سيناريو 2019: هل تبدأ موجة جديدة من التصعيد في الخليج العربي؟
2022-5-30

د. محمد عباس ناجي
* رئيس تحرير الموقع الإلكتروني - خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

يبدو أن مرحلة جديدة من التصعيد سوف تبدأ في منطقة الخليج العربي خلال الفترة القادمة، على ضوء تعثر المفاوضات النووية التي تجري بين إيران ومجموعة "4+1" بمشاركة أمريكية غير مباشرة في فيينا والتي توقفت منذ 11 مارس الماضي، نتيجة الخلافات العالقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما حول رفض الأخيرة مطلب الأولى بشطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الأجنبية.

وتبدو مقدمات هذه المرحلة مشابهة لما حدث في منتصف عام 2019، عندما بدأت إيران في تخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي رداً على الانسحاب الأمريكي منه وإعادة فرض العقوبات الأمريكية، بالتوازي مع مهاجمة مصالح أجنبية وخليجية في المنطقة، فضلاً عن احتجاز سفن تابعة لدول غربية، مثل بريطانيا.

وقد انتهت هذه المرحلة بالضربة القوية التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية، في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلى إيران عندما قامت بقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني برفقة نائب أمين عام مليشيا "الحشد الشعبي" العراقية أبو مهدي المهندس في بغداد في 3 يناير 2020، وهى الضربة التي ما زالت إيران تعاني منها حتى الآن، بدليل ارتباكها الواضح في إعادة ترتيب أوراقها من جديد، لاسيما في العراق ولبنان.

ورغم أن هناك محوراً أساسياً للاختلاف بين مرحلة 2019 والمرحلة الحالية، حيث تقوم إسرائيل بالدور الأبرز في مواجهة إيران، في حين ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية مهتمة بالوصول إلى صفقة نووية مع الأخيرة، بالتوازي مع محاولاتها فرض ضغوط عليها عبر رفض الاستجابة لطلبها الخاص بشطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن فرض عقوبات جديدة على بعض شبكات التمويل الخاصة بالحرس الثوري وحزب الله اللبناني، إلا أن النتيجة واحدة في النهاية، وهى تصعيد حدة التوتر في الخليج العربي، على نحو ربما يصل إلى مستوى غير مسبوق، خاصة أن المُحفِّزات التي يمكن أن تؤدي إلى ذلك قائمة بقوة.

ملاحظتان رئيسيتان

أهم مُحفِّزات هذا التصعيد تتمثل في استمرار إسرائيل في تنفيذ عمليات أمنية نوعية داخل إيران، كان آخرها مهاجمة منشأة "بارشين" العسكرية التي تضم موقعاً لإنتاج الطائرات من دون طيار "الدرونز" في 25 مايو الجاري. وقد ردت إيران على ذلك بالكشف عن قاعدة جديدة لـ"الدرونز" في جبال زاجروس، في 28 من الشهر نفسه.

لكن ثمة ملاحظتين مهمتين في هذه الخطوة الإيرانية الأخيرة: الملاحظة الأولى، أن الجيش الإيراني، وليس الحرس الثوري، هو الجهة التي تولت هذه المهمة وهى الكشف عن القاعدة السرية الجديدة التي تسمى "قاعدة المسيَّرات الاستراتيجية 313". إذ قام رئيس هيئة الأركان الجنرال محمد باقري، برفقة القائد العام للجيش الجنرال عبد الرحيم موسوي، بزيارة القاعدة معلناً أن "إيران أصبحت من أهم الدول التي تقوم بتصنيع الطائرات من دون طيار، في المنطقة والعالم"، ومشيراً إلى أن "المواجهات العسكرية الراهنة بجميع أشكالها الدفاعية والهجومية والبرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي والحروب السيبرانية والعمليات الاستطلاعية وما شاكل ذلك، عززت من دور الطائرات المسيَّرة الحديثة والمتطورة مقارنة بسائر المعدات والأجهزة الإستراتيجية".

والملاحظة الثانية، أن إيران لم تتحرك لاتخاذ تلك الخطوة إلا بعد الهجوم الأخير على بارشين، رغم أن هذا الهجوم سبقه عملية أمنية نوعية أخرى تتمثل في اغتيال العقيد في "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري حسن صياد خدايي أمام منزله في العاصمة طهران. ويعني ذلك أن إيران حرصت على الرد على هجوم بارشين عبر الإعلان عن القاعدة الجديدة، فيما تركت الرد مفتوحاً على عملية اغتيال خدايي، التي تمثل بدورها ضربة قوية، نظراً للمهام التي كان يقوم بها الأخير، سواء لسابق مشاركته في الحرب داخل سوريا أو لإشرافه على عمليات نقل تكنولوجيا خاصة بالصواريخ إلى حزب الله اللبناني.

وهنا، فإيران قد ترد على تلك الضربة عبر استهداف مصالح إسرائيل في المنطقة أو خارجها، مستعينة بالحرس الثوري أو بالمليشيات الموالية لها داخل دول الأزمات، سواء القريبة من حدود إسرائيل أو القريبة من خطوط المواصلات العالمية.

رسائل متعددة

تعمد إيران الإعلان عن قاعدة المسيَّرات الجديدة يمكن تفسيره في ضوء رغبتها في توجيه رسائل عديدة إلى الداخل والخارج: الرسالة الأولى، أن القدرات العسكرية ليست منحصرة في الحرس الثوري، وأن ما يطرح حول وجود استياء من جانب الجيش الإيراني تجاه النفوذ الواسع لـ"الپاسداران" لا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض.

والجدير بالذكر في هذا السياق، أن تقارير عديدة سبق أن استندت، لإضفاء زخم على هذا الترجيح، إلى الحوار الذي أجرته وكالة أنباء "إرنا" مع المنسق المساعد لقائد الجيش الأدميرال حبيب الله سياري، في 31 مايو 2020- والذي سرعان ما تم حذفه بعد ذلك- وقال فيه أن "الجيش الإيراني لا يتدخل في السياسة" مضيفاً أن "التسييس مضر جداً بالقوات المسلحة التي لا تتدخل أيضاً في الاقتصاد لأنه بعيد عن أصل قضيتها وتتجنب الأدوار الموازية"، وهى كلها أوصاف تنطبق في المقام الأول على الحرس الثوري الذي كان تشكيله في الأساس بدافع رغبة النظام في تأسيس قوات موازية للجيش النظامي لتشككه في ولاء الأخير له، فضلاً عن أنه يمتلك شبكة اقتصادية واسعة النطاق ويحظى بنفوذ واسع على المستوى السياسي داخل وخارج إيران.

والرسالة الثانية، أن العمليات الأمنية التي تقوم بها إسرائيل لن تؤثر بشكل كبير على قدرات إيران العسكرية أو تخصم منها، خاصة أن إيران، وفقاً لهذه الرؤية، تمكنت من نشر منشآتها العسكرية والنووية على نطاق واسع من أراضيها وبعضها يخضع لحماية شديدة خاصة أنها تقع تحت الأرض. وقد كان لافتاً في هذا السياق، أن الحرس الثوري أعلن بدوره، في 5 مارس الماضي، عن قاعدتين للصواريخ والمسيَّرات، تضمان، حسب البيان الذي أصدره، منظومات صواريخ أرض - أرض بمعدات متطورة، وطائرات مسيَّرة هجومية قادرة على اختراق رادارات ودفاعات العدو يصل مداها إلى 2000 كيلو متر. وقد جاءت هذه الخطوة رداً على الهجوم الذي نفذ باستخدام 6 طائرات من دون طيار، في 12 فبراير الماضي، واستهدف موقعاً لإنتاج وتخزين "الدرونز".

لكن من دون شك، فإن هذه الرسالة لا تخصم من حقيقة أن إيران تتعرض لاختراق أمني شديد، رغم كل الإجراءات التي تتخذها لحماية منشآتها النووية والعسكرية وعلماءها وقادتها العسكريين، لدرجة دفعت بعض المسئولين إلى توجيه انتقادات شديدة لأداء الأجهزة الأمنية، على غرار مساعد الرئيس للشئون الاقتصادية محسن رضائي الذي سبق أن قال، في 14 أبريل 2021، أن هذه الأجهزة أصيبت بـ"تلوث أمني". بل إن الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد سبق أن قال، في 12 يونيو 2021، أن رئيس هيئة مكافحة التجسس في وزارة الاستخبارات كان في الأساس جاسوساً لصالح جهاز "الموساد" الإسرائيلي.

والرسالة الثالثة، أن إيران في وارد أن تشن هجمات عسكرية مباشرة في الفترة القادمة، على غرار الهجوم الذي شنته على مدينة أربيل العراقية، في 15 مارس الماضي، واستهدفت فيه ما وصفته بأنه "قاعدة سرية" لجهاز الموساد الإسرائيلي، وذلك بهدف رفع كُلفة العمليات الأمنية التي تتعرض لها، والتي تتوقع أنها لن تتأثر بالمسارات المحتملة للمفاوضات النووية التي توقفت في فيينا، بما يعني أنها ستتواصل، في الغالب، سواء انتهت هذه المفاوضات بالوصول إلى صفقة نووية جديدة تعزز من احتمالات استمرار العمل بالاتفاق النووي، أو فشلت وأعادت أزمة الملف النووي الإيراني إلى مربعها الأول من جديد.

في النهاية، يمكن القول إن المنطقة تبدو مقبلة على مرحلة جديدة من التصعيد، على أكثر مستوى. ففضلاً عن تزايد احتمالات اندلاع مواجهات محدودة، مباشرة وغير مباشرة، بين إيران وإسرائيل، فإن ارتدادات ذلك سوف تنعكس بشكل واضح على التفاعلات التي تجري داخل دول الأزمات، التي تشهد بدورها استحقاقات سياسية صعبة، خاصة في العراق ولبنان واليمن.

 


رابط دائم: