انتخاب هنية وعلاقات حماس الإقليمية: تحديات وفرص
2021-8-7

عبير ياسين
* خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

أنهت حركة المقاومة الإسلامية - حماس انتخاباتها الداخلية التي بدأت منذ شهر فبراير 2021، في 2 أغسطس الجاري بما كان متوقعاً سلفاً، وهو إعادة انتخاب إسماعيل هنية رئيساً للمكتب السياسي للحركة لدورة ثانية وأخيرة وفقاً للوائح وقوانين الحركة التي تمنع الترشح لولاية ثالثة متصلة.

ورغم الإعلان منذ شهر يناير 2021، وقبل بداية العملية الانتخابية، عن وجود توافق داخل الحركة يؤيد إعادة انتخاب هنية، مع الحفاظ على الوجوه الرئيسية في مواقعها وعودة خالد مشعل للواجهة السياسية عبر رئاسة الحركة في الخارج، اكتسب خبر إعادة انتخاب هنية الكثير من الاهتمام في ظل السياق الذي يحيط بالأحداث بعد حرب غزة الرابعة في مايو 2021. وزاد من هذا الاهتمام الدور الذي قامت به حماس وجناحها العسكري- كتائب عز الدين القسام، وقائدها العسكري محمد الضيف خلال الحرب، والتهدئة التي تبذل الكثير من الجهود، خاصة من الجانب المصري، من أجل الحفاظ عليها والتوصل إلى الهدنة وصفقة تبادل الأسرى المنتظرة.

كما زاد من أهمية الحدث ما تسرب من أخبار متنوعة عن وجود ضغوط إقليمية، تركية تحديداً، حاولت إعادة مشعل إلى موقع هنية في رئاسة المكتب السياسي للحركة، وهو الموقع الذي شغله مشعل حتى عام 2017. بالإضافة إلى الدعم الذي حصل عليه هنية من قيادات الحركة في لبنان، ودوره في ترجيح عملية انتخابه، وهو ما يشير بشكل غير مباشر إلى دور إيراني في استمرار هنية وصراعات إقليمية على النفوذ من خلال التأثير على نتائج الانتخابات والتوافقات السابقة عليها.

وبشكل عام ظهر الجدل حول التدخلات الإقليمية على فترات متقطعة في ظل الحديث عن تنافس هنية ومشعل وصالح العاروري، ممثل الحركة في الضفة الغربية، على منصب الرئيس السياسي للحركة قبل الإعلان عن القرارات المتعلقة برئاسة الحركة في الخارج والضفة في أبريل ويوليو الماضي، حيث فاز مشعل بموقع رئيس الحركة في الخارج والعاروري بمنصب رئيس الحركة في الضفة.

وتوازى الحديث الدائر حول انتخاب هنية والضغوط الإقليمية مع أخبار مشابهة ظهرت على هامش الانتخابات التي تمت في مارس الماضي من أجل اختيار رئيس الحركة في قطاع غزة. وظهر التنافس بشكل أكثر وضوحاً وعلنية عن ما هو معتاد بين يحيي السنوار الذي شغل موقع رئيس الحركة في القطاع منذ 2017، ومنافسه نزار عوض الله، رئيس مجلس الشورى السابق للحركة في القطاع. وأعلن فوز السنوار في جولة التصويت الرابعة في ظل عدم الحصول على الأغلبية المطلوبة والضغوط التي تمت ممارستها للتأثير في النتائج تأييداً أو رفضاً للسنوار وفقاً لبعض التصريحات القريبة من الحركة.

يفرض تشابه التناول بين ظروف انتخاب السنوار وهنية، والحديث عن التدخلات الإقليمية، الحاجة إلى العودة إلى السياق الذي تتحرك فيه حركة حماس بوصفها حركة مقاومة في مواجهة واقع معقد تفرض فيه الكثير من القيود المباشرة وغير المباشرة في ما يخص اختيار الأصدقاء والأعداء، على الأقل بشكل علني. أوضاع تبدو واضحة بالنظر إلى الهجوم والنقد الذي تعرضت له الحركة وخاصة هنية بعد توجيه الشكر إلى إيران على الدور الذي قامت وتقوم به في دعم الحركة والفصائل بالمال والسلاح بعد حرب غزة وإعلان انتصار الفصائل في مواجهة إسرائيل في معركة سيف القدس. نقد ارتبط بدوره بسياق إقليمي يرفض التدخلات الإيرانية في سوريا ولبنان واليمن، ويؤكد على أهمية أن تحافظ حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية على المقاومة "نقية" بعيداً عن العلاقات السلبية التي تهدد بفقد شعبية الحركة ودعمها من قبل بعض الأطراف العربية.

بدورها أكدت حماس، في مواجهة النقد الذي تعرضت له، على أهمية التركيز على السياق الإقليمي والدولي الذي تتحرك فيه الحركة، والحاجة للدعم المادي والعسكري بما يرتب توجيه الشكر إلى إيران وغيرها من الأطراف التي تدعم المقاومة. كما طالبت بضرورة التمييز بين دور إيران وغيرها من القوى الإقليمية في دعم المقاومة الفلسطينية، ودور الأطراف نفسها في قضايا إقليمية أخرى، وهو التفسير الذي رفضته الكثير من الأصوات التي اعترضت على براجماتية الحركة وصنّفت تصريحات وتحركات هنية بوصفها تدشيناً رسمياً بدخول الحركة في التحالف الإيراني. بالمقابل لم يعترض البعض على أهمية تقديم الشكر للقوى الداعمة للمقاومة الفلسطينية، ولكن على تكرار الشكر وأسلوبه، والحرص الواضح على تأكيد التقارب بين هنية وإيران بصورة غير مسبوقة. في هذا السياق، تعبر اختيارات حماس عن محاولة تحقيق نوع من التوازن المفتقد والانتقائي، توازن يحمل داخله تحيزات واضحة للأطراف المشاركة فيه، ويربط بين بعض تلك الاسماء والدول، في حين يحافظ البعض على قدر من الحيادية التي تسمح بالتعامل العابر لتلك التحيزات والاختلافات في المواقف والسياسات.

الانتخابات وحرب غزة: انعكاسات غير مباشرة.. ولكن؟!

جاء قرار إعادة انتخاب هنية متأخراً عن شهر أبريل الماضي الذي أعلن بوصفه الموعد المفترض للإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات الداخلية للحركة، وفي ظل التطورات التي شهدتها القضية مع تصاعد الأحداث في المسجد الأقصى والشيخ جراح في الفترة نفسها. بالإضافة إلى حرب غزة وما تبعها من تطورات انعكست على الحركة ومسار الأحداث في ما يتعلق بالانتخابات الداخلية وأولويات المرحلة. واكتسب القرار أهميته بشكل خاص في ظل التطورات نفسها التي أدت إلى تأجيله وما تبعها من تحركات وتصريحات تربط بين هنية وإيران وتراكم على ما حدث بداية من 2020. 

وبالعودة للتطورات، تم انتخاب هنية للمرة الأولى في منصب رئيس المكتب السياسي، الذي يعد الرئيس العام للحركة، في عام 2017 قبل أن يعاد انتخابه في أغسطس الجاري. وتتم الانتخابات الداخلية للحركة عبر عدة مراحل سرية من ممثلي المناطق إلى مجلس شورى الحركة الذي ينتخب بدوره أعضاء المكتب السياسي كل أربع سنوات. وتظل معظم الأسماء سرية في حالة وجودها في الداخل بسبب الأوضاع الأمنية والتخوف من استهدافها من جانب إسرائيل.

وتتبع الحركة أسلوب الشورى في الانتخابات، ويتم إجراء الانتخابات في الضفة وغزة والخارج بوصفها الأقاليم الثلاثة الرئيسية بالإضافة إلى ممثل الأسرى في السجون. ويختار كل أقليم مجلس الشورى الخاص به والذي يطلق عليه مجلس شورى الإقليم. ويختار مجلس الشورى بدوره مجلس شورى حماس في الأقاليم كافة ويقوم مجلس الشورى العام بوصفه الهيئة التشريعية العليا داخل الحركة بانتخاب المكتب السياسي ورئيسه. وبشكل عام يتم ترشيح الأسماء من أعضاء مجلس الشورى المنتخب، ويفوز من يحصل على العدد الأكبر من الأصوات.

وبالإضافة إلى الانتخابات التي تمت في 2021، تم انتخاب الأسير سلامة القطاوي رئيساً للهيئة القيادية العليا للحركة في السجون أو إقليم السجون في ديسمبر 2020 لدورة 2020 - 2021 والتي بدأت أعمالها مع بداية يناير 2021.

ورغم ربط البعض بين إعادة انتخاب هنية والحرب في غزة، بحكم التوقيت والسياق الزمني، إلا أن الإعلان عن التوافق على تلك الأسماء منذ المراحل الأولى يؤشر إلى وجود توجهات أساسية لدى حماس بالحفاظ على القيادات الرئيسية في مناصبها قبل الحرب. وبهذا يؤكد خيار الاستمرار في مرحلة ما قبل حرب غزة وبعدها على ثقة الحركة في توجهات القيادات الرئيسية في مواقعها، مع استثناء خالد مشعل الذي عاد إلى الواجهة مع رئاسة الحركة في الخارج من أجل تحقيق درجة أعلى من التوازن المفتقد والذى كشفت عنه التطورات التالية لحرب غزة. ويؤشر الحفاظ على الأسماء التي أعلنت بعد الحرب بصفة خاصة، ممثلة في العاروري وهنية، على وجود تقييم إيجابي لأداء الحركة خلال الحرب وما بعدها، كما يعكس استمرار الإطار العام للاختيارات كما تم التوافق عليه منذ بداية العام وفي مرحلة يتصور أن تحمل ملامح مصالحة فلسطينية ومسار سياسي داخلي وإقليمي مختلف بعد غياب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن المشهد وحرب غزة ومحاولات تجنب حرب جديدة في المنطقة.

كما اكتسب الإعلان عن انتخاب العاروري وإعادة انتخاب هنية أهمية إضافية في ظل أنها النتائج الوحيدة التي تم الإعلان عنها بعد قرار تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 30 أبريل 2021، وهي الانتخابات التي كان يفترض أن تجرى في 22 مايو الماضي ضمن خريطة طريق انتخابية لم تبدأ وتم الإعلان عن تأجيلها إلى أجل غير محدد. بالإضافة إلى تركز الحديث خلال فترة ما قبل قرار تأجيل الانتخابات التشريعية على رغبة حماس في إنهاء الانتخابات الداخلية قبل الانتخابات التشريعية أو تأجيلها من أجل التفرغ للانتخابات التشريعية التي تعاملت معها الحركة بجدية في ظل رغبتها في اختبار شعبيتها علناً وتغيير الأوضاع القائمة في قطاع غزة الذي تسيطر عليه منذ عام 2007.

ومع الحديث عن شعبية حماس بعد الحرب، والتحديات التي واجهت فتح والسلطة الفلسطينية قبل تأجيل الانتخابات وخلال حرب غزة الرابعة وبعدها، تحولت انتخابات حماس إلى فرصة للحديث عن ديمقراطية نسبية للحركة في واقع معقد. وتفسر تلك الأوضاع خطاب ديمقراطية حماس الذي ظهر من قبل الحركة وغيرها من فصائل المقاومة مع انتهاء العملية الانتخابية بإعادة انتخاب هنية.

بدورها تكتسب انتخابات قطاع غزة أهميتها من الشخص والقيمة الجغرافية مقارنة بالقيادات التي تمارس أدوارها من الخارج. حيث تزداد أهمية السنوار في ظل ارتباطه بالجهاز الأمني والعسكري الذي يعد أحد مؤسسيه، وعلاقته الخاصة بالضيف، الرجل الأكثر أهمية في تطورات الأحداث التي وقعت منذ أبريل الماضي. بالإضافة إلى الفترة الطويلة التي تواجد السنوار خلالها في السجون الإسرائيلية والتي وصلت إلى 23 عاماً تقريباً، وانتهت مع الإفراج عنه في صفقة جلعاد شاليط عام 2011 والمعروفة بصفقة "وفاء الأحرار"، وعلاقته الخاصة بحكم تلك التجربة مع الأسرى، ومعرفته الممتازة باللغة العبرية. ويضيف الوجود في الداخل الكثير للمسئول عن القطاع مقارنة بالقيادات في الخارج، وهو المنصب الذي شغله هنية حتى 2017، بما يعزز الدور الذي يلعبه السنوار في المشهد في الحاضر والمستقبل على صعيد الحركة والقطاع والعلاقات مع السلطة من جانب وإسرائيل من جانب آخر.

وفي ظل تلك الوضعية الخاصة، ترى بعض التحليلات الإسرائيلية أن السنوار، ورغم ما يعرف عنه من تشدد وارتباط بالجهاز العسكري، يتميز بقدرٍ كبيرٍ من البراجماتية السياسية منذ توليه المسئولية عن القطاع في 2017، وأنه تصرف بالكثير من المسئولية في قضايا مصيرية. وتؤكد تلك التحليلات على الدور الذى قام به السنوار خلال الأزمات التي حدثت بين 2018 - 2019 على حدود غزة من أجل دعم الوساطة المصرية بهدف تحسين الأوضاع المعيشية والإنسانية في القطاع. 

وبعيداً عن تلك الانعكاسات، لم ترتب حرب غزة الكثير من الانعكاسات على الترتيبات التي أعلن عنها منذ بداية العام في ما يتعلق بالانتخابات ونتائجها. كما انعكست الحرب ونتائجها الايجابية، من وجهة نظر حماس والفصائل، على حصول قيادات الحركة على تقييم ايجابي فيما يتعلق بإدارة التصعيد والحرب بشكل ساعد على تمتين تلك الاختيارات وإعلاء قيمة تلك القيادات السياسية في مواقعها. ويرجح أن تزداد أسهم تلك الاسماء في حالة التوصل إلى صفقة مع إسرائيل حول الأسرى، خاصة فيما يتعلق بالقيادات الداخلية في غزة التي تحملت الجزء الأكبر من المواجهات ونتائجها، وساهمت في رفع التوقعات الشعبية حول نتائج المفاوضات الدائرة بعد إعلان التهدئة.

أما على صعيد قيادات الحركة في الخارج ممثلة في هنية ومشعل، فإن التحدي الرئيسي يتجاوز القدرة على المشاركة بفاعلية في المفاوضات الخاصة بالصفقة والإعمار، رغم أهميتها، إلى تحدى موازنة العلاقات الإقليمية المتناقضة بكل ما لها من قيمة على صعيد الدعم السياسي والمادي والعسكري، وإعادة ترتيب المشهد الفلسطيني الداخلي، وتحقيق الإعمار وصفقة التبادل التي لا يمكن أن تتم دون الوساطة المصرية.

 

قيادات حماس بعد انتخابات 2021

الاسم

المنصب

النتائج (2021- 2025)

أخرى

يحيى السنوار

رئيس الحركة في قطاع غزة

10 مارس 2021

-       سجن لمدة 23 عاماً تقريباً وخرج في صفقة "وفاء الأحرار" أو صفقة التبادل الخاصة بالإفرج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في 2011.

-       عضو مؤسس في الجهاز العسكري.

-       يشغل منصب رئيس الحركة في القطاع منذ 2017.

خالد مشعل

رئيس الحركة  في الخارج

12 أبريل 2021

-       تولى منصب رئاسة المكتب السياسي بين 1996- 2017.

-       تولى منصب رئيس الحركة في الخارج في أبريل 2021 خلفاً لماهر صالح الذي تولى منصب رئاسة الحركة في الخارج بين 2017 و2021.

-       يقيم في قطر منذ 2012.

موسى أبو مرزوق

نائب رئيس الحركة في الخارج

12 أبريل 2021

-       الرئيس الأول للمكتب السياسي للحركة بين 1992- 1996.

-       نائب رئيس المكتب السياسي.

-        رئيس مكتب العلاقات الدولية.

-        يتنقل بين قطر وغزة منذ 2013.

صالح العاروري

رئيس الحركة في الضفة الغربية- نائب رئيس المكتب السياسي

4 يوليو 2021

-       أسس حناحاً عسكرياً في الضفة الغربية بين 1991 - 1992، والذي يعتبر خطوة في إعلان كتائب القسام في الضفة عام 1992.

-       سجن لمدة 18عاماً تقريباً ثم أبعد من قبل إسرائيل.

-       تولى منصب رئيس الحركة في الضفة الغربية ونائب رئيس المكتب السياسي منذ 2017.

-       يقيم في لبنان بعد فترة إقامة في تركيا التي طالبت بمغادرته لها.

-       تم الإعلان عن اسمه نتيجة تواجده في الخارج.

إسماعيل هنية

 رئيس المكتب السياسي

2 أغسطس 2021

-       تولي رئاسة الحكومة الفلسطينية بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية 2006- 2007.

-       رئيس الحكومة المقالة في غزة بين 2007- 2014.

-       رئيس الحركة في غزة بين 2014- 2017.

-       رئيس المكتب السياسي للحركة منذ 2017.

-       يقيم في قطر منذ عام 2020.

* تم إعداد الجدول بواسطة الباحثة.

 

 التوازنات الإقليمية للحركة في واقع جديد

لعل النقطة المثيرة للاهتمام على هامش التطورات التي شهدتها حماس خلال عام 2021، والتي ظهر بعضها بعد حرب غزة الرابعة في مايو للمرة الأولى أو بصورة واضحة، هى الربط بين الأسماء التي تم اختيارها في المناصب القيادية للحركة وأطراف إقليمية محددة. وفي حين برزت العلاقة بصورة علنية ومباشرة بين هنية وإيران، مع الإشارة إلى أهمية هنية بالنسبة للعلاقات بين الحركة ومصر، تم التأكيد على الروابط القوية التي تجمع السنوار ومحمد الضيف، وأهمية دور السنوار في العلاقات مع إسرائيل وغيرها من الأطراف المباشرة، لاسيما مصر والسلطة، في حين اكتسب ظهور مشعل على قناة "العربية" السعودية في 4 يوليو الماضي وبعد حرب غزة مساحته الخاصة من الاهتمام في ظل الإشكاليات التي تحيط علاقة الحركة بدول الخليج، والحديث عن أهمية الاستفادة بمشعل وخبرته في تحقيق التوازن المفتقد في علاقات حماس الخارجية.

وبهذا تقدم حماس طريقتها الخاصة في تحقيق التوازن في علاقاتها مع الدول العربية والأطراف الإقليمية المؤثرة، خاصة إيران، من خلال الحفاظ على علاقات مباشرة بين قيادات الحركة وبعض تلك الدول، وتوظيف وجوه قديمة في سياسات جديدة تقوم على استثمار تلك القنوات المباشرة في تعزيز العلاقات بين تلك الأطراف والشخصيات القريبة منها. أوضاع دفع إليها واقع المنطقة في ظل الترتيب لمرحلة ما بعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ومحاولة الالتفاف على صفقة القرن والتطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، والرغبة في الحصول على دعم ضروري وفرصة للتجاوز عن حالة الحصار المفروض على قطاع غزة، وهى الأسباب التي تعمقت مع الحرب والخسائر الناتجة عنها إنسانياً ومادياً في القطاع.

وبشكل عام، تؤكد اختيارات الحركة على إدراك حماس لتعقيدات الموقف المحيط بها والذي يدفعها إلى محاولة تحقيق نوع من التوازن دون القطيعة مع أطراف إقليمية مؤثرة يمكن أن ترتب خسارتها الكثير من النتائج السلبية على الحركة. ويمكن أن تقود عدم الرشادة في إدارة تلك العلاقات إلى خسارة بعضها بسهولة في ظل التناقضات التي تحيط بتلك الأطراف وسياستها وأهدافها والمطالب التي تطرح في ما يتعلق بدور حماس المتوقع من تلك الأطراف.

وبالإضافة لما سبق، يفرض الدور السياسي والإداري لحماس في غزة مجال اختبار وتحدياً أساسياً للحركة في اللحظة والمستقبل بوصفه فرصة لتأكيد قدرتها على إدارة المقاومة والحكم بكل ما له من انعكاسات داخلية. إلى جانب مساحة واحتياجات العمل المقاوم الذي يرسم حدود الدور والشعبية ويحتاج إلى الكثير من الدعم السياسي والمالي والعسكري بصفة عامة وبعد حرب مايو بصفة خاصة.

بهذا، عبّر ظهور خالد مشعل على قناة "العربية"، وما مثله الحدث من فرصة لتأكيد أهمية استعادة العلاقات بين الحركة والمملكة العربية السعودية، عن محاولة الحركة لموازنة علاقاتها في ظل خطب وتحركات متزايدة تربط بين الحركة وإيران من جانب والحركة والحوثيين في اليمن من جانب آخر. وتجد حماس في السعودية فرصة لتنويع علاقاتها الخليجية وكسر عزلة تفرض عليها نوعاً خاصاً من العلاقات الملتبسة في الإقليم. وضع يزيد من فرص تحققه فلسطينياً تأكيد المملكة على أهمية الالتزام بمبادرة السلام العربية - 2002، والربط الرسمي بين التطبيع والوصول إلى تفاهمات في مسار التسوية السياسية.

ويأتي تحرك مشعل في وقت تطرح فيه الكثير من التساؤلات عن الأسباب التي دفعت حماس إلى التركيز على العلاقات مع إيران، ووضعها في دائرة الضوء بعد حرب غزة في ظل محافظة هنية على وجود علاقات قوية مع إيران والإشادة المتكررة بالدعم المادي والعسكري الذي حصلت عليه الحركة من الأخيرة بعد إعلان التهدئة. ومثّلت تلك التحركات استمراراً للنهج الذي اتبعته الحركة مع زيارة هنية إلى إيران في يناير 2020 للمشاركة في تشييع جثمان قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق. وجاءت زيارة هنية ومشاركته ضمن عدد قليل بالحديث في المناسبة، وفي خروج هو الأول له من القطاع منذ توليه منصب رئاسة الحركة في 2017، لتؤكد على رغبة حماس في دعم إيران والتأكيد على أهمية علاقتها معها.

واكتسبت خطوة هنية أهميتها بعد توجيه انتقادات إيرانية للحركة واتهامها من جانب صحيفة إيرانية بالتعاون والتنسيق مع إسرائيل في ظل عدم مشاركتها في المواجهات التي تمت بين حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل في نوفمبر 2019 بعد اغتيال القائد الميداني في سرايا القدس- الجناج العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بهاء أبو العطا في غزة بقصف إسرائيلي. كما رسّخ هذا التوجه بمشاركة هنية في 5 أغسطس الجاري، وبعد إعادة انتخابه بأيام قليلة، في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي الذي أكد بدوره في كلمته أمام البرلمان على استمرار دور بلاده في دعم غزة.

في هذا السياق، يقدم تواجد مشعل في المشهد السياسي للحركة وظهوره في وسائل الإعلام السعودية نوعاً من التوازن والتنوع في العلاقات الخارجية للحركة. ومع تحميل هنية صورة التقارب الشديد مع إيران، بشكل يصعب معه تغيير خطابه دون إثارة غضب إيران والتأثير على علاقتها بالحركة، يبدو ظهور وجه جديد له ثقل سياسي مثل مشعل على مستوى التفاعلات السياسية الخارجية عربياً بمثابة فرصة لحماس لتنويع علاقاتها والتجاوز عن المشكلات الناتجة عن التحالف مع إيران بالقدر الذي تسمح به التطورات الإقليمية والمواقف العربية.

ورغم أن توزيع الأدوار لا يبدو كافياً من ناحية الأطراف الأخرى التي ترفض التقارب بين الحركة وطهران، فإن التركيز على طبيعة الحركة بوصفها حركة مقاومة، وانعكاسات الحصار والحرب على القطاع، والاحتياجات التي تفرضها تلك الأوضاع على الحركة والإقليم، من شأنها توفير فرصة للحوار من خلال وجوه مقبولة لدى السعودية وغيرها من الأطراف الخليجية. وتكتسب العلاقة مع مصر أهميتها الخاصة في تلك التحركات في ظل أهمية مصر للحركة والقضية الفلسطينية بصفة عامة، والحاجة إلى تنسيق الحركة مع مصر في العديد من الملفات والتحركات التي تتم من أجل التوصل إلى صفقة التبادل وعمليات إعادة الإعمار، إلى جانب المصالحة الفلسطينية والضغوط من أجل التسوية وإشراك الفصائل في التحركات السياسية القادمة.

ختاماً، تؤكد اختيارات حماس على إدراك الحركة لتشابكات الموقف المحيط بها واحتياجات المرحلة، ولكن التناقضات التي تحاول الحفاظ عليها في علاقاتها الإقليمية تثير العديد من التعقيدات للحركة ومواقفها مع تلك الأطراف نفسها. وفي لحظة الاختيار، سيكون على الحركة تمييز القيم النسبية التي يمكن من خلالها إعلاء أطراف على أخرى وهو ما يحتاج للكثير من الجهد من أجل الاستعداد لتلك المرحلة ليس من قبل الحركة فقط ولكن من قبل الأطراف العربية المعنية بالحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي، والحريصة على عدم استخدام أزمات المنطقة في تعميق صراع النفوذ والضغوط من الأطراف الإقليمية والدولية.


رابط دائم: