مغزى التوقيت: لماذا ركز "داعش" على استهداف مطار كابول؟
2021-8-26

أحمد كامل البحيري
* باحث متخصص في شئون الإرهاب - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

شهد مطار كابول في 26 أغسطس الجاري (2021) عملية إرهابية أسفرت -حتى الآن- عن مقتل ما يقرب من 20 قتيلاً وإصابة نحو 40 آخرين، منهم عناصر من قوات المارينز الأمريكية، بجانب عناصر من القوات التابعة لحركة "طالبان" والمتعاونين، وهى العملية التي أعلن تنظيم "داعش" تبنيها عبر بيان نشره على قنواته المغلقة "دارك ويب" مساء اليوم نفسه بعنوان "سقوط نحو 160 قتيلاً وجريحاً من القوات الأمريكية والمتعاونين بهجوم انتحاري قرب مطار كابل"، حيث كشف "داعش" تفاصيل العملية الإرهابية، وقال إن أحد عناصره -أطلق عليه اسم عبد الرحمن اللاهوري- تمكن من اختراق التحصينات الأمنية التي تقيمها القوات الأمريكية وقوات "طالبان" حول العاصمة كابل، واستطاع الوصول إلى تجمع كبير للمترجمين والمتعاونين مع الجيش الأمريكي عند مخيم باران قرب مطار كابل، ومن ثم قام بتفجير الحزام الناسف. فيما أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن انتحاريين قاما بتنفيذ الهجوم.

اللافت في هذا السياق، هو أن هذه العملية الإرهابية- التي تعتبر الأكبر لتنظيم "داعش" خلال العام الجاري والأولى ضد القوات الأمريكية- جاءت بعد ساعات من تحذير الرئيس الأمريكي جو بإيدن، في 25 أغسطس الجاري، من سعى "داعش" لاستهداف مطار كابول والقوات الأمريكية والمدنيين، بما يعني أنها كانت بمثابة رسالة سعى "داعش" إلى توجيهها إلى كل الأطراف المعنية بالترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في مرحلة ما بعد وصول "طالبان" إلى الحكم في كابول في 15 أغسطس الجاري. وانطلاقاً من ذلك، تطرح العملية الأخيرة للتنظيم ضد القوات الأمريكية ومطار كابول العديد من التساؤلات حول مغزى توقيتها، وموقف "داعش" من تداعيات ما بعد الانسحاب الأمريكي؟.

تهديدات مباشرة

بعد نحو عشرة أيام من سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول، أعلن تنظيم "داعش" -عبر العدد 300 من جريدة النبأ الصادر في 19 أغسطس الحالي- عن موقفه من الانسحاب الأمريكي وسيطرة "طالبان" على الحكم في أفغانستان، وجاء البيان تحت عنوان "أخيراً رفعوا الملا برادلي"، حيث أكد التنظيم على استمرار استهداف المصالح الأمريكية والغربية، وتوعد حركة "طالبان" بمزيد من العمليات الإرهابية خلال المرحلة المقبلة، بل إنه أعلن مسئوليته عن تنفيذ ثلاثة عمليات إرهابية في أفغانستان خلال الأسبوع الماضي، بخلاف العملية الأخيرة ضد مطار كابول، إذ ارتفع معدل العمليات الإرهابية للتنظيم منذ بدأ الإعلان عن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أول مايو الماضي، ووصل لما يقرب من 107 عملية إرهابية خلال الفترة من أول مايو وحتى 26 أغسطس الجاري، حيث أسفرت تلك العمليات- حسب بيانات التنظيم- عن سقوط ما يقرب من 447 شخصاً ما بين قتيل وجريج من قوات الأمن الأفغانية وحركة "طالبان" وقوات عسكرية أمريكية ومدنيين أفغان،وهو ما يجعل من هذه الفترة هى الأعلى في نشاط التنظيم داخل أفغانستان مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

مؤشرات مسبقة

ربما يمكن القول إن العملية الإرهابية الأخيرة التي نفذها "داعش" في محيط مطار كابول لم تكن مفاجئة للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، حيث أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل ساعات من وقوعها إلى توافر معلومات استخباراتية تكشف أن "تنظيم داعش في أفغانستان فرع خراسان يسعى لاستهداف مطار كابول والقوات الأمريكية والمدنيين الأبرياء"، وأضاف الرئيس الأمريكي قائلاً: "كل يوم نكون فيه على الأرض هو يوم إضافي نعرف فيه أن تنظيم داعش ولاية خراسان يسعى لاستهداف المطار ومهاجمة القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها". وخرجت السفارة الأمريكية في أفغانستان قبل ساعتين من وقوع العملية الإرهابية بإصدار تحذير للرعايا الأمريكيين بعدم الذهاب إلى مطار كابول، ودعت أيضاً الأمريكيين الموجودين بالفعل عند بوابات المطار إلى المغادرة على الفور، بحسب ما نشرته وكالة أنباء "سبوتنيك" صباح يوم وقوع العملية، وهى الخطوة نفسها التي اتخذتها الحكومة الاسترالية عبر إصدار تحذير قبل ساعات من وقوع العملية الإرهابية لرعاياها الموجودين فى أفغانستان بعدم الذهاب إلى مطار كابول، مبررة ذلك بأن "هناك خطراً كبيراً للغاية من وقوع هجوم إرهابي"، كما طالبت الموجودين في محيط المطار بالانتقال إلى مكان آمن.

أسباب التصعيد

يمكن تفسير اتجاه "داعش" إلى تصعيد حدة عملياته الإرهابية في أفغانستان خلال المرحلة الحالية في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- استغلال الارتباك بعد الانسحاب الأمريكي: يسعى التنظيم إلى استغلال حالة الارتباك في الداخل الأفغاني بهدف توسيع نطاق العمليات الإرهابية في محاولة لإثبات النفوذ والسيطرة، في ظل تراجع بل وتوقف نشاط تنظيم "القاعدة"، على نحو يمكن أن يساعد التنظيم على استقطاب مزيد من العناصر المتطرفة والتي ترى أن وصول حركة "طالبان" إلى الحكم جاء بناءً على اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، لضمان وقف نشاط التنظيمات المتطرفة في الداخل الأفغاني. 

2- تأسيس قاعدة ارتكاز محتملة لقيادة التنظيم: ربما يحاول "داعش" تعزيز قوة فرع "خراسان" باعتباره نقطة ارتكاز محتملة للقيادة المركزية للتنظيم، نتيجة تكثيف الضربات الأمنية ضد فرع التنظيم في كل من سوريا والعراق، ما يجعل من أفغانستان ساحة مرشحة لانتقال القيادة والعناصر "الداعشية" من سوريا والعراق، وهو ما أشار إليه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، في 28 يوليو الفائت، بقوله أن هناك "إمكانية لتوافد مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من سوريا وليبيا وعدد من الدول الأخرى إلى أفغانستان".

3- تسريع وتيرة الانسحاب الأمريكي: على الرغم من تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن على انتهاء عملية الانسحاب الأمريكي في 31 أغسطس الجاري، إلا أن اتجاهات عديدة داخل الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تطالب بإعادة النظر في موعد الانسحاب لما شكله من تهديد مباشر على المصالح الأمريكية، بجانب مطالبة بعض المنظمات المدنية لواشنطن بالإبقاء على قسم من القوات لحين الانتهاء من إجلاء بعض المواطنين الأمريكيين والمتعاونين مع القوات الأمريكية وحلف الناتو، ومن ثم يأتي التصعيد "الداعشي" في أفغانستان خلال الفترة الجارية لممارسة ضغوط أكبر على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل عدم تغيير موقفها بالإبقاء على قوات أمريكية.

في المجمل، تشهد الساحة الأفغانية تنامياً ملحوظاً في عدد عمليات تنظيم "داعش"، الذي بدأ في توسيع نطاق تحركه وسيطرته الجغرافية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. وبتحليل مسار عمليات التنظيم خلال العام الجاري، يتضح أن هناك تصاعداً في تلك العمليات، وخاصة مع سيطرة حركة "طالبان" على كابول، وهو ما حاول "داعش" إظهاره، حيث نشر، في 12 أغسطس الجاري، قبيل دخول حركة "طالبان" كابول بأيام قليلة، إحصاءاً حول عدد العمليات الإرهابية التي نفذها خلال العام الهجري الفائت (1442)- في الفترة من أغسطس 2020 وحتى أغسطس 2021- في "خراسان"- في إشارة إلى أفغانستان- والتي وصلت إلى 269 عملية إرهابية، وهو ما ينذر بتصاعد كبير في نشاط "داعش" خلال المرحلة الجارية، على نحو قد يؤثر بشكل كبير على باقي أفرع التنظيم المنتشرة بدول الإقليم.


رابط دائم: