عرض العدد 56 من الملف المصري "مصر وأفريقيا بين الماضي والمستقبل"
2019-4-16

بسمة سعد
* باحثة في العلوم السياسية

في إطار الاهتمام المتزايد من قبل الدولة المصرية بإعادة توثيق العلاقات المصرية- الافريقية بعد تراجعها في العقود الأخيرة اهتم العدد (56) من دورية "الملف المصري" بمناقشة البعد التاريخي للعلاقات المصرية الأفريقية وتطوره خلال العهود المختلفة، وما استندت إليه الدولة المصرية من أدوات لتعزيز مكانتها في القارة في مراحل سابقة، وكيفية إعادة احياء بعض هذه الأدوات بما يتناسب مع اهداف ومصالح الدولة المصرية. 

ولقد استهل السفير "محمد الشاذلي"، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، العدد بمقالة جاءت تحت عنوان" مصر وأفريقيا..رحلة كفاح" تطرق خلالها للتاريخ الاستعماري للقارة والجهود الأفريقية الحثيثة للتحرر، والتى تناولها في أربع محاور رئيسية، أولها؛ تعكس المراحل الاستعمارية التى مرت بها القارة، بدءاً من الكشوف الجغرافية ونهب ثرواتها المتنوعة بما في ذلك الموارد البشرية، انتهاءاً بعقد مؤتمر برلين عام 1885 لتقسيم ثروات القارة بين القوى الأوروبية المستعمرة، ثانيها؛ تعكس بوادر ظهور الفكر التحرري الأفريقي بالتزامن مع بروز الهوية الأفريقية، وكيف تُرجم هذا الفكر في أطر تنظيمية حركية مثل انعقاد المؤتمر الأفريقي الأول، وتأسيس الرابطة الأفريقية.

كما تطرق المقال إلى حجم تأثير ثورة 23 يوليو 1952 في مصر على حركات التحرر الوطني الأفريقي وكيف تمكنت مصر من خلال الجمعية الأفريقية في القاهرة من تنسيق جهود تلك الحركات ودعمها حتى تمكنت العديد من الدول الأفريقية من الحصول على الاستقلال، وذلك في المحور الثالث من المقالة، بينما أفرد المحور الرابع لتناول دور الدكتور بطرس بطرس غالي في دعم المصالح المصرية واستثماراتها داخل القارة وحجم التراجع الذي مُنيت به القاهرة عقب توليه منصب أميناً عاماً للأمم المتحدة.

ولا يُمكن إغفال حجم الدور والتأثير الذي حققته مصادر القوة الناعمة "Soft Power" لمصر في القارة السمراء خلال فترات زمنية طويلة، وهو ما تناوله دكتور محمد السعيد إدريس، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في مقالة جاءت تحت عنوان" توظيف القوة الناعمة لمصر في أفريقيا" ذات الأربع محاور رئيسية والتى تطرق فيأولها إلى؛ مفهوم القوة الناعمة وحجم تطوره ومقوماته، وفي المحور الثاني تناول التفوق المصري عبر التاريخ في توظيف مصادر القوة الناعمة، وكذلك الصلبة، وقدرتها على التوليف بينهما وهو ما يُطلق عليه "القوة الذكية" والذي انعكس على تميز الدور المصري الإقليمي، وكذلك الدولي خلال عهود سابقة مثل عهد الرئيس الأسبق "جمال عبد الناصر" مقارنة بنظيرتها؛ حيث تراجع توظيف مصادر القوة الناعمة.

وأفرد المحور الثالث لتناول قدرة مصر على توظيف مصادر قوتها الناعمة في القارة السمراء والتى استندت بالأساس لحجم قوة النظام السياسي ومدى جاذبيته؛ فحينما اعتلت الدولة المصرية مراتب التميز في توظيف قوتها الناعمة إلى جانب الصلبة بأبعادها المتنوعة كالثقافية والتعليمية والدينية والدبلوماسية منذ قيام ثورة 23 يوليو تجاه القارة، قدمت نفسها نموذجاً يحتذى به من قبل دول القارة، لاسيما في ظل توافق شعارات الدولة المصرية مع شعارات الدول الأفريقية ذات الهدف الأوحد وهو التحرر من الاستعمار، إلى أن انحسر الدور المصري، خاصةً عقب استقلال الدول الأفريقية وتغيير أولوياتها من التحرر لتحقيق التنمية. وفي المحور الرابع والأخير، تناول الكاتب التفوق المصري في توظيف القوتين الثقافية والدينية منذ عصور تاريخية طويلة، عبر أدوار مختلفة كالإعلامية والتعليمية.

وجاءت المقالة الثالثة لدكتورة مروى ممدوح سالم، الباحثة المتخصصة في الشئون الأفريقية، تحت عنوان "تحولات الدور المصري في أفريقيا" والتى تطرقت في أول محاورها إلى الجذور التاريخية للعلاقات المصرية الأفريقية منذ 3100 قبل الميلاد حينما أقامت مصر علاقات تجارية مع بلاد بونت، انتهاءاً بما شهدته العلاقات بين الجانبين في القرن العشرين. وفي المحور الثاني تناولت ما اتسمت به العلاقات المصرية الأفريقية خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من تميز وتفرد تعزز خلالها الوعي بالهوية الأفريقية ووضع الأطر التنظيمية المعززة لها كتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، انطلاقاً من هدف رئيسي وهو دعم حركات التحرر الوطني، مما دفع إلى وصف عصر العلاقات المصرية الأفريقية بـ"العصر الذهبي" لتلك العلاقات.

بينما تناولت في المحور الثالث التحولات الجذرية التى شهدتها السياسية الخارجية المصرية تجاه القارة منذ تولى الرئيس الراحل محمد أنور السادات مقاليد الحكم في عام 1970، انتهاءاً بما منيت به العلاقات من تدنى وصلت لحد العزوف في عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، لاسيما عقب محاولة اغتياله في أديس أبابا عام 1995، بينما تطرقت في المحور الرابع والأخير من المقالة إلى حزمة الجهود المصرية المبذلة لإعادة اندماج القاهرة في ثنايا القارة السمراء مرة أُخرى عبر عدة ملفات متنوعة، على الرغم مما واجهته من ضغوط وتحديات أبرزها؛ إقبال أثيوبيا على إنشاء سد النهضة، فكان من بين تلك الجهود تدشين الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، والتى توجت جميعها برئاسة مصر للاتحاد الأفريقي في عام 2019.

ونظراً لحجم الدور التاريخي المُشرف الذي قامت به مصر للقضاء على التمييز العنصري في دولة جنوب أفريقيا، جاءت المقالة التالية لجهاد عمر، الباحثة المساعدة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، تحت عنوان "مصر ومناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا"، والتى شملت ثلاث محاور رئيسية تطرقت في أولها إلى؛حجم وطبيعة الدور المصري خلال حكم الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر لدعم حركات التحرر الوطني في القارة من خلال أدوات متعددة كالدبلوماسية والإعلامية والعسكرية وعبر أطر تنظيمية متنوعة مثل تدشين وتمويل لجنة النسيق لتحرير أفريقيا؛ بينما تطرقت المقالة في المحور الثاني لسمات تجربة الفصل العنصري "الأبارتيد" في دولة جنوب أفريقيا، وكيف لجأت الأقلية البيضاء وحزبها السياسي "الحزب الوطني" لمأسستها ووضعها في أطر تنظيمية زادت من معاناة الأغلبية السوداء في الدولة كإصدار قانون حظر الزواج المختلط وقانون تسجيل السكان الذي أسس للفوارق اللونية، مما أضفى على تجربة التحرر الوطني في جنوب أفريقيا والتى قادها الزعيم الأفريقي "نيلسون مانديلا" حالة من التفرد، وفي المحور الثالث والأخير تم التطرق للجهود المصرية المبذولة لإسقاط نظام الفصل العنصري "الأبارتيد" عبر آليات وأدوات محددة يتمثل أولها؛ في حشد الرأي العام العالمي وخلق جبهة دولية قادرة على إسقاط نظام "الأبارتيد"، ثانيها؛ استضافة القاهرة لممثلي حركات التحرر الوطني من نظام الأبارتيد، بل قامت كذلك بتأسيس المكتب الوطني الأفريقي لدعم وتنسيق الجهود بين المناضلين الفارين من بلادهم، ثالثها؛ المقاطعة الاقتصادية  والدبلوماسية المصرية لحكومة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا؛ حيث قامت القاهرة بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع جنوب أفريقيا رداً على مذبحة شاربفيل عام 1960، تبعها الإعلان عن مقاطعتها الاقتصادية لحكومة التمييز العنصري في عام 1963، وغيرها من التحركات التى أفضت في النهاية لدفع حكومة دي كليرك لاتخاذ ما يلزم من خطوات لإنهاء نظام الأبارتيد.

وجاءت المقالة الأخيرة للأستاذة نورا فخري، الباحثة المساعدة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، تحت عنوان "تطور الدور التنموي لمصر في أفريقيا وآفاقه"، والتى تضمنت ثلاث محاور رئيسية، تطرقت في أولها إلى؛ محددات التوجة المصري نحو القارة الأفريقية والذي اتسم بقدر كبير من التباين عبر الحقب الزمنية المختلفة، إلا إنها اتسمت بقدر كبير من التماسك والترابط خلال فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مما دفع البعض لوصف تلك الفترة بـ"العصر الذهبي" للعلاقات المصرية الأفريقية، والتى أضفت تأثيراً كبيراً على نمط العلاقات العربية الأفريقية. ويأتى من بين تلك المحددات؛ البعد التاريخي للعلاقات المصرية الأفريقية.

أما بالنسبة لثانى المحاور فتناولت الباحثة "قنوات الدعم التنموي التى حرصت القاهرة على الحفاظ على بقائها على الرغم من صعود وتراجع الدور المصري في القارة ولك عبر ملفين رئيسيين أولهما؛ تعزيز الاستثمارات المصرية عبر أدوات رئيسية مثل: شركة النصر للتصدير والاستيراد، وشركة المقاولون العرب، ثانيهما؛ ملف المياة ودعم مبادرات التنمية في القارة مثل: أوغندا، كينيا، وتنزانيا.

وفي المحور الثالث والأخير تطرقت المقالة إلى الجهود المصرية الحثيثة التى تضافرت من أجل من أجل تفعيل الدور التنموي للقاهرة في كافة ربوع القارة مرة أخري عبر عدة ملفات رئيسية منها؛ دعم العلاقات التجارية المصرية الأفريقية، وتعزيز الاستثمارات المصرية في كافة القطاعات؛ الصناعية والزراعية والخدمية والسياحية، هذا إلى جانب دورها في إطار النيباد عبر مشروعات تنموية متنوعة، والتى توجت في النهاية برئاسة مصر للاتحاد الأفريقي عام 2019، ومازالت الجهود مستمرة.


رابط دائم: