كردستان العراق.. ساحة تصعيد جديدة بين إسرائيل وإيران
2021-4-23

صافيناز محمد أحمد
* خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

ازدادت حدة التصعيد بين إيران وإسرائيل عبر توسيع عمليات الاستهداف العسكرية والاستخباراتية من قبل كل طرف لمصالح تابعة للطرف الآخر فى المنطقة، وتحديداً مع مطلع شهر أبريل الجارى (2021)، ما بين استهدافات متبادلة للسفن فى مياه الخليج العربى والبحر المتوسط، وتخريب إسرائيلى "استخباراتى سيبرانى" متعمد لمولدات الطاقة داخل موقع نطنز النووى الإيرانى بهدف التأثير على موقف إيران التفاوضى فى فيينا بشأن عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووى مع إيران الذي تم التوصل إليه في 14 يوليو 2015.

ومع حلول منتصف الشهر الجاري، انتقلت المواجهة بين الجانبين الإسرائيلى والإيرانى إلى جولة جديدة ساحتها العراق، التي لا تزال تدفع ثمن ارتباطها بإيران فى سياق إشكاليات مشروعها الإقليمى متعدد الحلقات فى المنطقة من ناحية، وإشكاليات اتفاق برنامجها النووى على وقع الانسحاب الأمريكى منه فى مايو 2018 من ناحية ثانية.

هذه المواجهة تمت تحديداً فى إقليم كردستان، حيث قامت مجموعة مسلحة باستهداف أحد المراكز التى أشيع أنها تابعة لجهاز المخابرات الإسرائيلى "الموساد" فى العاصمة أربيل في 14 أبريل الجاري. ورغم نفى حكومة كردستان وجود مراكز استخباراتية إسرائيلية على أراضى الإقليم، وعدم تأكيد إسرائيل، جاءت الإشارات الصادرة عن السلطة فى طهران لتشى بأن أذرعها فى العراق من الميليشيات العسكرية المسلحة هى المسئولة عن هذا الاستهداف، ما يعنى إقحام إيران للعراق فى سياق صراعها مع إسرائيل على خلفية برنامجها النووى ومساعى الأخيرة لتقويضه أو إنهاؤه. ويتزامن ذلك مع مباحثات أمريكية- إيرانية غير مباشرة تتم برعاية أوروبية فى فيينا، تستهدف إنقاذ الاتفاق النووى مع إيران بعد أن انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بصورة منفردة. بل إن هناك تقارير تشير إلى مباحثات سرية جرت بين الطرفين في مدينة فرانكفورت الألمانية قبل انعقاد اجتماعات فيينا.

اتهامات متوالية

الهجوم المسلح على مركز استخباراتى إسرائيلى فى كردستان يأتى كنتيجة للاتهامات المتوالية التى توجهها إيران لحكومة أربيل بفتح الإقليم كساحة استخباراتية أمام إسرائيل بما يضر، وفقاً لها، بمصالحها فى العراق، فضلاً عن اتهامات مماثلة لحزب الاتحاد الوطنى الكردستانى العراقى بالسماح لإسرائيل بإقامة مركز استخباراتى فى السليمانية، وهو ما سيضع الإقليم بصورة دائمة فى مرمى عمليات الميليشيات العراقية المسلحة التابعة للحرس الثورى الإيرانى خاصة ميليشيا عصائب أهل الحق وميليشيا حركة النجباء، وهما أكثر الميليشيات العراقية ارتباطاً بإيران. وبهذا يصبح الإقليم حلقة من حلقات التصعيد الإسرائيلى- الإيرانى المتواصل.

وقد حاولت حكومة أربيل إخراج الإقليم من سجال التراشق العسكرى والسياسى بين إيران وإسرائيل بنفيها وجود مراكز استخباراتية إسرائيلية على أراضيها تفادياً لمزيد من الاستهدافات الإيرانية للإقليم عبر ميليشيات عراقية مسلحة، وتحديداً تلك التابعة للحشد الشعبى، خاصة وأنه شهد على مدار الشهور الماضية عدة استهدافات أمنية من قبل تلك الميليشيات ضد القواعد العسكرية الأمريكية كان أبرزها استهداف مطار أربيل وذلك فى سياق اتهامات كثيرة توجهها تلك الميليشيات لحكومة أربيل تشير إلى تواطؤها مع الولايات المتحدة الأمريكية ضد المصالح الإيرانية فى العراق، وهى اتهامات تزايدت على وقع تكهنات إيرانية بأن يكون الإقليم هو مرتكز القوات الأمريكية حال انسحابها من باقى الأراضى العراقية، وفقاً لقرار البرلمان العراقي الصادر في 5 يناير 2020.   

وتسعى حكومة أربيل، فى هذا السياق، إلى النأى بالإقليم عن تلك المواجهات بأبعادها الإقليمية، فى محاولة منها لتقليل حجم الضغوط التى تمارسها إيران ضدها، عبر وكلائها من القوى السياسية العراقية وميليشياتها العسكرية. وتنعكس نتائج تلك الضغوط بوضوح فى مواقف تلك القوى السياسية داخل البرلمان ومحاولاتها تعطيل حصول الإقليم على مخصصاته المالية فى موازنة الدولة، وفى مواقف أذرعها العسكرية التى تستهدف مصالح الإقليم بضربات أمنية من حين لآخر، وهى ضغوط لا تنفصل واقعياً عن عدم استحسان إيران لنمط العلاقات الوطيدة التى تربط بين حكومة كردستان العراق وبين الولايات المتحدة الأمريكية.

ويلاحظ في هذا السياق أن حكومة الإقليم، وإن كانت لا تقيم علاقات دبلوماسية مباشرة مع إسرائيل، إلا أنها- حسب تقارير عديدة- تتعاون فعلياً على أرض الواقع معها فى ملفات متعددة وهو ما ترصده طهران جيداً، حيث تعد كردستان العراق "بيئة ملائمة" لأنشطة إسرائيل الاستخباراتية. فعلى المستوى الجغرافي، تعد كردستان قريبة لخصم إسرائيل اللدود إيران، وبالتالى فإن إمكانية الرصد والمتابعة تصبح من السهولة بمكان. كذلك، فإن لإسرائيل علاقات تعاون أمنية كثيرة مع قوات الشرطة الكردية المعروفة بالبيشمركة من حيث التدريب والتسليح. هذا بخلاف التعاون المتعدد الجوانب فى مجالات الطاقة والنفط. بالإضافة إلى محاولات التطبيع السرية التى جرت خلال عامى 2018 و2019 من خلال زيارات سرية قامت بها وفود عراقية إلى إسرائيل، وهى عوامل ترفع - إلى جانب إشكاليات البرنامج النووى - من حدة التوتر لدى إيران بما يدفعها إلى استباحة الأراضى العراقية بدورها، ولكن عبر وجود فعلى على الأرض من خلال الولاء المتنامى الذى تبديه ميليشيات الحشد الشعبى العراقية لها.

ضغوط مزدوجة

من هنا، فإن العراق تبدو، فى ضوء المصالح الإسرائيلية فى كردستان والمصالح الإيرانية فى المشهد السياسى والأمنى العراقى، واقعة تحت ضغوط إيرانية- إسرائيلية مزدوجة تجعلها ساحة فعلية لمواجهات الجانبين خلال المرحلة المقبلة، خاصة مع تزايد ضغوط القوى السياسية تجاه الوجود الأمريكى، لاسيما بعد العملية العسكرية التي شنتها واشنطن وأسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني ونائب أمين عام ميليشيا الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في 3 يناير 2020.

إذ ترى إسرائيل أن الانسحاب الأمريكى الكامل من العراق سيفرض فراغاً عسكرياً كبيراً فى ظل عدم الاستقرار الأمنى، بما سيزيد من الفرص المتاحة أمام إيران لإحكام سيطرتها على المشهد السياسى والأمنى العراقى، وبالتالى تتحسب إسرائيل جيداً لهذا المسار، وتسعى إلى رفع وتيرة تدخلها فى الشأن العراقى من خلال تعزيز وجودها الاستخباراتى فى كردستان كإحدى آليات الحفاظ – من وجهة نظر تل أبيب – على المصالح الإسرائيلية فى المنطقة، لاسيما مع السياسة الأمريكية الجديدة التى تتبناها إدارة الرئيس جو بايدن، وخاصة فيما يتعلق بمحاولة العودة إلى الاتفاق النووى مع إيران لما كان عليه الوضع قبل الانسحاب منه فى عام 2018.   

من الواضح إذن أن المصالح الإسرائيلية فى العراق عبر كردستان هى مصالح أمنية بالأساس، وهى مصالح تترجمها إسرائيل عبر عدة وسائل بعضها يتعلق بتقويض المشروع الإقليمى الإيرانى فى حلقته العراقية، وبعضها يتصل بإحباط المشاريع العسكرية الإيرانية فى العراق عبر استهداف أذرع طهران من الميليشيات العسكرية العراقية التابعة لها لإجبار الحكومة العراقية على كبح جماح التدخلات الإيرانية فى المشهد السياسى، بما يوفر لإسرائيل فرصاً سانحة نحو مزيد من تفعيل التعاون مع حكومة كردستان.  


رابط دائم: