"سياسات العدالة الثقافية في مصر..الهيئة العامة لقصور الثقافة نموذجاً" عرض العدد رقم 43 - دورية "بدائل"- ديسمبر 2020
2021-2-16

بسمة سعد
* باحثة في العلوم السياسية

يُعد البعد الثقافي أحد الجوانب العاكسة والراسمة لملامح المجتمع، والمحددة لمكانة الدولة في محيطها الإقليمي والدولي؛ فثقافة المجتمع تُعد عملية تفاعلية وتراكمية على مدار عقود ممتدة تلعب فيه الرموز الفنية والثقافية والأسرة والمدرسة والجامعة ومنظمات المجتمع المدني، إلى جانب الدولة أدوارا مكملة ورئيسية في تشكيل الوعي الثقافي للفرد وبناء مجتمع معرفي مثقف.إلا إنه بالنظر للحسابات على أرض الواقع، يتضح أن مصر سجلت تراجعا محدودا في معدل التنمية الثقافية خلال سنوات ممتدة، إما لغياب رؤية ثقافية واضحة حول الآليات المثالية لإدارة العمل الثقافي بجوانبه المتنوعة، أو لاقتصار الخدمات الثقافية على أقاليم ثقافية ومحافظات دون غيرها، وبالتالي غياب مفهوم"العدالة الثقافية" في المجتمع، وهو ما تعكف الحكومة المصرية على معالجته حالياً.

وتحت عنوان "العدالة الثقافية..ترسيخ قيم المواطنة وتعزيز خطط التنمية المستدامة"، أوضحت الأستاذة صافيناز محمد، رئيس تحرير دورية بدائل، في افتتاحية العدد أن هناك اهتمام بآليات ومعدلات تحقيق كل من العدالة الاجتماعية والعدالة السياسية في المجتمع، باعتبارهما ركنين أساسيين من الأركان الثلاثة لبناء مجتمع قوى ومتماسك، بينما هناك إغفال غير مقصود بالركن الثالث والمهم لبناء مجتمع معرفي ألا وهو"العدالة الثقافية" المعني بمدى قدرة الفرد على الحصول على الخدمات الثقافية، وإلى أي مدى تتسم تلك الخدمات بالتوزيع العادل دون تفرقة أو تمييز لأي اعتبارات سياسية أو دينية أو عرقية أو جهوية.

كما أشارت إلى ما تتخذه الدولة من سياسات ثقافية قادرة على توفير بيئة معرفية مميزة للمجتمع تساهم في رسم آفاقه المعرفية وملامحه الثقافية؛ لذا قدمت وثيقة " استراتيجية المنظومة الثقافية للدولة المصرية 2015-2030" تعريف للعدالة الثقافة بأنها تطبيق للامركزية الخدمات الثقافية لضمان دمج المناطق المهمشة ثقافياً في السياسة الثقافية للدولة التي تُعد أحد عناصر الإستراتيجية الإنمائية؛ لما تقوم به الصناعات الثقافية من دور فعال في تحقيق التنمية المستدامة، أو لدورها في رفع الوعي الثقافي ومكافحة الفكر المتطرف، هذا فضلاً عن دور منظمات المجتمع المدني-إلى جانب الدولة- في تحقيق العدالة الثقافية.

وفي هذا الصدد، جاءت دراسة دكتور محمد محمود عبد العال، عضو هيئة التدريس بمعهد التخطيط القومي، تحت عنوان "سياسات العدالة الثقافية في مصر..الهيئة العامة لقصور الثقافة نموذجاً"، من أجل استكشاف حجم تواجد وانتشار العدالة الثقافية بين محافظات الجمهورية، لاسيما في أربع محافظات تمثلها الأقاليم الثلاثة الثقافية؛ إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد، إقليم شرق الدلتا الثقافي، وإقليم وسط الصعيد الثقافي، بشكل يعكس مدى تطبيق لامركزية الخدمات الثقافية، فضلاً عن قراءة طبيعة وحجم الدور الذي تلعبه الأقاليم الثقافية في إنتاج وترسيخ العدالة الثقافية في المجتمع، وذلك عبر تقديم الأطر القانونية الدولية والإقليمية والمحلية التي ساهمت في بلورة مفهوم العدالة الثقافية، والتي توصلت الدراسة من خلالها للأنماط الأربع للحقوق الثقافية، ثم مناقشة سمات العدالة الثقافية، وطبيعة السياسات الثقافية المتبعة منذ انعقاد المؤتمر العالمي الأول للسياسات الثقافية في عام 1982، حتى إعلان وزارة الثقافة المصرية "السياسة الثقافية للدولة" في عام 2014.

كما تناول جانب من الدراسة التعريف بالهيئة العامة لقصور الثقافة عبر استعراض ظروف نشأتها وأهدافها وما تعانيه الهيئة من قصور ومشكلات على الرغم مما تتمتع به من صلاحيات مهمة؛ كتواضع كفاءة بعض العاملين وسوء توزيعهم جغرافياً وإدارياً، إلى جانب مناقشة وقياس حجم الدور الذي تلعبه الهيئة العامة لقصور الثقافة من أجل نشر الوعي الثقافي في المجتمع عبر عدة مؤشرات أولية، منها؛عدد قصور الثقافة، وعدد الأنشطة الثقافية، وعدد الجمهور المشارك في أنشطة الهيئة، إلى جانب تقديم مقارنة بعدد قصور الثقافة والأنشطة والمشاركين والعاملين في المحافظات الأربع، ثم تقديم احصاءات حول عدد الأنشطة الثقافية والفنية والمشاركين في كل إقليم من الأقاليم الثقافية الثلاثة وما تعكسه من دلالات، فضلاً عن تناول عدد من الملاحظات حول انعكاسات تلك الاحصاءات على السياسات الثقافية الهادفة لترسيخ العدالة الثقافية، ناهيك عن تقديم عدة بدائل لتعزيز السياسة الثقافية في مصر وترسيخ العدالة الثقافية بين المواطنين، منها؛ تنشيط اللامركزية الثقافية عبر نقل الاختصاصات للأقاليم وتفويض المهام لها.


رابط دائم: