فى ظل بروز الملفات ذات الاهتمام المشترك بين مصر والجزائر، بات من الضرورى إحداث مزيد من التقارب لبحث أفضل السبل لمواجهة التحديات ودفع أطر التعاون بين البلدين. وفي هذا السياق، جاءت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للقاهرة التى بدأها في 23 يناير الجارى لتطرح العديد من التساؤلات حول أهم القضايا والملفات المطروحة للنقاش والتشاور بين المسئولين فى الدولتين، وكذلك آفاق التعاون المستقبلى المرتقب عقب هذه الزيارة التى تعد أول زيارة لرئيس جزائرى للقاهرة فى أعقاب الانتفاضة التى عاشها الشعب الجزائرى منذ فبراير 2019، سبقتها زيارة لوزير الخارجية الجزائرية رمطان لعمامرة للقاهرة فى 17 يناير الجارى، وكانت آخر زيارة لرئيس جزائري إلى مصر تلك التي أجراها الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في 2008.كما استهل الرئيس عبدالفتاح السيسى تحركاته الخارجية عقب انتخابه فى يونيو 2014 بزيارة للجزائر.
قضايا رئيسية
يمكن القول إن الزيارة كانت فرصة لإجراء مباحثات حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، التي يتمثل أبرزها في:
1- القضية الفلسطينية: تحظى القضية الفلسطينية باهتمام خاص من جانب الدولتين، حيث تعد مصر دولة محورية فى إدارة ملف التسوية السياسية للصراع الفلسطينى- الاسرائيلى، وتقدم مصر الدعم السياسى والإنسانى للشعب الفلسطينى. كما تساند الجزائر الحقوق الفلسطينية، فقد أعلنت الدولة الفلسطينية من الجزائر فى نوفمبر 1988، كما ينتفض الشعب الجزائرى مع كل محاولة تقوم بها إسرائيل للتعدى على الشعب الفلسطينى أو التنكيل به، وخلال الزيارة التى قام بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) إلى الجزائر، في 7 ديسمبر الفائت، اقترح الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون استضافة الجزائر للفصائل الفلسطينية لتقريب وجهات النظر بينها، وقدمت الجزائر مساهمة مالية بقيمة 100 مليون دولار للميزانية الفلسطينية وعدداً من المنح الدراسية للطلاب الفلسطينيين.
2- القمة العربية المرتقبة: لا يمكن فصل الزيارة عن استضافة الجزائر للقمة العربية المرتقبة التى ستعقد فى مارس القادم، وما ستتضمنه من قضايا أهمها رغبة عدد من الدول العربية، فى مقدمتها الجزائر، فى عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بعد أن تم تجميد عضويتها عقب تصاعد الصراع الداخلى بها فى عام 2011.
3- الأزمة الليبية: تتفق مصر والجزائر على أهمية فرض إرادة الشعب الليبي من خلال دعم المؤسسات الليبية وتعزيز الجهود الحالية لتحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة الأراضي الليبية وسيادتها الوطنية، وإجراء الانتخابات الرئاسية التى تم تأجيلها، مع تقديم الدولتين دعمهما الكامل لجهود إعادة إعمار ليبيا.
4- الساحل والصحراء: تتشارك مصر والجزائر فى الاهتمام بقضايا الأمن والاستقرار فى منطقة الساحل والصحراء التى تعج بالتهديدات المختلفة وكذلك التنافسات والأجندات الدولية والإقليمية للنفوذ والتمركز، مما يزيد من الأعباء الأمنية والسياسية على كاهل المؤسسات فى مصر والجزائر. ففضلاً عما تقوم به مصر منذ 2014 من اهتمام بتقديم الدعم التدريبى والتعليمى للمؤسسات العسكرية فى دول الساحل، تحتل منطقة الساحل أولوية متقدمة فى ترتيبات الأمن الجزائرية المرتبطة بالجوار. ومنذ سنوات طويلة، تقدم الجزائر مبادرات أمنية مختلفة تتشارك فيها مع دول المنطقة، إلا أن التدخل العسكرى الفرنسى فى المنطقة منذ عام 2013 قد حد من قدرة الجزائر على تقديم الدعم لدول الساحل وخاصة فى حربها ضد التنظيمات الإرهابية.
وتزيد التطورات الأخيرة التى تشهدها منطقة الساحل والصحراء من أهمية التعاون بين مصر والجزائر فى القضايا الحرجة لهذه المنطقة، حيث بدأت القوات الفرنسية التى تدخلت عسكرياً فى شمال مالى فى يناير 2013 وتباشر عملية عسكرية تشمل دول الساحل الخمسة (G5) فى الانسحاب من المنطقة، فى الوقت الذى تتزايد فيه سطوة التنظيمات الإرهابية فى الإقليم سواء الموالية لتنظيم "القاعدة" أو تنظيم "داعش"، مما يفرض تهديدات مختلفة على كافة الدول الأفريقية وخاصة فى إقليم الشمال الأفريقى.
وقد قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس عبد المجيد تبون، أنه تم التوافق على تطوير التعاون فى المجالات الاقتصادية والاستثمارية وتذليل أية عقبات تمنع ذلك. وأكد أنه تم التوافق على توجيه الأجهزة المعنية في البلدين لعقد آلية تشاورية مشتركة وتعميق وتعزيز الأطر والتنسيق إزاء القضايا ذات الاهتمام المشترك. وأضاف: "اتفقنا على التصدي للإرهاب بمفهومه الشامل وتكثيف الجهود لمواجهة أي استقطاب للعناصر الإرهابية وتجفيف منابع التمويل لهذه التنظيمات".
5- قضية سد النهضة: انخرطت الجزائر، فى أغسطس 2021، فى محاولة لتسوية أزمة سد النهضة، حيث جاءت التحركات الجزائرية على إثر نقل القضية إلى الاتحاد الأفريقى. وقد أكد الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون على تجاوب مصر والسودان مع جهود التسوية التى بذلتها الجزائر عبر زيارات مكوكية قام بها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى إثيوبيا والسودان ثم مصر.
آفاق التعاون
تحمل هذه الزيارة آفاقاً واسعة لتطوير العلاقات بين مصر والجزائر، وخاصة فى ظل التحديات المشتركة التى تواجهها الدولتان، والتى تؤكد على أهمية التعاون والتكامل وخاصة بين الدول التى تمتلك قدرات مختلفة ولها أدوار إقليمية متميزة فى محيطها العربى والأفريقى.
ومن المنتظر أن تسفر هذه الزيارة عن تطوير التعاون الاقتصادى بين البلدين، حيث تقيم عدد من الشركات المصرية الكبرى فروعاً لها بالجزائر مثل شركة المقاولون العرب وشركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة، وشركة أوراسكوم تيليكوم للاتصالات، وتتزايد أعداد العمالة المصرية فى الجزائر، كما تشهد الدولتان ترتيبات لتطبيق حزم من الإصلاحات الاقتصادية التى تتبناها الحكومة المصرية وكذلك الحكومة الجزائرية خلال عام 2022، هذا فضلاً عن حاجة الدولتين للتعاون فى مجالات الإنشاءات والطاقة المتجددة، وتبادل الخبرات فى مجالات النقل الجوى والسياحة، مع السعى لتفعيل مجلس الأعمال المصرى–الجزائرى، مما يدعم الاستثمارات المشتركة بين الدولتين.
وأخيراً، يمكن القول إن التحديات المشتركة، والتطورات المتلاحقة التى تشهدها البيئتان الأمنية والسياسية فى الشرق الأوسط وأفريقيا وكذلك الجوار الأوروبى خلال السنوات الأخيرة، فضلاً عن تاريخ التقارب وعلاقات الأخوة التى جمعت بين مصر والجزائر فى مراحل تاريخية مختلفة وخاصة خلال المرحلة الاستعمارية، تعيد جذب الدولتين إلى المسار الصحيح للتعاون والتعاضد لتعزيز القدرات وتبادل الخبرات والحد من الآثار الضارة التى تنتجها التهديدات على الأمن والاستقرار فى الدولتين. كما تفرض هذه العوامل على الدولتين البحث عن أطر مختلفة للترابط من أجل مواجهة التدخلات الخارجية وكذلك محاولات إدماج الدول العربية والأفريقية فى تحالفات ومخططات بعيدة عن مصالحها السياسية والأمنية وأهدافها المستقبلية.
وفى ظل الدوائر المختلفة التى تجمع بين مصر والجزائر، سواء الدائرة العربية أو الأفريقية أو الإسلامية أو رابطة دول البحر المتوسط أو رابطة دول الجنوب، هذا فضلاً عما يجمع الشعبين المصرى والجزائرى من علاقات إنسانية وعائلية تتجاوز مواقف الاختلاف، ترحب مصر بتطوير العلاقات الثنائية مع الجزائر خلال هذه المرحلة التى يعيشها الشعب الجزائرى ويتطلع إلى أن يتلقى المساندة من كل الأشقاء فى مسيرته لاسترداد دولته وإعادة بناء جزائر جديدة على قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة، مع التعاون بين الدولتين فى الملفات المشتركة للعب أدوار إقليمية ودولية داعمة للحقوق العربية والأفريقية والتصدى لمحاولات استغلال القوى الخارجية للاضطرابات والصراعات فى النطاقين العربى والأفريقى فى تنفيذ أجنداتها، مع تدعيم الوحدة والسيادة الوطنية لكل الدول مما يحقق الاستقرار والأمن والتنمية ويبعد شبح التدخلات الأجنبية.