لماذا تُستهدف المساجد بكثافة في أفغانستان؟
2022-7-4

رانيا مكرم
* خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

شهدت أفغانستان تصاعداً في حدة العمليات الإرهابية، خلال الفترة الأخيرة، كان أبرزها في 17 يونيو 2022 عندما وقع انفجار ضخم داخل مسجد شيعي بقرية البردي بمديرية الإمام صاحب، التابعة لولاية قندوز شمال البلاد، أثناء صلاة الجمعة، على نحو أسفر عن مقتل شخص، وإصابة سبعة آخرين، بعد أن انفجر لغم أرضي وضع داخل المسجد. وعلى الرغم من محدودية أعداد القتلى والمصابين بالمقارنة مع أعداد ضحايا هجمات أخرى على المساجد في البلاد، فإن واقع تسارع وتيرة الهجمات على المساجد في الولايات الأفغانية يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب الاستهداف الكثيف للمساجد ودور العبادة في أفغانستان.

إذ لم يكن هذا الهجوم هو الأول من نوعه، حيث سبقه هجوم آخر بأقل من ثلاثة أسابيع، استهدف مسجداً شيعياً بالعاصمة كابول، قتل فيه 14 شخص، وذلك في 25 مايو 2022، وعقب شهر تقريباً من هجوم أكثر قوة على مسجد سني صوفي بالولاية نفسها في 22 إبريل من العام ذاته، راح ضحيته 33 شخص من بينهم أطفال ونساء. وقد صادفت هذه الهجمات أيام الجمعة، أو بالأحرى تم الترتيب لها لتكون أثناء صلاة الجمعة، لتشهد وقوع أكبر عدد من الضحايا.

وعلى الرغم من أن الهجمات التي تشهدها المساجد حالياً في أفغانستان تعود إلى تنظيم داعش - خراسان، الذي عادة ما يعلن مسئوليته عنها، فإن حركة طالبان قبل وصولها إلى السلطة في منتصف أغسطس من العام الماضي، كانت تتبنى النهج نفسه في استهداف المساجد والكنائس ومعابد اليهود والسيخ، مما يعني أن هذا الاستهداف لا يقتصر على العمليات الإرهابية التي يقوم بها داعش في البلاد، كما أنه لا يقتصر على أفغانستان، بل يعد سمة أساسية للعمليات الإرهابية في معظم دول المنطقة تقريباً، وفي بعض الدول الغربية أيضاً لكن ضمن أهداف أخرى وبذرائع مختلفة.

استراتيجية "الفرد-القائد"

وقد حاولت حركة طالبان تحجيم نشاط تنظيم داعش عقب تصعيد عملياته في الداخل الأفغاني فور سيطرتها على الحكم في البلاد، بشكل أصبح مُحرِجاً لها داخلياً وخارجياً، حيث قامت بتنفيذ أكبر عملية ملاحقة واعتقال لعناصر التنظيم بنهاية عام 2021، وذلك باعتقال 670 مسلحاً، وتدمير 25 مخبأ للتنظيم في كابول، وننكرهار، وجلال أباد. وبالرغم من ذلك، فإن شيئاً لم ينعكس على واقع العمليات على الأرض، واستمرت عمليات استهداف المساجد بالكثافة ذاتها، بل وتصاعدت، في ظل اتباع تنظيم داعش في أغلب هجماته استراتيجية "الفرد- القائد"، حيث يقود وينفذ عملية الهجوم عنصر واحد من عناصر التنظيم، وعادة ما لا يتم الكشف عن هويته عقب تنفيذه العملية الانتحارية، إلا في حالة أراد التنظيم توجيه رسالة من خلال هوية المنفذ، وهو ما بدا واضحاً – على سبيل المثال - في الإعلان عن منفذ هجوم مسجد إسلام آباد بقندوز الذي أوقع مئات القتلى والمصابين في 8 أكتوبر 2021، حيث أعلن التنظيم أن منفذ الهجوم ينتمي لأقلية الإيجور بالصين، التي عرف عنها قرب بعض أفرادها من حركة طالبان، إلا أن تنظيم داعش – خراسان قد استطاع استقطاب العديد منهم في ظل تخوف هذه الأقلية من قيام طالبان بترحيلهم إلى الصين في إطار براجماتية الحركة للحصول على الشرعية الدولية. وبالتالي هدف التنظيم من هذا الإعلان التأكيد على قدرته على استقطاب عناصر تربطهم ولاءات بحركة طالبان.

أهداف عديدة

يمكن القول إن استهداف المساجد ودور العبادة في أفغانستان في الوقت الحالي من قبل تنظيم داعش، يأتي على خلفية العديد من الأهداف؛ منها:

1- يعد استهداف المساجد من أهم آليات تنظيم داعش في أفغانستان الساعية إلى تأجيج الانقسام الطائفي، الذي يصادف بدوره أرضاً خصبة في أفغانستان، يمكن أن يجرها إلى حرب أهلية من جديد، حيث تحولت الخلافات السياسية في البلاد إلى خلافات طائفية، وصراعات أهلية في وقت سابق، ولا زالت تلك الخلافات مرشحة للصعود علي السطح مجدداً. فيما يسعى تنظيم داعش في هذا السياق إلى تكريس وجوده في ظل وضع سياسي متعثر، من خلال الحفاظ على حالة عدم الاستقرار التي تسود البلاد، إذ لا يمكن إنكار أن الورقة الطائفية كانت الورقة الرابحة والضامنة لدخول التنظيم وسيطرته لسنوات في سوريا والعراق.

2- إن أحد أهم أهداف تنظيم داعش في هذا السياق يتمثل في إضعاف حركة طالبان، بأقل تكلفة ممكنه، حتى يتثنى له انتزاع شرعيتها في الداخل، وانتفاء مبررات حصولها على الاعتراف الدولي الذي تسعى إليه الحركة وتكرر طلبه مراراً، بدعوى أن الاعتراف بها دولياً سيرفع من على كاهلها جزءاً من صعوبات إدارة الدولة، لاسيما فيما يخص الشق الاقتصادي، وبالتالي تزيد قدرة الحركة وإمكانياتها في محاربة الإرهاب المتمثل حالياً في وجود تنظيم داعش – خراسان، وهو الأمر الذي يدركه التنظيم جيداً، ولذلك يسعى إلي تشتيت جهود الحركة، من خلال عمليات موسعة تستهدف أقاليم البلاد كافة.

3- يمكن القول إنه في إطار استهداف تنظيم داعش- خراسان للمساجد يركز التنظيم على ولاية قندوز شمال البلاد، وولاية قندهار في الجنوب، فإلى جانب تحقيق هدف مواصلة السعى إلى ملاحقة الشيعة القاطنين في هاتين الولايتين، فإن للتنظيم هدف آخر يتمثل في إيجاد موطئ قدم في منطقتين تحظيان بأهمية استراتيجية، على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، حيث تتمتع ولاية قندوز بموقعها الجغرافي المميز الذي يجعل منها ممراً تجارياً مهماً لمنطقة آسيا الوسطى، فضلاً عن غناها بالثروات الطبيعية، لاسيما المعادن. وبالتالي فإن تعزيز التنظيم لوجوده في هذه الولاية يعني السيطرة علي ثرواتها الطبيعية والاستفادة منها في تمويل عملياته، وهو ما حدث بالفعل في السابق عندما سيطر التنظيم على مدن عدة في العراق وسوريا. بينما تعد ولاية قندهار في جنوب البلاد مركزاً تجارياً مهماً، نظراً لمرور الطريق التجاري الرئيسي الذي يربط شبه القارة الهندية بالشرق الأوسط وآسيا الوسطى في أراضيها، مما يعني أن السيطرة على هذه الولاية ما هى إلا سيطرة على  الطريق، والتجارة العابرة من خلاله.

4- تعد المساجد ودور العبادة على اختلافها من أسهل الأهداف للجماعات الإرهابية بشكل عام، حيث تعتبر هدفاً رخواً وسهلاً، وخاصة المساجد في البلاد الإسلامية التي عادة ما لا تخضع لحماية أمنية، إذ يمكن بسهولة من خلال استهداف مسجد إيقاع عدد كبير من القتلى والمصابين، وبالتالي خلق حالة من الفزع بين عموم الناس، بسبب عدد الضحايا العُزل، ولهذا يحرص التنظيم على تنفيذ هجماته خلال أيام الجمعة أثناء الصلاة، لاستهداف أكبر عدد من الضحايا، لاسيما وأن لدى داعش على وجه الخصوص، استراتيجية استهداف العُزل في المساجد ودور العبادة، والأسواق والمستشفيات، التي يسعى من خلالها إلى تحقيق خسائر كبيرة في صفوف المستهدفين دون مقاومة، أو دفاع عقب التنفيذ.

5- يسعى تنظيم داعش من خلال هجماته المستمرة في أفغانستان على المساجد إلى توجيه عدة رسائل أهمها التأكيد للمواطنين كافة، سنة وشيعة، ومن أصحاب الديانات الأخرى، على أن حكومة طالبان غير قادرة على تأمينهم، وبالتالي يجدون أنفسهم مدفوعين إلى اللجوء للتنظيم، وقبول وجوده، والاستسلام لأوامره كما حدث في العراق، عندما سيطر التنظيم على العديد من المدن العراقية وأقام فيها نظامه الخاص بشكل علني، وأصبح بحكم سيطرته على هذه المدن، حاكماً لها قبل أن يتعرض للهزيمة بفعل العمليات التي شنها التحالف الدولي والقوات الحكومية.

6- طبقاً للعديد من الفتاوى الدينية الصادرة عن القيادات الدينية للجماعات الإرهابية، يعتبر الشيعة والصوفية، من "الفئة الضالة"، والتي يجب معاملة المساجد الخاصة بها معاملة "المعابد الوثنية"، وهى الفتوى ذاتها التي أصدرها أحد قيادات تنظيم داعش، في عام 2015، تحت عنوان "إتحاف الأذان في حكم معابد نجران" للقيادي بالتنظيم "أبي المقاتل" وشهرته "أبو الليث الكناني" والذي أفتى باستهداف كل مساجد نجران بالمملكة العربية السعودية التابعة للشيعة الإسماعيلية، مشبهاً تلك المساجد بالمعابد التي تعبد فيها الأصنام[1].

وفي النهاية، يمكن القول بأن استغلال تنظيم داعش لحالة التردي الأمني، والصراع السياسي في أفغانستان، مرشح للاستمرار خلال الفترة القادمة، على أن تظل الهجمات المتكررة على المساجد ودور العبادة متصدرة لمشهد عدم الاستقرار باعتبارها الأهداف الأكثر سهولة، والأكبر من حيث عدد الضحايا.


[1] مرصد الإفتاء يدين تفجير مسجد "بيجي" ويرفض فتوى "داعش" باستهداف مساجد الشيعة، بوابة الأهرام، 31/10/2015، على الرابط التالي: https://2u.pw/CcR3H

 


رابط دائم: