"ايديكس 2021": مؤشرات مصرية واعدة
2021-12-6

أحمد عليبه
* خبير- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

عكست النسخة الثانية من معرض مصر الدولي للصناعات العسكرية "ايديكس 2021"- الذي عقد في الفترة من 29 نوفمبر حتى 2 ديسمبر الجاري (2021)- قدرة مصر على تنظيم وإدارة معرض عالمي نوعي يليق بمكانتها، واستثمارها لقوتها الناعمة في جذب الأضواء العالمية والإقليمية إليها. فإلى جانب المعرض الدولي للصناعات العسكرية، أقامت مصر فعاليتين هامتين، هما الافتتاح المبهر والحضاري لطريق الكباش في الأقصر، وإقامة المنتدى الدولى الأول للقوات الجوية، وبالتالي لم تقتصر هذه الفعاليات على بعد واحد، حيث شملت أبعاداً ثقافية وعسكرية، وهو ما يصب في اتجاه استخدام الأدوات المختلفة للاستثمار في تنمية مصر لقدراتها الشاملة.

وجاءت النسخة الثانية من "ايديكس" لتؤكد حرص مصر على تكرار فعالية إقامة المعرض والنجاح في الأهداف الاستراتيجية المتنوعة التي تم التخطيط لها، على اعتبار أن المعارض العسكرية بشكل عام هى معارض نوعية تشارك فيها جهات ذات طبيعة خاصة، وهى شركات التصنيع العسكري العالمية والإقليمية والمحلية. فقد ضم المعرض منتجات أكثر من 350 شركة من 42 دولة، من كبريات دول العالم المنتجة للأسلحة والمنظومات العسكرية وما يرتبط بهذه الصناعة من منتجات أخرى ذات طبيعة مدنية، أو مجالات مثل مجال الاتصالات والاستخبارات.  

كما أن المعرض، في حد ذاته، هو مجال للتعرف على أحدث ما تقدمه الشركات العالمية في مجال التكنولوجيا العسكرية في العالم، فقد كان هناك اهتمام واضح بهذا الجانب في المعروضات التي قدمتها شركات عالمية ومجموعات عسكرية متعددة الجنسيات، ومن أبرزها مجموعة ATSC الأمريكية للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، وفي مجال الأمن السيبراني Cyber Security شاركت 17 شركة متخصصة منها AIRBUS،  ELINC، EMBRAER.

دلالات عديدة

يطرح تنظيم المعرض عدداً من الدلالات المهمة التي تتمثل في:

1- تميز الدبلوماسية العسكرية المصرية: وهو ما عكسه مستوى الحضور والمشاركة من جانب الشركات العارضة والوفود العسكرية، ما يؤكد على اتجاه متصاعد لدى المؤسسة العسكرية المصرية، يتعلق بالدبلوماسية العسكرية، وهى نمط مهم من أنماط السياسة الخارجية، بل تعكس الدبلوماسية العسكرية في الوقت الراهن مدى قدرة الدول على إقامة علاقات متميزة ومتوازنة مع دول العالم المختلفة، وهو ما بيدو من حجم الأنشطة والفعاليات العسكرية الدورية التي تقيمها مصر مع حلفائها وشركائها في الخارج، من تدريبات عسكرية مشتركة، ومؤتمرات ومنتديات .. إلخ، وبالتالي فإن "ايديكس" هو تتويج لهذه الفعاليات والأنشطة، وانعكاس لنجاحها.

2- ثِقل المؤسسة العسكرية المصرية: فمصر تنطلق في هذا المسار من مركز ثِقل لمؤسستها العسكرية، والمكانة التي يتمتع بها الجيش المصري، وهو ما تؤكد عليه تقارير التصنيف العسكري العالمية المتخصصة التي تضع الجيش المصري فى صدارة التصنيف الإقليمي، وضمن قائمة الفئة الأولى عالمياً. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هذه المكانة لا تستند فقط إلى الحسابات الكمية للقدرات المصرية، وإنما الحسابات الاستراتيجية والنوعية في الوقت ذاته، ولا تعني هذه الحسابات بالتبعية اختبار قدرات الجيوش في ميادين الحرب فقط، بل قد يكون الأهم من ذلك حالياً هو اختبار قدرات الجيوش على ردع التهديدات والحد من الحروب.

3- موقع مصر المحوري في الشرق الأوسط: فالشرق الأوسط هو سوق مهمة بالنسبة لشركات السلاح العالمية، رغم الطفرة التي تشهدها المنطقة في التصنيع المحلي والمشترك، إذ لا يزال مستوى وارادت الشرق الأوسط من السلاح هو الأعلى في العالم، وهو ما تظهرة مؤشرات SIPRY، حيث نمت عمليات نقل الأسلحة في السنوات الخمس (2015-2020) بمعدل زيادة بمقدار 25% عن السنوات الخمس التي سبقتها. وبالتالي بات ينظر إلى معارض الصناعات العسكرية في الشرق الأوسط على أنها فرصة جيدة لعملية التسويق، ويؤكد الإقبال من كبريات شركات السلاح في العالم على المعرض أن مصر دولة محورية في هذه السوق الهامة التي تتسابق عليها تلك الشركات.

4- اتجاه واعد ونوعي للصناعات المحلية: ينظر إلى الدول التي تستضيف معارض عالمية للسلاح على أنها تمتلك مؤهلات أخرى بالإضافة إلى المكانة العسكرية، منها مؤهلات التصنيع العسكري، حيث يكون لديها ما تقدمه في المعرض من منتجاتها المحلية، وهو ما قدمته شركات وزارة الإنتاج الحربي، والهيئة العربية للتصنيع، والشركة العربية العالمية للبصريات، وترسانة الإسكندرية البحرية، وهيئة البحوث العسكرية. ويبدو أن هناك اتجاهاً متصاعداً أيضاً في هذا الإطار، وهو الإعلان عن منتج عسكري جديد، أو نسخ أكثر تطوراً من المنتجات العسكرية التي تتميز بها الصناعات المحلية مع كل دورة من دورات المعرض، ومن أبرز تلك المنتجات التي شهدها "ايديكس 2021" المنتجات المحلية الواعدة في مجال الطائرات من دون طيار "الدرونز"، حيث عرضت طائرتان، هما الطائرة NUT، والطائرة EJUNE 30، بالإضافة إلى المنظومة الهدفية، وهى منظومة تدريبية في مجال "الدرونز"، فضلاً عن الصناعات العسكرية الثقيلة، حيث قدمت مصر في المعرض للمرة الأولى المدرعة "سينا 200" والمُناظِرة للمدرعة الروسية "BMP" التي تتميز بالقدرة على العمليات في بيئات صعبة ووعرة، كما عرضت أيضاً المدرعة "ST –500" متعددة المهام فى أحدث نسخها المطورة.

على هذا النحو، من اللافت أن التطور البارز فيما يتعلق بالتصنيع المحلي ظهر في الطائرات من دون طيار والمركبات والمدرعات، بالإضافة إلى الذخائر، فالدول التي تتقدم في الإنتاج العسكري تعتمد على عوامل رئيسية عديدة أهمها التركيز على بعض المنتجات العسكرية التي تؤهلها قدراتها لإنتاجها بشكل نوعي، فلا يمكن للدولة الواحدة إنتاج معظم الأسلحة حتى لو امتلكت القدرة على ذلك، مهما كانت متقدمة في هذا المجال، حيث يظل هناك مجال للتعاون العسكري. وفي واقع الأمر، فإن الاهتمام بمجال الطائرات من دون طيار يشكل أولوية حتمية بالنظر إلى الوضع الإقليمي، وطبيعة المُهدِدات في ظل انتشار استخدام هذا السلاح. وقد بدأ الإنتاج المصري للدرونز من الفئة الثالثة، وهى خطوة نوعية، بالإضافة إلى أن مصر اتجهت أيضاً للتصنيع المشترك مع بيلاروسيا في المجال نفسه، حيث سيتم إنتاج أربعة أنواع مختلفة من الدرونز، وهى خطوة أيضاً ستعزز عامل الإنتاج المحلي.  

5- توسيع قاعدة التصنيع العسكري المشترك: قدمت أيضاً معروضات عسكرية تعكس مستوى التقدم في التصنيع العسكري المصري المشترك، ومن أبرزها الفرقاطة "جونيد" الشبحية المصرية بالتعاون مع شركة NAVAL GROUP الفرنسية، بالإضافة إلى التصنيع المشترك للفرقاطة الألمانية "MEKO A200". وقد حققت هذه المنتجات المشتركة قيمة مضافة في قدرات البحرية المصرية خلال السنوات الأخيرة. كما استضاف المعرض نسخة حقيقية من مدفع "K9"، الذي تنوي مصر تصنيعه بالشراكة مع كوريا الجنوبية، وهو مدفع أمريكي الأصل، تنتجه كوريا الجنوبية، ما يحقق أهدافاً مختلفة، منها تكلفة التصنيع، بالإضافة إلى أن التصنيع المشترك يلبي أغراض الاحتياجات المحلية، فضلاً عن الطلب عليه في السوق الإقليمية. وفى هذا السياق، غالباً ما يشار إلى أهمية التقارب المصري – الكوري الجنوبي بشكل عام بفعل التجارب المشتركة والانطلاقة في التصنيع العسكري في عقد الستينيات من القرن الماضي، لكن الانطلاقة المصرية تعثرت بسبب الحروب التي خاضتها في تلك الحقبة، وهو جانب يعكس أحد المؤشرات المهمة في الواقع المصري الحالي، فحينما تكون الدولة مستقرة سياسياً وأمنياً وتمتلك الإرادة تكون قادرة على التغيير، وهو ما حدث في السنوات الأخيرة في مصر، التي حققت اختراقاً واضحاً في هذا المجال وتواصل العمل عليه.  

كذلك، وحسب التجارب المصرية في عملية التصنيع المشترك، تأتي الدبابة "M1A1" في المقدمة على اعتبار أنها كانت باكورة التعاون العسكري المصري- الأمريكي، وبمرور الوقت ومع اكتساب الخبرة في التصنيع تضاعف مستوى المكون المصري في إنتاجها، وشهد المعرض تقديم أحدث نسخها. كذلك بالنسبة للفرقاطات الفرنسية والألمانية، هناك نسبة عالية من المكونات المحلية، وبمرور الوقت هناك رهان على اكتساب مصر الخبرات النوعية الخاصة بالمكونات التكنولوجية في الصناعات العسكرية المحلية.

في المحصلة الإجمالية، يمثل نجاح معرض مصر الدولي للصناعات العسكرية "ايديكس 2021" قيمة استراتيجية مضافة لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، كما سيظل محطة مهمة ومرتقبة كل عامين للتعرف على مستوى التقدم في مجال الصناعات الدفاعية في العالم، والتقدم الذي تحرزه مصر أيضاً في هذا الإطار.


رابط دائم: