تداعيات زيارة بايدن: هل بدأت إيران في تغيير موقفها من المفاوضات النووية؟
2022-7-14

د. محمد عباس ناجي
* رئيس تحرير الموقع الإلكتروني - خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

يبدو أن إيران بدأت في توجيه رسائل مباشرة تفيد أنها معنية بتعزيز فرص الوصول إلى اتفاق نووي جديد خلال المفاوضات التي تجري مع القوى الدولية حول البرنامج النووي، والتي لم تصل إلى نتيجة حتى الآن، سواء تلك التي عقدت في فيينا على مدى أكثر من عام (منذ أبريل 2021)، أو استضافتها العاصمة القطرية الدوحة يومى 28 و29 يونيو الفائت (2022).

ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل عن المعطيات الجديدة التي فرضتها الزيارة التي يقوم بها حالياً الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، والتي بدأت في إسرائيل في 13 يوليو الجاري، وتنتهي في المملكة العربية السعودية في 16 من الشهر نفسه، حيث يلتقي قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق.

ورغم أن إيران تعمدت التقليل من أهمية التقارير والتكهنات التي تتحدث عن تشكيل تحالف إقليمي مناوئ لها في المنطقة، معتبرة أن ذلك يواجه تحديات لا تبدو هينة على الأقل في المرحلة الحالية، فإنها في النهاية تبدو حريصة على تجنب مواجهة مثل هذا الخيار، خاصة في ظل الخلافات العالقة مع بعض القوى الإقليمية في المنطقة، حول ملفات متعددة مثل البرنامجين النووي والصاروخي والدور الإقليمي.

ومن هنا، بدأت إيران في طرح "أفكار" أو مبادرات بديلة يمكن من خلالها، وفقاً لرؤيتها، التوصل إلى حلول وسط للخلافات العالقة مع الولايات المتحدة الأمريكية حول الاتفاق النووي، والتي أدت إلى تعثر المفاوضات وعدم وصول الجولة الأخيرة منها والتي عقدت في الدوحة إلى نتائج إيجابية تذكر.

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في الحوار الذي أجراه مع صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، خلال زيارته للعاصمة روما في 13 يوليو الجاري، أن إيران اقترحت تأجيل البت في القضايا العالقة بالقائمة السوداء (أى مطلب شطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية)، وتوفير ضمانات اقتصادية للشركات الإيرانية للانخراط في أية صفقات مع شركات أجنبية، بحيث تحصل على تعويضات في حالة فرض عقوبات.

تساؤلات عديدة

لكن اللافت في تصريحات عبد اللهيان أنها تطرح تساؤلات أكثر ما تقدم من إجابات. صحيح أن هذه التصريحات توحي بأن إيران تبدي مرونة أكبر في المفاوضات، وتسعى إلى الوصول إلى صفقة جديدة. لكن الصحيح أيضاً أنها لا تقدم إيضاحات حول قضايا مهمة.

أولى القضايا التي يمكن أن تثيرها تلك التصريحات تتمثل في مدى إمكانية تنازل إيران عن مطلب الحصول على ضمانات أمريكية بعدم الانسحاب مجدداً من الاتفاق النووي، على غرار ما فعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 8 مايو 2018. فهل يمثل مطلب توفير "مزايا اقتصادية قوية" للشركات الإيرانية بديلاً لذلك على حسب ما جاء في تصريحات عبد اللهيان. وهل هذا الخيار يمكن أن يعزز ويضفي حصانة على العوائد التي يمكن أن تحصل عليها إيران من الاتفاق، بحيث لا تتعرض للمأزق ذاته الذي واجهته في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي.

ربما يفهم من تصريحات عبد اللهيان أن إيران تريد تشجيع الشركات الإيرانية على الانخراط في صفقات مع شركات أجنبية، مطمئنة إلى أنها سوف تحصل على تعويضات في حالة عدم إكمال الصفقة، على نحو لم يكن قائماً في الاتفاق الأول، حيث انسحبت الشركات الأجنبية من الصفقات التي أبرمت عقب فرض العقوبات الأمريكية، على غرار شركة "توتال" الفرنسية التي انسحبت من صفقة تطوير المرحلة الحادية عشر من حقل بارس الجنوبي، في 20 أغسطس 2018.

لكن ذلك لا يوفر في المقابل محفزات للشركات الأجنبية للانخراط في مثل تلك الصفقات، فما الذي سيدفع تلك الشركات إلى "المغامرة" بالدخول إلى السوق الإيرانية مجدداً والتعرض لعقوبات أمريكية أو الاضطرار إلى دفع غرامات قد تكون باهظة بتهمة انتهاك العقوبات المفروضة على إيران. وقد اضطر، على سبيل المثال، بنك "بي إن بي باريبا" الفرنسي، إلى دفع غرامة تقدر بنحو 8.9 مليار دولار بسبب انتهاكه العقوبات المفروضة على إيران وكوبا والسودان خلال الفترة من 2002 و2009.

ومن دون شك، فإن إيران تعي تلك الإشكالية، وربما تحاول التغلب عليها في المفاوضات التي تجري مع القوى الدولية، إلا أن تصريحات عبد اللهيان لم تكشف ذلك أو توضح الآليات التي يمكن الاستناد إليها في كل الأحوال.

مأزق الحرس

الإشكالية الأهم تكمن في الموقف من العقوبات المفروضة على الحرس الثوري، والتي اقترحت إيران تأجيل البت فيها. وهنا، فإن ثمة تساؤلات رئيسية تطرح نفسها في هذا الصدد. فهل هذا يعني أن إيران ستقبل بالوصول إلى صفقة جديدة بدون الاستجابة لمطلبها الأساسي وهو شطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية، وهى الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أبريل 2019 لتقييد قدرة أى إدارة أمريكية تالية على إبرام صفقة جديدة مع إيران. وفي حالة القبول بذلك، فهل هذا يعني أن إيران سوف تجري مفاوضات تالية على الوصول إلى صفقة نووية.

تكمن خطورة هذا التساؤل في أنه يمس القضية الأهم التي تكتسب أهمية خاصة من جانب القوى الإقليمية، لا سيما الدول العربية، وهى قضية التدخلات الإقليمية الإيرانية. صحيح أن ثمة قلقاً ملحوظاً تبديه تلك القوى إزاء البرنامج النووي الإيراني، لأسباب استراتيجية وعسكرية وبيئية، إلا أن الصحيح أيضاً أن التدخلات الإقليمية قد يكون لها التأثير الأكبر في اللحظة الحالية، باعتبار أنها كانت سبباً رئيسياً في تصاعد حدة عدم الاستقرار في المنطقة، وتفاقم الأزمات الإقليمية واتساع نطاق التهديدات التي تتعرض لها بعض الدول العربية.

وقد طالبت بعض تلك الدول أولاً بتوسيع نطاق التفاوض ليشمل الملفات الخلافية الأخرى، ولا سيما برنامج الصواريخ الباليستية والتدخلات الإقليمية، وثانياً بالمشاركة في تلك المفاوضات التي تجري، للمفارقة، بين إيران وقوى من خارج منطقة الشرق الأوسط. إلا أن مطالبها لم تجد قبولاً إيرانياً أو حماساً أمريكياً.

واللافت في هذا السياق، أن مطلب إيران بشطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية هو مطلب إقليمي بامتياز، ولا يتصل بالبرنامج النووي أو خطة العمل المشتركة بشكل مباشر، على نحو أضفى نوعاً من التناقض على السياسة الإيرانية في المفاوضات، حيث أصرت إيران من البداية على حصر المفاوضات في البرنامج النووي وعدم توسيع نطاقها لتشمل الملفات الخلافية الأخرى مثل برنامج الصواريخ الباليستية والتدخلات الإقليمية. كما لم ترحب بمشاركة قوى أخرى من المنطقة فيها، مكتفية بالتأكيد على أنها تطلع تلك القوى على مجريات المفاوضات.

وهنا، فإن تأجيل البت في القضايا المرتبطة بالقائمة السوداء معناه أن إيران قد تفكر في إجراء مفاوضات جديدة حول القضايا الإقليمية. وبالطبع، فإن الوصول إلى اتفاق نووي قد يعزز في هذه الحالة من إجراء اتصالات بين طهران وواشنطن، هذا إن لم تكن هذه الاتصالات قائمة بالفعل في الوقت الحالي رغم كل التصعيد القائم بين الطرفين. وقد تتحول هذه الاتصالات إلى مفاوضات مباشرة، بعد أن أصرت إيران في الفترة الماضية على أن تكون هذه المفاوضات بشكل غير مباشر، سواء في فيينا أو الدوحة.

وفي كل الأحوال، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لم تبد موقفاً واضحاً إزاء هذه "الأفكار" الإيرانية، بل إنها ما زالت توجه من الرسائل ما يفيد أنه لا ترصد جديداً في الموقف الإيراني. وبالطبع، فإن المعطيات التي بدأت تفرضها أولى محطات جولة بايدن في المنطقة، وهى زيارته لإسرائيل، توحي بأن واشنطن ما زالت تطلب المزيد من طهران قبل أن تقبل بالوصول إلى صفقة، وأن "أفكارها" حول صياغة ترتيبات أمنية جديدة في المنطقة لن تتراجع سوف تم التوصل إلى اتفاق أو فشلت المفاوضات، حيث وقع الرئيس بايدن على بيان مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، تعهدا فيه بـ"منع إيران من حيازة سلاح نووي"، وأكدا "استعداد الولايات المتحدة لاستخدام كل عناصر القوة الوطنية لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، والعمل مع شركائها لمواجهة عدوان إيران وأنشطتها المزعزعة للاستقرار".

 


رابط دائم: