مثّل اقتحام مئات من المحتجين على نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة لمبنى الكونجرس في 6 يناير الجاري (2021) صدمة بالغة للجمهور والنخب على حدٍ سواء، سواء داخل الولايات المتحدة أو على مستوى العالم أجمع. وفي حين حاول الكثير من المعلقين والخبراء تصوير حدث الاقتحام وما صاحبه من تخريب لمبنى البرلمان على أنه اعتداء على الديمقراطية من جانب اليمين الشعبوي، فإن التحليل الدقيق للحدث ولفترة حكم الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب التي حفلت بصراعات غير مسبوقة مع الحزب الديمقراطي، يثبت أن ما حدث في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع الماضية كان في جوهره صراعاً بين شعبوية اليمين وشعبوية اليسار والتي كان من نتائجها تقويض أسس السياسة والقيم الديمقراطية على حدٍ سواء، ولم يكن اقتحام الكونجرس سوى تتويج رمزي لصراع هاتين الشعبويتين.
وبصدد البحث عن الجوانب المختلفة في هذه القضية تطرح هذه الدراسة أربعة أسئلة جوهرية وتحاول الإجابة عليها:
اقترابات منهاجية
بمجرد ذكر لفظ "الشعبوية"(1) تنفجر الخلافات بين الباحثين بداية من تحديد الإطار الذي يحتويها من بين مصطلحات علم الاجتماع، بمعنى هل الشعبوية ظاهرة اجتماعية وسياسية أم أيديولوجيا، أم حركة سياسية، أم ثقافة لها طبيعتها الخاصة، أم خطاب خاص بفئات معينة توجد خارج مؤسسات السلطة والنخبة؟(2)
ولما كان من الصعب وجود اتفاق بين الباحثين حول طبيعة الشعبوية، فقد مال أغلبهم إلى البناء على المصطلح دون تعريفه بداية ودون تحديد مضمونه بشكل دقيق، اعتماداً على البحث في مظاهره وتأثيراته، وهو عين المنهج الذي كانت العلوم الطبيعية تتعامل به مع الظواهر التي تبدو غير مفهومة عند بداية رصدها، فكانت (أى العلوم الطبيعية) تصف هذه الظواهر والظروف المحيطة بنشأتها والتأثيرات التي تفرضها قبل أن تتوصل إلى تعريفها أو إلى نظرية عامة لتفسيرها.
من هنا يمكن أن نصنف تناولات الباحثين للشعبوية وفق ثلاث اقترابات:
الاقتراب الأول، ينظر إليها باعتبارها حركة تعبئة يقوم بها أفراد وجماعات ضد السلطة الحاكمة احتجاجاً على أوضاع اقتصادية اجتماعية معينة. ويتمثل منهج هذا الفريق في رصد الشعبوية كمصطلح له تاريخ ويرجعه إلى ستينات وسبعينات القرن التاسع عشر مع ولادة الحركة المسماة بـ"الناروديكيين" Narodniks في روسيا والتي تشكلت من فلاحي الريف الذين أعلنوا تمردهم على الحكم القيصري وعلى النظام الإقطاعي وطالبوا بتوزيع الأراضي على من يزرعونها. ولأن كلمة "نارودكس" كانت تعني (العودة إلى الشعب) فقد أطلق من أرخوا لهذه الحركة على المنخرطين فيها وعلى قيادتها مصطلح الشعبويين، ليبدأ بعدها الاستخدام الواسع والمُشوَّه في أغلب الأحيان للمصطلح والمستمر حتى اليوم.
وقد عارض الكثيرون هذا المنهج كونه قد تعامل مع المصطلح الذي ظهر في القرن التاسع عشر وفقاً للرؤى السائدة آنذاك، والتي كانت تنظر إلى الحركات الاجتماعية على أنها تمردات غير مشروعة من جانب الغوغاء والفوضويين ضد السلطة الشرعية، وهو عكس نظرة بعض علماء الاجتماع حتى في ذلك الوقت ولاحقاً، والتي رأت في هذه التمردات ثورات مشروعة أو بذور لحركات اجتماعية ثورية تشكلت ضد سلطة احتكارية تضطهد الأغلبية التي تحكمها(3).
وبمعنى آخر، كان يجب الحذر في وصف الشعبوية كما هى في الوقت الراهن كامتداد لحركات أو خطابات وصفت بالمعنى نفسه في الماضي. فالشعبوية كمفردة، سواء في الماضي أو الحاضر، تحمل مضموناً ازدرائياً من جانب من يستخدمها لوصف موقف الآخر الذي يزدريه، وحيث أن ما سمى بالحركات الشعبوية في الماضي كنوع من الازدراء لحركات هى في جوهرها حركات اجتماعية لها مطالب مشروعة كما يتم النظر إليها الىوم، فما هو الضمان ألا ينُظر إلى الحركات الموصوفة بالشعبوية اليوم كحركات اجتماعية مشروعة ومعبرة عن فئات واسعة من المجتمع في المستقبل؟، وكيف يمكن القبول من الأصل بمعنى للشعبوية ينطوي على حكم قيمي مسبقاً بما يخالف مبادئ العلم ويتناقض مع موضوعيته المفترضة؟
الاقتراب الثاني، لما كان البناء على الوصف التاريخي لحدث معين يحمل في طياته انحيازات غير علمية وحكماً قيمياً مسبقاً على عنصر معين من عناصر الظاهرة دون غيره، هو خطأ منهجي بشكل عام، وفي تناول الشعبوية بوجه خاص، فقد ظهر اقتراب آخر يحاول تعريفها من خلال رصد الرؤية المتبادلة لطرفين متصارعين على المعنى الحقيقي لفكرة تمثيل الشعب. وبالتالي، فقد انصرف أصحاب هذا الاقتراب عن دراسة الشعبوية كظاهرة اجتماعية وقصروا دراستها على الأزمات التي اندلعت في الدول والمجتمعات المحكومة بأنظمة حكم ديمقراطية تمثيلية، وانتقدوا التطبيق الواسع لفكرة الشعبوية دون ربطها بنوع السلطة الموجودة في هذا المجتمع أو ذاك، ورأوا أن الشعبوية هى أحد عوارض الأزمة البنيوية في الديمقراطية الليبرالية كما عُرِفت في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وتتمثل هذه الأزمة في تشكيك أفراد وجماعات قد تكون منظمة أو غير منظمة في جدارة تمثيل النخب المتحكمة في السلطة للشعب. ويلخص أحد الباحثين هذه الفكرة بقوله: "ظاهرة الشعبوية السياسية نمط من الخطاب السياسي يتداخل فيه المستويان الخطابي والسلوكي بشكل وثيق. وقد يتفاعل هذا الخطاب مع عفوية تقوم على مزاج سياسي غاضب لجمهور فقد الثقة بالنظام والأحزاب السياسية القائمة والنخب الحاكمة، كما يوظّف بوصفه استراتيجية سياسية في مخاطبة هذا المزاج هادفة إلى إحداث تغيير سياسي عبر الوصول إلى الحكم. ويتحول هذا الخطاب إلى أيديولوجيا في الحالات المتطرفة"(4).
يعيب هذا الاقتراب أنه لم يفلح في إبعاد الحكم القيمي ذا المحتوى الازدرائي القديم له من تناول وبحث معنى الشعبوية، كما أنه يتجاهل حقيقة أن الديمقراطية التمثيلية التي تعتبر الصندوق الانتخابي هو معيار تمثيل الشعب لم تعد قادرة على الاستمرار في هذا الادعاء مع تصاعد ظاهرة المال السياسي في الدول الديمقراطية(5) ، ومعها ظاهرة تلاشي الفروقات في برامج الأحزاب والتي يعكس تبنيها جميعاً- سواء أكانت يسارية أو يمينية- سياسة اقتصاد السوق نوعاً من إقصاء أصحاب الطروحات الرافضة لهذه السياسة من حق التمثيل داخل هذه الأحزاب ومن ثم داخل مؤسسات الحكم أيضاً. وتقول شانتال موف أحد أهم المدافعين عن الشعبوية وتنفي خطرها على الديمقراطية: "من الواضح أن سقوط الشيوعية وغياب النزاعات الأيديولوجية التي أطَّرت المخيال السياسي للقرن العشرين ساهم في إضعاف المرجعيات السياسية في مجتمعاتنا. فانعدام التباينات بين اليمين واليسار يعتبر السبب الرئيسي في انحراف الفضاء السياسي وتأثيره السلبي على الديمقراطية"(6).
الاقتراب الثالث، خلافاً للاقترابين السابقين، حاول أن يفهم الشعبوية على أنها خطابات وحركات احتجاجية تظهر وتختفي بين فترة وأخرى، وأن ظهورها مرتبط أكثر بالأزمات سواء أكانت سياسية أو اقتصادية - اجتماعية، وأن المجتمعات الإنسانية كلها مُعرَّضة لصعود هذه الحركات عند مرورها بأزمات كبرى بغض النظر عن نوع الحكم فيها (ديمقراطي أو غير ديمقراطي). ويرى أحد الباحثين الذين يتبنون هذا الاقتراب أن "الشعبوية لا تنتمي إلى الأيديولوجيا بل إلى السياسة وهي نمط تعبئة واحتجاج ضـد المعاناة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قبل أن تكون نظام حكم"(7).
هذا الاقتراب يواجه إشكالية تتمثل في أنه تعامل مع أسباب صعود الشعبوية في صورة موجات تترافق مع وجود الأزمات المادية دون التفات إلى أهمية عناصر أخرى يمكن أن تتسبب في ظهور حركات وخطابات شعبوية نتيجة الأزمات الحضارية التي تتعلق بالأسئلة الوجودية والفلسفية عن مكانة الإنسان الفرد في المجتمع ومعنى الحياة. فعلى سبيل المثال، كان اندلاع واحدة من أكبر موجات الحركات الشعبوية قد حدث في أواخر ستينات القرن العشرين عندما لم تكن المجتمعات الغربية تواجه مشكلات اقتصادية وكانت الأوضاع السياسية والاجتماعية مستقرة إلى حدٍ كبير. وكان هربرت ماركوز أستاذ الفلسفة الألماني الأصل والأمريكي الجنسية وأطروحته المسماة "الإنسان ذو البعد الواحد" أحد مُنظِّري الشعبوية التي لم ترتبط بأزمة اقتصادية بل كانت على العكس مرتبطة بالوفرة الاقتصادية التي تمتع في ظلها الكثير ممن لا يعملون أو يبدعون بالفرصة في الحصول على السلع والخدمات بدون جهد أو عمل، ورغم ذلك فقد هاجم ماركوز دولة الرفاه تلك في كتابه الصادر عام 1964 بقوله: "إن صورة دولة الرفاه هى أشبه ما تكون بمسخ هجين متوسط بين الرأسمالية المنظمة والاشتراكية، بين العبودية والحرية، بين النزعه الكلية الاستبدادية والسعادة"(8)، أى أن موجة الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت في أوروبا الغربية والولايات المتحدة والتي عرفت بثورة الشباب عام 1968 والتي كانت موجهة ضد المؤسسات والنخب الحاكمة (بما يعني أنها تنطبق على المفهوم الواسع للشعبوية في كل الاقترابات المشار إليها) لم تقع في عصر به أزمات اقتصادية أو سياسية واضحة بل كان بسبب اختمار الأفكار التي بدأت في أواخر الخمسينات والتي يعزوها الكثيرون إلى الموجة الطويلة من الأوضاع المعيشية الجيدة التي عاشتها أجيال الخمسينات والستينات من القرن الماضي وهى الحقيقة التي أوضحها المؤرخ اريك هوبسباوم بقوله: "في الخمسينات تنبه كثير من الناس، وخصوصاً في البلدان المتطورة أن الأوضاع قد تحسنت بصورة مشهودة ولاسيما إذا عادوا بذاكرتهم إلى سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية. لقد كافح رئيس الوزراء البريطاني المحافظ هارولد ماكميلان وكسب الانتخابات العامة عام 1959 تحت شعار أنك لم تعرف هذه النعمة من قبل، والملاحظ أن ما قاله ماكميلان عن عصر الوفرة قد استمر حتى أوائل السبعينات"(9).
إن أحد أبرز سمات الشعبوية يمكن أن يتضح من خلال أحداث ثورة الشباب في عام 1968 على وجه الخصوص. فالشعبوية وفقاً للاقترابات الثلاثة وليس الاقتراب الأخير وحده، هى حركات تعبر عن الغضب وترى في إظهاره بكل الصور هدفاً في حد ذاته، أى أنها لا تملك بدائل واضحة للوضع الذي تريد تغييره وليس لديها خطة عمل لما بعد الفعل الانفجاري الغاضب الذي تحشد من حوله جماهير عريضة، وتستعيض عن ذلك بإطلاق شعارات مثالية تركز على رفض النخب الحاكمة التي تراها فاسدة ومتآمرة على مصالح الأغلبية.
لا يقدم ماركوز حلولاً واضحة أو خطة بديلة عن تلك التي يرفضها في إدارة الدولة والمجتمع، فهو يُحرِّض، شأنه شأن كل المثاليين والشعبوين على حدٍ سواء، على رفض الواقع والثورة عليه فقط، وهو ما توضحه بعض عباراته بالنص، إذ يقول: "لا يعني التحرر من مجتمع الوفرة العودة إلى الفقر النظيف، وإلى النقاء الأخلاقي والبساطة، بل على العكس تماماً، فلو وضع حد للتبذير الذي لا يجني الفائدة منه سوى بعض الأفراد المحظوظين، لزادت الثروة الاجتماعية ولأمكن توزيعها بصورة عادلة، ولو وضع حد للتعبئة الدائمة لأمكن للمجتمع أن يتطور ويلبي الحاجات الفردية حقاً"(10).
كيف يمكن فهم الشعبوية في إطار أوسع؟
دارت الاقترابات الثلاثة السابقة كلها في إطار فهم الشعبوية واعتبارها ظاهرة حديثة ترتد في أقصى التقديرات إلى القرن الثامن عشر، وإن كان تجسيدها الأوضح قد جرى في القرن اللاحق. ولكن الإجماع بين الاقترابات الثلاثة على أن الشعبوية ظاهرة تتعلق بالثورة على السلطة وعلى النخب التي تتحكم فيها سواء كانت نخباً سياسية أو مالية واقتصادية أو اجتماعية وفكرية، هذا الإجماع كان ينبغي أن يرتب نظرة مختلفة للشعبوية تقوم على اعتبارها خاصية ملازمة لفكرة الجماعة البشرية التي تحيا في إطار مشترك بغض النظر عن مستوى تطور هذه الجماعة، إذ أنه طالما وجد مجتمع ما أياً كان حجمه، وطالما كان هناك حاكم ومحكومين فإن الصراع حول من يمثل المجموع أو الشعب لابد له أن يتواجد كأمر طبيعي وليس كظاهرة لها شروط معينة. بمعنى آخر، إذا كانت نشأة السلطة في المجتمعات البشرية منذ عصر الرق الذي تلى عصر الحياة المشاعية (عصر انعدام السلطة) وحتى اليوم، ضرورة لاستمرار وتقدم الحياة الإنسانية، فإن قانون التنافس والصراع الذي حكم هذه المسيرة الطويلة بين البشر وبعضهم البعض على الموارد والسلطة ذاتها، هو نفسه الذي منح أطرافاً من خارج هذه السلطة الفرصة لصياغة خطاب يعلن عن تمرده عليها، ويشكك في جدارتها ويطرح نفسه بديلاً لها تحت دعوى أنه الممثل الحقيقي للمحكومين (الشعب).
إن التحول نحو فهم الشعبوية على أنها ظاهرة طبيعية مثلها مثل ظاهرة السلطة، يكفل لنا دراستها في إطار نظام اجتماعي ثنائي القطبية السلطة- الشعبوية، ويتضمن ذلك الإقرار بأن الشعبوية لن تسقط إلا بسقوط نهائي لفكرة السلطة، وهو القانون الذي يحكم أى منظومة ثنائية القطب، والطروحات التي يقدمها الأناركيون وأصحاب نظرية الثورة الدائمة كانت الأكثر وعياً بقانون المنظومات الثنائية القطب، حيث يعني اختفاء أحد الأقطاب اختفاء موازٍ للقطب المقابل وانهيار المنظومة بأكملها. فالأناركيون يعلنون بوضوح أن حكم الشعب الحقيقي لن يتحقق إلا بالقضاء على السلطة كفكرة وقانون يحكم عملية تكون الجماعات البشرية، فيما يرى أنصار الثورة الدائمة أن أى ثورة تحمل في طياتها ثورة مضادة لأن من يقوم بالثورة تحت شعار الدفاع عن الشعب يتحولون إلى سلطة تمارس نوعاً من الإقصاء والاضطهاد لفئات أخرى من الشعب نفسه، ومن ثم فإنهم يدعون إلى الثورة الدائمة أى إسقاط السلطة بشكل تتابعي بما يضمن تقليل الفئات المهمشة والمضطهدة تدريجياً في أعقاب كل ثورة ضد السلطة القائمة في عملية هدم وبناء بلا نهاية (11). إن إدراك طبيعة فكر الأناركيين وأنصار الثورة الدائمة والاعتراف بأنهم دون غيرهم هم من فهموا علاقة الارتباط العضوي الوثيق بين السلطة والحركات الشعبوية (يطلقون عليها مسمى الحركات الثورية) المناهضة لها، لا يعني تبني موقفهم بالضرورة بل هو دعوة للتفكير في كيفية مواجهتهم باعتبارهم القطب المقابل للسلطة في أي منظومة اجتماعية بهدف وضع أيديولوجيتهم في الإطار الصحيح وهو قطبية ثنائية أخرى "الاستقرار- الفوضى". فكما ذكرنا سابقاً، لا يملك الشعبويون على اختلافهم سواء أطلق عليهم مسمى حركات اجتماعية أو نشطاء سياسيين من خارج الأحزاب أو أناركيين أو دعاة الثورة الدائمة، حلولاً للمشكلات التي تعانيها أغلبية المجتمعات، بل ربما هم في الأصل غير مهتمين بالتفكير في إيجاد مثل هذه الحلول قدر اهتمامهم بتحدي السلطة القائمة والدعوة إلى تعديلها أو إسقاطها كلياً هى والنخب المسيطرة عليها، ولأن الشعبويين ضد السلطة ومع تحديها دون ربط ذلك بالحلول محلها، ولأنهم لا يملكون بدائل لحل المشكلات التي يحشدون الجمهور الغاضب من حولها، فإن تمجيدهم للعنف ضد هذه السلطة أمر واضح، وهو أيضاً أمر منطقي في إطار السيكولوجيا التي تحكمهم كتيارات غاضبة وليس كحركات اجتماعية أو سياسية منظمة.
والشعبوية وإن كانت قطباً مقابلاً للسلطة في كل العصور، إلا أنها لم تكن تمتلك الوسائل التي تمكنها من التغلب على الأخيرة والحلول محلها، وكان جل ما تنجح فيه في فترات توهجها هو إما تمكين منافسين آخرين من داخل مؤسسات الحكم للقفز على السلطة، أو إحداث حالة فوضى شديدة في المجتمع لفترة قد تطول أو تقصر، وذلك لأن عناصر السلطة، كما يقول الكاتب الأمريكي إلفن توفلر، كانت أغلب فترات التاريخ الإنساني محتكرة من جانب أقلية صغيرة، ويعني توفلر بعناصر السلطة: القوة أو العنف، والثروة، والمعرفة. وحسب اعتقاده، فإن السلطة تحدث بها تحولات وفقاً للوزن النسبي لكل عنصر من عناصرها الثلاث في مرحلة تاريخية معينة، ففي عصر الإقطاع كان عنصر القوة أو العنف هو الأعلى وزناً من العنصرين الآخرين، بل كان في الواقع الذي يصنع ويتحكم في العنصرين الآخرين (الثروة والمعرفة)، ومع مجئ العصر الصناعي وبداية استخراج ثروات من باطن الأرض تراجع وزن عنصر العنف داخل منظومة السلطة ولكنه لم يتلاشى تماماً وإن بقى من يتحكمون في السلطة أقلية صغيرة تجمع بين يديها عنصرى الثروة والقوة وتستعمل الأخيرة بوتيرة أقل نسبياً، فيما تكون هذه القلة قادرة على توظيف الإنتاج المعرفي لصالحها دون تمكينه من أن يلعب دوراً حاسماً في ممارسة مظاهر السلطة ذاتها. أما في المرحلة الراهنة والتي بدأ العالم في دخولها منذ سنوات قليلة والتي تعرف بحضارة ما بعد الصناعة أو حضارة عصر المعلومات والاتصالات، فيبدو أن عنصر المعرفة سيكون هو العنصر القائد في هذه الحضارة على حساب العنصرين الآخرين (العنف والثروة)((12.
أهمية التصور الذي يقدمه توفلر هنا أنه يوجه تحذيراً مبكراً- ولو بشكل غير مباشر- من خطورة الشعبوية المعاصرة مقارنة بكل الشعبويات التي كانت موجودة على الدوام منذ فجر تشكل المجتمعات الإنسانية. فخلال معظم مراحل التاريخ، كانت الشعبويات لا تملك أى عنصر من عناصر السلطة الثلاث المشار إليها، وحتى عندما كانت تحصل على بعضٍ منها لم يكن ما تحصل عليه كافياً لتهديد السلطة المحتكرة من جانب القلة بشكل خطير. أما وأن عنصر المعرفة قد بات هو العنصر الأهم والأقوى بين عناصر السلطة في عصرنا الراهن والمستقبل البعيد، ولأن المعرفة لم تعد احتكاراً لأقلية كما كان الأمر في الماضي بل يمكن لكل إنسان الوصول إليها بسهولة في عصر حضارة المعلومات والاتصالات، فإن التوجهات الشعبوية المواكبة لها ستكون الأخطر والأكثر تهديداً لاستقرار المجتمعات اليوم وغداً.
ونستخلص مما سبق عدة دلالات أساسية:
أولاً، أن الشعبوية ليست ظاهرة لها شروط تتجلى وفقها، بل طريقة في التفكير قديمة وطبيعية، عمرها من عمر بداية تشكل المجتمعات البشرية، وارتبط ظهورها بظهور السلطة، لذلك فلا يمكن مواجهة الشعبوية ولا يمكن إنهائها إلا بإنهاء وجود قطبها المقابل أى السلطة. والشعبوية تتسم بالدجمائية، حيث تتعامل مع السلطة كمفهوم ساكن ولا تدرك التحولات التي تقع فيها (أى السلطة) نتيجة تغير الأوزان النسبية للعناصر المشكلة لها. وبالتالي، فالشعبوية غير قادرة على فهم دينامكية عدوها (السلطة)، كما أن السلطة تنطوي بطبيعتها وأياً ما كان توجه من يشغلها، على ازدراء عميق للثقافة "الشعبوية"، الأمر الذي يعني أن الصدام بينهما لا يمكن تفاديه، ولا يركز السؤال الواجب البحث عن إجابة له على كنة الشعبوية والمكون الاجتماعي لكتلتها الانفجارية، بل على متى وأين تبدأ وتنتهي الموجات الانفجارية للشعبوية؟، وكيف يمكن التنبؤ بهذه الانفجارات قبل وقوعها؟
ثانياً، قد تتحول الشعبوية كموقف معادٍ للسلطة سواء أكان بهدف تدميرها وإنهاء وجودها، أو كان بهدف ابتزازها وإجبارها على تقديم تنازلات فقط، في بعض الفترات، إلى عملية تعبئة لجماهير واسعة يجمعها في الغالب شعارات مختزلة وعامة مثل مطلب الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومحاسبة الفساد. وتشكل الشعبوية في لحظة انفجارها تحدياً خطيراً للاستقرار، حيث تتسبب في انقسام حاد في المجتمع يُبقيه في حالة توتر مستمر، أو قد تدفعه للانزلاق إلى حالة حرب أهلية متكاملة، وذلك لأنها لا تملك تصوراً دقيقاً عن أسباب المشكلات التي يعانيها المجتمع كله أو بعض فئاته، كما أنها لا تملك تصوراً أو خطة واضحة لمعالجة المشكلات التي تزعم أنها تتسبب في غضب الجماهير، وبالتالي فهى تركز على التعبير عن الغضب وليس معالجة الأسباب التي تقود إليه، ويعتبر الشعبويون أنهم قد انتهوا من مهمتهم عندما يسقطون النخبة الحاكمة أو عندما يجبرونها على تبني سياسات قد يثبت لاحقاً أنها ستتسبب في تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية بشكل أوسع مما كانت عليه قبل وقوع الانفجار الشعبوي.
ثالثاً، إن أى دمج للفكره الشعبوية وممثليها داخل المؤسسات، كما فعلت بعض الأحزاب اليسارية المعتدلة في أوروبا أو كما يفعل الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة منذ التسعينات من القرن الماضي، قد يؤخر انفجار الفعل الشعبوي ولكنه لن ينهيه، والأخطر أنه يمكنه من الوصول إلى السلطة عبر الوسائل الديمقراطية (الصندوق) دون حساب للمخاطر التي ستنجم عن ذلك لاحقاً، وهو ما تجلى في فترة حكم ترامب في الولايات المتحدة بشكل واضح.
جوهر الصراع الراهن في الولايات المتحدة
كما ذكرنا سابقاً، فقد تم تقديم حادث اقتحام الكونجرس في 6 يناير الجاري على أنه قمة الصراع الذي دار منذ بداية عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بين شعبوية اليمين وبين أنصار الديمقراطية، وكانت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الأكثر تمسكاً بوصف أحداث الكونجرس بأنها "اعتداء من اليمين الشعبوي الذي مثله ترامب على القيم الديمقراطية"(13).
غير أن القراءة المتفحصة لما جرى في حادث الاقتحام، ومن قبله نمط الصراع الذي دار بين ترامب ومؤيديه من جهة وبين الحزب الديمقراطي وأنصاره من جهة أخرى، يمكن أن يبرهن على أن الولايات المتحدة كانت تمر منذ أربعة سنوات على الأقل بصراع حاد طغى على الحياة السياسية بها بين شعبوية اليمين وشعبوية اليسار، وأن هذا الصراع قد لا ينتهي في المدى المنظور حتى بعد رحيل ترامب، واحتمال محاكمته ومنعه من الترشح مستقبلاً للرئاسة مرة أخرى.
قبل تناول هذه الفترة بالتفصيل، لابد من إلقاء الضوء على الشعبوية في الولايات المتحدة تاريخياً بشكل موجز. فحسب الافتراض الذي تتحرك في إطاره هذه الدراسة، وهو أن الشعبوية كفعل تعبوي أكثر منه أيديولوجي أو حركة منظمة، كانت موجودة كقطب مقابل للسلطة عامة في أى مجتمع منذ فجر تكونه، بالتالي لم تكن الشعبوية الأمريكية منفصلة عن السلطة منذ تأسيس الدولة الأمريكية في القرن الثامن عشر، خاصة وأن النظام السياسي والانتخابي الأمريكي، في رؤية اتجاهات عديدة، قد تم تصميمه بالأساس لكى يتم تداول السلطة بين نخبة ضيقة من جماعات المصالح دون مشاركة شعبية حقيقية كما هو مفترض في النظم الديمقراطية كما تطورت في أوروبا، ويعتبر وجود المجمع الانتخابي إلى جوار التصويت الشعبي في النظام الانتخابي، واكتساب الأول دور حاسم على حساب الثاني، أكبر دليل على تحسب الآباء المؤسسين للولايات المتحدة من إمكانية وصول مرشح رئاسي للمنصب اعتماداً على التصويت الشعبي الذي قد يأتي في صالح مرشح يهدد المصالح المستقرة للنخب الأمريكية، وإن كان التبرير الرسمي هو الخوف من وصول مرشح غير مؤهل للمنصب، دون توضيح معنى مؤهل!(14).
بمعنى أكثر وضوحاً، كان من المتوقع أن تكسب الشعبوية التي ترتكز على نقد استئثار القلة بصناعة القرارات التي تدير الدولة والمجتمع وتشكك في جدارة النخب المحتكرة وتصفها بالفاسدة، قوة أكبر في الولايات المتحدة مقارنة بالنظم الديمقراطية في أوروبا(15).
لقد شهدت الولايات المتحدة منذ ستينات القرن الماضي تصاعد الانتقاد للقطبية الحزبية التي تحتكر تداول السلطة فيما بينها (الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري)، وازداد إدراك المواطنين هناك لحقيقة ضيق الفارق بين برامج الحزبين بعد انتفاء خطر الشيوعية بسقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991 والذي فتح الباب على مصراعيه لمناقشة مدى جدارة الديمقراطية الليبرالية كفكرة وكنظام سياسي.
يلخص ويفسر الكاتب الأمريكي روبرت بورك هذا التحول بالإشارة إلى بداية انتشار الاحتجاجات الغاضبة منذ أواخر الستينات في الجامعات الأمريكية ولجوء طلابها لتحطيم مدرجات الدرس وإحراق الكتب والهجوم الحاد على مؤسسات الحكم، ويراه نتيجة مباشرة لانتقال المجتمع الأمريكي من مجتمع تحكمه القيم الليبرالية الكلاسيكية التي تقدس الحرية الفردية المنضبطة والعائلة وقيم التمايز بناءً على الإنجاز مع الإيمان بالمساواة في الفرص بين الأفراد، إلى ما أسماه بالليبرالية الحديثة كونها ليبرالية متطرفة في طلب المساواة بدون أية اعتبارات، ومتطرفة في الحرية الفردية بدون أية قيود عليها. وفي تفسيره لتزايد قوة الثقافة المجتمعية القائمة على الليبرالية المتطرفة يقول: "الليبرالية الحديثة قوية لأنها جندت نخبتنا الثقافية أي أولئك الذين يشكلون المؤسسات التي تصنع وتدير وتنشر الأفكار والاتجاهات والرموز مثل الجامعات والكنائس وهوليوود وهيئات الصحافة الوطنية المطبوعة والإلكترونية ومنظمات المصالح العامة والكثير من أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونجرس وبعض الجمهوريين أيضاً وأقسام كبيرة من السلطة القضائية بما في ذلك في كثير من الأحيان غالبية في المحكمة العليا". (روبرت ه. بورك، السير الوئيد نحو عموره - تدهور الليبرالية الأمريكية، ترجمة ابراهيم محمد ابراهيم، المركز القومي للترجمة، القاهرة، الطبعة الأولى 2014، ص24).
ما يصفه بورك بالليبرالية المتطرفة هو في الواقع أفكار الشعبوية اليسارية التي أصبحت جزءاً أصيلاً من برنامج الحزب الديمقراطي الأمريكي منذ تسعينات القرن الماضي(16)، والتي اتسمت بالصفات الدارجة للشعبوية من حيث رفض المؤسسات واتهامها بإقصاء الصوت الشعبي والدعوة لإدماج الأقليات والمساواة في الحقوق مثل التعليم والرعايا الصحية المجانيتين. أما الشعبوية اليمينية فقد ولدت متأخرة نسبياً، ولم تظهر بوضوح إلا مع صعود ترامب الذي كان يهاجم مؤسسات الحكم ونخبها في الولايات المتحدة ويهاجم الإعلام التقليدي، والحريات الاجتماعية المنفلتة، والأقليات، منذ حملته الانتخابية عام 2016، إذ يعتبر بعض الباحثين أن الشعبوية يجب أن تكون يسارية بحكم ادعائها بأنها تدافع عن حقوق الشعب في مقابل استبداد النخبة، وإن الشعبوية لا تصدق على اليمين الذي لم يدعي على الإطلاق أنه يدافع عن الشعب بل يدافع عن قيم الجدارة والتفوق التي يحوزها من هم أرقى عرقياً أو طبقياً(17).
بمعنى أكثر وضوحاً، فإن اليسار الذي كان هو أصل الشعبوية حاول تغيير محتواها وجعلها خاصية لليمين حصرياً، فيما راح يقدم نفسه كمدافع حقيقي عن الديمقراطية ولكن بخطاب وممارسات تنتمي للشعبوية في بعض خصائصها، وهو ما اتضح من موقف الديمقراطيين من فوز ترامب بالانتخابات عام 2016، حيث ظلت المرشحة الخاسرة أمامه هيلاري كلينتون تردد ادعاءاً بلا دليل على أن الانتخابات قد تمت سرقتها لصالح ترامب بواسطة روسيا التي استولت على بريدها الإلكتروني وقامت بتسريبه أثناء الحملة الانتخابية(18).
ورغم أن التحقيقات التي أجريت على ملف التأثير الروسي في الانتخابات وعلاقة ترامب بذلك قد أغلقت نهائياً بسبب عدم وجود أدلة على مثل هذا الادعاء، ظل الديمقراطيون متمسكين بنظرية المؤامرة التي تعتبر أحد أبرز خصائص الشعبوية، وطاردوا ترامب حتى محطة العزل impeachment والتي انتهت أيضاً بالفشل في يناير من العام الماضي.
وبدون الاسترسال المطول حول المواقف التي اتخذها الديمقراطيون في الولايات المتحدة أثناء ولاية ترامب، وتدل بوضوح على سيادة التصوير الشعبوي للأزمات على أنها نتيجة مؤامرات النخب اليمينية على الشعب وعلى "الديمقراطية"، سنشير بتفصيل أكبر لما حدث قبل وبعد اقتحام الكونجرس بقليل.
مما لا شك فيه كان رفض ترامب لنتائج الانتخابات خروجاً على القواعد الحاكمة للعملية الانتخابية، وكان رفضه الانصياع لقرار المحكمة العليا برفض ادعاءات تزوير الانتخابات، وحثه مؤيديه على التظاهر والضغط على الكونجرس لمنع اعتماد نتيجة الانتخابات لصالح جو بايدن، كانت هذه المواقف مثالاً نموذجياً للخطاب والموقف الشعبوي المعادي في جوهره للمؤسسات والنخب، ولكن الموقف المقابل للديمقراطيين لم يكن بعيداً بدوره عن الشعبوية.
كما ذكرنا من قبل، فقد حاول الديمقراطيون وعلى رأسهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، تصوير أنفسهم كمدافعين عن الديمقراطية في مواجهة خطر الشعبوية اليمينية التي يمثلها ترامب وأنصاره، غير أن الديمقراطيين الأمريكيين تناسوا في غمرة محاولاتهم الانتقام من ترامب، أهم عنصرين في الديمقراطية وهما حماية حرية التعبير وسيادة القانون.
أفرغ قيادات عديدة من الحزب الديمقراطي، وأيضاً شخصيات إعلامية وأكاديمية، الديمقراطية كمفهوم من مضمونها، فأيدوا حجب حساب الرئيس ترامب على وسائط التواصل الاجتماعي، كما أيدوا إزالة تطبيقات إلكترونية يستخدمها ملايين البشر بحجة أنها تُستغل في نشر دعوات العنف، في إجراء يشبه "العقاب الجماعي" الذي تمارسه أشد النظم استبداداً، فضلاً عن المطالبة بإقالة ترامب فوراً بل ومحاكمته دون انتظار نتائج التحقيقات في واقعة الاقتحام، في انتهاك واضح لمبدأ سيادة القانون الذي يمنع توجيه اتهامات بلا دليل أو تحقيق إلى أى جهة كانت أو فرد. فكيف تورط الديمقراطيون في مثل هذه الممارسات المجافية لمبادئ الديمقراطية؟
بداية، لا توجد تغريدة واحده للرئيس ترامب طالب فيها أنصاره باقتحام الكونجرس، بل إنه قال بوضوح في خطبته أمام مؤيديه قبل واقعة الاقتحام بوقت قصير أنه يدعوهم للاحتجاج "السلمي" على نتائج الانتخابات التي خسرها، ومن ثم فإن تحميله مسئولية الاقتحام جاء عبر أسلوب ملتوٍ وعبر محاولة تأويل كلماته التي أعرب فيها عن قناعته بأن الانتخابات تم تزويرها، لكى يثبتوا تهمة التحريض على الاقتحام، وهو ربط غير موضوعي، خاصة أن من اقتحموا الكونجرس كانوا بضعة مئات بين عشرات الآلاف ممن استجابوا لدعوة ترامب للتظاهر ولم يشارك أغلبيتهم الكاسحة في الاقتحام. ومثلما أن مؤيدي الديمقراطيين احتجوا على نتائج انتخابات نوفمبر 2016 وتظاهروا ضدها في العديد من الولايات الأمريكية آنذاك ومثلما وقعت بعض أعمال العنف خلال هذه الاحتجاجات في أوكلاند وكاليفورنيا، حيث كسر بعض المتظاهرين زجاج نوافذ بعض المحال، ورشقوا شرطة مكافحة الشغب، وردت الشرطة عليهم بالقنابل المسيلة للدموع في ذلك الوقت، مثلما وقعت هذه الأحداث قبل أربعة سنوات ووقف من وراءها مؤيدون لهيلاري كلينتون التي لم تكف عن التشكيك في الانتخابات التي خسرتها بادعاء وجود تدخل روسي فيها لصالح ترامب، وكما لا يجب تأويل ادعاءات كلينتون بوجود تدخل روسي على أنه دعوة للعنف ضد مؤسسات الدولة، فلا ينبغي قراءة تصريحات ترامب المشككة في نزاهة الانتخابات على أنها سبب اقتحام بعض المتظاهرين للكونجرس.
الأمر الملفت أيضاً في موقف الديمقراطيين أنهم لم يطلبوا إجراء تحقيق لمعرفة هوية من اقتحموا البرلمان، وحقيقة توجهاتهم في ظل شكوك قوية في أن من قاموا بالاقتحام ينتمون لتيارات من اليمين واليسار المتطرف على حد سواء.
انتهاك مبدأ سيادة القانون وضرورة حصر حق توجيه الاتهامات الجنائية في يد القضاء وحده، لم يكن وحده المبدأ الذي ضحى به الديمقراطيون الأمريكيون في سعيهم للانتقام من ترامب، بل كان الضحية الثانية هو المبدأ الأهم في مفهوم الديمقراطية وهو الحق في التعبير، حيث لم يقتصر الأمر على قيام إدارة وسائط التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وانستجرام) بحجب أو إلغاء كلي لحسابات ترامب فيها، بل إنها طاردت وسائط أخرى مثل تطبيق معروف باسم Parler الذي يقوم بنفس وظائف هذه الوسائط بهامش حرية أوسع، ويمتلك 3.6 مليون أمريكي حسابات فيه، حيث تم إلغاء التطبيق من AppStore’s بحجة أنه يحتوي على مواد تحرض على العنف!! فهل تيقنت Apple أن الثلاثة ملايين وستمائة ألف من مستخدمي هذا التطبيق جميعهم يدعون للعنف؟ قد يكون هناك مئات أو آلاف من المستخدمين لهذا التطبيق يدعون للعنف بالفعل، ولكن ما مسئولية الأغلبية الساحقة التي تستخدمه دون أن ترتكب الجُرم نفسه. أيضاً إذا كان مبرر حجب الحسابات والتطبيقات التي تُستخدم لإشاعة الدعوة للعنف يتم تمريرها تحت شعار حماية الديمقراطية في الولايات المتحدة، فماذا عن تجاهل إدارات فيسبوك وتويتر وانستجرام للدعوات نفسها التي تتضمنها ملايين الحسابات المسجلة فيها، على مستوى العالم وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص؟، ولماذا لا يتم حجبها رغم أنها تهدد الديمقراطية كمفهوم وتهدد أيضاً أمن واستقرار هذه المجتمعات التي تتعرض لحرب شرسة من الإرهاب الذي تنشره جماعات الإسلام السياسي والجماعات اليسارية المتطرفة؟(19).
إن ما يحدث في الولايات المتحدة منذ بداية ولاية ترامب وحتى اليوم من جانب الديمقراطيين الأمريكيين لا يمت بصلة للممارسات الديمقراطية الحقيقية، وليس اقتحام الكونجرس مؤخراً سوى مؤشر أكثر دلالة على أن الولايات المتحدة وبقية دول العالم باتت أمام حرب "شعبويات" من اليسار واليمين تٌستخدم فيها كل وسائل تدمير الديمقراطية كفكرة تحت مسمى الدفاع عن الحريات أو الأمن أو الوطن.
مستقبل الشعبوية
على مدى هذه الدراسة، كانت الفرضية الأساسية أن الشعبوية ليست ظاهرة بل حالة طبيعية في إطار قطبية حاكمة للجماعات البشرية في أبسط وأعقد تكويناتها (من القبيلة إلى الدولة)، وهى ثنائة السلطة- الشعبوية أو ثنائية الاستقرار- الفوضى، فالسلطة هنا، بغض النظر عن تمثيلها مصالح الأغلبية أم لا وبغض النظر عن مدى عدالتها وأيضاً بغض النظر عن الطريقة التي تتشكل وفقها، تعني الاستقرار كشرط ضروري للحفاظ على بقاء الجماعة، في مقابل ذلك فإن التحرك الشعبوي (خاصة من جانب قادته) لا يضع هدف الحفاظ على بقاء الجماعه كأولوية. ويبدو ذلك أمراً طبيعياً في ظل أن الفكر الشعبوي يركز على المشاعر وليس على العقل، كما أن منظريه لا يملكون عقلاً نقدياً ويفتقرون للقدرة على تصور المنظومات المعقدة ولكيفية عملها، لذلك فهم يلجأون للحلول التبسيطية بناءً على قياسات غير علمية أو عملية، إذ يقدم الفكر الشعبوي تصوراً للعالم قائم على قصور في فهم الفارق بين إدارة المنظومات الكبيرة والمعقدة مثل المجتمعات الكبيرة والدول، وبين إدارة المنظومات الصغيرة الحجم مثل القبيلة أو القرية. وقد حدث ذلك في تاريخ العلوم الطبيعية أيضاً حينما أبقى علماء الفيزياء والرياضيات على نظرية نيوتن وقوانينه للحركة التي تناولت حركة الكتل الصغيرة ذات السرعات المحدودة وطبقوها على دراستهم لحركة النجوم والكواكب رغم الفارق الشاسع في كتلة وحجم النجوم وسرعاتها وبين حجم وكتلة وسرعة المركبات السائرة على الأرض (أفراد أو وسائل مواصلات). كان تطبيق نظرية نيوتن في الحركة على الكواكب قد أظهر أخطاءاً كبرى في التنبؤ بأماكنها، حتى جاء ألبرت أينشتاين ليوضح من خلال نظريته النسبية أن القوانين الحاكمة للكتل والسرعات الكبيرة مختلفة تماماً عن تلك التي تحكم الكتل والسرعات الصغيرة، ثم جاءت من بعده نظرية الكوانتم التي أسست لفلسفة كونية تقوم على عدم اليقين عند التوسع في فهم الكتل المتناهية الصغر داخل عالم الذرة.
الثورة التي أحدثتها نظرية النسبية ونظرية الكونتم في فهم العالم الفيزيائي لم يقابلها استيعاب من جانب المفكرين الاجتماعيين في فهم الفروقات بين المنظومات الاجتماعية البسيطة والمعقدة، والذين طاردوا حلماً مستحيلاً لكى يصيغوا نظريات تزعم أن الإدارة الذاتية للمجتمعات الصغيرة أو التحكم فيها بأنظمة حكم عادلة وتطبق القوانين والقواعد على الجميع بشكل متساوٍ، يمكن أن تنطبق أيضاً على الدول والمجتمعات الكبيرة الحجم، بل وعلى المجتمع البشري بأكمله كوحدة واحدة!
قوة الشعبوية الحقيقية تكمن إذن في هذا التصور المضلل والذي لا يمكن إزالته الآن أو في المستقبل، طالما أن محاولة وضع قواعد علمية لفهم المجتمعات الكبيرة، وتلك التي تتعقد فيها علاقات القوة من داخلها، وتلك التي تختلف سرعة تطورها عن غيرها من المجتمعات الأخرى، ما تزال بعيدة عن الاهتمام.
وفقاً لهذا المنظور تذهب الدراسة إلى أن الشعبوية ليست فقط غير قابلة للفناء بل إن قوتها ستزداد مستقبلاً خاصة مع جملة من العوامل التي يمكن رصدها على النحو التالي:
1- تشير العديد من الدراسات إلى تحول الاقتصاد العالمي في اتجاه اقتصاد قائم على المعرفة والذي يـطلـق عليه، فـي بعـض الأحيـان، "الاقتصاد الجديد" أو "اقتصاد المعلومات"، الاقتصاد القائم على المعرفة سواء بشكل مباشر KnowledgeEconomy أو غير مباشر KnowledgeBased Economy ، وتعتبر في إطاره المعرفة المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، وتعتمد اقتصادات المعرفة على توافر تقنية الاتصالات والمعلومات، وتستخدم الابتكار والرقمنة لإنتاج سلع وخدمات ذات قيمة مضافة مرتفعة(20). ويعني هذا أن سوق العمل ستكون متاحة فقط لمن يملكون المهارات اللازمة لمثل هذا الاقتصاد، ومن المشكوك فيه أن يستطيع أغلب من هم في سوق العمل حالياً أو ممن يدرسون تخصصات غير مطلوبة في اقتصاد المعرفة أن يحافظوا على وظائفهم، أو إيجاد وظائف جديدة، وهو وضع يمكن أن ترتفع فيه معدلات البطالة إلى نسب غير مسبوقة، مما يمنح الفكر الشعبوي فرصة أكبر في حشد هؤلاء ضد السلطات القائمة والتي لن يكون بوسعها حل المشكلة بشكل جذري حتى لو رفعت الحكومات بشكل كبير من ميزانيات التعليم والتدريب، والتي لن تأتي ثمارها سريعاً، فضلا عن أن الفروقات الطبيعية في الذكاء والمواهب ستمنع أعداداً كبيرة من طالبي العمل من استيعاب المهارات الحديدة والمعقدة التي يحتاجها سوق العمل.
2- إن حالة الاغتراب alienation التي فرضتها حقبة الرأسمالية المتطورة في المجتمعات الصناعية حتى أواخر ستينات القرن الماضي، لم تتراجع بل إن مظاهرها تشتد بقوة كلما أوغل العالم في التطور مستقبلاً، وقد كان التعبير عن المعنى المقصود بالاغتراب غير واضح تماماً بل بدا كنوع من الرطانة، حتى بدأت احتجاجات الطلبة والشباب ضد مؤسسات السلطة في أواخر الستينات. وقد أشار مفكرون، مثل كارل ماركس، إلى أن محرك هذه الأزمات لم يكن الاقتصاد أو تراجع مستويات المعيشة أو البطالة في المجتمعات الغربية، بل غربة الإنسان في المجتمع الرأسمالي وشعوره بالعزلة وعدم التحقق الذاتي مهما كان إسهامه في عملية الإنتاج.(21) إن اتسام الحياة بنوع من الرتابة والتكرار، وافتقاد التواصل مع البشر بعد استحواذ الآلة والإعلام المرئي على اهتمام الأفراد، هذه الحالة التي وصفها ماركس في منتصف القرن التاسع عشر كنبوءة عن أزمة الرأسمالية، أعاد هربرت ماركوز إحيائها - كما ذكرنا- في ستينات القرن الماضي، وربما تتضاعف مستقبلاً في عصر ثورة الاتصالات والمعلومات الذي بدأ لتوه، بل إننا نرى تجلياتها بأوسع نطاق في أنماط البناء الحالية؛ تجمعات سكنية تتسم بالعزلة والتباعد بين سكانها، وبينهم وبين من يسكنون خارجها، ناهيك عما صنعته جائحة كورونا منذ العام الماضي عندما اضطرت السلطات لمنع التجمعات والاحتفالات وأجبرت معظم سكانها على العمل من البيت، كما أوقفت عملية التعليم المباشر والتي كانت تكفل علاقات اجتماعية تقاوم وتقلل من الشعور بالاغتراب واستبدلتها بالتعليم عن بعد، ولا يعرف حتى الآن متى ستنتهي هذه الجائحة وما هى التأثيرات البعيدة التي ستُخلِّفها على الحياة الإنسانية عامة.
3- تزايد قوة منظمات حقوق الإنسان، والتي توسعت في مفهوم هذه الحقوق، بحيث لم تعد تربط حقوق الإنسان في المأكل والتعليم والرعايا الصحية بالإنجازات والجهد الذي يقدمه الفرد، بل تراها حقوقاً يكتسبها الإنسان بالميلاد وفقط، وهو مبدأ يسدد ضربة قوية لمفهوم الليبرالية الذي قامت على أكتافه الحضارة الصناعية، وبالقدر نفسه يضرب مفهوم الديمقراطية بتحويل الفرد من "مواطن" له حقوق مرتبطة بإنجازات ومسئوليات تجاه المجتمع، إلى "رعية" على الدولة تلبية احتياجاته كحق لا نقاش فيه دون ربطه بأية واجبات أو إنجازات. فمن أين لأى دولة أن تمول مشروعات رعاية لأغلب مواطنيها في الوقت الذي سيكون اقتصاد المعرفة مقتصراً على أقلية من أصحاب المواهب والمهارات؟ بطبيعة الحال ستعجز الدول عن الوفاء بهذه المهمة الثقيلة، وهو ما سيمنح الشعبوية المتسلحة بالمفاهيم الموسعة لحقوق الإنسان الفرصة لإطلاق غضبها ضد السلطة ونخبها.
4- إن أحد المرتكزات التي تميز التفكير الشعبوي يقوم على تفسير الأحداث والأوضاع السياسية والاجتماعية وفقاً لنظرية المؤامرة، وعلى عكس ما كان متوقعاً من أن يفضي عصر نشر المعلومات وتبادلها على أوسع نطاق إلى التقليل من نمط هذا التفكير، إلا أن العكس هو ما حدث، حيث انتشرت أكثر المعلومات المبتورة والتحليلات السطحية لأعقد المشكلات، بل والمعلومات المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، وبات القادة الشعبويون قادرين على استثمار هذه الوسائط وهذه المعلومات والتحليلات لتحريك الجماهير الغاضبة لتحدي السلطة والنخب المتحكمة فيها، وهو ما يهدد بانتشار الفوضى وعمليات العنف والتخريب بدون توقف في معظم المجتمعات خاصة مجتمعات ودول العالم الثالث.
في إطار ما تقدم في هذه الدراسة، لم يعد أمام الدول والحكومات سوى التعايش مع الانفجارات التي سيقودها الفكر الشعبوي، لأن نهايته مستحيلة، ونموه هو الاحتمال الأكثر ترجيحاً، وقد ركزت هذه الدراسة على الشعبوية في الولايات المتحدة وحاولت البرهنة على أن صدام ترامب مع الحزب الديمقراطي ومؤيديه لم يكن كما ادعت نانسي بيلوسي صداماً بين أنصار الديمقراطية وبين الشعبويين اليمينيين، بل كان صداماً بين شعبوية اليسار وشعبوية اليمين والتي وجدت لتبقى حاكمة للمشهد الأمريكي في المدى المنظور على أقل تقدير.
3- أنظر على سبيل المثال: تشارلز تيلي، الحركات الاجتماعية 1768-2004، ترجمة ربيع وهبة (القاهرة: المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولي، 2005)، ص75
4- عزمي بشارة، "الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية"، مجلة سياسات عربية، العدد 40، سبتمبر 2019، على الرابط:
https://siyasatarabiya.dohainstitute.org/ar/iss ue040/Documents/Siyassat40-2019-Bishara.pdf
5- أنظر على سبيل المثال: جريج بالاست، أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراؤها (بيروت: الدار العربية للعلوم، الطبعة الأولى، 2004)، ص ص 108-115.
6- انظر: "السياسي وديناميكية المشاعر الجماعية للفيلسوفة البلجيكية شانتال موف،"مجلة لوجوس، العدد الثاني، على الرابط التالي:
https://labopheno.com/lms/logos-revu/course/mouffe
7- برتران بادي، دومينيك فيدال، عودة الشعبويات، أوضاع العالم 2019، ترجمة نصير مروَة (بيروت: مؤسسة الفكر العربي، الطبعة الأولى، 2019)، ص 10.
8- هوبرت ماركوز، الإنسان ذو البعد الواحد، ترجمة جورج طرابيشي (بيروت: دار الآداب: الطبعة الثالثة. 1988)، ص 88.
9- اريك هوبزباوم، عصر التطرفات، القرن العشرين الوجيز 1914-1991، ترجمة فايز الصّباغ (بيروت: مؤسسة ترجمان والمنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، 2011)، ص 458.
10- هوبرت ماركوز، مرجع سابق، ص252
11- عادل العمري، الثورة المستمرة، كراسة غير مطبوعة، منشورة على الرابط التالي:
https://foulabook.com/ar/book/الثورة-المستمرة-pdf
12- لمزيد من التفاصيل حول فكرة السلطة ـنظر: إلفن توفلر،تحولات السلطة، الجزء الأول، ترجمة لبني الريدي (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995)، ص ص 24-34.
13- ـنظر على سبيل المثال:
“Pelosi pushes ahead with Impeachment, says Trump ‘imminent’ threat to democracy”, Times of Israel, 11 Jan. 2021.
https://www.timesofisrael.com/pelosi-pushing-ahead-with-impeachment-says-trump-imminent-threat-to-democracy/
14- Fillip J VanFossen, “Who invented the Electoral College?”, The conversation, November 4, 2020. Available at:
https://theconversation.com/who-invented-the-electoral-[college-147083
15- لمزيد حول تطور الشعبوية في الولايات المتحدة تاريخياً انظر:
Martin Eleramann, “How Donald Trump fits the history of American populism”. Available at:
https://onlinelibrary.wiley.com/doi/pdf/10.1111/npqu.12033%5B
16- أنظر:
Maddie Sach, “Why the Democrats Have Shifted Left Over the Last 30 Years”, FIVETHIRTYEIGHT, Dec. 16, 2019.
https://fivethirtyeight.com/features/why-the-democrats-have-shifted-left-over-the-last-30-years/
17- أنظر الجدل حول توجهات الشعبوية في: إيمانويل فإلىرشتاين، نهاية العالم كما نعرفه، نحو علم اجتماع للقرن الواحد والعشرين، ترجمة فايز الصياغ (المنامة: هيئة البحرين للثقافة والآثار، الطبعة الأولى، 2017) ص 83.
18- أنظر:
Hillary Rodman Clinton, What happened (New York: Simon &Schuster,) p.306. Available at:
https://img.4plebs.org/boards/tg/image/1506/03/1506033585214.pdf
19- اعتمدنا على التصريحات التي جاءت على لسان ترامب وعلى لسان بيلوسي في التغطية الواسعة لأحداث اقتحام الكونجرس من قبل موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية BBCخاصة تحقيق بعنوان "اقتحام الكونجرس: ترامب يخسر 3 من اقرب موظفيه في يوم واحد"، بتاريخ 7 يناير 2021، على الرابط:
https://www.bbc.com/arabic/live/55555211
20- أنظر على سبيل المثال، د. هدي عبد المنعم، د. سفيان قعلول، "اقتصاد المعرفة:ورقة إطارية"، دراسات اقتصادية، صندوق النقد العربي، العدد 51، 2019.متاح على الرابط التالي:
21- لمزيد من الايضاح عن معنى الاغتراب، أنظر:
Bertell Ollman, “Alienation: Marx's Conception of Man in Capitalist Society”, part lll. Available at: https://www.nyu.edu/projects/ollman/docs/a_ch18.php[