كان ولايزال الطفل الأفريقي هو الفئة الأضعف والأكثر عُرضة للعديد من المخاطر الناجمة عن الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تتعرض لها دول القارة الأفريقية، خاصة التي تتسم بالضعف والهشاشة وتعاني من تدهور معدلات الأمن والرعاية الصحية والاجتماعية وكافة الخدمات بما في ذلك التعليمية التي تُعد العامل الرئيسي والمهم في بناء وتشكيل وعي الطفل وتأهيله لممارسة دور تنموي وفاعل في المجتمع. إلا أنه عقب انتشار فيروس كوفيد-19، تعمقت وتفاقمت حدة ما تواجهه دول القارة من أزمات إنسانية، تمكنت الجماعات الإرهابية من توظيفها في تجنيد الأطفال عبر سياسة "الترغيب والترهيب"، أي طوعاً عبر إغرائهم بالمال والطعام وتوفير الخدمات التي تعجز الحكومات عن توفيرها لهم ومنحهم الحماية والسلطة التي يفتقدونها في كنف الدولة، أو قسراً عبر آليات الترويع والتهديد التي تتنوع أنماطها ما بين الاستغلال الجنسي والاقتصادي، والإتجار، والزواج القسري، والقتل والتشويه، وغيرها، فضلاً عن آلية الخطف؛ وهو ما يفسر تصاعد عمليات خطف طلاب المدارس خلال الأشهر القليلة الماضية.
بيئة حاضنة
1- انخفاض معدل الأمن والاستقرار في أفريقيا: تُعد أفريقيا موطناً لأكثر من 75% من إجمالي عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراعات حول العالم، وفقاً لتقرير صادر عن مرصد الفتاوى والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، كما أوضحت منظمة اليونيسيف أنه خلال الفترة (2010- 2019) تضاعف عدد الأطفال المجندين في غرب أفريقيا لأكثر من 3 مرات، وأن جماعة بوكوحرام وحدها استخدمت أكثر من 135 طفلاً لتنفيذ عمليات إرهابية في نيجيريا([1]).
كما تمكنت الجماعات الإرهابية من توظيف جائحة كورونا لتعزيز نشاطها في عدد من المناطق الأفريقية التي ظلت بعيدة عن العمليات الإرهابية حتى وقت قريب مثل منطقة البحيرات العظمى، فضلاً عن تصاعد عدد عملياتها الإجرامية باعتبارها أحد مصادر التمويل الرئيسية؛ فقد سجلت القارة زيادة في عدد الهجمات الإرهابية بنسبة 18% خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2020، مقارنة بنفس الفترة خلال عام 2019، بواقع 1168 هجمة إرهابية في عام 2020، مقارنة بـ982 عملية إرهابية خلال عام 2019 يعود غالبيتها لجماعة بوكو حرام([2])، وهو ما أدى بالتوازي إلى زيادة معدل العنف ضد الأطفال ووقوعهم ضحية للتنظيمات الإرهابية؛ فعلى سبيل المثال، سجلت اليونيسيف نحو أكثر من 380 انتهاكاً جسيماً لحقوق الطفل في أفريقيا الوسطى خلال الفترة (يناير- يوليو) 2020، بما يعادل أكثر من 2.5 ضعف الأرقام المسجلة خلال نفس الفترة من عام 2019 عقب انتشار الجائحة([3]).
كما أوضحت المديرة الإقليمية لمنظمة "اليونيسف" لغرب ووسط أفريقيا في 22 مايو 2020، ارتفاع نسبة الأطفال الذين بحاجة للحماية في دول الساحل الأوسط (بوركينافاسو ومالي والنيجر) من 1.2 مليون طفل في عام 2019 إلى ما يقرب من 2.3 مليون طفل في عام 2020([4])، فضلاً عن نزوح أكثر من 900000 طفل فيها تم إيواء بعضهم مع أسر مضيفة أو في مواقع نزوح يفتقرون خلالها إلى أدنى مستوى من الخدمات اللازمة، وهو ما يأتي بالتوازي مع تراجع حجم المساعدات الإنسانية وتدني مستوى الخدمات المقدمة لرعاية الأطفال وحمايتهم نتيجة لانتشار جائحة كورونا وما أفرزته من تداعيات. فعلى سبيل المثال؛ أوضحت منظمة اليونيسيف في 22 يناير 2021 أنه تم تمويل عمليات الدعم المقدم من المنظمة لحماية ورعاية أطفال أفريقيا الوسطى خلال عام 2020 بنسبة 49%، وأنها في حاجة لدعم يعادل 75.7 مليون دولار أمريكي من أجل الاستجابة في عام 2021، قدم منها ما يعادل نسبة 21% فقط([5]).
2- تصاعد مستوى انعدام الأمن الغذائي في القارة: ارتبط صعود وهبوط معدل الأمن الغذائي في أفريقيا بثلاثة عوامل رئيسية تنوعت ما بين الاقتصادي والأمني والبيئي، كانت إما دافعاً مباشراً لتجنيد والتحاق الأطفال بالتنظيمات الإرهابية، أو غير مباشر لتجنيدهم بتلك التنظيمات من خلال التزام أُسرهم الصمت نحو التحاق أبنائهم بها نظراً لما تعانيه الأسر من أزمات إنسانية حادة، أو رداً على تهميش الحكومة لهم في حين تقدم لهم التنظيمات الإرهابية ما يحتاجونه من موارد كأحد آليات الاستقطاب: أولها؛ التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا على القارة؛ فقد أوضح صندوق النقد الدولي في 10 أكتوبر 2020 أن القارة الأفريقية في حاجة إلى ما يعادل 1.2 تريليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة من أجل التعافي من التكاليف الاقتصادية والصحية الناجمة عن الجائحة، كما حذر البنك الدولي من أن هناك حوالي 43 مليون أفريقي يواجهون الفقر المدقع، وذلك في ظل توافر إحصاءات تشير إلى انخفاض مصادر دخل العائلات بنسبة 12%، إلى جانب اختفاء عدد من الوظائف([6]).
كما أشار التقرير السنوي الصادر في 15 يناير 2021 عن "مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد" حول اقتصاد أفريقيا، إلى أن دول القارة عانت خلال عام 2020 من انخفاض قياسي في إجمالي الناتج المحلي، فضلاً عما شهدته سلاسل التوريد من اضطرابات، وما فرض من قيود على حركة العمال أدت إلى انخفاض معدل إنتاج المحاصيل في العديد من المناطق والبلدان ارتفع على إثرها عدد المناطق والبلدان المعرضة لخطر المجاعة، مثل بوركينا فاسو، وشمال شرق نيجيريا وجنوب السودان، ناهيك عما سجلته التجارة البينية من تراجع، هذا بالإضافة إلى الانخفاض الكبير في أسعار المواد الأولية، لاسيما النفط، إلى جانب تراكم مدفوعات الديون التجارية([7])، وهي حزمة من العوامل أدت في مجملها إلى ارتفاع معدل انعدام الأمن الغذائي سواء على مستوى القارة أو بين أطفالها؛ حيث أوضح مكتب تنسيق الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن هناك نحو 19% من سكان إفريقيا يُعانون من نقص التغذية بواقع أكثر من 250 مليون شخص، وأن القارة تسجل أعلى معدل لانتشار نقص التغذية بين جميع مناطق العالم، كما أنها تُعد المنطقة الوحيدة التي ارتفع فيها عدد الأطفال الذين يعانون من التقزم منذ عام 2000، هذا إلى جانب ورود تقديرات تُشير إلى أن الجائحة ستتسبب في مضاعفة معدل انعدام الأمن الغذائي في وسط وغرب أفريقيا خلال عام 2021 بنسبة 135%([8]).
وثانيها، مخاطر اندلاع الصراعات المسلحة وانخفاض معدلات الأمن والاستقرار، حيث توقعت منظمة اليونيسف في 30 ديسمبر 2020 معاناة نحو 10.4 مليون طفل من سوء التغذية الحاد في كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وشمال شرق نيجيريا، ومنطقة الساحل الأوسط وجنوب السودان، وكذلك اليمن في عام 2021، نتيجة للصراع المستمر وانعدام الأمن([9]). كما أعربت في 22 يناير 2021 عن قلقها البالغ على نحو ما يقرب من 100 ألف طفل نازح جراء الصراع الدائر بين الجماعات الإرهابية وقوات حكومة أفريقيا الوسطى، والذي أدى إلى ارتفاع حالات سوء التغذية الحاد الوخيم([10]) بين الأطفال دون سن الخامسة بنسبة 16.4%، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020([11]).
وثالثها، التغيرات المناخية وما لها من أبعاد أمنية واقتصادية أدت ولاتزال تؤدي إلى تفاقم معدل انعدام الأمن الغذائي؛ حيث تسببت التغيرات المناخية في معاناة 34 مليون شخص في ما يقرب من 25 دولة حول العالم خلال عام 2019، يقع 77% منها في أفريقيا([12])، كما أوضحت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في 26 أكتوبر 2020 أن القارة تعاني من خطر استثنائي جراء ارتفاع درجات الحرارة من المؤكد أنه سيؤثر سلباً على القطاع الزراعي الذي يعد عصب الاقتصاد الأفريقي، وبالتالي انخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية لاسيما الحبوب الرئيسية بمعدل 13% في وسط وغرب أفريقيا، وبمعدل 11% في شمالها، ونحو 8% في شرق وجنوب القارة بحلول منتصف القرن الحالي([13])، هذا إلى جانب توقع خبراء الأرصاد الجوية حدوث تغيرات مناخية بنسبة 55%خلال الربع الأول من عام 2021 بسبب ظاهرة النينيا([14])، ستلقي بظلالها على دول القارة لاسيما منطقة القرن الأفريقي([15]).
بالإضافة إلى دور التغيرات المناخية في تأجيج النزاعات في القارة، مثلما أشارت العديد من الدراسات حول العلاقة الطردية بين التغيرات المناخية ونشوب النزاعات وأن زيادرة درجة الحرارة المحلية بمعدل 0.5 درجة مئوية ينذر بزيادة خطر نشوب صراعات ونزاعات بنسبة 10% -20% كالتي دارت بين الرعاة والمزارعين في شمال شرق نيجيريا وسقط خلالها ضعف عدد القتلى الذين سقطوا في عمليات لجماعة بوكوحرام خلال عام 2019([16])، لاسيما في ظل اتسام عدد من دول القارة بضعف القدرات والإمكانيات التي تمكنها من الاستجابة السريعة والمرنة للأزمات الاقتصادية والإنسانية.
3- حرمان الأطفال من التعليم: اتجهت غالبية الدول الأفريقية لإغلاق المدارس وذلك إما في إطار ما اتخذ من إجراءات احترازية للحد من انتشار كوفيد-19، أو كأحد الإجراءات لحمايتهم من المخاطر الأمنية، مما أدى لارتفاع عدد الأطفال خارج النظام التعليمي والمهددين بعدم عودتهم للعملية التعليمية مرة أخرى عقب إعادة فتح المدارس. فعلى سبيل المثال، ارتفع عدد الأطفال خارج النظام التعليمي في منطقة الساحل الأوسط من 8 مليون طفل قبل انتشار الجائحة إلى 12 مليون طفل عقب انتشار الجائحة ([17])، على الرغم من التحذيرات الدولية بمخاطر غلق المدارس وما تحمله من تداعيات سلبية تجعلهم عرضة للتجنيد، من بينها، ارتفاع معدلات الانقطاع عن الدراسة، وتراجع التحصيل العلمي والمعرفي، إلى جانب تراجع ما يمتلكونه من مهارات مكتسبة خلال العملية التعليمية، وتراجع معدل تغذية الأطفال لانقطاع الوجبات المدرسية، فضلاً عما تسببه إجراءات العزل من اضطرابات نفسية للأطفال، كانت جميعها ذات تأثير خاص على الفتاة الأفريقية؛ حيث توقع تقرير صادر عن البنك الدولي تحت عنوان"العودة إلى التعليم: كيف يهدد (كوفيد-19) وإغلاق المدارس المستقبل الاقتصادي للمرأة" في 23 فبراير 2021، عدم عودة أكثر من 11 مليون فتاة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، مثل نيجيريا، إلى المدارس بعد إعادة فتح أبوابها، مما يهدد بتقويض المكاسب التي تحققت في مجال تعليم الفتيات، ويجعلهن عرضة للعنف المنزلي وللزواج المبكر الطوعي والقسري ولكافة أنماط الاستغلال ([18]).
في هذا السياق، دعت المديرة التنفيذية لليونيسف هنرييتا فور في بيان لها صادر في 12 يناير 2021 الحكومات إلى ألا تدخر جهداً لإبقاء المدارس مفتوحة أو منحها الأولوية في خطط إعادة فتح المؤسسات ([19])، لاسيما أن تطبيق سياسة "التعليم عن بعد" في أفريقيا جنوب الصحراء يواجه صعوبات عديدة؛ حيث كشفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في أبريل 2020، أن هناك 90% من الطلاب في أفريقيا جنوب الصحراء ليس لديهم أجهزة كمبيوتر منزلية، ولا يستطيع 82% منهم الاتصال بالإنترنت ([20]).
4-غياب حكم الدولة في المناطق الريفية: يُمكن ملاحظة أن المناطق الريفية الواقعة على أطراف الدول والتي تعاني من تهميش الحكومات وتراجع نفوذ وسيطرة الدولة عليها، هي نفس المناطق التي تنشط وتسيطر عليها التنظيمات الإرهابية، مثلما هو الحال في مالي وبوركينافاسو ونيجيريا وغيرها، هذا فضلاً عن فقدان الحكومات للآليات الفاعلة في إدارة الصراعات التقليدية الناشبة بين مجموعات عرقية حول الموارد، إلى جانب ما تمارسه بعض القوات الأمنية من انتهاكات بحق المواطنين تزيد من مشاعر السخط الشعبي على الحكومات، تنجح في توظيفها الجماعات الإرهابية ([21]).
5- الضربات العسكرية والخسائر البشرية للتنظيمات: اتجهت التنظيمات الإرهابية، لاسيما تنظيم "داعش"، إلى تعويض الخسائر التي تكبدها في صفوف قيادات ومقاتلي التنظيم في سوريا والعراق وأفرعه الإقليمية الأفريقية في إطار الجهود الفرنسية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل بدعم من عدد من الدول الأفريقية، عبر تجنيد الأطفال في أفريقيا التي تتوافر فيها البيئة الحاضنة والمُحفِّزة لاستقطابهم طوعاً وقسراً ([22]).
6- استراتيجية التنظيمات الإرهابية لتجنيد الأطفال: اعتمدت التنظيمات الإرهابية آليات محددة لتنفيذ "استراتيجية تجنيد الأطفال"، لاسيما الأفرع الأفريقية المبايعة لكل من تنظيم "القاعدة" و تنظيم"داعش"، تتمكن بموجبها من منح الأطفال السلطة والقوة والحماية والمال والإمكانيات التي يفتقدونها في كنف مجتمعاتهم، بعدما تنجح في تنشئتهم على الفكر الجهادي التكفيري، يتمثل أولها في إخضاع الطفل لنظام تعليمي ديني يتبنى بموجبه الفكر الجهادي التكفيري ويحدد من خلاله ما يتمتع به من مهارات يمكن للجماعة توظيفها، فمنهم من يتميز بالقدرة على الخطابة والتأثير في الآخرين، ومنهم من يتميز بدقة الملاحظة فيصبح جاسوساً أو أحد حراس الحدود، ومنهم من يتميز بالثبات الانفعالي وانعدام العاطفة ويتم توظيفه في عمليات الجلد والإعدام، أما من لا يتمتع بأي من المهارات ويرفض الانصياع للتعليمات فإما يتعرض للقتل أو التعذيب أو يتم الزج به في العمليات الانتحارية ([23]).
وينصرف ثانيها إلى خضوع الأطفال لتدريبات عسكرية متنوعة على استخدام الأسلحة، والتعامل مع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة، وكذلك تدريبهم على تنفيذ عمليات القتل والذبح. ويتعلق ثالثها بتجنيد الفتيات عبر عدة آليات أبرزها الاختطاف، حيث توصلت دراسة حديثة أجرتها منظمة Plan international المعنية بحقوق الطفل والمساواة بين الجنسين بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، في فبراير 2021، إلى أن 37 من القوات والجماعات المسلحة النشطة في أفريقيا تلجأ لاختطاف الفتيات لاستسلامهن السريع، في حين هناك من تفضل الالتحاق طوعاً بعدد من تلك التنظيمات إما من أجل الحماية أو باعتبارها مصدراً من مصادر الدخل لهن ولأسرهن، أو رغبة في الانتقام لفقدانهن أقربائهن أو أحبائهن، أو لتكن على مقربة من أحد أفراد الأسرة المنضمين لتلك التنظيمات التي توظفهن من أجل القيام بالعديد من الأدوار كالترجمة والطهي ورعاية الأطفال، إلى جانب تشجيعهن على حمل السلاح وتنفيذ عدد من العمليات الانتحارية؛ فخلال الفترة من (2014 -2016) وظفت الجماعات الإرهابية النشطة في نيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد الفتيات المختطفات لتنفيذ 75% من الهجمات الانتحارية فيها([24]).
بالإضافة إلى دورهن الرئيسي في مد التنظيمات الإرهابية بأجيال جديدة من المقاتلين عبر تزويجهن قسراً بقادتها ومقاتليها، فقد توصلت الدراسة المعنية إلى أن الفتيات المختطفات أكثر عرضة للاستغلال الجنسي وأن ما يقرب من 70% من القوات والجماعات المسلحة الـ37 كانت مسئولة عن الاعتداء والاستغلال الجنسيين للفتيات، كما أفادت منظمة اليونيسيف أن 29% من الفتيات المفرج عنهن من القوات والجماعات المسلحة خلال الفترة (2018- 2020) في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعرضن للاغتصاب أو العبودية الجنسية أو الزواج القسري([25]).
خطوات مطلوبة
على الرغم من أهمية الأبعاد الأمنية والعسكرية في الحد من تنامي التنظيمات الإرهابية، إلا أن فاعلية تلك الجهود لن تؤتي بثمارها المرجوة إلا بمعالجة مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية وكذلك السياسية والإدارية، التي تؤدي إلى تفاقم حدة الأزمات الإنسانية في دول القارة، وبالتالي خلق بيئة مواتية لتنامي تلك التنظيمات عبر استراتيجية "تجنيد الأطفال"، وذلك من خلال حزمة من الآليات، هي كالتالي:
1- تعزيز التنمية الاقتصادية في أفريقيا: وهو الملف الأساسي الذي يجب أن يأتي على رأس أجندة الحكومات في عمليات الإصلاح والتطوير على المستوى الداخلي، وبالتوازي مع الجهود الأمنية والعسكرية لمكافحة الإرهاب، كسبيل للحد من ارتفاع معدلات البطالة وانعدام الأمن الغذائي وتحسين مستوى معيشة الأسرة عبر عدة إجراءات منها:
أ - إصلاح وتعزيز البنية التحتية عبر شراكات إقليمية ودولية.
ب - دعم الاستثمارات الأجنبية في عدد من المناطق الأفريقية ذات الأهمية الاقتصادية.
ج - التوزيع العادل للعوائد الاقتصادية على مختلف ربوع الدولة، مع إعطاء أولوية للمناطق الريفية والمهمشة.
د - إطلاق عدد من المبادرات الوطنية للتمكين الاقتصادي للمرأة الأفريقية، لاسيما في المناطق الريفية والمهمشة بدعم من القطاع الخاص والمنظمات الدولية والإقليمية باعتبارها حيز الأمان الأول للطفل بل وللأسرة.
هـ - إدراج مدارس التعليم الفني ضمن خطط وزارات التعليم الأفريقية لتطوير ملف التعليم، كسبيل لخلق أجيال جديدة قادرة على تعزيز الصناعات الأفريقية المستقبلية في ظل ما تتمتع به دول القارة من موارد طبيعية واقتصادية ذات مميزات عالية.
و- تشجيع الشباب على إطلاق المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، لدورها في دعم الاقتصاد الأفريقي.
ز- توظيف المبادرات التي أطلقت بالشراكة بين الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني عقب انتشار جائحة كورونا للحد من تداعياتها الصحية، لتعزيز عمليات الإصلاح الاقتصادي على المستوى المحلي والإقليمي والقاري، ودفع الجهود نحو التنفيذ الفعال لاتفاقية التجارة الحرة الأفريقية من أجل تعزيز التجارة البينية الأفريقية والتخفيف من حدة التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا على دول القارة.
2- نشر قيم التسامح والوسطية والمحبة: هناك حاجة ماسة لتعزيز قيم التسامح والوسطية والاعتدال والمحبة وتقبل الآخر في المجتمعات ذات التركيبة العرقية المتنوعة، كسبيل للحد من نشوب الصراعات التقليدية بين العرقيات المتعددة داخل الدولة الواحدة، بالتوازي مع العمل على فرض آليات التعاون والمشاركة والحوار كسبيل لمواجهة التحديات المشتركة ولحل النزاعات القبلية، وهو ما يتطلب تبني خطاب سياسي وديني معتدل ووسطي يحث على مثل تلك القيم، ونقله عبر وسائل الإعلام بمشاركة رئيسية من كافة الرموز الوطنية السياسية والقبلية والدينية والفنية والرياضية، إلى جانب ممثلين عن الحكومات والأقاليم المحلية، مع إطلاق مبادرات مجتمعية يقودها شباب من مختلف الطوائف المجتمعية بهدف ترسيخ مثل تلك القيم، كما لا يُمكن إغفال دور التعليم في غرس تلك القيم في نفوس الأجيال الأفريقية القادمة، وهو ما يتطلب العمل على دمج مثل تلك القيم في المناهج المدرسية، ناهيك عن اتخاذ كافة التدابير الاحترازية والأمنية لاستكمال العملية التعليمية في ظل ما تواجهه دول القارة من أزمة صحية جراء انتشار كورونا.
3- دعم دور منظمات الإغاثة في القارة: هناك حاجة بالغة لدعم دور منظمات الإغاثة المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للمناطق التي تعاني من تفاقم الأزمة الإنسانية بها، لاسيما في منطقة الساحل الأفريقي، وذلك من قبل شركاء القارة على المستويين الإقليمي والدولي، سواء عبر توفير التمويل اللازم لضمان تقديم المساعدات المطلوبة أو من خلال توفير إجراءات الحماية والتأمين اللازمين للعاملين في مجال العمل الإنساني بالتعاون مع القوات الأمنية والعسكرية، لضمان عدم تعرضهم لأي خطر في ظل ما ينفذ من عمليات مكافحة الإرهاب، أو عبر إطلاق حزمة من مبادرات الحماية الاجتماعية التي تستهدف النساء والأطفال باعتبارهما الفئات الأكثر تضرراً من تلك الأزمات، إلى جانب ضرورة التنسيق التام بين منظمات الإغاثة والحكومات والقطاع الخاص لدعم عمليات الإغاثة ولضمان التوزيع العادل لما يقدم من مساعدات إنسانية لكافة المناطق المهمشة.
4- التسوية السلمية للنزاعات: أشارت منظمة "The New Humanitarian" - منظمة إخبارية مستقلة معنية برصد الأزمات الإنسانية حول العالم- في تقرير صادر في يناير 2021 إلى أن الصراع يعد السبب الرئيسي لـ80% من الاحتياجات الإنسانية ([26])، وهو ما يدفع نحو العمل على تكثيف الجهود الدبلوماسية من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للنزاعات والصراعات سواء المندلعة بين العرقيات المتنوعة وبين الرعاة والمزارعين حول استخدام عدد من الموارد، أو تلك المندلعة بين الحكومات وعدد من الأقاليم المحلية التي تعاني من التهميش وسوء إدارة الحكم وضعف التسيق بينها ويين حكومة المركز، عبر آلية الحوار والتفاوض بين الأطراف المتنازعة كسبيل للتوصل لإجراءات لمنع تكرار نشوب مثل تلك النزاعات، وكذلك لتعزيز التنسيق والتعاون بين الحكومة المركزية ونظيرتها الإقليمية لمدها بالخدمات والموارد والإمكانيات اللازمة، وبالتالي قطع الطريق على التنظيمات الإرهابية لاستغلال حالة النزاعات وتوظيف المظالم المجتمعية من أجل ضخ دماء جديدة في صفوفها.
5- تأهيل المجتمعات الأفريقية لتقبل العائدين من التنظيمات الإرهابية: هناك ضرورة ملحة لوضع الحكومات الأفريقية بالتعاون مع منظمات الإغاثة المعنية، وبمشاركة من الرموز الوطنية الدينية والقبلية والفنية والرياضية، خطة وطنية لتأهيل المجتمعات الأفريقية لتقبل وإعادة دمج العائدين من التنظيمات الإرهابية، بالتوازي مع ما تطلقه منظمات الإغاثة من مبادرات لإعادة تأهيل العائدين من التنظيمات الإرهابية لدمجهم في المجتمعات الأفريقية مرة أخرى، لاسيما النساء اللاتي يفضلن عدم العودة لكنف مجتمعاتهن التي تنظر إليهن كوصمة عار لالتحاقهن بالتنظمات الإرهابية، وتعمل المجتمعات على نبذهن هن وأبنائهن على احتوائهن، ويُجبرن على اختيار البقاء في كنف التنظيمات الإرهابية على الوقوع في براثن الفقر وتعرضهن للتهميش وسوء المعاملة([27]).
6- دعم الحكومات الأفريقية لمواجهة التغيرات المناخية: سبق وأن تعهدت الحكومات والشركات الغربية بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية التي تعاني من ظاهرة التغيرات المناخية كسبيل للحد من مخاطرها بدءاً من عام 2020، وهو ما لم تفِ به، إما نتيجة لتعرضها لأزمات صحية واقتصادية عقب انتشار كورونا أنهكت اقتصادها وأجبرتها على عدم الالتزام بتنفيذ تعهداتها، أو نتيجة لعدم إدراج الإدارة الأمريكية السابقة قضية التغيرات المناخية ضمن القضايا الجديرة بالاهتمام، ناهيك عما شهدته العلاقات الأمريكية- الأفريقية خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من تراجع، إلا أنه من المتوقع أن تستعيد تلك العلاقات زخمها خلال إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبالتالي على الحكومات الأفريقية إلى جانب منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية العمل على تكثيف الجهود من أجل تعزيز التفاهم والشراكة بين الدول الغربية ونظيراتها الأفريقية للحد من التداعيات الأمنية والاقتصادية والسياسية للتغيرات المناخية على دول القارة.
نهاية القول، هناك حاجة ملحة من أجل تكاتف الجهود الوطنية والإقليمية والدولية من أجل التخفيف من حدة الأزمات الإنسانية والاقتصادية والسياسية والأمنية التي تواجهها غالبية دول القارة، لاسيما في منطقة الساحل الأفريقي والتي تتعاظم حدتها على المرأة والطفل باعتبارهما الفئتين الأضعف، وتنجح التنظيمات الإرهابية في توظيفها لدعم نشاطها، وتأسيس أجيال جديدة من الإرهابيين.
[1]- وليد عبد الرحمن،"أشبال أفريقيا" في شباك الإرهاب، جريدة الشرق الأوسط، 3 يونيو2019.
https://cutt.us/4xUIN
[5]- Central African Republic: Surge in violence and displacement threatens thousands of children already affected by humanitarian crisis and COVID-19, OP.CIT.
[6]- فيروس كورونا: أفريقيا "تحتاج 1.2 تريليون دولار" للتعافي من تداعيات الجائحة، بي بي سي عربي، 10 أكتوبر 2020.
https://www.bbc.com/arabic/world-54494827
[7]- دعوة لمستقبل قائم على "اقتصاد الحياة" والحفاظ على الموارد في أفريقيا، جريدة الشرق الأوسط، 15 يناير 2021.
https://cutt.us/YKLn1
[8]- تصاعد وتيرة الجوع وجائحة كوفيد-19 ستجعل الأمر أكثر سوءاً، خدمات مكتب تنسيق الشئون الإنسانية.
https://cutt.us/WPQS6
[9]- من المتوقع أن يعاني نحو 10.4 مليون طفل في جمهورية الكونغو الديمقراطية وشمال شرق نيجيريا ومنطقة الساحل الأوسط وجنوب السودان واليمن من سوء التغذية الحاد في عام 2021، منظمة يونيسيف، 30 ديسمبر 2020.
https://cutt.us/7x1Sh
[10]- تُعرف منظمة يونيسيف سوء التغذية الحاد بأنه الشكل الأبرز لنقص التغذية ويظهر على وجه الطفل وهيكله العظمي ويتطلب معالجة عاجلة ليتمكن الطفل من البقاء، وأن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد عرضة للوفاة بتسع مرات أكثر من الأطفال الذين يحصلون على غذاء جيد، ناهيك عن أنه يُعد السبب الرئيسي للوفاة بين الأطفال دون سن الخامسة. سوء التغذية الحاد، يونسيف.
https://www.unicef.org/arabic/nutrition/nutrition_89674.html
[11]- Central African Republic: Surge in violence and displacement threatens thousands of children already affected by humanitarian crisis and COVID-19, OP.CIT.
[12]- تصاعد وتيرة الجوع وجائحة كوفيد-19 ستجعل الأمر أكثر سوءاً، مرجع سبق ذكره.
[13]- الأمم المتحدة: التغير المناخي يشكل تهديداً متزايداً لأفريقيا، جريدة الاتحاد الإماراتية، 26 أكتوبر2020.
https://cutt.us/UkvsO
[14]- ظاهرة مناخية تحدث عادة كل سنتين إلى سبع سنوات نتيجة انخفاض درجات الحرارة عن معدلاتها مما يسبب برودة غير عادية لسطح المياه في المنطقة الاستوائية في المحيط الهادي.
وداد السعودي، ظاهرة النينيا.. ماهي وما الفرق بينها وبين "النينيو"، طقس العرب، 14 فبراير 2016.
https://cutt.us/hSJOx
[15]- تصاعد وتيرة الجوع وجائحة كوفيد-19 ستجعل الأمر أكثر سوءاً، مرجع سبق ذكره.
[17]- 2.3 million children in need of protection in the Central Sahel region in 2020, a more than 80 per cent increase in one year,OP.CIT.
[19]- ليس بوسع الأطفال أن يتحمّلوا سنة أخرى من تعطيل المدارس، منظمة يونيسيف، 12 يناير 2021.
https://cutt.us/6PEei
[21]- Robert Malley, OP.CIT.
[22]- وليد عبد الرحمن، مرجع سبق ذكره.
[23]- د. إسراء علي – تقى النجار، تعليم "أشبال الخلافة": قراءة نقدية لمناهج "داعش" التعليمية، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 23 يوليو2020.
https://www.ecsstudies.com/9968/
[24]- Henrietta Fore,OPINION: Female child soldiers often go unseen but must not be forgotten, Thomson Reuters Foundation News, 12 February2021.
https://news.trust.org/item/20210211143359-cpm3z/
[27] -Henrietta Fore,OP.CIT.