المناورات العسكرية في غزة ورسائل الفصائل الفلسطينية
2022-1-21

عبير ياسين
* خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

مقدمة

في الوقت الذي شهدت فيه الأراضي الفلسطينية في نهاية عام ٢٠٢١ موجة جديدة من التصعيد أطلق عليها "انتفاضة لجم الاستيطان"، بكل ما يرتبط بها من تزايد عنف المستوطنين والمقاومة الشعبية في المدن والقرى الفلسطينية المستهدفة، أعلنت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة- بشكل أحادي وجماعي- عن القيام بمناورات عسكرية في القطاع. مناورات تكتسب أهميتها من السياق الذي حدثت فيه، والخطاب الذي أحاط بها، والرسائل التي حملتها للأطراف المعنية في الداخل والخارج في اللحظة والمستقبل.

وشملت تلك المناورات إعلان حركة المقاومة الإسلامية- حماس بشكل منفرد عن مناورتها العسكرية الأولى منذ عام ٢٠١٨ باسم "درع القدس"، وإعلان الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة بشكل جماعي عن المناورة العسكرية المشتركة الثانية باسم مناورة "الركن الشديد ٢"، والتي شاركت فيها حماس أيضاً. وفصل بين مناورات "درع القدس"، التي أجرتها كتائب عز الدين القسام- الجناح العسكري لحركة حماس، ومناورات "الركن الشديد ٢" التي شاركت فيها الأذرع العسكرية للفصائل المشاركة فترة قصيرة بما زاد من أهمية المناورات والرسائل التي حملتها.

ويضاف إلى ما سبق ما شهدته نهاية العام الماضي (٢٠٢١) وبداية العام الجاري (٢٠٢٢) من فرص تصعيد متعددة على خلفية تطورات ملف الأسرى ووضع الأسير هشام أبو هواش وتهديدات الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة (أبو طارق)، والصواريخ التي أطلقت من القطاع في بداية العام الجاري والتي سقطت في  البحر قبالة تل أبيب، وتدهور الوضع الصحي للأسير ناصر أبو حميد العضو في كتائب شهداء الأقصى- الجناح العسكري لحركة فتح، واستهداف النقب بالمزيد من خطط التهويد والاستيطان وغيرها من القضايا والنقاط الساخنة والقابلة للتطور والخروج عن حدود التصعيد المقيد الذي تشهده القضية منذ انتهاء حرب غزة الرابعة في مايو ٢٠٢١، بكل ما تحمله مثل تلك التطورات من مخاطر.

وبعيداً عن هذا الربط المفروض بحكم الواقع تم إجراء المناورات من قبل حماس ضمن احتفالات ذكرى توزيع بيانها التأسيسي خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ١٥ ديسمبر ١٩٨٧، في حين أجريت مناورات الفصائل بوصفها المناورة المشتركة الثانية التي تحدث في القطاع بعد مناورة "الركن الشديد" الأولى في ديسمبر ٢٠٢٠، والتي أجريت في ذكرى الحرب الإسرائيلية على القطاع في ٢٠٠٨- ٢٠٠٩، وبهدف واضح هو استمرار وتراكم العمل المشترك. ورغم فكرة الاحتفال والتكرار التي أجريت التدريبات والمناورات المشتركة في إطارها، تكتسب الرسائل المعلنة من قبل قادة الفصائل المشاركة أهميتها من قدرتها على ربط تلك التحركات بالتطورات التي تشهدها القضية الفلسطينية، والتأكيد على جهوزية الفصائل واستعادة قدراتها بعد حرب غزة الرابعة، والاستعداد للتصعيد في حالة عدم تحقيق المطالب الخاصة بإعادة إعمار القطاع، وهو الأمر الذي تزداد أهميته مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للحرب.

وفي الوقت الذي حرصت الفصائل على ترسيخ فكرة التدريبات والمناورات المشتركة بوصفها نواة جيش التحرير الفلسطيني، تحدث القيادي في حماس محمود الزهار على هامش ذكرى إعلان الحركة عما يتوفر في غزة من مقومات للدولة مقارنة بالسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وفي هذا السياق تقدم المناورات المشتركة بوصفها نواة الجيش الفلسطيني القادر على قيادة تحرير فلسطين، وغزة بوصفها نواة التحرير، والمقاومة بوصفها أداته. وبهذا تطرح الصورة الكبرى رسائل الفصائل عن مقومات الدولة وقدرة المقاومة في مواجهة التسوية السياسية، وهي الرؤية التي تطرح العديد من التساؤلات والتحديات على صعيد الداخل الفلسطيني وإسرائيل والأطراف الإقليمية المعنية.  

وبشكل عام، أعادت المناورات وما أحيط بها من مواقف مجموعة من الأفكار الرئيسية إلى الواجهة ومنها الربط بين التحرر والمقاومة مقابل الاستيطان والتسوية السياسية، والمقارنة بين الفصائل والسلطة والخيارات الفلسطينية في اللحظة والمستقبل. خيارات تظل متناقضة والحسم بينها مؤجل في وقت تزامنت فيه المناورات والاتفاق بين الفصائل على أهمية تقوية المقاومة والاستعداد للمواجهة القادمة، مع اللقاء الذي عقد في ٢٨ ديسمبر الفائت بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" ووزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في منزل الأخير في تل أبيب بكل ما أحاط باللقاء من جدل فلسطيني زاد منه تصريحات يائير لبيد وزير الخارجية ورئيس الوزراء المفترض في النصف الثاني من عمر الائتلاف الحكومي، الذي أكد رفضه عقد لقاء مع أبو مازن أو غيره من قادة السلطة بدون موافقة الائتلاف الحكومي في اللحظة أو المستقبل، بما في ذلك فترة توليه رئاسة الوزراء. وتدعم مثل تلك المواقف والتصريحات الإسرائيلية فكرة تهميش المسار السياسي والسلطة، وزيادة الجدل الفلسطيني الداخلي حول التسوية وقدرتها على تحقيق هدف إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفي العمق فكرة المقاومة ووضع الفصائل وأهمية التدريبات والمناورات العسكرية في ترسيخ فكرة الجيش الفلسطيني، والدولة في غزة بوصفها نواة الدولة الفلسطينية التي تراها الفصائل وتسعى إليها.

حماس من "سيف القدس" إلى "درع القدس"

تبدو الصورة واضحة في التعامل مع العنوان الذي اختارته كتائب عز الدين القسام للمناورة التي تمت في ديسمبر ٢٠٢١ وبعد أشهر من حرب غزة الرابعة في مايو الماضي وكل ما ارتبط بها وقاد إليها من تصعيد في المسجد الأقصى والقدس. فإن كانت الحرب تمت تحت عنوان كبير هو "سيف القدس"، تأكيداً على مكانة القدس والأقصى في معادلة فصائل المقاومة، ودفاع الفصائل عبر السيف عن المقدسات والحقوق الفلسطينية عندما تتعرض للخطر، فمن الطبيعي أن تستكمل المعركة بفكرة درع الحماية، وهو المعنى الذي ظهر واضحاً في البيان العسكري للقسام والذي أكد أن المقاومة "ستبقى بعون الله سيف القدس ودرعها حتى دحر الاحتلال وتحرير الأرض والإنسانوالمقدسات."[1]

وأعلنت كتائب القسام انطلاق مناورة "درع القدس" على امتداد القطاع في ١٥ ديسمبر الفائت، على هامش الذكرى ٣٤ لتأسيس الحركة، بهدف عام هو رفع الجهوزية القتالية من خلال "سلسلة من التدريبات العسكرية المتواصلة لمحاكاة مختلف أشكال العمليات القتالية".[2] وإلى جانب الإطار العام، هدفت المناورات إلى إيصال عدة رسائل أبرزها التأكيد على ما أعلنته الفصائل بعد حرب غزة الرابعة من استخدامها لجزء صغير من الأسلحة التي لديها خلال الحرب، وقدرتها على تجديد ما تم استخدامه. ومن التصريحات التي عبرت عن تلك الفكرة تأكيد يحيي السنوار، رئيس حركة حماس في القطاع، في ٥ يونيو الماضي استخدام المقاومة ٥٠ بالمائة من قدراتها العسكرية، وأنها أطلقت الصواريخ القديمة لديها.[3] إلى جانب تأكيد قواعد الاشتباك المعلنة قبل حرب غزة الرابعة ومركزية المسجد الأقصى والقدس في معادلة التصعيد بالتصعيد4][، والتأكيد على عدم تأثير الإجراءات الإسرائيلية على قدرات الفصائل، وخاصة إقامة الجدار الأمني والمناورات العسكرية التي قامت بها إسرائيل في ١١ ديسمبر الفائت لمحاكاة سيناريوهات قتالية مع القطاع وفحص جاهزية واستعداد الجيش الإسرائيلي في المجالات اللوجستية.

ورغم أهمية المناورات العسكرية التي قامت بها حماس في ظل تطورات الأحداث مع نهاية عام ٢٠٢١ دون حل الكثير من القضايا المثارة منذ حرب غزة الرابعة، إلا أنها لم تكن المناورة الأولى، حيث قامت الحركة بإجراء مناورات عسكرية غير مسبوقة في القطاع باسم مناورات "الصمود والتحدي" في ٢٥ مارس ٢٠١٨،[5] والتي تعد آخر مناورات قامت بها القسام[6] قبل مناورات "درع القدس". وتماشت مناورات الصمود والتحدي مع السياق المحيط خلال تلك الفترة، حيث قامت إسرائيل بزيادة قواتها العسكرية على الحدود مع القطاع في ظل الاستعداد لمسيرات العودة في القطاع، وخطط المسير نحو حدود غزة مع إسرائيل في يوم الغضب الفلسطيني. في حين تزامنت مناورات "درع القدس" مع مناورات الجيش الإسرائيلي في منطقة غلاف غزة التي تمثل نقطة اهتمام بالنسبة للسياسية الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في حالة حدوث مواجهة جديدة مع الفصائل، وحيث يتم وضع العديد من الخطط حول كيفية التعامل مع مستوطنات غلاف غزة في المواجهات المستقبلية.

وشملت تدريبات حماس في مناورات الصمود والتحدي إطلاق صواريخ في اتجاه البحر المتوسط،وسيناريوهات الهجوم على نماذج من دبابات الميركافا المستخدمة من قبل الجيش الإسرائيلي.[7] وأظهرت مقاطع الفيديو استخدام عناصر القسام أسلحة مختلفة خلال المناورات مثل القذائف المضادة للدروع، والعبوات الناسفة. وتضمنت مناورات "درع القدس" محاكاة لعمليات عسكرية ضد مواقع الجيش الإسرائيلي في إشارة إلى قدرة الحركة على تجاوز الجدار الفاصل الذي أقامته إسرائيل على حدود القطاع. وتم استخدام صور لشعارات إسرائيلية مختلفة مثل الثعلب الخاص بلواء جفعاتي، أحد ألوية المشاة في الجيش الإسرائيلي، والذي ظهر مقصوص الذيل فيما اعتبر رسالة من الحركة على قدرة القسام على مواجهة وهزيمة الجيش الإسرائيلي. كما تخلل مناورات "درع القدس" استعراض تكتيكات عسكرية جديدة ونوعية بما فيها مهمات تتعلق بأسر جنود إسرائيليين[8]، وتوجيه تعليمات لهم باللغة العبرية إلى جانب تدمير مواقع وأبراج عسكرية. واكتسبت عمليات أسر الجنود اهتماماً خاصاً في ظل أهمية ملف الأسرى لحماس والفصائل، والتعامل مع أسر الجنود الإسرائيليين بوصفه وسيلة لتحرير الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وخاصة مع تكرار تجربة أسر الجنود في مناورات "الركن الشديد ٢" مع استعادة أجواء تجربة أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط من قبل حماس عام ٢٠٠٦.

وبشكل عام تتعامل حماس، وغيرها من الفصائل، مع فكرة التدريبات والمناورات العسكرية أو الفردية والمشتركة، بوصفها وسيلة إظهار للقوة، والتأكيد على استعداد وجهوزية الفصائل للمواجهة في حالة هجوم إسرائيل على القطاع، وللتصعيد في حالة تصعيد إسرائيل ضد القطاع أو في القدس والمسجد الأقصى تطبيقاً لقواعد الاشتباك المعلنة، أو في حالة الفشل في التوصل إلى اتفاق فيما يتعلق بإعمار القطاع وفك الحصار. كما تصب تلك التحركات في حديث الحركة عن الحاجة للتهدئة من أجل بناء القدرات العسكرية والاستعداد للمعركة القادمة مع إسرائيل، وفي هذا السياق أكد السنوار أن الهدف الاستراتيجي الواجب استثماره من حرب غزة الرابعة يتمثل في "مواصلة بناء قوة المقاومة لتشكل رأس حربة حقيقية استعداداً لمعركة التحرير"[9]، في الوقت الذي تحدث فيه الزهار عن أهمية التهدئة من أجل الاستعداد لمعركة التحرير.

الفصائل و"الركن الشديد"

أجرت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة أول مناورة تدريبية مشتركة وعلى مستوى واسع في ٢٩ ديسمبر٢٠٢٠ وهي المناورات التي عرفت باسم "الركن الشديد" واستمرت لمدة يوم واحد. وقامت الفصائل خلال المناورات باستعراض عدد من المعدات العسكرية للمرة الأولى، كما تم التعامل مع عدد من سيناريوهات المحاكاة للعمليات البرية والجوية المحتملة في مواجهات عسكرية، وإطلاق عدد من الصواريخ تجاه بحر غزة. وتمثل هدف المناورات المشتركة، وفقاً لما أعلنته الفصائل، في الإعلان عن قدراتها العسكرية، وتوحيد الجهود في مواجهة إسرائيل[10]، وهو الأمر الذي تبعه الإعلان عن إجراء المناورات بشكل سنوي من أجل قياس جاهزية الفصائل للمواجهة العسكرية.

بدورها، بدأت مناورات "الركن الشديد ٢" في ٢٦ ديسمبر الفائت، على خلفية التطورات التي شهدها العام، وخاصة تصعيد المواجهة مع إسرائيل إلى حالة الحرب في غزة، واستمرار المفاوضات على القضايا المعلقة مع إسرائيل دون حل، وهي الأوضاع التي ساهمت في زيادة أهمية المناورات المشتركة، بالإضافة إلى تكرار بعض الرسائل التي عبرت عنها الفصائل خلال "الركن الشديد ١"، وخاصة ما يتعلق بمركزية المقاومة وما تمثله التدريبات والعمليات المشتركة من تدشين لفكرة الجيش الفلسطيني الموحد.

أولاً: الركن الشديد ٢٠٢٠

مثلت فكرة المناورات العسكرية المشتركة تحركاً مثيراً للاهتماممن قبل الفصائل في ٢٠٢٠ في ظل أنها المرة الأولى التي تم فيها إجراء مثل تلك المناورات العسكرية المشتركة بالذخيرة الحية من جانب، وفكرة مشاركة كل فصائل المقاومة الموجودة في القطاع من جانب آخر. وفي حين تقوم الفصائل عادة بتدريبات وتحركات مختلفة في القطاع تعتبرها ضرورية للاستعداد للمواجهة مع إسرائيل، واختبار الأسلحة محلية الصنع وغيرها من الأسباب، لا تحظى مثل تلك الأحداث بنفس القدر من العلنية والاهتمام والتغطية الخبرية الذي حصلت عليه مناورات "الركن الشديد" بوصفها أول حدث جماعي معلن ومخطط له وتم تقديمه للإعلام بشكل مباشر.

وفي اختيار التوقيت، تزامنت التدريبات والمناورات المشتركة مع ذكرى الحرب الإسرائيلية على القطاع، والتي عرفت إسرائيلياً باسم "الرصاص المصبوب" وفلسطينياً باسم "معركة الفرقان"، والتي استمرت في الفترة من ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٨ وحتى ١٩ يناير ٢٠٠٩، من أجل تحقيق عدة أهدافها أبرزها تحرير شاليط، وانتهت بقرار وقف إطلاق النار بشكل أحادي من جانب إسرائيل دون تحريره.

وقدمت "الركن الشديد" ٢٠٢٠ بوصفها نواة جيش التحرير الفلسطيني. ورغم التزام كل الفصائل بزيها الخاص تم وضع العلم الفلسطيني على ملابس الفصائل المشاركة لتأكيد فكرة العمل الموحد تحت العلم الفلسطيني بغض النظر عن التنوع الفصائلي الداخلي والاختلاف الأيديولوجي. وهدفت المناورات، وفقاً لقناة الأقصى التلفزيونية التابعة لحماس، إلى الاستعداد للحرب القادمة مع إسرائيل.[11]

وفيما يتعلق بالتسمية المستخدمة، والتي تمثل عبارة من القرآن الكريم، قدمت مجموعة من التفسيرات على الصعيد الفلسطيني، حيث تعامل معها البعض بوصفها رسالة للداخل وتعبيراً عن مرحلة تبث الاطمئنانوتؤكد أن فلسطين بخير ما دامت نواتها الصلبة، الممثلة في الفصائل وفقاً لتلك الرؤية، بخير، وهي الرؤية التي دعمها بيان الغرفة المشتركة الصادر مع بداية مناورات "الركن الشديد ٢" في ٢٦ ديسمبر الفائت، وتأكيده أن المقاومة ستبقي "الركن الشديد" للشعب والمقدسات الفلسطينية.[12] من جانب آخر، تعامل البعض مع تسمية المناورات المشتركة بوصفها رسالة إلى إسرائيل بأن المقاومة يقظة وأن كل محاولات حصارها فشلت وستفشل.بالمقابل ربط البعض بين التسمية وقيمة الوحدة بين الفصائل باعتبار أن الوحدة الفلسطينية هي الركن الشديد الذي تعتمد القضية عليه في تذكير بأهمية المصالحة الفلسطينية. وتعكس تلك التفسيرات تنوع الأهداف المعلنة من تحركات الفصائل بين الرغبة في ترسيخ مكانة المقاومة وتوجيه رسائل إلى السلطة والشعب الفلسطيني على صعيد المصالحة والمقاومة، وإلى إسرائيل على صعيد الاستعداد والقدرة.

وأجريت المناورات بمشاركة الأجنحة العسكرية للفصائل تحت قيادة "الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية" التي تأسست عام ٢٠٠٦، وقامت بتنظيم المناورات المشتركة وإعلان بياناتها. وتعد الغرفة المشتركة، غرفة عمليات عسكرية مشتركة تهدف إلى تحقيق الاتحاد بين الفصائل في مواجهة إسرائيل خلال الاشتباكات والحروب المختلفة. وبدأت نواة الغرفة المشتركة بالتنسيق بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي خلال الحروب الإسرائيلية على القطاع، وتوسعت خلال مسيرات العودة عند السياج الفاصل على حدود غزة عام ٢٠١٨ لتشمل الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية في القطاع.

وتضم الغرفة المشتركة الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة في القطاع والتي يبلغ عددها ١٢ جناحاً عسكرياً، هي: كتائب عز الدين القسام (حماس)، وسرايا القدس (حركة الجهاد الإسلامي)، وكتائب الشهيد أبو على مصطفي (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، وكتائب الشهيد جهاد جبريل (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة)، وكتائب شهداء الأقصى- لواء نضال العامودي (فتح)، وكتائب شهداء الأقصى- جيش العاصفة (فتح)، وكتائب شهداء الأقصى- مجموعات الشهيد أيمن جودة (فتح)، وكتائب شهداء الأقصى- كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني (فتح)، وألوية الناصر صلاح الدين (لجان المقاومة الشعبية)، وكتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين)، وكتائب الأنصار (حركة الأحرار الفلسطينية)، وكتائب المجاهدين (حركة المجاهدين الفلسطينية).[13]

وشهدت مناورات "الركن الشديد" ٢٠٢٠ إطلاق صواريخ باتجاه بحر غزة، كما أطلقت طائرات "أبابيل" المسيرة، وشهدت محاكاة عمليات برية وبحرية متنوعة على امتداد القطاع من شماله إلى جنوبه. كما تم استهداف مجموعة من نماذج الأسلحة الإسرائيلية مثل الدبابات من نوع الميركافا، بالإضافة إلى عملية أسر جنود إسرائيليين على غرار عملية أسر شاليط. وانتشرت عناصر من فصائل المقاومة والأجهزة الأمنية في القطاع الذي شهد حركة نشطة لمركبات الإسعاف والدفاع المدني والشرطة في جميع المحافظات.[14] واعتبرت الفصائل إطلاق الصواريخ نحو بحر غزة رسالة إلى إسرائيل واستعراض للقوة. وبالإضافة إلى رسائل القوة والاستعداد، مثلت المناورات فرصة لتجربة الأسلحة والتحديثات التي تقوم بها الفصائل، والتنسيق بينها في استخدام تلك الأسلحة.

وأثارت المناورات قلق إسرائيل بوصفها المناورات الأولى التي تتم بشكل جماعي وعلني، إلى جانب أنها جاءت بشكل مفاجئ بما قاد إلى رفع حالة التأهب من قبل الجيش الإسرائيلي تحسبا لتحول الوضع إلى حدث أمني. ورغم هذا لم يتم إطلاق صفارات الإنذار وتم التركيز على متابعة التطورات عبر طائرات الاستطلاع المسيرة وطائرات التجسس لجمع البيانات والقيام بطلعات على الحدود البحرية للقطاع. كما تم الربط بين الركن الشديد والتدريبات التي أجراها الجيش الإسرائيلي في الأشهر السابقة عليها، خاصة بعد تقليص مدة الركن الشديد من ثلاثة أيام إلى يوم واحد ثم نصف يوم.[15] من جانب آخر، تعاملت وسائل إعلام إسرائيلية مع المناورات بوصفها وسيلة من إيران لتوصيل رسائل تحذير إلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وإسرائيل في حال التفكير في استهداف طهران.[16] وتساعد تلك التفسيرات الإسرائيلية على وضع إيران في سياق تحركات الفصائل بكل ما يفترض أن يكون لها من انعكاسات داخلية على الصعيد الفلسطيني، وعلى صعيد الربط بين ما تتعرض له إسرائيل من تهديدات أمنية والتحركات الإيرانية في المنطقة.

وبعيداً عن إيران، تم التعامل مع المناورات على أنها تعبير عن اختيار حماس لطريق الدعاية في ظل دعوة صحفيين عرب وأجانب للمشاهدة، وخاصة معاينة إطلاق الصواريخ بعيدة المدى في البحر وتمرينات القوات البحرية الخاصة.واعتبرت إسرائيل أن ما رغبت الفصائل في تحقيقه هو جذب انتباه وسائل الإعلام،وأن المناورات تمت ضمن حملة من العلاقات العامة أكثر من كونها تدريباً عسكرياً حقيقياً.[17] واستندت تلك الرؤية على عدم حاجة الفصائل إلى تجربة الأسلحة علناً في ظل القيام بالتجارب اللازمة بشكل سري أو شبه سري.

ومع تكرار المناورات يتصور تحولها إلى خط أكثر أهمية في التعامل مع الفصائل عن التفسير القائم على المسار الدعائي، أو رد الفعل العابر وخاصة مع محاولة توظيف الحدث من قبل الفصائل في توصيل رسائل القوة والمكانة، والتأثير على مجريات الأحداث في اللحظة المعنية، وهو الأمر الذي ظهر واضحاً مع "الركن الشديد ٢"، والتي تكتسب أهميتها من محاولة التأثير على أوضاع مثل معادلات الاشتباك القائمة ومسار الوساطة بعد حرب غزة الرابعة، والتأكيد بشكل مسبق على أن التوصل إلى اتفاق وهدنة لا يعبر عن الضعف، وأن الفصائل تستند في حالة عدم التوصل إلى اتفاق على قدراتها العسكرية والاستعداد لمواجهة التصعيد بالتصعيد، مع وضع التحركات في إطار أوسع خاص بفكرة الجيش الفلسطيني الموحد ومكانة الفصائل في خريطة التفاعلات الفلسطينية.

ثانياً: الركن الشديد ٢٠٢١

اكتسبت التدريبات المشتركة ومناورات "الركن الشديد ٢" التي أجريت في الفترة ما بين ٢٦- ٢٩ ديسمبر الفائت أهميتها من عدة اعتبارات أبرزها طبيعة الأوضاع التي أجريت فيها، بالإضافة إلى فكرة استمرار المناورات العسكرية المشتركة، والرسائل التي أعلنتها أو أكدت عليها في مواجهة إسرائيل وغيرها من الأطراف المعنية في الداخل الفلسطيني والإقليم. وأدت حرب غزة الرابعة بصفة خاصة، والتصعيد الذي شهدته القدس وفرصه المستمرة، ودور المقاومة في الحرب وما تطرحه من خطاب بديل في مواجهة السلطة في تكثيف أهمية ودور المقاومة مقابل التسوية السياسية، وبالتالي أهمية المناورات العسكرية بوصفها أداة من أدوات الاستعداد للحرب والتحدي من جانب، والحصول على التأييد والشعبية من جانب آخر.

وساهم في هذا الطرح، الاجتماع الذي عقد بين أبو مازن وغانتس في تل أبيب، ورغم أن اللقاء لم يكن الأول من نوعه في ظل حكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ولكن تزايدت أهميته والنقد الفلسطيني المرتبط به في ظل أنه الاجتماع الأول الذي عقد في إسرائيل منذ فترة طويلة، بالإضافة إلى كل ما يرتبط بطبيعة دور غانتس في الحرب بحكم منصبه، وفي ظل استمرار معاناة القطاع، واستبعاد السياسة والتسوية من تلك اللقاءات التي تركز على الأمن ودعم السلطة مالياً في مواجهة الفصائل.ومع فكرة الاستمرارية، أكدت المناورات المشاركة على استعداد الفصائل للدخول في الحرب ليس فقط من أجل المسجد الأقصى والقدس، ولكنمن أجل فك الحصار وتسريع عملية إعادة إعمار القطاع والتوصل إلى اتفاق في موضوع صفقة تبادل الأسرى في ظل تحول ملف الأسرى إلى قضية أساسية هددت الفصائل بأن تقود إلى حرب جديدة في حالة لم يتم التعامل معها كما ظهر واضحاً في قضية هشام أبو هواش وتهديدات أبو طارق والفصائل بالتصعيد.[18]

وظهر في "الركن الشديد ٢" العديد من فروع الفصائل مثل وحدات النخبة ووحدات الأنفاق، ووحدات الدفاع الجوي، والبحري. ومن العمليات التي تم تنفيذها إشراك مقاتلين من كافة الأجنحة العسكرية في عروض عسكرية وتنفيذ المسلحين لمناورات واقتحام مبان وحرب عصابات باستخدام الذخيرة الحية إضافة إلى إطلاق العديد من الصواريخ التجريبية. وانتشر عناصر من الأذرع العسكرية للفصائل المشاركة في أنحاء القطاع بالتزامن مع المناورات، في حين اتخذت وزارة الداخلية في القطاع جملة من الإجراءات الميدانية من بينها إغلاق بحر غزة أمام المواطنين وحركة الصيد تحسباً لإطلاق الصواريخ. وشارك في المناورات ١٢ فصيل منها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

واختلفت مناورات "الركن الشديد ١" عن "الركن الشديد ٢" في طول فترة المناورات. ففي حين أجريت المناورات الأولى عام ٢٠٢٠ لمدة عدة ساعات خلال يوم واحد، أجريت المناورات الثانية في الفترة من ٢٦ ديسمبر وحتى ٢٩ ديسمبر بكل ما تحمله المدة من قدرة على استخدام المزيد من الأسلحة التي تملكها الفصائل وإبراز ما لديها من إمكانيات وقدرات بشرية ومادية تصب في حديث الفصائل بعد حرب غزة الرابعة عن أن ما تم استخدامه في الحرب نسبة قليلة مما لديها من أسلحة، وقدرتها على تعويض ما تم استخدامه.وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم حماس عبد اللطيف القانوع أن المقاومة "تمكنت من ترميم الأضرار بعد معركة سيف القدس، وأن هناك انسجاماً وتكاملاً بين جميع فصائل المقاومة في غزة".[19] وتضمنت المناورات محاكاة إطلاق صواريخ تجريبية، واقتحام المباني والمواقع، والدفاع عن مواقع المقاومة العسكرية والتجمعات المدنية، ومحاكاة المواجهات البرية والبحرية وإمكانية أسر جنود إسرائيليين.

وهدفت "الركن الشديد ٢"، وفقاً لبيان الغرفة المشتركة إلى "رفع الكفاءة والجاهزية القتالية لفصائل المقاومة لمواجهة مختلف التحديات والتهديدات"، وتبادل الخبرات بين جميع فصائل المقاومة لتحقيق التجانس وتوحيد المفاهيم وسرعة تنفيذ المهام بكفاءة واقتدار[20]، ورفع الكفاءة والجاهزية القتالية للفصائل لمواجهة التحديات المختلفة[21]، وأن يقدم كل فصيل ما لديه من معطيات وخبرات في آخر ما توصل إليه سواء على مستوى التخطيط أو التصنيع أو التكنولوجيا، والتعاون في تخصصات مختلفة من أهمها الهندسة والاتصالات.وأعلنت الغرفة المشتركة في أحد بياناتها قبل بدء المناورات أن "العمليات والمناورات المشتركة تعبر بشكل واضح عن الوحدة بين كل الفصائل، وتدعم التعاون بين الأجنحة العسكرية، وتؤكد على وحدة الموقف الذي تعبر عنه تلك الفصائل والتصدي لكل مواجهة يمكن أن تفرض على الشعب الفلسطيني في أي وقت ومكان[22] والاستعداد للمعركة القادمة مع إسرائيل.

كما هدفت المناورات إلى إيصال رسائل سياسية وعسكرية لكل من إسرائيل والوسطاء تؤكد على نفاد صبر الفصائل بسبب عدم التقدم بالشكل المطلوب في الملفات المطروحة للتفاوض منذ حرب غزة الرابعة. وفي هذا السياق أكدت حماس أن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي في وقت تتصاعد فيه تحركات الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وهو التصريح الذي تزداد أهميته في ظل التطورات التي شهدتها الضفة الغربية على صعيد عنف المستوطنين والهجمات على المنازل ومحاولة إحياء مستوطنات وبؤر استيطانية في الضفة، مع المواجهات الشعبية في عدة مدن وقرى فلسطينية، ومطالبة الفصائل بتفعيل خيار المقاومة الشعبية ودعمها من قبل السلطة. ولهذا تم التأكيد على فكرة جيش التحرير الفلسطيني، ووصف السنوار الغرفة المشتركة بأنها "نواة جيش التحرير، ونموذج للعمل المشترك الذي يمكن أن يبنى عليه".[23] بالإضافة إلى الرد على التشكيك الإسرائيلي في قدرات الفصائل وحجم الضرر الذي أصاب البنية التحتية والقدرات العسكرية للفصائل خلال الحرب.

وبشكل عام، تمثلت رسائل الفصائل من "الركن الشديد ٢" في التأكيد على خيار المقاومة وقدرة الفصائل على مواجهة التحديات والتصدي للاعتداءات في مواجهة خيار التسوية السياسية، مع التركيز على فكرة شعبية المقاومة بكل ما تحمله من رسائل سياسية وعسكرية في العلاقة مع السلطة وإسرائيل، وفي أوراق الضغط التي تعتمد عليها الفصائل في الملفات محل التفاوض عبر الوسطاء بعد حرب غزة الرابعة.من جانب آخر أكدت المناورات في ٢٠٢١ بشكل خاص على أهمية ملف الأسرى ومكانة المسجد الأقصى والقدس التي تقدم الفصائل نفسها، وخاصة بعد حرب غزة الرابعة، بوصفها المدافع عنها، وجدية الفصائل في اللجوء إلى التصعيد في حالة لم يتم الاستجابة لمطالب القطاع الخاصة بفك الحصار وتسريع عملية إعادة الإعمار والتوصل إلى صفقة للتبادل. إذ جاء التدريب المشترك والمناورات في أعقاب تصريحات نسبت للفصائل عن خطط اللجوء للتصعيد التدريجي إذا لم ينجح الوسطاء في وقف الاعتداءات الإسرائيلية وتنفيذ استحقاقات التهدئة وتحسين ظروف غزة الاقتصادية والمعيشية.[24]

وسبق "الركن الشديد ٢" عقد قادة حماس والجهاد العديد من اللقاءات في غزة ولبنان لمناقشة الاستعداد لمواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل، ومن ضمن تلك التحركات اللقاء الذي عقد بين كل من خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس في الخارج، وزياد النخالة في بيروت وهو اللقاء الذي صدر عنه بيان تممن خلاله الإعلان عن "أهمية تقوية المقاومة، وخاصة في الضفة الغربية، والتأكيد على الالتزام بالمقاومة بوصفها الطريق الوحيد لمواجهة الاحتلال وتحرير الأرض واستعادة الحقوق الفلسطينية".[25] ووفقاً لتصريحاتفلسطينية، هدفت اللقاءات والمناورات إلى إرسال تحذير إلى إسرائيل والتأكيد على أن الفصائل مستعدة للرد على أي اعتداء على القطاع، وهو التحذير الذي تم التعامل معه بوصفه التحذير الأخير قبل الانفجار، بالإضافة إلى توجيه رسالة للوسطاء بأهمية تجنب اندلاع حرب جديدة في القطاع وضرورة التعامل مع ملف الأسرى والتوصل إلى صفقة التبادل.وفي هذا السياق، أشار أيمن نوفل القيادي في كتائب القسام، إلى أهمية ملف الأسرى ورمزية مكان المناوراتالتي أجريت في نفس المكان الذي تدرب فيه منفذو عملية "الوهم المتبدد" عام ٢٠٠٦، وهى العملية التي تم خلالها أسر شاليط،[26] واستمرار جهود تحرير الأسرى.[27]

بهذا، وإلى جانب أهمية المناورات على صعيد الفصائل وفكرة الجيش الفلسطيني المشترك، تقدم المناورات فرصة لتوجيه عدة رسائل إلى إسرائيل والسلطة والأطراف المعنية حول استمرار فرص التصعيد خاصة وأنها تزامنت مع تصاعد العنف في برقةوغيرها من المناطق في الضفة الغربية، واستمرار سياسة هدم المنازل.وتصب تلك التحركات في تأكيد استراتيجية التعامل مع إسرائيل وملفات التفاوض عبر التصعيد بوصفه الآلية الأساسية التي تعتمد عليها الفصائل من أجل إيصال الرسائل الخاصة بنفاد الصبر والرغبة في تسريع جهود التعامل مع تلك الملفات.

الخاتمة

تؤكد المناورات العسكرية التي قامت بها الفصائل الفلسطينية على استمرار الفجوة القائمة في الداخل الفلسطيني بين خيار التسوية السياسية الذي تتبناه السلطة وخيار المقاومة الذي تتبناه الفصائل. وفي حين ساعدت تطورات ٢٠٢١ في ترسيخ التمييز بين المقاومة والمسار السياسي للتسوية، جاءت التدريبات والمناورات الفردية والمشتركة لتعمق تلك القطيعة مع تأكيد أبو مازن على رفض التصعيد ضد إسرائيل والالتزام بالمسار السياسي. ومع بداية عام جديد محمل بفرص التصعيد يستمر الجدل قائماً حول الخيارات الفلسطينية مع تراجع فرص تحقق تسوية سياسية حقيقية في ظل حكومة بينيت، وتقلص تلك الفرص في ظل السياسات الخاصة بالاستيطان وهدم المنازل والتهجير.

وتؤكد الفصائل عبر خطابها وتحركاتها المختلفة، بما فيها المناورات العسكرية، على أنها طرف مهم في اللحظة والمستقبل، ورقم يصعب تجاوزه في مسار التسوية السياسية أو التصعيد والحرب.وعلى المستوى الشعبي تساهم تحركات الفصائل في توجيهالمزاج الشعبي نحو انتظار وتوقع انتصار أفضل في مواجهة حرب جديدة، ورغم ما يمثله مثل هذا التناول من تأثير ايجابي في صالح شعبية الفصائل وخيار المقاومة، إلا أنه يفرض المزيد من الضغوط على الفصائل ويزيد من التوقعات النهائية في التعامل مع كافة الملفات المطروحة للنقاش والتفاوض بما في ذلك كل ما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى وما يمكن أن تحصل عليه الفصائل في ملفات إعادة الإعمار وفك الحصار وتحسين الفرص المعيشية لسكان القطاع.

هذا ويرجح تطور قراءة إسرائيل والأطراف المعنية للمناورات العسكرية للفصائل في حالة الاستمرار والتكرار، والمقارنة بين الرسائل الثابتة التي تعمل على تأكيدها وترسيخها مثل أهمية المقاومة وفكرة الجيش الفلسطيني الموحد، والرسائل المتغيرة والتي ترتبط بدورها بالواقع والتطورات المحيطة بالمناورات المعنية.

جدول رقم (١) التشابه والاختلاف بين المناورات العسكرية المشتركة للفصائل

أوجه المقارنة

الركن الشديد ١

الركن الشديد ٢

تاريخ ومدة المناورات

٢٩ ديسمبر ٢٠٢٠

٢٦- ٢٩ ديسمبر ٢٠٢١

الأهمية

- المناورة المشتركة الأولى للفصائل في قطاع غزة.

- تقديم المناورات بوصفها نواة الجيش الفلسطيني الموحد.

- سياق التصعيد السابق مع إسرائيل.

- الاستعداد لمرحلة ما بعد ترامب وإعادة ترتيب الأوراق الفلسطينية بما فيها قضية المصالحة الفلسطينية والانتخابات.

- المناورات المشتركة الأولى بعد حرب غزة الرابعة.

- أوضاع ما بعد حرب غزة الرابعة والتصعيد في الضفة الغربية والقدس.

- استمرارية العمل المشترك بين الفصائل وترسيخ فكرة التدريبات والمناورات المشتركة.

- أوضاع الأسرى في السجون الإسرائيلية وتزايد أهمية ملف صفقة التبادل خلال عام ٢٠٢١.

- عدم التوصل إلى حلول في الملفات المهمة للقطاع وخاصة فك الحصار والإعمار.

قيادة العمليات

الغرفة المشتركة للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة

الأجنحة العسكرية المشاركة

كتائب عز الدين القسام (حماس)، سرايا القدس (حركة الجهاد الإسلامي)، كتائب الشهيد أبو على مصطفى (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، كتائب الشهيد جهاد جبريل (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة)، كتائب شهداء الأقصى- لواء نضال العامودي (فتح)، كتائب شهداء الأقصى- جيش العاصفة (فتح)، كتائب شهداء الأقصى- مجموعات الشهيد أيمن جودة (فتح)، كتائب شهداء الأقصى- كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني (فتح)، ألوية الناصر صلاح الدين (لجان المقاومة الشعبية)، كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين)، كتائب الأنصار (حركة الأحرار الفلسطينية)، كتائب المجاهدين (حركة المجاهدين الفلسطينية).

أبرز الأنشطة

- إطلاق صواريخ تجاه بحر غزة.

- محاكاة تهديدات العدو المتوقعة.

- إطلاق طائرات أبابيل المسيرة في إطار المناورة التي تحاكي تهديدات إسرائيلية.

- تحليق طائرات استطلاع صغيرة الحجم في القطاع.

- إطلاق صواريخ تجاه بحر غزة.

- محاكاة تهديدات العدو المتوقعة.

- عمليات الإغارة على القوات المعادية.

- اقتحام المناطق الحصينة والكمائن القتالية.

- مهاجمة الأرتال العسكرية وقتال المدن وكافة الأشكال الدفاعية.

- محاكاة عملية أسر جنود إسرائيليين مثل عملية أسر الجنديالإسرائيلي جلعاد شاليط.

طبيعة المناورات

دفاعية - هجومية

الهدف العام (رؤية الفصائل)

الاستعداد للتصدي للاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، والدفاع عن الشعب والمقدسات الفلسطينية

الأهداف التفصيلية (من رؤية وتصريحات الفصائل)

- رفع كفاءة وقدرة مقاتلي الفصائل للقتال في كافة الظروف والمواقف.

- جهوزية المقاومة للدفاع عن الشعب الفلسطيني في كل الأحوال.

- الاستعداد للحرب القادمة مع إسرائيل.

- رفع الكفاءة والجاهزية القتالية لمواجهة كافة التحديات.

- تبادل الخبرات بين الفصائل من أجل تحقيق التجانس وتوحيد المفاهيم وسرعة تنفيذ المهام بكفاءة واقتدار.

- تجنب الحرب عبر التهديد بالقدرة على التصعيد والمواجهة.

- الاستعداد للحرب في حالة حدوثها.

رسائل الفصائل

- قدرة الفصائل على العمل الجماعي تحت قيادة موحدة.

- ترسيخ فكرة أن الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية في القطاع تمثل نواة الجيش الفلسطيني الموحد.

- تقديم رسائل للداخل الفلسطيني، وخاصة على صعيد المصالحة، بقدرة الفصائل على العمل المشترك في القطاع في مواجهة حديث إعاقة جهود المصالحة من قبل الفصائل في غزة.

- جهوزية الفصائل وقدرتها على المواجهة في حالة قامت إسرائيل بالتصعيد أو شن حرب على قطاع غزة بكل ما تحمله فكرة الاستعداد والتجهيز من رسائل للشعب الفلسطيني وإسرائيل.

- قدرة المقاومة على تحرير الأرض، ممثلة في القطاع، مقابل عدم قدرة التسوية السياسية على تحقيق منجزات حقيقية وهي رسائل موجهة للداخل الفلسطيني وإسرائيل.

- استمرار المقاومة بوصفها الخيار الوحيد من الفصائل المشاركة لتحرير فلسطين.

- تأكيد خيار المقاومة في مواجهة خيار التسوية السياسية في مواجهة السلطة الفلسطينية.

- دعم شرعية المقاومة شعبياً، وإبراز ما تتمتع به الفصائل وخيار المقاومة من تأييد في مواجهة السلطة وخاصة بعد تأجيل الانتخابات التشريعية وعدم المشاركة في الانتخابات المحلية.

- رسائل ردع في مواجهة احتمال شن حرب إسرائيلية والتوغل في قطاع غزة في ظل فرص التصعيد المتزايد وعدم التوصل إلى هدنة أو تهدئة طويلة مع إسرائيل.

- التصعيد في حالة فشل الوساطة في حسم الملفات المطروحة للنقاش مع إسرائيل عبر وسطاء.

التفسير الإسرائيلي

- رسالة من إيران تؤكد على استعداد حلفاء طهران للتصعيد في حالة تعرض إيران لعمل عسكري من إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي يمكن أن يقود إلى وضع يرتب تهديدات أمنية.

- حملة إعلامية ورسالة للإعلام الإقليمي والدولي دون ثقل أو أهمية عسكرية. وتم النظر إلى المناورات في هذا الإطار بوصفها تحركات دعائية لا تهدد إسرائيل أمنياً.

- تأكيد على عدم تغير خطاب الفصائل، واستمرار التهديد القادم من غزة. وبناءً على تلك الرؤية، طالبت تلك الأصوات بالتصعيد ضد القطاع من أجل القضاء على تهديد حماس وغيرها من الفصائل بصفة نهائية.

- وسيلة الفصائل للتعبير عن الغضب الفلسطيني من عدم تحسين الأوضاع المعيشية في قطاع غزة.

- الرغبة في دعم وترسيخ قواعد الاشتباك التي وضعتها الفصائل خلال حرب غزة الرابعة والخاصة بفكرة التصعيد بالتصعيد.

 

• تم إعداد الجدول بواسطة الباحثة.


[1] "كتائب القسام تعلن انطلاق مناورات عسكرية في قطاع غزة"، القدس العربي، ١٥ ديسمبر ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

https://www.alquds.co.uk/كتائب-القسام-تعلن-انطلاق-مناورات-عسكر/

[2] "كتائب القسام تطلق مناورات درع القدس لرفع الجاهزية القتالية"، روسيا اليوم، ١٥ ديسمبر ٢٠٢١.

[3] نور أبو عيشة، "السنوار: لن نقبل بأقل من انفراجه كبيرة للأوضاع الإنسانية بغزة،" موقع وكالة الأناضول، ٥ يونيو ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

https://www.trtarabi.com/now/السنوار-لن-نقبل-بأقل-من-انفراجة-كبيرة-للأوضاع-الإنسانية-بغزة-5661933

[4] عبير ياسين، "قواعد الاشتباك بين الفصائل وإسرائيل: تحديات التهدئة والتصعيد،" موقع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام على الإنترنت، ٢٢ يونيو ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

 https://acpss.ahram.org.eg/News/17176.aspx

[5] "كتائب القسام تعلن إجراء مناورات دفاعية تحت مسمى مناورات الصمود والتحدي"، موقع كتائب القسام على الإنترنت، ٢٤ مارس ٢٠١٨، متاح على الرابط التالي:

https://www.alqassam.ps/arabic/specialfiles/details/23

[6] "حماس تجرى مناورات درع القدس الأربعاء،" موقع سبوتنيك، ١٤ ديسمبر ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

 https://arabic.sputniknews.com/20211214/حماس-تجري-مناورات-درع-القدس-الأربعاء-1053947600.html

[7] The Times of Israel Staff, “A head of mass protest, Hamas holds 1st live- fire military exercise in Gaza,” The Times of Israel, March 25, 2018, available at: https://www.timesofisrael.com/ahead-of-mass-protest-hamas-holds-1st-live-fire-military-exercise-in-gaza/

[8] "فصائل المقاومة الفلسطينية تنفذ تدريبات الركن الشديد ٢"، الميادين، ٢٦ ديسمبر ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

https://www.almayadeen.net/news/politics/انطلاق-تدريبات-الركن-الشديد-2-لفصائل-المقاومة-الفلسطينية

[9] نور أبو عيشة، مرجع سبق ذكره.

[10] “Palestinian groups hold first joint military drill on Gaza”, Tehran Times, December 31, 2020, available at: https://www.tehrantimes.com/news/456389/Palestinian-groups-hold-first-joint-military-drill-in-Gaza

[11] “Palestinian groups conduct first- ever joint military drill”, Al- Monitor, December 29, 2020, available at: https://www.al-monitor.com/originals/2020/12/palestinian-factions-groups-joint-military-drill-gaza-israel.html

[12] "الغرفة المشتركة تعلن انطلاق فعاليات الركن الشديد ٢"، موقع فلسطين أون لاين، ٢٦ ديسمبر ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

https://felesteen.news/post/99517/الغرفة-المشتركة-تعلن-انطلاق-فعاليات-الركن-الشديد-2

[13] "الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية: الجبهة الموحدة"، موقع الخنادق الإخباري، ٢٨ ديسمبر ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

https://alkhanadeq.com/post.php?id=1979

[14] "الفصائل الفلسطينية تطلق مناورات عسكرية بالذخيرة الحية في قطاع غزة"، سبوتنيك، ٢٩ ديسمبر ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

 https://arabic.sputniknews.com/20201229/الفصائل-الفلسطينية-تطلق-أكبر-مناورات-عسكرية-بالذخيرة-الحية-في-قطاع-غزة-1047655100.html

[15] "الركن الشديد... رسائل مناورات الفصائل الفلسطينية المشتركة في غزة،" موقع رصيف ٢٢، ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٠، متاح على الرابط التالي:

https://raseef22.net/article/1080980-الركن-الشديد-رسائل-مناورات-الفصائل-الفلسطينية-المشتركة-في-غزة

[16] محمد أبو خضير وزكي أبو الحلاوة، "١٢ ذراعا عسكرية تشارك في الركن الشديد.. الجيش الإسرائيلي يرفع حال التأهب رداً على مناورات غزة المفاجئة،" جريدة الرأي، ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٠، متاح على الرابط التالي:

https://www.alraimedia.com/article/1514511/خارجيات/الجيش-الإسرائيلي-يرفع-حال-التأهب-ردا-على-مناورات-غزة-المفاجئة

[17] "الركن الشديد... رسائل مناورات الفصائل الفلسطينية المشتركة في غزة،" مرجع سبق ذكره.

[18] عبير ياسين، "المشهد الفلسطيني بين التصعيد المقيد والحرب المفتوحة"، موقع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام على الإنترنت، ٤ يناير ٢٠٢٢، متاح على الرابط التالي:

https://acpss.ahram.org.eg/News/17364.aspx

[19] "فصائل المقاومة الفلسطينية تنفذ تدريبات الركن الشديد ٢"، مرجع سبق ذكره.

[20] "تستمر لعدة أيام... الغرفة المشتركة تعلن انطلاق تدريبات مشتركة الركن الشديد ٢"، فلسطين الآن، ٢٦ ديسمبر ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

https://paltimeps.ps/p/316022

[21] "عقب مناورات الركن الشديد ٢.. القسام: ملف الأسرى على رأس أولويات الغرفة المشتركة"، شبكة قدس الإخبارية، ٢٩ سبتمبر ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

https://qudsn.net/post/189213/عقب-مناورات-الركن-الشديد-2-القسام-ملف-الأسرى-على-رأس-أولويات-الغرفة-ال

[22] “Militant groups hold first-ever joint military maneuver in Gaza”, Daily News, December 29, 2020, available at: https://dailynewsegypt.com/2020/12/29/militant-groups-hold-first-ever-joint-military-maneuver-in-gaza/

[23] "الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية: الجبهة الموحدة"، موقع الخنادق الإخباري، ٢٨ ديسمبر ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

https://alkhanadeq.com/post.php?id=1979

[24] خالد الغزالي، "الغرفة المشتركة للفصائل تعلن انطلاق مناورة الركن الشديد ٢ وتقرر التصعيد التدريجي إذا فشل الوسطاء"، قناة فلسطين الرقمية، ٢٧ ديسمبر ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

https://palplusarabi.com/2021/12/26/مناورة-الركن-الشديد-2-تنطلق/

[25] Khaled Abu Toameh, “Gaza terror groups launch military exercise amid growing West Bank tensions”, The Jerusalem Post, December 26, 2021, available at: https://www.jpost.com/middle-east/article-689821

[26] للمزيد حول عملية الوهم المتبدد، انظر: "١٥ عاماًعلى عملية الوهم المتبدد.. وفي جعبة المقاومة المزيد"، فلسطين أونلاين، ٢٥ يونيو ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:

https://felesteen.news/post/90149/15-عاما-على-عملية-الوهم-المتبدد-وفي-جعبة-المقاومة-المزيد

[27] "عقب مناورات الركن الشديد ٢.. القسام: ملف الأسرى على رأس أولويات الغرفة المشتركة"، مرجع سبق ذكره.


رابط دائم: