بينما كان العالم يترقب انطلاق الهجوم العسكرى على آخر معاقل المقاومة السورية فى إدلب، كانت تركيا تعى جيدًا أنه بمجرد إطلاق الرصاصة الأولى تجاه إدلب، فليس هناك أى سيناريو محتمل لسير الأحداث قد يخدم مصالحها. فقد كانت على وشك أن تصبح الخاسر الإقليمى الأكبر فى هذه المعارك، وربما تمتد خسارتها إلى علاقاتها الخارجية ودوائر تحالفها.
لذلك، سعى الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، جاهدًا للحيلولة دون اندلاع معركة إدلب، وتكللت جهوده فى 17 سبتمبر 2018، حينما توصل إلى اتفاق مع الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، قضى بوقف العمليات العسكرية فى إدلب، وإقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض يتراوح ما بين 15 إلى 20 كيلومترًا على طول خط التماس. وفى المقابل، التزمت تركيا بإخراج جميع الفصائل الجهادية من إدلب، بعد تخليهم عن أسلحتهم الثقيلة من دبابات وصواريخ ومدافع هاون، على أن تقوم وحدات من الشرطة الروسية والتركية بمراقبة المنطقة منزوعة السلاح.
الوظيفة الأهم لهذا الاتفاق تمثلت في إنقاذ حوالى ثلاثة ملايين مدنى فى إدلب من مصير مجهول، كانت ستتحكم بهم تطورات المعارك العسكرية هناك. لكن فى ظل جمود خطط ترحيل لاجئى إدلب، فإن هذا الإنجاز ظل مُهددًا بانهيار الاتفاق الروسى- التركى فى أى لحظة. ويدّعى البعض أن نفوذ روسيا الكبير على الحكومة السورية، ونفوذ تركيا على الفصائل المعارضة من شأنه ضمان نجاح الاتفاق، لكن تعقُد المشهد العسكرى فى إدلب وتعدُد فاعليه جعل الوضع دائمًا على حافة الهاوية، وقابل للانفجار.
إدلب: آخر معاقل المقاومة واللاجئين
نتج عن محادثات "أستانا"، فى 4 مايو 2017، أربع مناطق سُميت "مناطق خفض التصعيد" فى سوريا، أشرفت عليها كل من روسيا وإيران وتركيا، ورمت هذه المحادثات إلى تهدئة التوترات بين النظام السورى والمعارضة، وكذلك توفير ممرات إنسانية آمنة للمدنيين، ووضع الأساس لنهاية سلمية للحرب السورية. وقد شملت هذه المناطق إنشاء مراكز مراقبة تركية، وروسية، وإيرانية فى محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها.
فى غضون ستة أشهر من إعلان مايو 2017، بدأت قوات النظام السورى -بدعم جوى روسي- حملة عسكرية جدية لطرد قوات المعارضة السورية من ثلاث مناطق من مناطق التصعيد الأربع. المنطقة الأولى، سقطت فى أبريل 2018، والتى شملت معارك فى الغوطة الشرقية ودوما. المنطقة الثانية سقطت فى مايو 2018، وشملت شمال حمص. وأخيرا، سقطت المنطقة الثالثة فى يوليو 2018، عندما اقتلع نظام الأسد المعارضة السورية من المحافظات الجنوبية؛ من الديرة على طول الحدود السورية الأردنية، ومن القنيطرة بالقرب من مرتفعات الجولان.
وطوال فترة الحرب السورية، كانت محافظة إدلب بمنزلة نقطة التقاء لمقاتلى المعارضة السوريين، المعتدلين والمتشددين على حد سواء، إلى جانب جماعات المعارضة التى هُزِمَت بالفعل عسكريًا بواسطة النظام فى مناطق أخرى من البلاد، وتحاول الاستعداد لمواجهة النظام مُجدداً. ففى ديسمبر 2015، انسحبت المعارضة من عدة قرى حول حمص بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وتم نقلهم إلى إدلب. وخلال عام 2016، عزز نظام الأسد السيطرة على دمشق، فاستسلم آلاف المعارضين، وتم نقلهم أيضًا إلى إدلب. وفى الفترة من مارس إلى يوليو 2018، قام آلاف آخرون بإجلاء جيوب المقاومة فى جميع أنحاء البلاد، بما فى ذلك الغوطة الشرقية، وحمص، والديرة، والقنيطرة بالقرب من مرتفعات الجولان.
وكانت إدلب قبل الحرب موطنًا لنحو 750 ألف مواطن. اليوم، تستضيف ما يُقدَر بـحوالي 2.5 إلى 3.3 مليون مواطن، معظمهم من النازحين السوريين داخلياً. أضف إلى ذلك اللاجئين السوريين إلى تركيا والذين يقيمون على الحدود مع إدلب؛ فقد قدرت "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن هناك 3.57 مليون لاجئ سوري فى تركيا، من بينهم 300 ألف فى محافظة "هاتاي" التركية، التى تقع على الحدود مع إدلب.
خريطة الجماعات المسلحة فى إدلب
تشير بعض الأرقام إلى أن محافظة إدلب تستضيف نحو 70 ألف مقاتل من مختلف الجماعات العسكرية فى سوريا، بما فى ذلك القوى المعتدلة والعناصر المتطرفة. وتقع قوات المعارضة على طول الحدود التركية- السورية، وتشكل تحديًا لنظام الأسد، ليس فقط بسبب أعدادهم، ولكن أيضًا بسبب الدعم التركى لهم.
(تقديرات الحدين الأدنى والأعلى حول أعداد الجهاديين فى سوريا من عام 2011 إلى 2018)
وقد يسمح الدعم التركى لقوات المعارضة بالتسلل إلى الأراضى السورية الأخرى التى تسيطر عليها تركيا، مما يطيل أمد الصراع. ومع ذلك، لا تمارس تركيا سيطرتها على العناصر الأكثر راديكالية من المعارضة السورية، وبالتحديد "هيئة تحرير الشام" المرتبطة بتنظيم القاعدة (جبهة النصرة سابقاً)، والتى كان من المتوقع أن تدافع عن إدلب حتى النهاية، أو تختار التحرك تحت الأرض، لخلق تحديات جديدة لنظام الأسد.
ونعرض فيما يلي أبرز الجماعات المسلحة الموجودة فى إدلب.
1- جبهة التحرير الوطنية
تتراوح قوتها بين 30- 45 ألف مقاتل، تم تشكيلها فى مايو 2018، عندما اتحدت حوالي 10 فصائل من الجيش السورى الحر برعاية تركية، بعدد مسلحين بلغ 10 آلاف. وفى أغسطس 2018، قامت الجبهة بضم "جبهة تحرير سوريا"، والتى ضمت الجماعات السلفية الجهادية وعلى رأسها "أحرار الشام" و"حركة نور الدين الزنكي" (تحوى ما يقرب من 28 ألف مسلح). كما ضمت الجبهة أيضًا مجموعات أصغر، مثل: "صقور الشام"، و"جيش الأحرار" و"تجمع دمشق"، والذين يبلغ أعداد مقاتليهم حوالى 7 آلاف.
ويجب الأخذ فى الحسبان أن تأسيس الجبهة وتوحيد المعارضة السورية كان هدفًا استراتيجيًا لتركيا، التى أرادت تأسيس كيان يقود ويُحكِم سيطرته على المسلحين السوريين على الأرض، إضافة إلى رغبتها فى عرقلة التوسع الكردى. ويُذكر أن تركيا حاولت ضم "هيئة تحرير الشام" إلى الجبهة، لكن قوبل طلبها بالرفض.
2- هيئة تحرير الشام
يتراوح عدد مقاتليها بين 7 و12 ألف مقاتل، يقودها أبو محمد الجولاني، وقد خضعت للعديد من عمليات إعادة الترتيب خلال الحرب، بعد أن انفصلت عن جذورها القاعدية (تنظيم القاعدة)، ورغم ذلك لا تزال وزارة الخارجية الأمريكية تعدها منظمة إرهابية. وبدءًا من سبتمبر 2018، سيطرت الهيئة على نحو 60 فى المئة من محافظة إدلب، وتعاونت أيضًا بشكل وثيق مع تركيا، التى لديها العديد من نقاط المراقبة فى الأراضى التى تسيطر عليها الهيئة.
حدث التحول فى علاقة تركيا بالهيئة بعد رفض الأخيرة الانضمام لجبهة التحرير الوطنية، حيث لم تعد الهيئة تثق فى التزام تركيا بالدفاع عن محافظة إدلب ومساعدتها فى تأسيس نظام الحكم الإسلامى السورى. وبدءًا من سبتمبر 2018، أصبحت الهيئة هدفًا رئيسيًا لبيانات صادرة عن روسيا وإيران ونظام الأسد، وحتى الحكومة التركية نفسها، ودعت كل هذه البيانات إلى الإطاحة بالهيئة من محافظة إدلب.
3- حلف نصرة الإسلام
تتراوح أعداد مقاتليه بين 2300 و3300 مقاتل. فى أبريل 2018، تشكلت مجموعتا "حراس الدين" و"أنصار التوحيد" من قبل عدد من المنشقين عن هيئة تحرير الشام، وفى الوقت نفسه تقريباً، اندمجوا لتشكيل مجموعة شاملة تسمى "حلف نصرة الإسلام"، وهى تضم فصائل، مثل: "جيش الملاحم"، و"جيش البادية"، و"جيش الساحل"، وتُدار من قبل قدامى المحاربين من القاعدة، وتركز -إلى حد ما- على فكرة الجهاد العالمى.
ويعمل الحلف بعيدًا عن أماكن تمركز هيئة تحرير الشام. وقد تشكل بالأساس من أعضاء سابقين وهاربين من جماعة "لواء الأقصى" (الذى كان تابعًا لهيئة تحرير الشام، وكان معروفًا بـ "جند الأقصى"). وقد فُصلت هذه المجموعة من "هيئة تحرير الشام" بسبب وجهات نظرها المؤيدة لتنظيم داعش، وتبنى الممارسات الوحشية بحق إخوانهم المسلمين.
4- جبهة أنصار الدين
تمثل إحدى المجموعات الصغيرة فى إدلب، وتم تشكيلها عام 2014، ويُقال إنها تعمل كجماعة جهادية مستقلة، حيث انضمت إلى "هيئة تحرير الشام" فى يناير 2017، لكن سرعان ما انشقت عنها فى فبراير 2018.
5- الحزب الإسلامى التركستانى
تتراوح قوته بين ألفين و3 آلاف مقاتل، ويتألف من جهاديين من الأويغور والأوزبك، الذين انحازوا تقليديًا إلى "هيئة تحرير الشام". ومع ذلك، وعلى النقيض من الهيئة، فإن رؤية الحزب تتسق مع رؤية "القاعدة للجهاد العالمي"، وهو الأمر العائد إلى انتماء مقاتليه بالأساس إلى التيارات المتشددة فى آسيا الوسطى.
6- تنظيم داعش
تُقدر أعداد عناصر داعش الحالية فى سوريا بـحوالي 10 إلى 14 ألف مسلح. وعلى الرغم من الانخفاض الكبير فى مستويات سيطرة داعش على الأراضى السورية، فإنه لم يُهزم بشكل تام هناك، حيث يرتكز معظم مقاتلى التنظيم فى سوريا فى محافظة دير الزور، جنوب شرق البلاد. ولكن فى الوقت نفسه، يحتفظ التنظيم بخلايا نائمة خطيرة فى إدلب، والتى تتركز مهامها بشكل رئيسى على الاغتيالات، وإثارة الاضطرابات العامة.
روسيا وتركيا: أدوات إدارة المشهد فى إدلب
طوال الحرب السورية، استخدمت روسيا مجموعة واسعة من أدوات السياسة الخارجية، بما فى ذلك القدرات العسكرية والدبلوماسية والإلكترونية، والمعلومات، والقدرات غير التقليدية لدعم نظام الأسد. فى البداية، تم نشر هذه الأدوات لإضعاف المعارضة السورية ووقف موجة الحرب. ولأنها أثبتت فعاليتها -لاسيما قدراتها الجوية- فقد اشتركت روسيا بشكل منهجى مع القوات الحكومية السورية، والميليشيات الشيعية، والمتعاقدين العسكريين الخاصين الروس، لاستعادة السيطرة على أراضى فى الكثير من المدن لمصلحة نظام الأسد. وخلال شهرى أغسطس وسبتمبر 2018، لعب الدعم الجوى الروسى دورًا رئيسيًا فى استهداف قوى المعارضة السورية، تمامًا مثلما كان الحال فى الحملات السابقة فى حلب، وحمص، وريف دمشق، والديرة. ولكن، على عكس هذه الحملات، واجه الدعم الروسى لهجوم الأسد فى إدلب تحديًا جديداً، وهو وجود القوات التركية فى "نقاط المراقبة" فى جميع أنحاء المحافظة.
إن التصعيد بين روسيا وتركيا بشكل عام سيكون باهظ التكلفة لكلا الطرفين. فالدولتان تقومان بتعزيز العلاقة بينهما على عدة مستويات؛ ففى أبريل 2018، أعلن فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان اتفاقهما على تسريع عملية بيع منظومة الدفاع الجوى الروسى S-400إلى تركيا. بالإضافة إلى ذلك، فإن شركات الطاقة التركية Unit International، والطاقة الروسيةZarubezhneft ، وغدير الإيرانية أعلنت فى أغسطس 2017 عن صفقة نفطية قيمتها 7 مليارات دولار. كما يجرى بناء أول محطة للطاقة النووية فى تركيا بتكلفة تقدر بـ 20 مليار دولار من قبل شركة روساتوم الروسية. ويقينًا، فإن هذه العلاقة ستزداد عمقًا ومتانة فى ظل أزمات أنقرة مع واشنطن، وتراجع قيمة العملة التركية.
وثمة عدد من الأزمات التي واجهت العلاقات الروسية- التركية، بدءا من إسقاط تركيا للطائرة الهجومية الروسية سوخوى M24فى نوفمبر 2015، ثم اغتيال السفير الروسى فى تركيا من قبل مواطن تركى فى ديسمبر 2016، وأخيرًا الغارة الجوية الروسية التى شُنت على جنود أتراك فى فبراير 2017. ورغم ذلك، تمسك بوتين وأردوغان بالحوار كوسيلة لتسوية خلافاتهما فى سوريا، والتى كانت آخر تجلياتها توقيع اتفاق إدلب فى 17 سبتمبر 2018.
على الجانب الآخر، نجد أن تركيا تمتلك وجود عسكري على الأرض فى شمال سوريا. وفى حين أن معظم هذه القوات قد دخلت سوريا في إطار عمليتي "درع الفرات" (أغسطس 2016)، و"غصن الزيتون" (يناير 2018)، فإن نقاط المراقبة التركية فى إدلب هى جزء من عملية السيطرة على التصعيد. كما قدمت تركيا مساعدات ودعمًا لكلٍ من المعارضة السورية والجماعات السلفية الجهادية فى إدلب، ونجحت فى توحيد معظم المعارضة -ما يُقدر بـ 45 ألف مسلح- فى إدلب تحت قيادة "جبهة التحرير الوطنية". ويبدو أن هذه المساعدات التركية تقف الآن أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
1- استمرار الدعم التركى للمعارضة السورية فى إدلب، حتى لو اضطرت القوات التركية والمعارضة السورية فى نهاية المطاف إلى مغادرة إدلب. فمن المحتمل أن تتمكن تركيا من دعم التمرد السورى فى المناطق الأخرى التى تسيطر عليها فى سوريا، مثل عفرين، أو حتى من الأراضى التركية.
2- سحب الجيش التركى دعمه لجبهة التحرير الوطنية أو الانسحاب من إدلب بالكامل. وعندئذ، سيكون مصير المعارضة السورية مجهولاً، ناهيك عن العواقب الوخيمة التى قد تجنيها أنقرة من وراء هذه الخطوة، بالنظر إلى قرب الجماعات السورية من الحدود التركية، والهجرات السورية الكبيرة، والهياكل السلفية الجهادية الموزعة عبر تركيا.
3- قيام تركيا بتسهيل انسحاب قوات المعارضة السورية إلى الأراضى السورية الأخرى التى تسيطر عليها أنقرة، وهو سيناريو يطرح تساؤلًا مهمًا حول مصير هؤلاء المجاهدين بعد مغادرة إدلب، وما إذا كانت هذه الخطوة ستؤدى ببساطة إلى إطالة أمد الصراع السوري.
ماذا لو انهار اتفاق إدلب؟
تحت أى ظروف ميدانية، أو سياسة خارجية قد تنشأ بين الأطراف المعنية فى سوريا، قد ينهار اتفاق إدلب، ونعود بذلك إلى تاريخ 16 سبتمبر 2018 مرة أخرى، خاصة أن الترتيبات الميدانية الواقعة لم تسفر عن تغييرات جذرية فى المشهد النهائي.
ومع العودة إلى ما قبل اتفاق إدلب، تطفو على السطح ثلاثة أسئلة رئيسية؛ يُجيب عنها اميل حكيم، الباحث المتخصص فى شئون الشرق الأوسط فى "المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية" بلندن، فى مقاله المنشور على موقع المعهد.([1])
السؤال الأول يتعلق بشكل الهجوم العسكرى الذى سيقوم به الأسد وحلفاؤه ضد إدلب.وهنا أشار الكاتب إلى وجود سيناريوهين أساسيين:
السيناريو الأول:هو هجوم محدود يسعى لاستعادة الأراضى الاستراتيجية على طول الطريقين السريعينM4 وM5، وهما يعيدان مباشرة ربط مدينتى حماة واللاذقية بحلب، حيث إن سيطرة المعارضة على جزء من هذين الطريقين أعاق الحكومة عن التحرك بين هذه المدن، وكذلك حركة المرور والتجارة، مما يعيق الأسد عن فرض سيادته على الأراضى التى يسيطر عليها بالفعل.
السيناريو الثانى:هو هجوم واسع النطاق يسعى إلى استعادة كامل محافظة إدلب، وأجزاء صغيرة من محافظتى حماة واللاذقية اللتين تقعا تحت سيطرة المعارضة. وسيكون هذا عملًا هائلًا بالنظر إلى العدد الكبير من المقاتلين والجهاديين والأراضى الوعرة والعدد الكبير من المدنيين.
ويشير الكاتب إلى أن السيناريو الأول يمكن تحقيقه بالتأكيد، بالنظر إلى قوة النيران المتفوقة للنظام، ودعم القوة الجوية الروسية. بينما سيتطلب تحقيق السيناريو الثانى استثمارًا هائلًا للموارد العسكرية. وسيتوقف الأمر على حجم التكلفة التى ترغب روسيا والأسد فى دفعها، فضلًا عن التداعيات الإنسانية والسياسية. وفى نهاية المطاف، قد يستقر النظام والروس على نهج تدريجى يسعى إلى إضعاف معنويات المعارضة والمدنيين، ومن قبل تركيا بالتأكيد.
السؤال الثانى، يتمحور حول إمكانية استخدام الأسد وحلفائه للأسلحة الكيميائية.فعلى الرغم من أن هذه الأسلحة لم تُسبب معظم الوفيات فى سوريا، فإنها تُستخدم كسلاح تكتيكى فى ساحة المعركة من قبل نظام الأسد، لترويع المعارضة والمدنيين، وقد تم استخدامها بالفعل فى محافظة إدلب عدة مرات، كان آخرها فى أبريل 2017.
ومع ذلك، فقد أوضحت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا أنها سترد على أى استخدام آخر لهذه الأسلحة. لذا، فإن نظام الأسد سيفكر مليًا قبل اللجوء إلى مثل هذا الإجراء على المدى القصير. ومع ذلك، إذا قرر نظام الأسد شن هجوم واسع النطاق لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب بالكامل، أو فى حالة مواجهة صعوبات عسكرية، فقد يقرر اللجوء إلى استخدامها، فهى أداة رخيصة نسبياً، تُسقِط أهدافًا بأعداد كبيرة، وتؤدى إلى تآكل الروح المعنوية.
السؤال الأخير الأكثر أهمية هو: هل سقوط إدلب يعنى نهاية المعارضة الداخلية للأسد؟
يقول الكاتب إن المعارضة السورية عانت انتكاسات كبرى منذ تدخل روسيا بشكل مباشر لمصلحة الأسد عام 2015. وكان فقدان حلب فى أواخر عام 2016 بمنزلة الضربة القاصمة لها. ومنذ ذلك الحين، لم تستطع المعارضة تحقيق أى إنجاز عسكرى ميدانى، ولم تكتشف مسارًا واقعيًا للضغط على الأسد أو هزيمته، خاصة فى ظل تخلى العديد من الأطراف الإقليمية والدولية عنها. لذلك، فإن فقدان إدلب ربما يكون المسمار الأخير فى نعش المعارضة.
وهنا يصبح السؤال الأكثر منطقية: هل تستطيع أى معارضة سياسية سورية أن تنجو من هزيمة المعارضة العسكرية؟ سيتوقف ذلك بشكل رئيسى على العوامل الخارجية، وعلى ما إذا قررت الأطراف الإقليمية والدولية المعنية تطبيع العلاقات مع الأسد، أو الاستمرار فى الضغط عليه من أجل التوصل إلى تسوية سياسية حقيقية تضمن رحيله، ثم انتقال سلمى ديموقراطى سلس للسلطة.