منذ مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى، مطلع الشهر الجارى، وخلال خمسة عشر يوماً، تباينت ردود فعل التنظيمات المتطرفة العنيفة والجماعات الإرهابية إزاء ذلك، حيث تراوحت ما بين صمت رسمى من جانب أغلبها، وردود غير رسمية تنعى أو تبتهج به، حتى وصل الأمر لحالة من الالتباس والصمت لدى أفرع تنظيم القاعدة المختلفة فى العالم (حراس الدين فى سوريا، نصرة الإسلام والمسلمين فى الساحل الإفريقى، شباب المجاهدين فى الصومال، تنظيم القاعدة فى اليمن).
هذا المشهد يُعد الأول من نوعه فى سياق الرد على مقتل أحد أهم قيادات التنظيمات الإرهابية فى العالم، والذى يعتبر الأب المؤسس لأغلب، بل مجمل، التنظيمات الإرهابية التى ظهرت خلال الأربعين عاماً الماضية، بما فيها التنظيمات الأكبر والأكثر تأثيراً فى العالم الآن والتى انشقت عن تنظيم القاعدة مثل داعش وتنظيم هيئة تحرير الشام، على عكس رد فعل التنظيمات والشخصيات المتطرفة والإرهابية فى العالم على مقتل أسامة بن لادن فى مايو 2011، أو مقتل أبو مصعب الزرقاوى فى يونيو 2006 أو مقتل أبو عمر البغدادى فى أبريل 2010، بل يمكن ملاحظة التفاوت الكبير بين رد الفعل على مقتل الظواهرى وأبو بكر البغدادى فى أكتوبر 2019، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب هذا التباين، ومَن المستفيد الأول من مقتل الظواهرى؟
ردود الفعل
أخذت ردود فعل التنظيمات الإرهابية والحركات المتطرفة مسارات ثلاثة رئيسية: الأول، التبرؤ والنفى، حيث اعتمدت حركة طالبان الأفغانية مسار التبرؤ من وجود أى علاقة مع القاعدة ونفى معرفتها بتواجد الظواهرى فى المنزل الذى تم استهدافه من قبل القوات الأمريكية، متهمة الولايات المتحدة بانتهاك اتفاق الدوحة.
الثانى، الصمت المتعمد، وهو الأغلب لدى التنظيمات الإرهابية والحركات المتطرفة العنيفة بما فيها أفرع تنظيم القاعدة بدول الإقليم، حيث تجاهل تنظيم داعش بشكل رسمى مقتل الظواهرى رغم إصداره عددين من جريدة «النبأ»، وهو الموقف نفسه الذى تبنته هيئة تحرير الشام «جبهة النصرة سابقاً»، وباقى التنظيمات الإرهابية فى غرب سوريا والمتحالفة مع الهيئة.
والثالث، تبنى موقف غير رسمى، إذ كانت المواقف غير الرسمية من قبل التنظيمات الإرهابية أكثر وضوحاً من المواقف الرسمية، وقد تراوحت بين الابتهاج الواضح بمقتل الظواهرى خصوصاً من قبل العناصر الداعشية التى عبرت عن ذلك عبر صفحات ومواقع داعشية غير رسمية، حيث أعدت أهم المنصات الإعلامية لداعش على «تليجرام» بعد ساعات من مقتل الظواهرى، مقارنة بين مقتل الظواهرى والبغدادى والقرشى (زعيمى داعش اللذين قتلتهما القوات الأمريكية) وبعد الثناء على الأخيرين والهجوم الحاد على الظواهرى، أشارت إلى «خيانة» من قبل عناصر القاعدة وطالبان للظواهرى، وبين نعى الأخير، على غرار ما قام به عضو مجلس الإفتاء الأعلى رئيس المجلس الشرعى فى هيئة تحرير الشام عبدالرحيم عطون (أبو عبدالله الشامى)، عبر قناته على تليجرام، حيث «مدح» دور الظواهرى التاريخى، وهو الأمر نفسه الذى تكرر مع القيادى العسكرى فى الهيئة ميسر بن على الجبورى (الهرارى) المعروف بـ«أبو ماريا القحطانى» الذى قال أبيات شعر نعى فيها الظواهرى بعد ساعة من مقتله.
مَن المستفيد؟
رغم أن معظم التنظيمات الإرهابية والحركات المتطرفة العنيفة لم تبد موقفاً واضحاً إزاء مقتل الظواهرى، إلا أن بعضها قد يحاول الاستفادة من ذلك، وإن بدرجات مختلفة، حسب قدرات كل تنظيم. فحركة طالبان تعتبر من الأطراف المستفيدة من مقتل الظواهرى على المستوى السياسى، رغم نفيها الرسمى السابق ذكره، خاصة أن هذا الحادث يغلق الباب أمام المجتمع الدولى والولايات المتحدة للحديث عن علاقة الحركة والقاعدة، مما يعزز من استمرار اتفاق الدوحة. ولكن هذا التصور أقرب للجناح السياسى للحركة، والذى يختلف بشكل كبير عن موقف الجناح العسكرى، خصوصاً مع جماعة حقانى، التى تعتبر تعزيز العلاقة مع القاعدة ورقة ضغط استراتيجية فى مواجهة الولايات المتحدة، إلى جانب البعد العقائدى الذى يؤثر على العلاقة بين حقانى والقاعدة.
هذا التباين بين موقف الجناح السياسى وجماعة حقانى قد يزيد من اتساع الهوة بين الطرفين، وبالتالى سيؤثر على قرار كليهما فى التعامل مع ما تبقى من عناصر تنظيم داعش، واستمرار القاعدة فى أفغانستان كقاعدة ارتكاز رئيسية، وربما تموضع قائد التنظيم الجديد فى أفغانستان، حيث تشير تقديرات عديدة إلى وجود سيف العدل المرشح لخلافة الظواهرى داخل الأخيرة.
ويعتبر تنظيم داعش المستفيد الأول والرئيسى من مقتل الظواهرى، حيث تشكل القاعدة العدو الرئيسى له خلال السنوات الثمانية الماضية، منذ فك الارتباط التنظيمى بين أبو بكر البغدادى والقاعدة أواخر عام 2014. فضلاً عن أن مقتل الظواهرى سوف يساعد داعش على استقطاب مزيد من العناصر القاعدية ومحاولة استمالة ما تبقى من تنظيمات إرهابية تابعة للقاعدة فى المنطقة للانضمام له على غرار حركة بوكو حرام التى أعلنت البيعة لداعش عقب مقتل زعيمها أبو بكر شيكاو على يد الأخير فى يوليو 2021، ما يوفر فرصة لداعش للانفراد بالساحة التكفيرية فى العالم كـ«وريث» للقاعدة فيما يعرف بـ«عالمية الجهاد». ويمكن ملاحظة وجود نشاط لافت لداعش ببعض دول الإقليم عقب مقتل الظواهرى، وخصوصاً بالساحة الافغانية، وهو ما يمثل محاولة من جانبه لتوجيه ثلاث رسائل رئيسية: الأولى، إثبات النفوذ والسيطرة على مجمل نشاط التنظيمات الإرهابية فى الاقليم.
الثانية، محاولة استقطاب أكبر عدد من العناصر القاعدية. والثالثة، وهى موجهة بالأساس إلى الولايات المتحدة، ومفادها تأكيد أن التنظيم هو الأكثر تأثيراً مقارنة بمجمل التنظيمات الإرهابية الأخرى.
على ضوء ذلك، يمكن القول إن مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهرى سوف يفرض تداعيات عديدة سواء على خريطة التنظيمات الإرهابية فى المنطقة، أو على التوازنات القائمة فيما بين هذه التنظيمات خلال المرحلة القادمة.
________________________________
نُشر أيضا بجريدة الأهرام، 17 أغسطس 2022.