أزمة قاليباف تلقي الضوء على شبكة المصالح الاجتماعية في إيران
2022-4-30

د. محمد عباس ناجي
* رئيس تحرير الموقع الإلكتروني - خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

أثار الكشف عن الزيارة التي قامت بها عائلة رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) الإيراني محمد باقر قاليباف إلى اسطنبول، بغرض شراء مستلزمات حفيد قاليباف، جدلاً واسعاً داخل إيران، خاصة أن رئيس مجلس الشورى سبق أن دعا إلى دعم شراء الإنتاج الوطني وانتقد شراء مستلزمات الأطفال من الخارج. وقد دفع ذلك بعض النشطاء إلى دعوة قاليباف للاستقالة، لاسيما أن اسمه مرتبط بحالات وقضايا فساد عديدة،  أثناء توليه منصب رئيس بلدية طهران، فضلاً عن أن مظاهر البذخ التي صاحبت رحلة العائلة- زوجته زهرا مشير وابنته مريم وزوجها امير رضا بحيرايى- لا تتوافق مع الظروف المعيشية الصعبة التي تواجهها إيران في الفترة الحالية بسبب استمرار تداعيات العقوبات الأمريكية، كما أنها ارتبطت بمحاولة استغلال نفوذ بعد أن ضغطت العائلة على سلطات المطار لإدخال عدد كبير من الحقائب. وقد اضطر الياس، ابن قاليباف، إلى تقديم اعتذار الأسرة عن ما حدث، معتبراً أنه "خطأ لا يغتفر".

المهم في كل ذلك، هو أن هذه الحادثة- التي لم تكن الأولى من نوعها وقد يكون الكشف عنها مرتبطاً بتصفية حسابات سياسية بين قاليباف وخصومه من تيار المحافظين الأصوليين- تلقي الضوء مجدداً على قضية هامة ترتبط بالتوازنات الاجتماعية والسياسية التي يعتمد عليها نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. إذ تمثل العائلة ركناً أساسياً في تلك التوازنات. ورغم أن ذلك قد يبدو منطقياً في ظل القواسم المشتركة الاجتماعية والثقافية بين دول منطقة الشرق الأوسط، التي يتزايد فيها تأثير الانتماءات الأوّلية، على غرار القبيلة والعائلة، إلا أنه اكتسب في إيران نوعاً من الخصوصية والتفردية عند مقارنته بالحالات الأخرى.

إذ يرتبط تأثير العائلة بظاهرة المصاهرات الاجتماعية والسياسية، التي تحولت إلى سمة رئيسية في التفاعلات التي تجري على الساحة الداخلية الإيرانية، وتكاد تشكل متغيراً رئيسياً له دور في تحديد توازنات القوى السياسية داخل النظام الإيراني. ورغم أن ذلك قد لا يعبر عن سمة جديدة برزت في إيران، حيث يعود، في قسم منه، إلى متغيرات مجتمعية عديدة، منها الدور البارز للارستقراطية الدينية على مدار التاريخ الإيراني، وتزايد تأثير "العائلات" الكبيرة على اتجاهات تلك التفاعلات، إلا أنه بدا بارزاً على نحو غير مسبوق في العقود الأخيرة.

ويمكن أن تمثل عائلة المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي نموذجاً من ضمن نماذج عديدة في هذا السياق، حيث إن التمعن في دراسة وتتبع خريطة المصاهرات السياسية والاجتماعية في النظام يكشف أن كثيراً من المسئولين يرتبطون بعلاقات، مباشرة أو غير مباشرة، بعائلة، أو بمعنى أدق بيت المرشد. وباتت هذه الظاهرة تشبه الدوائر المتصلة، فلا تكاد تنتهي من دائرة حتى تكتشف أنها تتصل بدوائر أخرى.

كان العنوان الأبرز لهذه المصاهرات الاجتماعية والسياسية في بيت خامنئي، هو زواج ابنه الأول مصطفى من ابنة رجل الدين البارز آية الله خوشوقت، وزواج ابنه الثاني مجتبي من ابنة رئيس مجلس الشورى الأسبق القيادي البارز في تيار المحافظين الأصوليين غلامعلي حداد عادل، في حين يرتبط ابنه الثالث مسعود بعلاقة مصاهرة مع عائلة خرازي، وهى عائلة نافذة في الخارجية الإيرانية، حيث تولى كمال خرازي وزارة الخارجية في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ويتولى حالياً منصب مستشار المرشد وهو عم زوجة مسعود، شقيقة الدبلوماسي الأسبق أمين عام حزب "نداى ايرانيان" (صوات الإيرانيين) صادق خرازي، وهو ابن المرجع الشيعي عضو مجلس الخبراء الأسبق محسن خرازي. ويرتبط صادق خرازي بعلاقة مصاهرة مع عائلة خاتمي، إذ أن ابنه متزوج من ابنة محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس الأسبق محمد خاتمي. واللافت أن عائلة خاتمي بدورها ترتبط بمصاهرات اجتماعية ودينية بارزة. فرضا خاتمي متزوج من زهرا اشراقي حفيدة مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني، في حين تزوج الرئيس الأسبق خاتمي من زهره صادقى ابنة شقيقة الإمام موسى الصدر.

وتزوج ميثم، الابن الرابع لخامنئي، من ابنة محمود لولاچیان أحد أبرز تجار البازار المرتبطين بعلاقات قوية مع نخبة رجال الدين في طهران. أما ابنتا خامنئي، فقد تزوجت الكبرى "بشرى" من ابن آية الله محمدی گلپایگانی الذي يشغل منصب مدير مكتب المرشد، وهو منصب رفيع داخل مؤسسات النظام الإيراني، في حين تزوجت الصغرى "هدى" من مصباح الهدى باقري كني، وهو شقيق علي باقري كني مساعد وزير الخارجية الحالي رئيس وفد التفاوض الإيراني في مفاوضات فيينا، والإثنان أبناء محمد باقر باقري كني العضو السابق في مجلس الخبراء والمشرف على جامعة الإمام الصادق، وعمهما هو آية الله محمد مهدوي كني رجل الدين البارز رئيس مجلس الخبراء الأسبق والأمين العام الأسبق لـ"جامعه روحانيت مبارز" (جمعية رجال الدين المناضلين) وهى الحزب الأبرز للجناح التقليدي من تيار المحافظين.

قد تكون هذه هى الصورة الأعم، لكن التمعن في علاقات المصاهرة لدى عائلة خامنئي يوحي بأن المسألة ربما تكون أكثر اتساعاً وعمقاً من ذلك، لاسيما عند النظر إلى نسب زوجته منصوره خجسته باقرزاده. إذ تولى شقيقها حسن خجسته باقرزاده منصب نائب مدير إذاعة الجمهورية الإسلامية ويقوم بالتدريس في جامعة الإذاعة والتليفزيون "دانشگاه صدا و سیما"، في حين تولى ابنه كميل رئاسة معهد تبيان، إحدى المؤسسات الإعلامية التابعة للمرشد. أما الابن الثاني، محمد، فيتولى إدارة الموقع الإليكتروني للمرشد[1].

وقد كان لافتاً أن أزمة نشبت وألقت الضوء على موقع حسن خجسته وعلاقته بعائلة المرشد، وذلك بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس الجمهورية الأسبق محمود أحمدي نجاد لموقع "بهار"، في 20 يونيو 2021، واتهم فيها حسن خجسته بمحاولة السفر إلى إسرائيل، في إطار رده على وصف خجسته لقراره بمقاطعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة بـ"الحرام". إذ قال أحمدي نجاد أن "حسن خجسته نسى على ما يبدو أنه وعائلته كانوا ضيوفاً على شركة إسرائيلية في الهند لمدة أسبوعين وكان من المقرر أن يذهبوا إلى تل أبيب عبر تركيا في رحلته القادمة"، وأضاف: "بعد أن علمت بهذه الحادثة كرئيس وأمرنا بمنع السفر إلى إسرائيل وإنقاذه من هذه الفضيحة، تمت إقالته من منصبه في الإذاعة. لكن بسبب المصالح لم يتم التطرق إلى قضاياه"[2].  

دلالات عديدة

يطرح اتساع نطاق تأثير العائلات داخل إيران دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الاهتمام بدور البروباجندا: يمنح نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية اهتماماً خاصاً بالبروباجاندا، خاصة أنها تمثل إحدى آليات التعبئة والتحشيد التي يعتمد عليها النظام في تعزيز قواعده في الداخل ومد نفوذه إلى الخارج. ومن هنا، فإنه يسعى باستمرار إلى تعزيز سيطرته على الآلة الإعلامية الرسمية التي تقوم بالترويج للخطاب الأيديولوجي والسياسي. وقد كان لافتاً أن عدداً غير قليل من أقرباء المرشد السابق ذكرهم يتولون مناصب رئيسية في بعض المؤسسات الإعلامية والدعائية على غرار حسن خجسته. وإلى جانب ذلك، فقد تم تعيين فرشاد مهدی‌پور، وهو صهر حسن خجسته شقيق زوجة خامنئي، في منصب نائب وزير الثقافة لشئون الصحافة والإعلام، في 4 أكتوبر 2021، وسبق أن عمل في وكالة أنباء فارس وصحيفة "جم جام"، وهو مؤسس صحيفة "صبح نو"[3]. لكن نفوذ خامنئي على الآلة الإعلامية لا ينحصر فقط في تعيين أقرباء له داخل تلك المؤسسات أو على رأسها، وإنما يمتد أيضاً إلى امتلاكه صلاحيات تعيين رئيس الإذاعة والتليفزيون وبعض رؤساء تحرير الصحف، على غرار حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة "كيهان"، الذي تعده اتجاهات عديدة بمثابة متحدث باسم المرشد. وقد سبق أن أثار أزمات عديدة، داخلية وخارجية، آخرها عندما دعا، في افتتاحية الصحيفة في 16 أبريل الجاري بعنوان "تحریم را از کره جنوبی آغاز کنیم!" (فلنبدأ العقوبات بكوريا الجنوبية)، السلطات إلى إغلاق مضيق هرمز في وجه السفن الكورية الجنوبية بسبب امتناعها عن الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة لديها على خلفية العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، على نحو دفع وزارة الخارجية في سيول إلى استدعاء السفير الإيراني لتقديم احتجاج بسبب ذلك.

2- غياب تدوير السلطة داخل النظام: المراقب لدوائر صنع القرار في إيران يكتشف أنها تعاني من غياب تدوير القيادات. فالنظام يعتمد على مجموعة محدودة من المسئولين الرئيسيين، على غرار الرئيس إبراهيم رئيسي الذي كان يتولى- قبل توليه منصبه الحالي- رئاسة السلطة القضائية والإشراف على العتبة الرضوية في مشهد. وهنا، فإن اتجاهات عديدة ترى أن النظام الإيراني يعتمد على ما يسمى بـ"أهل الثقة". وقد أشار رضا حقیقت‌نژاد في مقال على موقع "راديو فردا" بعنوان "۱۵مرد کلیدی دولت پنهان خامنه‌ای"[4] (15 رجل في حكومة خامنئي السرية) إلى أن هناك 15 شخصية في مكتب المرشد علي خامنئي تمارس أدواراً بارزة في عملية صنع القرار، ولها نفوذ واضح على المستويات المختلفة السياسية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية، على غرار مدير مكتب المرشد آية الله محمدی گلپایگانی الذي يرتبط بعلاقة مصاهرة مع خامنئي، وعلي أصغر حجازي المسئول الأمني البارز في مكتب المرشد ويتولى الإشراف على الفرقة الخاصة بحماية الأخير، ووحيد حقانيان نائب مكتب الشئون الخاصة، إلى مجتبي خامنئي الابن الثاني للمرشد.

3- ازدواجية المناصب القيادية: وهى ظاهرة ترسخت داخل النظام، إلى حد أن بعض الشخصيات الرئيسية في النظام تتولى أكثر من منصب حساس في وقت واحد، على غرار آية الله أحمد جنتي رئيس مجلسى الخبراء-المسئول عن تعيين وعزل المرشد الأعلى للجمهورية ومراقبة أعماله- ومجلس صيانة الدستور-المسئول عن مراقبة تشريعات وقوانين مجلس الشورى وتبيان مدى مطابقتها للدستور، والبت في ملفات المرشحين للاستحقاقات الانتخابية المختلفة.

هذه الظاهرة توحي بأن النظام ما زال يعتمد على الرعيلين الأول والثاني من نخبة رجال الدين الذين استطاعوا قيادة الثورة للإطاحة بنظام الشاه رضا بهلوي عام 1979، ولم ينجح في تأسيس طبقة جديدة تستطيع ملء الفراغ الناتج عن غياب الشخصيات الرئيسية، أمثال اكبر هاشمي رفسنجاني رئيس الجمهورية رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الأسبق، الذي توفى في 8 يناير 2017. وربما يعود ذلك، في قسم منه، إلى أن النظام لم يستطع التثبت من مدى إمكانية الاعتماد على "ولاء" هذه النخبة له، ومن ثم، فقد بدأ يعتمد على خيارات أخرى لـ"الولاء"، مثل المصاهرات الاجتماعية.

4- تعزيز فرص مجتبي في خلافة خامنئي: تثار دائماً تساؤلات حول فرص وصول مجتبي خامنئي إلى المنصب الأهم في إيران الذي يتولاه والده في الوقت الحالي. إلا أن ثمة إشكاليات عديدة يمكن أن تواجهه في هذا السياق، أهمها ضعف مؤهلاته الدينية، إلى جانب افتقاده للخبرة السياسية. وهنا، ولمواجهة هذه الإشكاليات، ربما يكون خامنئي قد عمل على تعزيز فرص ابنه من خلال تأسيس شبكة قوية من المصاهرات الاجتماعية مع عائلات نافذة في الدولة، فضلاً عن تعزيز حضوره في المكتب الخاص به، حيث يشارك مجتبي في إدارة بعض الملفات، إلى جانب تأسيس علاقات قوية بينه وبين المؤسسات النافذة في النظام على غرار الحرس الثوري والاستخبارات. وقد كان لافتاً أن اسم مجتبي ارتبط بصراعات مع عائلة أخرى نافذة في الدولة، مثل عائلة لاريجاني، التي تضم خمسة أشقاء هم علي وصادق وباقر ومحمد جواد وفاضل. إذ تم إبعاد علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى السابق من الترشح في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في يونيو 2021 وأسفرت عن فوز إبراهيم رئيسي بالمنصب بعد أن رفض مجلس صيانة الدستور ملفه للترشيح دون توضيح أسباب لذلك وإن كانت تقارير عديدة أشارت إلى أن السبب المعلن يتمثل في أن ابنته، فاطمة، تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية بجواز سفر أجنبي.

كما قدم صادق لاريجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام استقالته من عضوية مجلس صيانة الدستور، في سبتمبر 2021، بعد الانتقادات التي وجهها إلى المجلس لاستبعاده شقيقه من الانتخابات. وأشارت تقارير عديدة إلى أن ذلك لا ينفصل عن محاولات مجتبي تعزيز فرصه في الوصول إلى المنصب الأهم، عبر دعم إبراهيم رئيسي لتولي منصب الرئيس، والذي يمكن بدوره أن يساعده في تحقيق ذلك، وإن كان ذلك لا ينفي أن رئيسي نفسه ربما يكون لديه طموح في الوصول إلى المنصب الأهم في النظام.

ختاماً، يبقى نفوذ العائلة سمة مميزة للتفاعلات التي تجري في إيران على المستويات المختلفة، وربما يكون لها تأثير كبير في تحديد وجهة هذا النظام مستقبلاً، خاصة بعد غياب المرشد الأعلى للجمهورية عن المشهد، حيث سيكون لمتغيرات عديدة، مثل دور الحرس الثوري، والمصاهرات الاجتماعية، دور مهم في تحديد من سيتولى قيادة النظام في مرحلة ما بعد خامنئي.


[1] راديو فردا، شبکه خانوادگی علی خامنه‌ای در مؤسسات رسانه‌ای و تحقیقاتی، متاح على: https://2u.pw/SQo6U

[2] انصاف نيوز، افشاگری احمدی نژاد درباره‌ی خجسته، ۳۰ خرداد ۱۴۰۰: https://2u.pw/UhO7l 

[3] اندبندنت فارسى، یک پست دولتی دیگر برای اقوام خامنه‌ای؛ فرشاد مهدی‌پور معاون مطبوعاتی وزارت ارشاد شد، ۴ اُکتُبر ۲۰۲۱: https://2u.pw/v8kyQ

[4] رضا حقیقت‌نژاد، ۱۵مرد کلیدی دولت پنهان خامنه‌ای، راديو فردا، 19 خرداد 1398: https://2u.pw/IXTql


رابط دائم: