انتخاب شيخ محمود.. مرحلة جديدة من مواجهة التحديات فى الصومال
2022-5-18

د. أميرة محمد عبد الحليم
* خبيرة الشئون الأفريقية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

بعد عام من المشاحنات والتوترات، تمكن الصوماليون، فى 15 مايو 2022، من انتخاب رئيس للبلاد، إلا أن هذه التطورات الجديدة في المشهد السياسى لا تشير إلى توقعات مختلفة فى التعامل مع التحديات ومعالجة الأزمات التى أسفرت عنها ثلاث عقود من انهيار الدولة الصومالية، عجزت خلالها القوى السياسية عن الوصول إلى توافق وتحقيق وحدة البلاد حتى لا تظل الصومال دولة ضعيفة وفاشلة يتكالب على استغلالها فاعلون إقليميون ودوليون وتستبيح أراضيها التنظيمات الإرهابية، هذا فضلاً عن عوامل الجفاف وتغيرات المناخ التى تتراجع قدرات الدولة عن التكيف معها وسط فشل واضح للمبادرات الخارجية فى دعم جهود استعادة الاستقرار فى هذه الدولة التى تمتلك موقعاً حيوياً فى منطقة القرن الأفريقى وتطل بسواحلها على أحد أهم الممرات البحرية الدولية، مما جعل الأزمة الصومالية تتفاعل مع العديد من الأزمات والمنافسات الإقليمية وكذلك الدولية.

أمام هذا المشهد شديد التعقيد، ينتظر الرئيس الجديد للصومال حسن شيخ محمود- الذى يتولى رئاسة البلاد للمرة الثانية، حيث كان على رأس السلطة خلال الأعوام 2012-2017، وكان أول رئيس تولى قيادة مؤسسات الحكم الدائمة- جملة من المهام الصعبة التى تتطلب ضرورة إعادة التفكير وتقديم خطط مرنة لمعالجة هذه التحديات مع إعادة رسم علاقات الصومال الخارجية وخاصة مع دول الجوار وعدد من القوى الإقليمية والدولية.

التوافق السياسى

من أهم القضايا التى تنتظر رؤية مختلفة من الرئيس شيخ محمود ما يرتبط بتحقيق التقارب بين الفرقاء الصوماليين، فقد كشفت الأزمة السياسية التى عاشتها الصومال على مدار العام الماضى عن عمق الانقسامات التى تشهدها الساحة السياسية الصومالية، بعد أن قرر الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو تمديد فترة ولايته وإقرار البرلمان لهذا التمديد فى أبريل 2021. ورغم تراجعه عن هذا القرار تحت ضغط الاحتجاجات والمعارضة ورفض المجتمع الدولى، إلا أن الأزمة السياسية التى تفاقمت بين الرئيس فرماجو ورئيس الوزراء حسين روبلى قد زادت من التجاذبات وخلقت حالة من الاستقطاب على مستوى الولايات والمؤسسات الرسمية كان لها آثار خطيرة على الاستقرار فى البلاد.  

وكان أحد الملامح المعبرة عن الأزمة بين الرئيس فرماجو ورئيس وزرائه حسين روبلى حدوث بعض الانشقاقات داخل الجيش الصومالى لدعم طرف على حساب الآخر، حيث استخدم الرئيس فرماجو الجيش الذى يضم مختلف العشائر الصومالية لمواجهة المعارضة. كما أدت الأزمة إلى زيادة هشاشة الحكومة التى أصبحت على حافة الهاوية بعد أن استهلكها الصراع بين الرئيس ورئيس الوزراء للسيطرة على وكالة المخابرات والأمن الوطنية[1].

كما تنتظر شيخ محمود مهمة أخرى أكثر صعوبة تتعلق بمحاولة جذب الولايات الفيدرالية نحو المركز، حيث جاء تشكيل النظام الفيدرالى فى البلاد متناغماً مع مصالح بعض القوى الإقليمية (إثيوبيا وكينيا) وكذلك القوى الاستعمارية، إلا أن هناك العديد من الولايات التى تتعامل على أنها دولة مستقلة وترفض التجاوب مع الحكومة المركزية وتصيغ علاقاتها مع كينيا وإثيوبيا على حساب المصالح الصومالية. ويترتب على ذلك صعوبة استكمال الدستور المؤقت في البلاد، فعلى مدار تسع سنوات فشلت الكتل السياسية داخل البرلمان الاتحادى فى تحقيق هذه المهمة للحد من الخلافات الدستورية بين مؤسسات الدولة على ضوء المصالح الضيقة للولايات، حيث يعول الكثيرون على البرلمان الاتحادى الحادى عشر الذى تم انتخاب أعضائه مؤخرا فى أبريل 2022 للقيام بهذه المهمة لإنهاء الأزمة السياسية فى البلاد وكذلك إنشاء المحكمة الدستورية التى تختص بالفصل فى مدى دستورية القوانين والمراسيم الصادرة عن السلطة التشريعية والتنفيذية والنزاعات بين الحكومة والولايات الفيدرالية المحلية[2].

معالجة أزمة الجفاف

في الوقت نفسه، تواجه الصومال ومنطقة القرن الأفريقي بأكملها، موجة من أشد موجات الجفاف حدة منذ أربع عقود. وقد حذر جيمس سوان الممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة الصومال (UNSOM)، مجلس الأمن مؤخراً من أن حوالي 7.7 مليون صومالي يحتاجون إلى مساعدات إنسانية هذا العام، منهم 4.3 مليون متأثر بالجفاف وأكثر من 270 ألف نازح. ويخشى موظفو الطوارئ من تكرار المجاعة المدمرة في عام 2011، والتي أودت بحياة 260 ألف شخص - نصفهم من الأطفال دون سن السادسة[3].

ووفقاً لتقييم الأمن الغذائي والتغذية في الصومال الذي تم إصداره مؤخراً، والذي نشرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، من المحتمل أن يعاني أكثر من 1.4 مليون طفل في الصومال - ما يقرب من نصف سكان البلاد دون سن الخامسة - من سوء التغذية الحاد بسبب الجفاف المستمر.

كما أجبر النقص الحاد في المياه العائلات على الهجرة إلى المراكز الحضرية وشبه الحضرية، مما أضاف إلى 2.9 مليون شخص نزحوا بالفعل بسبب الصراع وتغير المناخ، وارتفعت أسعار المياه في بعض المناطق الأكثر تضرراً بنسبة تصل إلى 72%. وقد أشار سوان إلى أن خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية للصومال ممولة حالياً بنسبة 2% فقط، وكرر دعوته للمانحين لزيادة دعمهم[4].

تصاعد عمليات حركة الشباب

وعلى الرغم من أنه يُنسب للرئيس شيخ محمود الفضل في طرد حركة الشباب من بعض البلدات خلال فترة رئاسته الأولى (2012-2017)، إلا أنه فشل في توجيه ضربة قاصمة للمسلحين الذين يسيطرون الآن على مناطق من الصومال ويقومون بعمليات ابتزاز مربحة. وقد كان للعمليات التى قادتها القوات الأفريقية ضد الحركة فى الصومال خلال السنوات الأخيرة دور كبير فى خروجها من مدن كبيرة كانت تحتلها ومنها مدينة كيسمايو، حيث كانت الحركة تستخدم مينائها فى تهريب الفحم، إلا أن تراجع العمليات النوعية، والقصف الجوي اللذين كانت تنفذهما القوات الأمريكية (أفريكوم)، وتقليص أعداد القوات الأفريقية استعداداً لإنهاء مهمة هذه القوات التى تعمل فى الصومال منذ عام 2007 وتسليم مهام حماية مؤسسات الحكم والمدنيين ومكافحة الإرهاب للقوات المسلحة والشرطة الصومالية، التى لا تزال فى طور التدريب، وكذلك مع استمرار مصادر التمويل الذاتى للحركة، حيث تسيطر على المناطق الزراعية ومناجم التنقيب عن المعادن وتحصل على الأموال من السكان في صورة ضرائب وزكاة، كل ذلك مكن الحركة من السيطرة على مناطق واسعة جنوب ووسط البلاد، هذا فضلاً عن أن تصاعد التوترات السياسية فى البلاد منذ الإعلان عن تأجيل الانتخابات البرلمانية فى عام 2018 شجع الحركة على زيادة عملياتها بل واسترداد بعض المدن التى فقدتها خلال معاركها ضد القوات الحكومية المدعومة من القوات الأفريقية وفى بعض الأحيان دون مقاومة من القوات الأمنية فى هذه المدن.

وكثفت الحركة عملياتها ضد القوات الأفريقية، وكان آخر هذه العمليات التفجيرات التى استهدفت وسط العاصمة فى مارس 2022 وأودت بحياة 48 شخص، والتفجيرات التى تعرضت لها القوات الأفريقية فى 5 مايو الجارى وقتل فيها عشرة جنود بورونديين، كما قامت الحركة باستهداف العديد من المسئولين والسياسيين.

ويبدو أن القرار الذى اتخذته إدراة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فى بداية مايو الجارى، بنشر المئات من قوات العمليات الخاصة مرة أخرى داخل الصومال، يعكس التهديدات التى باتت توجهها الحركة - التى تمثل أحد الفروع المحلية لتنظيم القاعدة– سواء على المصالح الدولية أو الإقليمية، وإدراكاً للعواقب التي أنتجتها سياسة الإدارة الأمريكية السابقة، التي اتجهت إلى سحب جميع القوات الأمريكية البرية التى بلغ عددها 700 ونقلها إلى جيبوتى وكينيا كجزء من استراتيجية الولايات المتحدة لسحب قواتها من أنحاء مختلفة من العالم. كما وافق بايدن على طلب البنتاجون بصلاحية دائمة لاستهداف حوالي عشرة من القادة المشتبه بهم في حركة الشباب[5].

ومن ناحية أخرى، قرر الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والحكومة الصومالية أنه في 1 أبريل 2022، يتم استبدال بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ببعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS). وستعمل البعثة الجديدة حتى نهاية عام 2024، وبعد ذلك سيتم تسليم جميع المسئوليات إلى قوات الأمن الصومالية. وتبلغ قوة ATMIS حوالي 18000 جندي، و1000 شرطي و70 مدنياً، حيث تقترب فى العدد والتفويض من بعثة "AMISOM"، إلا أنها تتميز بوجود جدول زمني من أربع مراحل للعمل مع الحكومة الصومالية لتنفيذ خطة انتقال المهام الأمنية إلى القوات الصومالية، هذا فضلاً عن إعطاء الأولوية للتغييرات التشغيلية، حيث ستختلف ATMIS عن AMISOM من خلال تطوير المزيد من القوات المتحركة والمرنة في كل قطاع من قطاعات المهمة. وستتمثل مهمة قوات الرد السريع ذات القدرات التمكينية بشكل أساسي في إضعاف حركة الشباب وغيرها من الجماعات المسلحة المتطرفة بسرعة[6].

وأخيراً، يمكن القول إن التوترات السياسية وحالة الاستقطاب التى تشهدها البلاد منذ عام 2021 تهدد المكاسب التى تحققت خلال السنوات السابقة، وتظل المهمة الأصعب للرئيس الصومالى الجديد هو تجميع الفرقاء وتوحيد النخبة السياسية على أولويات المصالح الوطنية الصومالية، والاعتماد على أصحاب الرأى والسياسيين المحترفين. ويبدو أن اختيار نواب البرلمان لحسن شيخ محمود يسعى إلى تحقيق هذا الهدف، إذ لن تأتى تسوية الأزمة السياسية فى الصومال من خارج البلاد، حتى تبتعد الصومال عن سياسات المحاور الإقليمية التى تعرضت لها فى إطار تصفية الحسابات بين عدد من القوى الإقليمية وكذلك السياسات التوسعية لبعض الدول خلال السنوات الأخيرة. كما تمر العديد من دول الجوار الصومالى بمشكلات داخلية تستبعد وضع قضية الاستقرار الداخلى فى الصومال ضمن أجندة تحركاتها الخارجية، إلا بالقدر الذى يحقق مصالح هذه القوى فى المقام الأول ويحميها من التهديدات الناجمة عن انتشار الفوضى فى الصومال.

وعلى المستوى الدولى، يبدو أن القوى الدولية المختلفة تعيد حساباتها فيما يتعلق بمبادرات تحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب فى الصومال، إلا أن هذه القوى ذاتها لديها أجندات عمل كثيرة فى مناطق أخرى من العالم مما يغلف تحركاتها ازاء الصومال بالكثير من التردد ويفقد هذه التحركات الاستمرارية والجدية فى التعامل مع التحديات والتهديدات التى تحيط بهذه الدولة.  


[1] Michelle Gavin , Somalia’s Ongoing Political Crisis Exposes Fundamental Problem for U.S. Policy, September 15, 2021, https://www.cfr.org/blog/somalias-ongoing-political-crisis-exposes-fundamental-problem-us-policy

[2] Somalia: UN welcomes end of fairly contested presidential election, calls for unity , 16 May 2022, https://news.un.org/en/story/2022/05/1118292

[3] Somalia readies for Sunday presidential vote to end instability , 13-5-2022, https://www.africanews.com/2022/05/13/somalia-readies-for-sunday-presidential-vote-to-end-instability/

[4] Somalia: Elections must be finalized amid worsening drought, Security Council hears, 15 February 2022 , https://news.un.org/en/story/2022/02/1112022

[5] Biden Approves Plan to Redeploy Several Hundred Ground Forces Into Somalia, 16.5.2022, https://www.nytimes.com/2022/05/16/us/politics/biden-military-somalia.html

[6] MERESSA K DESSU, Is the AU mission in Somalia changing in name only?, 29 MAR 2022, https://issafrica.org/iss-today/is-the-au-mission-in-somalia-changing-in-name-only


رابط دائم: