"الأمية" عرض العدد 81 من فصلية أحوال مصرية
2021-8-10

عبد المجيد أبو العلا
* باحث في العلوم السياسية

صدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية العدد (81 – يوليو 2021) من مجلة أحوال مصرية حول قضية الأمية. وقد تأسس الطرح البحثي لهذا العدد في ضوء ركيزتين أساسيتين حكمتا موضوعات العدد ورؤيته التحليلية. الركيزة الأولى تتلخص في أن للأمية أبعاداً وصوراً متعددة ومتكاملة تؤثر على بعضها البعض، وهو ما يستدعي عدم الاقتصار في الأطروحات البحثية والسياسات التنفيذية على الأمية الأبجدية، وضرورة توسيع أطر المواجهة لتضم مختلف هذه الأبعاد. أما الركيزة الثانية فهي علاقة الأمية – بصورها المتعددة والمتكاملة – ببناء الوعي في مختلف المجالات وتحصيل المعرفة اللازمة لبناء مجتمع عصري قادر على مواجهة التحديات المتجددة. وضرورة بناء الخريطة المعرفية للمجتمع المصري، من أجل تحقيق النقلة الحضارية التي نحتاجها.

الأبعاد المتكاملة للأمية

طرح العدد فكرة الأبعاد المتكاملة للأمية، فبالإضافة إلى الأمية الأبجدية هناك صور لأميات مختلفة. وقد عبر غلاف العدد عن هذه الفكرة برسم أبعاد وأشكال مختلفة للأمية تقع في قلبها الأمية الأبجدية. كما طرح ملف العدد مقالات مختلفة حول أنواع الأمية المتعددة مثل الأمية اللغوية والأمية الدينية والأمية الأسرية والأمية الصحية والأمية الرقمية. بالإضافة إلى الأميات الحرفية والإدارية والبيئية والثقافية والقانونية. وأشار العدد إلى وجود متلازمة واضحة بين الأمية الأبجدية والأميات الأخرى، مع اعتبار الأمية الأبجدية مسؤولة عن إنتاج هذه الأميات الأخرى. بل إن هذا الأمر لا يقتصر على الأمية الأبجدية وحدها حيث ترتبط مختلف أشكال الأمية ببعضها البعض، وتولّد الأمية الواحدة بدورها سلسلة من الحلقات المتصلةلأنواع متعددة من الأميات النوعية الأخرى.

محو الأمية وبناء الوعي

ربطت افتتاحية العدد مكافحة الأمية بفلسفة ورؤية الدول لعملية بناء الإنسان ومقومات هذا البناء وركائزه، بالقدر الذييمكنه من تفهم الدور المجتمعي والإنساني وفلسفة حياته. حيث تعكس الأميات المختلفةافتقاد المعرفة الضرورية لتحسين معيشة المواطنين في مجتمع وعالميتحدد موقع الفرد فيه بقدرته على الإلمام بسبل المعرفة. وبينما طرح العدد في مواضع مختلفة علاقة الأمية بالوعي فإن المقال الأول بالقسم الثقافي طرح بنظرة أكثر تركيزًا علاقة الأمية بالوعي بالجسد الإنساني وآليات استثماره. فضلًا عن عرض محطات تاريخية هامة في مسيرة المصريين مع المعرفة وبناء الوعي. كما عرض العدد في مقال حول الدراما لبعض الأفلام والمسلسلات التي تناولت قضايا الأمية وغياب الوعي والجهل المتوارث.

ولا ترتبط مكافحة الأمية بمسألة الوعي فقط، فكما حاول العدد طرح إشكالية التكلفة المجتمعية التي تعكسها الأمية بأنواعها ومستوياتهاالمختلفة، وحدود القدرة على تحملها، وإمكانية تخفيضها إلى الحدود المقبولة، والوقوف على تأثيراتهاعلى حركة المجتمع وعلاقته بالدولة. فإنه ناقشأيضًا في إحدى المقالات الأمية من مدخل تكلفتها الاقتصادية لتبيان الخسائر التي يتحملها العالم نتاج انتشار الأمية.

وبينما قدم العدد في باب الرؤى رؤية نقدية لمسار محو الأمية في مصر، فقد قدمت دراسة العدد على الجانب الآخر رؤية مستقبلية للقضاء على الأمية في مصر، كما قدم المقال الأول في الملف رؤية متخصصة مقترحة لإطلاق مشروع قومي لمحو الأمية. بالإضافة إلى تقديم قراءة تحليلية للخبرات الدولية في محو الأمية وعوامل نجاحها.

ملحق العدد

حرص ملحق العدد على تقديم زوايا مختلفة حول الأمية عبر أكثر من مدخل. منها ما يتعلق بالسياسات الحكومية، حيث عرض للمناهج المصرية المختلفة لمحو الأمية وما يميز بعضها عن الآخر، بالإضافة إلى أول قانون مصري يؤسس لجهود محو الأمية. ومنها ما يتعلق على الجانب الآخر بالمبادرات المجتمعية التي دُشنت في مصر بهدف محو الأمية. بالإضافة إلى البُعد الإنساني الذي عرض لنماذج إنسانية مصرية واجهت تحديات مركبة في مسيرتها للإفلات من الأمية والإنطلاق نحو تحقيق نجاحات حياتية. وعرض الملحق أيضًا بيانات إحصائية حول معدلات الأمية في المحافظات المصرية وفي دول ومناطق العالم، فضلًا عن بعض التجارب الدولية لمحو الأمية. وكذلك ضم العدد عرضًا لرسالة ماجستير تناولت دور الراديو المصري في محو الأمية.

إجمالًا، تُعد قضية الأمية إحدى المعوقات الرئيسية التي تواجه المجتمع المصري. وليس من المبالغة القول بأنها قضية أمن قومي تمس القدرة على بناء الشخصية المصرية العصرية التي تستعيد دورها الحضاري، كما تعد أيضًا إحدى محددات بناء مجتمع ودولة حديثين قادرين على مواجهة مختلف التحديات المتجددة. وهو ما يتحقق بالسعي الجاد نحو بناء مجتمع المعرفة، وزيادة الوعي، ومحو الأمية.


رابط دائم: