكيف فُقدت ومن اتخذ القرار الاقتصادي بشأنها في كل بنك وكل مؤسسة عامة تولت إنفاق المال العام خلال السنوات الماضية. ونظراً لتعقيد وصعوبة هذا التدقيق المالي واستغراقه وقتاً كبيراً، فإن النخبة السياسية الحاكمة- صاحبة القرارات الاقتصادية الخاطئة بالتمادي في الاقتراض- والتي تتقاطع مصالحها بشكل وثيق مع ملاك البنوك- أصحاب القرار المالي الخاطيء بإقراض الدولة دون ضمانات كافية- لا تريد أن تتحمل الدولة أو البنوك أية خسائر مع الاتجاه لتحميلها بالكامل للمودعين، ومن هنا كانت انتفاضة المودعين بالقوة لاسترداد أموالهم.
وبدلاً من إقرار خطة الإصلاحات الإدارية والمالية الشاملة للإنقاذ الاقتصادي، فشل حتى نواب البرلمان في إقرار الميزانية اللبنانية لعام 2022 الجاري، حيث اعترض النواب على طريقة إعداد الحكومة للميزانية بنفس السبل القديمة دون أي إقرار للإصلاحات الهيكلية الموصى بها من صندوق النقد الدولي وخبراء الاقتصاد. بينما تتفاقم أزمة انقطاع الكهرباء بشكل متزايد مع ارتفاع أسعار الوقود وفشل الدولة في توفير كهرباء عامة لساعات تغطي حتى سير العمل بالمصالح الحكومية بشكل لائق. إذ دخل القضاة في إضراب مفتوح عن العمل منذ أغسطس 2022 احتجاجاً على تردي أجورهم التي تصرف بالليرة اللبنانية -بعد فقدان قيمتها- فضلاً عن تردي ظروف العمل في المحاكم مع الانقطاع المتكرر للكهرباء وتردي جودة المرافق بالمحاكم[4]. ولذا، فإن المودعين الذين اقتحموا البنوك كانوا بشكل أو بآخر مطمئنين إلى عدم استخراج قرارات توقيف بحقهم نظراً لإضراب القضاة ومن ضمنهم المدعين العامين وقضاة التحقيق.
ورغم تدارك هذا الأمر وتوقيف أربعة ممن اقتحموا البنوك لاسترداد أموالهم بالقوة، قبل أن يتم اخلاء سبيلهم بكفالات مالية ومنع من السفر[5]، إلا أن الفكرة لا تزال جذابة لدى البعض في ظل انتشار السلاح وتردي الوضع المعيشي وسيطرة الضبابية على المشهد المالي والمصرفي في لبنان. فضلاً عن عجز النخبة السياسية عن اتخاذ قرارات سياسية روتينية مثل تشكيل حكومة أو إقرار ميزانية في مجلس النواب أو حتى التوافق على انتخاب رئيس جديد للبلاد قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي، مما يعني أن لبنان يمضي إلى المجهول ليس فقط على المستوى الاقتصادي والسياسي، ولكن أيضاً على مستوى الفوضى الأمنية والعجز عن تأمين المرافق الحيوية كالبنوك والمصالح الحكومية.
تخبط مؤسسات الدولة وصولاً إلى شبح الفراغ
منذ الانتخابات البرلمانية التي انعقدت في مايو الماضي، أصبحت الحكومة اللبنانية في حكم المستقيلة وتحولت إلى حكومة تسيير أعمال فقط، وبالتالي لا تملك هذه الحكومة اتخاذ قرارات مصيرية تحتاج لصلاحيات أصيلة. ولذا أصاب الشلل الأداء الحكومي وتأجلت الخطة الاقتصادية للتعافي التي كان من المفترض تمريرها للإسراع بالحصول على تمويل صندوق النقد الدولي. وقد أسفرت الانتخابات عن تشرذم القوى السياسية في البرلمان، فلم يتمكن أي من الفريقين المتنازعين- حلفاء حزب الله وخصومه- من الحصول على أغلبية مريحة في البرلمان، مع دخول كتلة من نواب التغيير الذين يمثلون الحراك الشعبي ودخول كتلة أخرى من المستقلين الذين يريدون كسر الاستقطاب في مجلس النواب.
ورغم ذلك، فقد تمكن نجيب ميقاتي من الحصول على تكليف 45 نائباً من البرلمان كي يشكل الحكومة، في ظل امتناع أغلب النواب عن تسمية رئيس للحكومة. ولكن ميقاتي الذي لا يزال يرأس حكومة تسيير الأعمال حتى اليوم- ويقوم حالياً بتمثيل لبنان في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك- فشل منذ ذلك الحين في الحصول على موافقة الرئيس اللبناني ميشال عون على التشكيلة الحكومية الجديدة.
وتتعدد النظريات التي تفسر تأخر تشكيل الحكومة حتى اليوم، فهناك من يعزو ذلك إلى تشدد الرئيس عون في الموافقة على شكل وطبيعة الحكومة القادمة ويطلب حصة كبيرة لنفسه لأن هذه الحكومة قد يؤول إليها صلاحيات رئيس الجمهورية، إذا ما انتهت ولاية الرئيس الحالي في 31 أكتوبر القادم، دون أن يتم انتخاب خلف له. وهناك من يعتبر أن التلكؤ في تشكيل الحكومة يعود إلى عدم اكتراث حزب الله بتشكيلها سريعاً، خاصة مع حدوث تقدم وتراجع متكرر في المحادثات النووية مع إيران خلال الأشهر الماضية. فيما يرى آخرون أن صفقة المساومات بين الفريقين في لبنان لم تنضج بعد، وهذه الصفقة يجب أن تشمل شكل الحكومة الجديدة واسم الرئيس الجديد وحجم الإصلاحات التي يجب أن تتضمنها خطة التعافي الاقتصادي في لبنان، وكلها قضايا ستؤثر على مستقبل البلاد لعدة سنوات قادمة وليست بالأمر الهين الذي يتم حسمه دون مساومات مضنية. وقد يدخل في هذه الصفقة أيضاً مآل مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل التي يرعاها الأمريكيون ويشرف عليها الرئيس اللبناني ويرصدها حزب الله بكثير من التأهب العسكري ويطلق تهديدات مستمرة بشأنها[6].
ولعل هذه الصفقة التي يرعاها عدة رعاة دوليين من خلف الستار تعتبر هي الطريقة التقليدية التي يتم بها إخراج الانتخابات الرئاسية في كل مرة، وبدونها يسقط لبنان في الفراغ الرئاسي إثر تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية وإسقاط النصاب القانوني لجلسات الانتخاب عبر تغيّب النواب عن حضورها. ومن هنا، ولأن كلا الفريقين المتنازعين – أي حزب الله وحلفائه من جهة وخصومه من جهة أخرى- لا يملكان الأغلبية العددية - الثُلُثين- التي تمكنهما من انتخاب رئيس بشكل منفرد، فإن أي محاولة لانتخاب رئيس يمثل الخط السياسي التابع لأحد الفريقين ستفشل حتماً.
وقد تطلب الأمر في عام 2008 أن تتطور اشتباكات محدودة في الشارع كي يتم الدعوة لمؤتمر حوار في الدوحة أدى فيما بعد لانتخاب قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان. أما في عام 2014، فقد دخلت البلاد في حالة فراغ قياسي امتد حتى اكتوبر 2016 عندما قبل سعد الحريري بمرشح حزب الله وهو الرئيس الحالي ميشال عون. ورغم أن المفردات السياسية اللبنانية قد تغيرت قليلاً عقب الحراك الشعبي منذ اكتوبر 2019 والأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، إلا أن الاتجاهات العامة للسياسة اللبنانية لا تزال تُدار بنفس الأسلوب.
فالثابت أن دخول عدد من نواب التغيير إلى البرلمان قد عطّل بعض الشيء أسلوب المحاصصات الطائفية في حسم الأمور السياسية في لبنان، ولكن في نفس الوقت فإن ثقل نواب التغيير ليس قوياً بالقدر الكافي (10% فقط) الذي يغير معادلات السياسة اللبنانية بالكامل. ومع ذلك فقد أطلق نواب التغيير مبادرة لتحديد مواصفات الرئيس الجديد كي يتم اختياره من خارج الاصطفافات التي شلت الشأن اللبناني وعطّلت كل أدوات إصلاحه خلال عهد الرئيس عون. ثم مضى نواب التغيير في لقاء أعضاء الكتل النيابية الأخرى لإقناعهم بالطرح التغييري، وهي المبادرة الوحيدة على الساحة التي تتصدى لانتخابات الرئاسة بجدية وتطرح معايير محددة أهمها حياده إزاء الاصطفافات الحزبية وتمثيله للوحدة الوطنية وانتمائه لفكرة المواطنة وبناء المؤسسات القادرة وتكريس استقلال القضاء[7].
وإذ يُحجم نواب التغيير حتى اليوم عن مناقشة الأسماء المطروحة ويتمسكون بإقرار المعايير قبل طرح الأسماء، فإنهم ينوون طرح قائمة بعدة أسماء يتم الانتخاب من بينهم في انتخابات تنافسية داخل البرلمان، لا أن يتم تزكية اسم مرشح ثم دعوة البرلمان للتصويت عليه، وهو الأمر الذي يعتبر سابقة لم تحدث منذ الحرب الأهلية، إذ عادة ما يتم التوافق على اسم مرشح واحد ثم تُعقد جلسة لانتخابه، وإلا بقى المجلس مقفلاً ولا توجه له دعوة للانعقاد من جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري.
فيما عدا هذه المبادرة، يتمسك كل فريق برأيه بخصوص انتخاب الرئيس، فالتيار الوطني الحر يرى أن الرئيس يجب أن يكون صاحب كتله نيابية وازنة، وقد اختفت عبارة "صاحب أكبر كتلة مسيحية" من خطاب التيار بعد أن فقد هذه الصفة وأصبح حزب القوات اللبنانية هو صاحب هذه الكتلة الأكبر. بينما هذا الأخير يعتبر أن الرئيس القادم لابد أن يكون من خارج فلك المحور الإيراني الذي يعتبره مسئولاً بالكامل عما آلت إليه أحوال البلاد. فيما تتراجع حظوظ سليمان فرنجية الذي كان يعتبر مرشحاً بديلاً لدى حزب الله، إذ لا تنطبق عليه أي من المعايير المطروحة، فلا هو صاحب كتلة وازنة في البرلمان ولا هو محايد من خارج الاصطفافات. بينما يرى آخرون أن قائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون ربما يكون مرشحاً مناسباً خاصة إذا ما تدهور الوضع الأمني، رغم عدم قدرته دستورياً على الترشح للمنصب إلا بعد مرور عامين من خروجه من الخدمة.
فيما يرى آخرون أن حزب الله سيمضي بخيار انتخاب جبران باسيل خلفاً للرئيس عون، تدعيماً وتمديداً للتحالف الوثيق بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وذلك لحاجة الحزب لغطاء مسيحي يسمح له بالاحتفاظ بسلاحه. ومن أجل تنفيذ هذا الخيار، سيمضي لبنان إلى الفراغ الرئاسي حتى يتم رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على باسيل، وهو الأمر الذي لا يلوح في الأفق ضمن المعطيات الحالية ويتم ترحيله إلى أجل غير مسمى، إلا في حالة نجاح الأمريكيين في التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل ومن ثم مكافئة باسيل- المُطّلع على أسرار المفاوضات الحالية- ورفع العقوبات عنه بما يسمح بانتخابه.
وتعضيداً لهذه النظرية، يعتبر البعض أن الأولوية الآن ليست في انتخاب الرئيس بل في تشكيل الحكومة، حتى تصبح حكومة أصيلة ذات صلاحيات واسعة، وأيضاً استعداداً لاحتمال التنازع المفضي للفراغ الرئاسي، فعلى الأقل حينها ستكون هناك حكومة قائمة كي لا يصبح الفراغ فراغين أحدهما رئاسي والآخر حكومي.