دوافع استقالة المبعوث الأمريكي لأفغانستان من منصبه
2021-10-31

رانيا مكرم
* خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

عقب ما يقرب من أربعة أعوام من شغل منصب المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان، قدم زالماي خليل زاد، في 19 أكتوبر الجاري (2021)، استقالته من منصبه، ليخلفه نائبه توم ويست، وسط تكهنات عدة حول أسباب الاستقالة وتداعياتها، بعد أن أتم زاد مهمته كعرّاب للاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الذي وقع عليه الجانبان في فبراير 2020.

وقد تولى زاد ملف العلاقات بين الولايات المتحدة وأفغانستان في عام 2018 عقب تعيينه من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مبعوثاً خاصاً للإشراف على المفاوضات مع حركة طالبان، وهي المفاوضات التي لم تُشرك فيها الحكومة الأفغانية، المدعومة من قبل الولايات المتحدة. وتعهدت الولايات المتحدة خلال هذه المفاوضات وبموجب الاتفاق بالانسحاب من أفغانستان. فيما انقلب المشهد في أفغانستان بشكل دراماتيكي صعدت فيه طالبان إلي السلطة بشكل مفاجئ، بينما غاب خليل زاد عن المشهد الدبلوماسي عقب سيطرة طالبان علي الحكم، ليشير هذا الغياب إلي إخفاق مزدوج للولايات المتحدة ولزالماي خليل زاد، الذي كان يسعي وفق المراقبين إلى إنجاز عظيم يكتب في تاريخه المهني.

خطوة مفاجِئة

أعلن رئيس الدبلوماسية الأمريكية أنتوني بلينكين، في 19 أكتوبر الحالي، أن المبعوث الخاص للولايات المتحدة الأمريكية لأفغانستان زلماي خليل زاد، قد تنحى عن منصبه. وأشار وزير الخارجية إلى أن نائب زالماي، مستشار البيت الأبيض السابق، توماس ويست، سيحل محله.

ومن ناحية أخرى، طرح خطاب تنحي زالماي خليل زاد، العديد من التساؤلات حول أسباب قراره، وتداعياته، ودلالات توقيته، لاسيما وأن الخطاب لم يحمل إجابات شافية لهذه التساؤلات، إذ كان خطاباً دبلوماسياً فضفاضاً، أشار فيه إلى أنه يريد إفساح المجال أمام رؤى أخرى خلال المرحلة الجديدة القادمة من علاقات الولايات المتحدة وأفغانستان، مضيفاً أن أسباب استقالته متعددة ومعقدة، وأنه سيعلن عن أفكاره وأسبابه خلال الأيام والأسابيع القادمة، وأن ما شهدته أفغانستان لم يكن مرضياً له، وأخفقت محاولاته في منع ما آلت إليه أمور البلاد.

وفي ظل الخطاب الدبلوماسي الذي أعلن فيه زالماي استقالته دون الإشارة إلي أسباب بعينها دفعته لهذا القرار، فإن إعلانه الإخفاق في تحقيق ما كان يطمح إليه فيما يخص مستقبل أفغانستان، يبقي سبباً مهماً لاتخاذه هذا القرار، سواء كانت استقالته بدافع شخصي، أم كان مدفوعا إليهاً بضغوط مورست عليه، وفي كل الأحوال تعكس هذه الاستقالة دلالتين رئيسيتين هما:

تناقض الرؤى والأهداف: يبدو أن اختلاف توجهات ورؤى الإدارة الأمريكية الجديدة مع خليل زاد بشأن العلاقات الأفغانية- الأمريكية، قد بلغ نهاية المطاف، إذ يحسب زالماي على المحافظين الجدد، الداعين إلى الاحتفاظ بعلاقات متجانسة مع أفغانستان من خلال حكومة طالبان، على عكس توجهات إدارة بايدن التي ترى ضرورة أن تكون العلاقات مع طالبان محدودة، في الوقت الذي أغلقت فيه السفارة الأمريكية في أفغانستان، ونقلت إلى الدوحة مؤقتاً، وأعادت الخارجية الأمريكية النظر في إجراءات برنامج منح تأشيرات الهجرة الخاص بمنح اللجوء للأفغان وإعادة توطينهم في الولايات المتحدة من خلال لجنة تفتيش خاصة لمراجعة هذه القضايا.

ويشير تحليل نشرته "Associated Press, AP News" بعنوان "US envoy for Afghanistan steps down after withdrawal"  إلى أن خليل زاد قد خطط لترك منصبه في مايو الماضي عقب إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن أن خطة الانسحاب الأمريكي ستكتمل قبيل الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. فيما طُلب منه البقاء في منصبه، واستجاب زاد إلى هذا المطلب وبقى حتى استقال مؤخراً.

 وبإحكام طالبان قبضتها علي الحكم في أفغانستان في منتصف أغسطس الماضي، رأت الإدارة الأمريكية أنه من الضروري أن يكون هناك تواصل خفي مع طالبان عقب سيطرتها على الحكم، بعيداً عن المسار الدبلوماسي المستبعد في الوقت الحالي، وقام خليل زاد بهذا الدور مؤقتاً. وبتبلور الرؤية الأمريكية أو بالأحرى وضوحها بشكل أفضل حول شكل التواصل المستقبلي مع حركة طالبان، بدا وكأن الدور الذي يقوم به زاد لم يعد يناسب الإدارة الأمريكية، وبالتالي تم اختيار توم ويست الذي قاد الجولة الأخيرة من المفاوضات الأمريكية مع طالبان. كما كان لافتاً أن مدير الاستخبارات الأمريكية ويليام بيرنز كان له دور في تحديد اتجاهات العلاقات مع طالبان، عقب سيطرتها على الحكم، على نحو بدا جلياً في الزيارة التي قام بها إلى كابول والتقى خلالها مع نائب زعيم الحركة عبد الغني برادر وجهاً لوجه في 24 أغسطس الماضي.

2- جنوح خليل زاد لتحقيق أجندة شخصية: وفق عدة تقديرات، سعى زاد إلى تحقيق مجد شخصي، كصانع للسلام في بلده الأم، غير أن تطلعاته الشخصية لإتمام اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان بأسرع وقت قد أسهمت في تكوين مشهد النهاية المتمثل في فوضى الانسحاب من أفغانستان، ودخول الحركة قصر الرئاسة، بعد إجبار الرئيس أشرف غني على الهرب. وأشارت اتجاهات عديدة إلى أن ثمة شخصنة للمفاوضات قد انتهجها خليل زاد، وذلك باعتماده علي علاقاته الشخصية مع قادة طالبان، معتقداً أن هذه العلاقات كافية لإلزام حركة طالبان بالاتفاق، دون أخذ ضمانات منها بعدم الاستيلاء على السلطة عقب الانسحاب الأمريكي، والدخول في مفاوضات لتقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية.

وفق هذه المعطيات، تعرّض زاد للعديد من الانتقادات في الداخل الأفغاني ومن قِبل الإدارة الأمريكية الحالية بسبب ما آل إليه الوضع في أفغانستان. ففي عام 2019، وجهت لزاد انتقادات في الداخل الأفغاني، كان أهمها اتهام مستشار الأمن القومي الأفغاني آنذاك حمد الله محب له بأنه "يسعى لتحقيق مكاسب سياسية شخصية بدلاً من تحقيق السلام". كما تعرّض لانتقاد آخر مفاده أنه أخفق في صياغة اتفاق سلام ملائم بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، مما نتج عنه قدرة طالبان على السيطرة على البلاد خلال أشهر قليلة، وذلك من خلال ممارسة زاد ضغوطاً كبيرة على الحكومة الأفغانية لتقديم تنازلات لطالبان، كان من بينها الإفراج عن عدد كبير من المحكومين المنتمين للحركة، بلغ عددهم 5000 سجين، حيث تضمن الاتفاق مع طالبان بنداً يخص الموافقة الأمريكية على الإفراج عن عناصر الحركة المحكومين في السجون الأفغانية.

فيما ذهبت انتقادات الداخل الأفغاني لأبعد من ذلك، حيث ساد اتجاه مفاده أن زاد قد عاد إلى بلده الأم على ظهر الدبابات الأمريكية، بهدف إيجاد مخرج لها من أفغانستان، في إشارة إلى أن زاد قد كُلف من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بإيجاد مخرج للقوات الأمريكية من البلاد، ذلك طبقاً لتحليل خبري نشره موقع "cbs news" بعنوان "U.S. envoy to Afghanistan Zalmay Khalilzad resigns negotiator for Afghanistan".

ومن ناحية أخرى، طالب الجمهوريون بإقالة زاد عقب سيطرة طالبان على الحكم، بسبب إخفاقه في إدارة عملية تنفيذ بنود الاتفاق من قبل حركة طالبان، وهو ما اعترف به زاد في خطاب تنحيه، حيث أشار إلى أن الاتفاق الذي تفاوض عليه مع حركة طالبان، قد اشترط الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية لدخول طالبان في محادثات سلام جادة مع الحكومة الأفغانية، معلناً عن أسفه، إذ أن تلك المفاوضات لم تسر كما كان مخططاً له. لكنه في الوقت نفسه ألقى باللوم على الحكومة الأفغانية، موضحاً أنها تتحمل قدراً من مسئولية ما حدث، لعدم استطاعتها الاستفادة مما قدم لها من دعم طوال السنوات الماضية.

ووفق تحليل موقع "cbs" السابق الإشارة إليه، كانت علاقة زاد بالرئيس الأفغاني قد توترت بسبب الاتفاق مع طالبان، وتركت الولايات المتحدة الرئيس الأفغاني دون دعم دبلوماسي وسياسي في مواجهة طالبان، وبالتالي لم يستطع خليل زاد لعب هذا الدور، مما أدى إلى انكشاف السلطات الأفغانية أمام طالبان وسقوطها سريعاً.

مهام محددة

تتفق التحليلات المختلفة التوجهات على طرح مفاده أن خليل زالماي زاد قد أدى مهمته، وأن المهمة القادمة للمبعوث الأمريكي الخاص توم ويست مختلفة عن تلك التي قام بها زاد، إذ يتوقع أن تنحصر مهمة ويست في الإبقاء علي الحد الأدنى من التعاون بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، لحسم الملفات العالقة بالأساس، وعلى رأسها ملف تنظيم "داعش- فرع خراسان"، وتيسير تلقي المساعدات الإنسانية، ومتابعة ملف حقوق الإنسان والنساء، وكيفية تعامل طالبان بشأنه، وكذلك تسهيل خروج من يرغب في مغادرة أفغانستان.

وعلي الرغم من أن غياب الولايات المتحدة عن اجتماع موسكو بشأن أفغانستان الذي شاركت فيه روسيا والصين وباكستان، وعقد في 19 أكتوبر الجاري، في نفس يوم استقالة زاد، يبدو مبرراً مع غياب الأخير عن منصبه، حيث صرح المتحدث باسم الدبلوماسية الأمريكية نيد برايس في هذا الشأن بأنه "من الصعب مشاركة الولايات المتحدة في الاجتماع لأسباب لوجستية"، فإن هذا الغياب يشير إلى تغير محتمل وبات متوقعاً في سياسة الولايات المتحدة تجاه أفغانستان تحت حكم طالبان، وأن الولايات المتحدة عازمة على التخفيف من التزاماتها السابقة تجاه أفغانستان، مع الحرص على بقاء سبيل للتواصل مع قادة الحركة، ولذلك تم اختيار ويست الذي رافق زالماي في المفاوضات مع طالبان، وقاد الجولة الأخيرة من هذه المفاوضات، أى أنه على دراية وربما علاقة جيدة مع قيادات الحركة.

وأخيراً، يمكن القول إن هذه الخطوة التي أقدم عليها خليل زاد تعكس إخفاق السياسة الأمريكية في أفغانستان، والذي ربما يفرض تداعيات عديدة سوف تتجاوز إلى حد كبير التأثير على مكانة الولايات المتحدة على المستوى الدولي، خاصة أن ارتداداتها وصلت إلى أقاليم عديدة حول العالم.


رابط دائم: