في خطوة حملت العديد من الدلالات الكاشفة للسياسة الأمريكية تجاه منطقة القرن الأفريقي وحدود فعاليتها، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في 6 يناير 2022، تنحي المبعوث الأمريكي الخاص لمنطقة القرن الأفريقي جيفري فيلتمان عن منصبه، وتعيين سفير واشنطن لدى تركيا ديفيد ساترفيلد مبعوثاً خاصاً جديداً للقرن الأفريقي، في ظل ما تشهده هذه المنطقة من أزمات سياسية مزمنة، وهو ما يدفع للتساؤل حول الدوافع التي وقفت وراء تعيين واشنطن مبعوثاً جديداً لمنطقة القرن الأفريقي، والتي يُمكن قراءتها في ضوء عدد من الملفات والأزمات الرئيسية في المنطقة، التي تتصدر في نفس الوقت اهتمام وأجندة السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا، في ضوء ما تحظى به منطقة القرن الأفريقي من أهمية استراتيجية بالغة، وذلك على النحو التالي:
تنامي النفوذ الصيني في منطقة القرن الأفريقي
للوجود الصيني في منطقة القرن الأفريقي أوجه متعددة كاشفة لمدى تغلغل بكين في القارة عموماً ومنطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص، تتراوح ما بين امتلاك قاعدة عسكرية في جيبوتي منذ عام 2017، وتنفيذ وامتلاك مشاريع تنموية واستثمارية اقتصادية وتجارية، يأتي أبرزها في قطاع البنية التحتية ممثلة في بناء وتطوير طرق وموانئ وسكك حديدية تندرج ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، ربطت دول المنطقة ببعضها البعض، وساهمت في دفع عجلة التنمية في دولها؛ كخط السكة الحديد الرابط بين العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وميناء جيبوتي[1]، والذي يمر من خلاله نحو 95% من واردات إثيوبيا، والتي جعلت بكين المستثمر الأول والشريك الاقتصادي الأبرز في المنطقة، وبالتالي المنافس الأول للعديد من القوى الإقليمية والدولية التي لديها مصالح متعددة في المنطقة وتسعى لتعزيزها وحمايتها، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
فقد أجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي جولة أفريقية خلال الفترة (4- 7 ) يناير 2022 شملت إريتريا وكينيا وجزر القمر، بعثت بالعديد من الرسائل التي تؤكد في مجملها على أن منطقة القرن الأفريقي تُعد إحدى ساحات التنافس الأمريكي- الصيني الذي من المتوقع أن يشهد تصاعداً خلال عام 2022، في ظل ما تتمتع به المنطقة من أهمية استراتيجية بالغة، أولها؛ تأكيد بكين على انخراطها في القارة وتعزيز أواصر التعاون والشراكة مع دولها، لاسيما في الجانب الاقتصادي، وأنها شريك استراتيجي لدولها، ولديها مصالح تسعى لتحقيقها والحفاظ عليها، وهو ما يُستدل عليه بتوقيع بكين خلال تلك الزيارة على 6 اتفاقيات تعاون اقتصادي وتجاري مشترك مع كينيا، بالإضافة إلى إعراب إريتريا عن استعدادها للتعاون مع بكين لضم أسمرة لـ"المشاريع التسعة" المعلنة ضمن مخرجات منتدى التعاون الصيني- الأفريقي "فوكاك" والتي تشمل النهوض بالصناعة، وربط البنية التحتية، وتيسير التجارة، بما ينعكس على تطوير البنية التحتية والمؤاني وقطاع الصناعة في إريتريا.
بالإضافة إلى حرص بكين على فتح صفحات جديدة من التعاون والشراكة الأفريقية- الصينية عبر طرق كافة أبواب دول القارة، تنفيذاً لمبدأ "المساواة بين الدول الكبيرة والصغيرة"، وهو ما يُستدل عليه بإجراء وانغ أول زيارة لوزير خارجية صيني لإريتريا وجزر القمر منذ 10 سنوات.
ثاني تلك الرسائل التى بعثها وانغ خلال جولته تتمثلفي أن بكين عازمة على لعب دور الوسيط السياسي من أجل دعم دول المنطقة لتجاوز ما تواجهه من أزمات تفاقمت خلال عام 2021؛ وذلك بعدما أعلن وانغ خلال زيارته إلى كينيا في 6 يناير 2022 عزم بكين على تعيين مبعوث خاص لمنطقة القرن الأفريقي لدعم دول المنطقة للتوصل إلى حلول عاجلة للأزمات المتعددة في المنطقة، التي تحظى – وفقاً للمنظور الصيني- بموقع جغرافي فريد وإمكانات إنمائية كبيرة، بما يضمن تحقيق السلام والازدهار على المدى الطويل[2]، وهو نهج جديد لبكين في استراتيجيتها تجاه القارة التي طالما اقتصرت على تعزيز العلاقات الصينية- الأفريقية عبر بوابة التنمية الاقتصادية، مما يكشف عن بعد سياسي للتنافس الصيني- الأمريكي في القرن الأفريقي خلال عام 2022، تمثلت أولى مظاهره في إعلان واشنطن تنحي فيلتمان وتعيين مبعوث جديد للقرن الأفريقي عقب ساعات من إعلان بكين عزمها تعيين مبعوث للقرن.
ثالث الرسائل التي بعثتها بكين خلال الزيارة تتعلق بدحض الإدعاءات الأمريكية بأن بكين تعتمد استراتيجية "فخ الديون" عبر تقديم قروض ضخمة لدول القارة لن تقدر على سدادها، مما يدفع الأخيرة للتنازل عن عدد من أصولها الاستراتيجية، مع التأكيد على أن قروض الصين لدول القارة "ذات منفعة متبادلة"، وأنها ليست استراتيجية للحصول على منافع دبلوماسية وتجارية، وهو ما يؤكده الترحيب الأفريقي بالتعاون مع بكين في مختلف المجالات، وما أسفرت عنه الجولة الأفريقية لوانغ من توقيع عدة اتفاقيات للتعاون الاقتصادي والتجاري.
رابعهذه الرسائل ينصرف إلى التأكيد على أن النموذج التنموي الصيني غير المشروط سياسياً هو الأنسب لدول القارة والأكثر انتشاراً، على العكس من النموذج التنموي الأمريكي المشروط بترسيخ الديمقراطية وحماية الحريات واحترام حقوق الإنسان، والذي حرص وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على الترويج له خلال جولته الأفريقية في نوفمبر 2021، وهو ما انعكس في تأكيد وانغ خلال زيارته لإريتريا على معارضة الصين للعقوبات الأمريكية المفروضة على أسمرة في نوفمبر 2021؛ رداً على مشاركتها في الصراع الإثيوبي على جبهة تحرير تيجراي، إلى جانب تأكيد وانغ على رفض بكين التدخل في "الشئون الداخلية للدول الأخرى بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان"، سبقها ضم بكين إريتريا إلى الاستراتيجية الصينية العالمية للاستثمار في نوفمبر 2021[3]، في تحدٍ مباشر للسياسة الأمريكية في المنطقة.
إخفاق فيلتمان في تسوية الأزمات السياسية في المنطقة
لم تؤتِ الجهود الدبلوماسية التي بذلها جيفري فيلتمان منذ توليه مهام منصبه كمبعوث خاص لمنطقة القرن الأفريقي في أبريل 2021، من أجل وضع حد للأزمات السياسية المتفاقمة في منطقة القرن الأفريقي، ثمارها المرجوة لواشنطن، ولم تحقق النتائج المُرضية ولو في حدها الأدني لفيلتمان نفسه، بل وضعت السياسة الأمريكية تجاه المنطقة في تحدِ صعب، مقارنة بتنامي نفوذ العديد من القوى الإقليمية والدولية، أبرزها الصين وتركيا، مما تسبب في احراج واشنطن كقوة عظمى تمتلك الكثير من آليات الضغط والنفوذ التي تُمكنها من توجيه مصالحها على النحو الذي تقبله، لكنها تعجز عن توظيفها في المنطقة، وهو ما يُستدل عليه من خلال عدة مؤشرات كاشفة، أولها؛ أنه عقب ساعات قليلة من مغادرة فيلتمان الخرطوم في زياره أجراها في أكتوبر 2021 من أجل تسوية الخلافات المتصاعدة بين شركاء الحكم الانتقالي السوداني بجناحيه المدني والعسكري، وقبل وصوله إلى وجهته التالية، قام الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي بعزل رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، في خطوة مفاجئة أحرجت فيلتمان.
ثانيها؛ أن تنحي فيلتمان جاء عقب أيام قليلة فاصلة من استقالة رئيس الحكومة السودانية حمدوك من منصبه في 2 يناير 2022، وهو ما يخالف الدعوات الأمريكية والغربية للحفاظ على مسار الانتقال الديمقراطي الذي بدأ في عام 2019، ثالثها؛ أن قرار التنحي جاء عقب زيارة أجراها فيلتمان إلى إثيوبيا في 6 يناير 2022 من أجل تشجيع محادثات السلام بين كافة الأطراف الإثيوبية وإنهاء صراع دامٍ لأكثر من عام بين الحكومة الإثيوبية برئاسة آبي أحمد وجبهة تحرير شعب تيجراي، لكنها لم تحقق نتائج تذكر، كما أنها تزامنت مع إعلان بكين تعيين مبعوث للقرن الأفريقي.
في هذا الصدد، هناك ما يدفع للتساؤل عن السمات والخبرة التي يمتلكها خليفته ديفيد ساترفيلد، والتي جعلت واشنطن تعقد عليه الآمال في التعامل مع أزمات منطقة القرن الأفريقي، ومنها تتمكن واشنطن من استعادة مكانتها في القارة كشريك استراتيجي وحليف مهم لدولها. وتتمثل هذه السمات في جانبين رئيسيين، أولهما؛ أن ساترفيلد يمتلك تاريخاً دبلوماسياً طويلاً امتد لعقود في أكثر الصراعات تعقيداً وامتداداً في العالم وذلك في لبنان والعراق ودول الخليج، بالإضافة إلى ملف الصراع العربي- الإسرائيلي[4]، وبالتالي لازال يمتلك أدوات حية لمداخل التسوية السلمية، وآليات فك التعقيدات السياسية المتداخلة في المنطقة، بخلاف فيلتمان الذي دفعه "الواجب" للتخلي عن التقاعد بعد أكثر من 25 عاماً من العمل الدبلوماسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي عدة مناصب في الأمم المتحدة[5]، وبالتالي لم يكن الأخير على دراية بطبيعة المتغيرات التي تشهدها الساحة السياسية والتي تدفع للبحث عن أدوات جديدة للتسوية قد تختلف عن تلك المُتبعة خلال العقود الماضية.
ثانيهما؛ أن ساترفيلد على دراية جيدة ومقبولة بتوجهات القيادات السياسية للقوى المنخرطة في منطقة القرن الأفريقي انطلاقاً من خبرته الواسعة والممتدة في السلك الدبلوماسي، وهو ما يُستدل عليه بكونه تولى منصب مبعوث واشنطن للقرن الأفريقي أثناء شغله منصب سفير واشنطن في تركيا، وبالتالي هو على دراية بسياسة وتوجهات القيادة السياسية التركية التي اتجهت نحو الانخراط بشكل مباشر ومتنامٍ في منطقة القرن الأفريقي، والذي يُعد أحد مظاهره دعم أنقرة للحكومة الإثيوبية في حربها ضد قوات تيجراي عبر "الدرونز" التركية، والتي ساهمت في قلب الميزان العسكري لصالح الأولى، وهو ما يُثير قلق واشنطن على مصالحها في إثيوبيا والمنطقة بأكملها، خاصة في ظل توتر العلاقات الثنائية في ضوء الصراع الإثيوبي مع تيجراي. وبتعيين ساترفيلد، تهدف واشنطن إلى التوصل لآلية للتعامل مع المنافس التركي، أو على الأقل قراءة تحركاته في المنطقة عن قرب، مثله مثل باقي القوى الفاعلة فيها.
فضلاً عن ذلك، فإن أول جولة خارجية لساترفيلد في المنطقة أعلنت عنها وزارة الخارجية الأمريكية ستضم السعودية إلى جانب السودان وإثيوبيا، وذلك خلال الفترة (17- 20 ) يناير 2022، بهدف لقاء "أصدقاء السودان" - مجموعة تطالب بإعادة الحكومة الانتقالية في البلاد بعد قرارات الـ25 أكتوبر – من أجل"حشد الدعم الدولي" لبعثة الأمم المتحدة لتجاوز أزمة الانتقال الديمقراطي السوداني عقب استقالة عبد الله حمدوك. ومن الرياض ينتقل إلى الخرطوم للقاء عدد من النشطاء المؤيدين للديمقراطية، وجماعات نسائية وشبابية، ومنظمات مدنية وشخصيات عسكرية وسياسية في سبيل تقريب وجهات النظر، والتوصل لمخرج لتلك الأزمة[6]. فـساترفيلد يدرك جيداً أن أولى خطوات حلحلة الأزمات السياسية في المنطقة هو تأسيس آلية للحوار والتنسيق مع القوى الفاعلة المنخرطة في المنطقة والتي يأتي من بينها الرياض.
غياب التوافق الأمريكي- الإثيوبي حول سُبل تسوية الصراع في تيجراى
أصبح ملف الصراع الإثيوبي مع جبهة تحرير شعب تيجراي المحدد الرئيسي لمستوى واتجاه العلاقات الإثيوبية- الأمريكية، والذي على إثره توترت العلاقات بين واشنطن وحليفها الاستراتيجي التقليدي في المنطقة؛ حيث لم تلقِ الدعوات والضغوط السياسية والاقتصادية الأمريكية وآخرها إخراج حكومة آبي أحمد من قانون النمو والفرص الأفريقي (AGOA) في يناير 2022، لوقف الهجمات "غير المقبولة" على الإقليم ووضع حد فوري للأعمال العدائية والإسراع إلى إطلاق حوار وطني جامع والسماح بوصول المساعدات بدون عوائق إلى جميع المناطق الإثيوبية[7]، استجابة من جانب إثيوبيا.
فلم تهدأ الحرب الإثيوبية ضد قوات جبهة تحرير شعب تيجراي بإعلان الأخيرة انسحابها من المناطق التي سيطرت عليها في إقليمي عفار وأمهرة وتقهقرها إلى حدود إقليم تيجراي في 20 ديسمبر 2021، ولا بإعلان الحكومة الإثيوبية في 23 ديسمبر 2021 بأن قواتها لن تتقدم في عمق منطقة تيجراي، وأنها ستحافظ على المناطق التي استعادتها؛ فلا يزال يتعرض الإقليم لقصف جوي متقطع عبر "الدرونز" كان آخره في يناير 2022، أدى إلى مقتل 75 مدنياً فضلاً عن إصابة العشرات، مما دفع وكالات الإغاثة إلى تعليق عملها في إقليم تيجراي، فضلاً عن فرض حصار مُحكم على الإقليم، لاسيما منذ يوليو 2021 تسبب في أزمة إنسانية حادة نتيجة لنقص شديد في الوقود والمال والإمدادات الطبية والغذائية، حولت الإقليم إلى "جحيم" كحد وصف مدير عام المنظمة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس في 12 يناير 2022[8].
فعلى الرغم من الخطوات الإيجابية اللافتة التي اتخذها آبي أحمد خلال الأيام القليلة الماضية والتي تُشير إلى تغيير المسار السياسي الإثيوبي نحو تحقيق المصالحة وترسيخ السلام، ممثلة في إطلاق حوار وطني شامل لكل القوى السياسية والمجتمعية لتحقيق التوافق الوطني حول القضايا الرئيسية، وتصديق البرلمان الإثيوبي على مشروع قانون لتشكيل لجنة للحوار الوطني تتولى مسئولية إدارة الحوار الوطني الشامل في 29 ديسمبر2021، بالإضافة إلى اتخاذ الحكومة الإثيوبية قرار العفو عن 37 معتقل سياسي من القوى المعارضة بما فيها عناصر قيادية داخل جبهة تحرير تيجراي أبرزها سبحات نيجا أحد مؤسسي جبهة تحرير تيجراي، والرئيس السابق للإقليم آباي ويلدو، فضلاً عن قيادات من إثنية الأورومو والأمهرة، أبرزها جوهر محمد في 7 يناير 2022، لاقت جميعها (الخطوات) ترحيباً أمريكياً عبر عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال مكالمة هاتفية مع آبي أحمد في 10 يناير 2022، إلا أن تلك الخطوات الإيجابية لا تتفق مع الحسابات الأمريكية الدالة على تجاوز الحرب الأهلية الإثيوبية، ووضع حد للوضع الإنساني المأساوى في إقليم تيجراي، وهو ما دفع بايدن للإعراب عن قلقه من استمرار الأعمال العدائية، بما في ذلك الضربات الجوية الأخيرة والتي أدت لسقوط مدنيين، داعياً آبي أحمد إلى تسريع الحوار نحو وقف إطلاق النار عن طريق التفاوض، والحاجة الملحة لتحسين وصول المساعدات الإنسانية في كافة أنحاء إثيوبيا، ومعالجة ملف انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك احتجاز إثيوبيين في ظل حالة الطوارئ[9].
تعقد الأزمة السياسية السودانية باستقالة حمدوك
بعدما انعقدت الآمال الأمريكية على استعادة السودان لقدر من الاستقرار والتوازن خلال مرحلة ما قبل قرارات الـ25 أكتوبر 2021، بقبول رئيس الحكومة السابقة عبد الله حمدوك توقيع اتفاق سياسي مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 21 نوفمبر 2021، تستعيد بموجبه الخرطوم دور ومكانة المكون المدني في مرحلة الانتقال الديمقراطي، إلا أن الاتفاق كان مؤشراً كاشفاً عن غياب التوافق السياسي بين طرفيه، بعدما أبدى المكون العسكري اعتراضه على تعيين وكلاء وزراء وأمناء عامين لتصريف شئون الولايات، بالإضافة إلى رفضه لإعادة حمدوك للسفراء الذين تم فصلهم عقب قرارات 25 أكتوبر، ناهيك عما واجهه حمدوك من عقبات لتشكيل حكومة تكنوقراط لاسيما من جانب المكون المدني، على نحو دفع حمدوك في النهاية إلى إعلان استقالته في 2 يناير 2022[10]، في خطوة انقسم حولها الشارع السوداني ما بين رافض وداعم وأدت إلى تعقيد المشهد السياسي السوداني.
وفي ظل حالة الضبابية والغموض السائدين في المشهد السياسي السوداني، أعلنت واشنطن على لسان القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالخرطوم براين شوكان خلال لقاءه عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن شمس الدين كباشي في 13 يناير 2022، دعمها لمبادرة الأمم المتحدة للحوار والتشاور بين القوى السياسية السودانية، ودعم الشعب السوداني لتحقيق الانتقال الديمقراطي[11]. وبتعيين مبعوث جديد للقرن الأفريقي، تسعى واشنطن نحو التوصل إلى تسوية أو خريطة طريق تحظى بتوافق وطني سوداني من مختلف القوى السياسية السودانية، تضمن بموجبها استكمال المسار الانتقالي الديمقراطي وتهدئة الشارع السوداني، وتفعيل الدور الدبلوماسي الأمريكي، وهو ما سينعكس في الزيارة المرتقبة لساترفيلد إلى السعودية والسودان في يناير 2022.
تفاقم الأزمة السياسية الصومالية
تشهد الساحة الصومالية حالة من الاحتقان السياسي في ضوء تعثر المسار الانتخابي لأكثر من عام، إثر تفاقم النزاع السياسي بين الرئيس الصومالي محمد عبدالله (فرماجو) ورئيس الحكومة الانتقالية محمد حسين روبلي وصل لحد اتخاذ الأول قراراً في 27 ديسمبر بتعليق عمل الأخير لحين الانتهاء من التحقيقات بشأن اتهامات الفساد التي يواجهها بخصوص قطع أراضي، إلى جانب التدخل في العملية الانتخابية وتعطيلها، وهو القرار الذي رفضه روبلي ووصفه بغير الدستوري، كما اعتبر تطويق الحرس الرئاسي لمكتبه بأنه محاولة "انقلاب" فاشلة. وسرعان ما انخرطت واشنطن في الأزمة الصومالية بدعمها لـروبلي وحثها قادة الصومال على اتخاذ خطوات فورية لتهدئة التوترات في مقديشو[12]، كما أعلن مكتب شئون أفريقيا التابع لوزارة الخارجية الأمريكية في 28 ديسمبر 2021 أن واشنطن مستعدة لاتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون عملية السلام في الصومال[13].
في هذا الصدد، كثّف روبلي جهوده لإتمام المسار الانتخابي عبر عقد مؤتمر تشاوري في العاصمة مقديشو برئاسته وبمشاركة جميع رؤساء الولايات الإقليمية الـ5 وعمدة مقديشو، توصل لاتفاق جديد يُمكن تسميته باتفاق الـ"40 يوم"، ينص على استكمال الانتخابات التشريعية في البلاد خلال 40 يوماً[14] بداية من 15 يناير حتى 25 فبراير 2022، وهو الاتفاق الذي رحبت به واشنطن، مؤكدةً على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس عدم قبولها بعد الآن أي مناقشة غير دستورية تؤدي إلى تأجيل الانتخابات، كما حذرت من أنها ستفرض حظر السفر على كل من يعرقل سير العملية الانتخابية في الصومال[15].
وعلى الرغم من أن الولايات الصومالية استأنفت بالفعل الانتخابات النيابية في 16 يناير 2022 بإعلان لجنتى كل من ولاية غلمدغ، وهيرشبيلي عن قائمة المرشحين للمقاعد النيابية بمجلس الشعب للبرلمان الفيدرالي، بواقع 21 عضواً للأولى و 11 عضواً للثانية، إلى جانب انتخاب رئيس جديد للجنة الانتخابات الفيدرالية هو موسى غيلي يوسف[16]، إلا أن هناك العديد من التحديات التى قد تعرقل استكمال المسار الانتخابي، لكن يبقى الرهان على تنفيذ اتفاق الـ40 يوم.
نهاية القول، يبدو أن واشنطن تُعقد الكثير من الآمال على مبعوثها الأمريكي الجديد لمنطقة القرن الأفريقي للعب دور في حلحلة أزمات المنطقة المتفاقمة وما تفرضه من تداعيات تُضر بالمصالح الأمريكية فيها. فعلى الرغم من أهمية الدور الدبلوماسي الذي من المنتظر أن يُلعبه ساترفيلد لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين في كافة الملفات والأزمات السالف الإشارة إليها، إلا أنه بالمقارنة بين آليات بكين للانخراط في المنطقة وما حققته من مكاسب، يتضح أنه على واشنطن إعادة النظر في ضرورة الحد من توظيف آلية العقوبات الاقتصادية؛ فالمراقب للشأن الإثيوبي على وجه التحديد يدرك أن آلية العقوبات الاقتصادية لم تحقق نتائجها حتى هذه اللحظة، وفي ظل تكالب بعض القوى الإقليمية والدولية، وأبرزها الصين، لتعزيز أواصر التعاون مع إثيوبيا، تعمقت الفجوة بين واشنطن وأديس أبابا. بما يعني أن التنمية الاقتصادية وتعزيز الشراكات التجارية تمثل المدخل الرئيسي للتقارب وتعزيز النفوذ في دول القارة عموماً والقرن الأفريقي على وجه الخصوص.
[3] وزير الخارجية الصيني يؤكد من كينيا أن بلاده لا توقع إفريقيا في فخّ الديون، فرانس 24، 6 يناير 2022.
https://cutt.us/Azytk
[9] بيان موجز عن المكالمة الهاتفية بين الرئيس بايدن ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، البيت الأبيض، 10 يناير 2022.
https://cutt.us/XWV57
[14] إعلام: اتفاق في الصومال على الانتهاء من الانتخابات البرلمانية في غضون 40 يوما بدءا من السبت المقبل، سبوتنيك عربي، 9 يناير 2022.
https://cutt.us/xGl6t
[15] امريكا تؤيد اتفاق القادة الصوماليين بشأن الانتخابات وتحذر كل يحاول عرقلتها،القلم الصومالي، 12 يناير 2022.
https://cutt.us/sPMFu
[16] إسراء أحمد فؤاد، الصومال تستأنف الانتخابات النيابية بمجلس الشعب للبرلمان الفيدرالي، اليوم السابع، 16 يناير 2022.
https://cutt.us/Wvfx8