"تصويب مسار" : هل يستعيد التحالف موازين القوى العسكرية في اليمن؟
2021-12-22

أحمد عليبه
* خبير- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

يتغير مسار العمليات العسكرية في اليمن بتركيز التحالف العربي لدعم الشرعية على استهداف مراكز القيادة والعمليات ومخازن السلاح وورش التصنيع العسكري الخاصة بالمليشيا الحوثية في صنعاء، وهو تطور لافت يهدف إلى إفقاد المليشيا توازنها في العاصمة التي تسيطر عليها منذ انقلابها على الحكومة الشرعية في سبتمبر 2015، بالإضافة إلى تكثيف الضربات على المحاور الاستراتيجية في الجبهة الشمالية الشرقية بهدف إحباط محاولات المليشيا الوصول إلى مدينة مأرب التي تسعى إلى اختراقها عبر تجاوز حاجز سلسلة جبال "البلق" التي تفصلها عن أبواب المدينة بضعة كيلو مترات.

وإجمالاً، يراهن التحالف على قلب ميزان القوى لصالحه بعد ست أعوام من الحرب لم تشهد تحقيق نتائج استراتيجية نظراً لوجود معوقات منها سياسية تتعلق بمعارضة القوى الدولية المنخرطة في ملف الأزمة للعمليات العسكرية في صنعاء لاعتبارات تتعلق بالعامل الإنساني، والمخاوف على المدنيين، وأخرى عسكرية، حيث كان التحالف يعتمد على المكونات العسكرية المحلية بشكل رئيسي في حسم هذا الأمر.

ويعزز من رهان التحالف أيضاً، حالة الارتباك التي تنتاب المليشيا حالياً على إثر غياب حسين ايرلو (سفير) إيران لدى الحوثيين، الذي أعلن عن وفاته في 21 ديسمبر الجاري (2021)، والذي كان يدير منظومة خبراء الحرس الثوري وحزب الله اللبناني في اليمن، وفشلت هذه المنظومة في حسم معركة مأرب على مدار أكثر من 14 شهراً منذ وصول ايرلو إلى صنعاء في منتصف أكتوبر 2020، وهى نقطة أخرى جوهرية في هذا الصدد، في ظل تصدر رواية إصابته في عملية عسكرية للتحالف على صنعاء، كونها تؤكد على نجاح العمليات الجوية للتحالف في الوصول إلى مراكز القيادة. بالإضافة إلى استثمار التحالف لفرصة تغير المزاج الدولي من الحوثيين، نظراً لعدم استجابتهم للنداءات الدولية لوقف الحرب وعرقلة جهود الإغاثة الإنسانية ورفض العودة إلى طاولة الحوار للوصول إلى تسوية وفق المبادرة التي عرضها التحالف هذا العام وحظيت بدعم دولي.

متغير إدارة التحالف للعمليات العسكرية

خلال السنوات السابقة، لم تخرج ضربات التحالف لمواقع وأهداف حوثية عن كونها رد فعل على هجمات الحوثيين، وبالتالي فإن نوعية الضربات الحالية هى تحول من رد الفعل إلى الردع الاستباقي، مع التركيز على استهداف القلب، وهو العاصمة صنعاء، ما سيدفع المليشيا إلى الانكماش نحو المركز، ويعتقد أن التحالف يحظى بنوع من الإسناد العسكري الدولي، لوجستياً فى مجال الاستخبارات والاستطلاع، لتحديد مواقع الأهداف الاستراتيجية بدقة من أجل القيام بعمليات نوعية وبمستوى عالي الكفاءة.

وتشير بيانات التحالف، الأسبوع الجاري، إلى القيام بعدة ضربات دقيقة في عمق صنعاء، أغلبها في مطار صنعاء، لكن يعتقد أيضاً أنه جرى استهداف مواقع استراتيجية أخرى، مثل ورش التصنيع في بعض الأحياء السكنية، ومخازن الأسلحة كالطائرات من دون طيار، في المطار وبالقرب منه، ومخازن الصواريخ في جبال "النهدين"، وهو مؤشر أيضاً على دعم سياسي دولي للتحالف، فالأخير يؤكد مشروعية تلك العمليات انطلاقاً من قواعد الاشتباك المقررة فى القانون الدولي، في التعامل مع مواقع ذات طابع مدني، لكن جرى تحويلها إلى مواقع عسكرية .كما أكد التحالف على أنه قام بتوجيه تحذيرات للمدنيين في مناطق العمليات.

متغير الموقف الإيراني

إلى الآن، لا تزال هناك إشارات متضاربة وغامضة حول حقيقة الموقف الإيراني. فقبيل الإعلان عن إصابة ايرلو بفيروس كورونا – وفق الرواية الرسمية الإيرانية- جرى لقاء بين المبعوث السويدي إلى اليمن بيتر سامني وكبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني للشئون السياسية علي أصغر خاجي، وأعلن سامني عن ضرورة التوصل لوقف إطلاق النار، وحل أزمة ناقلة النفط اليمنية "صافر" المتوقفة في البحر الأحمر منذ سنوات، وتحاصرها المليشيا الحوثية وتمنع وصول فريق أممي لمعالجة التسرب النفطي منها، والذي يخشى من أن يؤدي إلى كارثة بيئية في المنطقة، وهو ما يشكل سابقة إيرانية للانخراط المباشر في هذا الملف، لكنها تعكس من جانب آخر، أن مقاربة تطور الموقف الإيراني على هذا النحو تهدف إلى توظيفها لملف الأزمة اليمنية في مباحثات فيينا لإحياء خطة العمل الشامل (5+1) الخاصة ببرنامجها النووي، كبادرة من الجانب الإيراني للتعاطي مع المطالب الدولية بتغير سياساتها الإقليمية. ويدعم هذا المؤشر من جانب آخر قبول الرياض بالوساطة العراقية – العمانية لإجلاء ايرلو من صنعاء جواً، قبل يومين من الإعلان عن وفاته.

وعلى الأرجح، فإن طهران تسعى إلى تقديم هذه الورقة للقوى الأوروبية، وليس للولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر، فاللقاء مع المبعوث السويدي يعني اتجاه إيران لإحياء اتفاق "ستوكهولم- ديسمبر 2018" وهو اتفاق تسوية جزئي، وليس اتفاقاً شاملاً، وهى استدارة تهدف في واقع الأمر إلى إنقاذ الحوثيين، فالاتفاق كان يميل لصالحهم، خاصة وأن خط وقف إطلاق النار هو آخر خط رسمته المعركة في لحظة الإعلان عن القبول بالقرار. وإذا ما طبق هذا الأمر، فإن خطوط وقف إطلاق النار ستتغير أيضاً لصالح الحوثيين، بتوسيع جبهات النفوذ التي تمددت فيها منذ إبرام الاتفاق، وهى نقطة يجب الالتفات إليها في حال استئناف المفاوضات مرة أخرى حول اتفاق "ستوكهولم"، حيث يتعين على الأطراف إعادة رسم خطوط الانتشار السابقة لحظة توقيع الاتفاق المشار إليه.

كذلك من الأهمية بمكان أيضاً الإشارة إلى أن متغير الموقف الإيراني هو متغير تكتيكي، دلالة ذلك أن طهران كان بإمكانها إحراز تقدم في هذا الملف على طاولة المباحثات الثنائية مع السعودية والتي قامت العراق برعايتها في الأشهر السابقة، لكن يعتقد أن طهران أرادت ربط هذه المبادرة بطاولة الحوار في فيينا للحصول على مقابل أكبر، بالإضافة إلى مسعاها بطبيعة الحال للحفاظ على المكاسب الحوثية.

السيناريو التالي

من المتصور أن هناك مسارين متوازيين حالياً: الأول، هو مبادرة طهران – قيد التشكل - مع بعض القوى الأوروبية لطرح عودة الحوثيين إلى طاولة الحوار. والثاني، هو المبادرة الخليجية التي تحظى بدعم دولي أيضاً، وعليه فالمتصور أن إنضاج مسار للتسوية لن يحدث قبل حدوث نقطة الالتقاء بين المسارين، وهى نقطة مستبعدة حالياً، بالنظر إلى حالة الاشتباك ما بين المسارين. فواشنطن لن تغير موقفها قبل اختبار الجانب الإيراني عملياً والتأكد من صحة أن طهران تسعى إلى تسوية حقيقية، وليس مجرد حديث ينم عن استدارة تكتيكية.

كما أنه من المعتقد أن السعودية ستواصل البناء على المسار العسكري الحالي، للضغط على الحوثيين والقبول بمفاوضات يمكن الوصول من خلالها إلى حل فعلي، والتوقف عن سياسة رفع سقف الشروط، وهى دروس مستفادة من تجربة "اتفاق ستوكهولم"، فالمليشيا اتجهت إلى السويد تحت ضغط العمليات العسكرية في الحديدة والتي كاد التحالف وقوى المقاومة يحققون فيها إنجازاً استراتيجياً، لكن تم وقفها بضغوط دولية، لكن ثبت لاحقاً أن المليشيا وظَّفت الاتفاق لصالحها لكسب مشروعية الطرف السياسي باعتراف دولي، كما أنها استغلت الاتفاق كفرصة لإعادة ترتيب صفوفها والتعبئة مرة أخرى، وبالتالي قد تعيد الكرة مرة أخرى.

على الجانب الآخر، من المتصور أن المتغير النوعي فى عمليات التحالف حالياً سيشكل عامل إحباط عسكرياً للمليشيا، لكنه لن يحسم المعركة، صحيح أن التحالف يبدو وكأنه يعيد إطلاق "عاصفة الحزم" مرة أخرى، لكنه سيظل بحاجة إلى توسيع بنك الأهداف ليشمل مواقع ومنصات إطلاق الصواريخ من ذمار وصعدة والساحل الغربي، ما يحتاج فى الوقت ذاته إلى توسيع نطاق الدعم اللوجستي الخارجي، بالإضافة إلى قطع طرق الإمدادات العسكرية الإيرانية للحوثيين براً وبحراً، وهى مسألة ممكنة في الفترة الحالية، فبريطانيا أعلنت فى بيان مشترك مع السعودية العمل على منع وصول تلك الإمدادات، بالإضافة إلى طبيعة الانتشار العسكري الأمريكي في إطار تطوير قيادة عمليات الأسطول الخامس الأمريكي في الخليج لاعتراض عمليات التهريب عبر البحر، فضلاً عن تعزيز ذلك بوجود قطع بحرية نوعية كالمدمرة الأمريكية "يو اس اس بورتلاند" عند مدخل باب المندب، وقيامها بتجارب محاكاة لاستهداف زورق مُسيَّر هذا الشهر، وهناك قيمة أخرى مضافة في الحد من أثر الهجمات الحوثية في تعزيز الدفاعات السعودية في العمق، وبالتالي يبدو أن هناك تصوراً تكاملياً لتطويق وإحباط العمليات العسكرية الحوثية، إلا أن هناك حاجة إلى إنجاز تلك العمليات لشل الحركة الحوثية قبل أن تستعيد عافيتها مرة أخرى، مع الوضع في الاعتبار أنها ستزيد من الهجمات العنيفة في الفترة المقبلة على الساحتين الداخلية والخارجية لكنها أصبحت في موقف رد الفعل وليس موقع المبادرة كما كانت عليه الأمور في السابق.

في الأخير، يمكن القول إن تكتيكات التحالف والقوى الدولية الداعمة له تتجه حالياً إلى تفعيل الخيار العسكري كورقة ضغط على إيران وبالتبعية الحوثيين، لكن آثار هذه الفاعلية ستظهر فعلياً في إذا ما تمكن التحالف من الوصول إلى وقف إطلاق النار وإفشال معركة مأرب الاستراتيجية، ودفع الحوثيين إلى طاولة التفاوض مرة أخرى، وبالعكس ستتراجع قيمة المتغير العسكري إذا ما تمكنت المليشيا الحوثية من تحقيق اختراق في مأرب واحتلال المدينة.


رابط دائم: